المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 300 إسبرطي يقاتلون مع بوش ضد إيران ونجاد يحتج



المهدى
04-18-2007, 10:19 AM
زياد بن عبدالله الدريس الحياة - 18/04/07//

خرجت من مشاهدة فيلم (300) الأميركي وأنا لا أفهم سبب الاحتجاج الإيراني على الفيلم، ولا أجد مبرراً لغضب الرئيس الإيراني شخصياً من الفيلم، واعتباره فيلماً عنصرياً ضد إيران.

كنت أتوقع من الرئيس أحمدي نجاد أن يرسل خطاب شكر إلى القائمين على الفيلم، لأنهم قاموا بتعرية أجداد بوش وذهنيتهم الحربية، القائمة على الشعار الانتحاري الذي أطلقه ملك إسبارطة ليونيداس في معركته ضد الفرس، بأن: لا خوف - لا أسرى - لا رحمة، ولذا قام الملك الإسبرطي بتطبيق هذا الشعار في معركته تلك من خلال سلوكيات متوالية، لا تنم عن أخلاقية حربية لدى الحاكم «الغربي»، فهو أولاً رفض مبدأ التفاوض مع الامبراطور الفارسي، ثم تمادى في شهوته القتالية بأن قام بقتل المندوب (الرسول) الفارسي، وأثناء المعركة كان لا يتوانى عن جزّ الرؤوس الفارسية من دون مراعاة لجريح أو أسير، وتبدت ذروة الشهوانية القتالية للإنسان الإسبرطي «المتحضّر» في قيام الـ300 مقاتل إسبرطي بعملية انتحارية ذات أهداف تتماثل كثيراً مع أهداف الانتحاريين الآن في كابول وبغداد ونيويورك ولندن، وهو ما يجعلنا نكتشف أن براءة اختراع العمليات الانتحارية مستحقة للغرب قبل أن يستوردها الشرق!

إذاً، ما الرسائل التي يمكن الزعم بأنها تتطابق مع مضامين الفيلم؟

1- في الستينات والسبعينات من القرن الماضي كانت هوليوود تتخذ من (العربي) النموذج السيئ في أفلامها. كانت الرموز والدلالات المستخدمة آنذاك للصورة النمطية للعربي هي (الغترة والجمل - الحريم والجنس - النفط والقمار). وفي الثمانينات والتسعينات بعد أن بدأت تتشكل ملامح الصدام الحديث بين الإسلام والغرب، حتى بلغت ذروتها في أيلول (سبتمبر) 2001، تحوّلت هوليوود من استخدام نموذج (العربي) الذي يمثل دائرة مستهدفة قدرها 200 مليون إنسان عربي، إلى دائرة أوسع بكثير تصل إلى 1200 مليون مسلم، تتشكل صورتهم النمطية في أفلام هوليوود من خلال (لحية وعمامة - مصحف وقنابل - إسلام وإرهاب).

ظهور فيلم (300) الآن وهو يتناول معركة وصراعاً مع الشرق في الحقبة الوثنية ما قبل المسيحية والإسلامية (450 ق.م)، يوحي بأن هوليوود استعجلت في توسيع دائرة الصراع، حين تحول من صراع بين الإسلام والغرب إلى صراع بين الشرق والغرب، بحيث أصبحت دلالات الصراع الهوليوودي الأخير هي (الشرق والغرب - الحضارة والهمجية - الجَمال والتوحُّش). فهل ستواصل هوليوود توسيع دائرة صراع الغرب مع الآخر، حتى تُفاجأ بأن الآخر تضخّم وكبر وتوسّع حتى أصبح هو كل العالم ما عدا أميركا واستوديوهاتها؟!

2- المدة القصيرة نسبياً بين تأجج الصراع الأخير بين أميركا وإيران ووقت ظهور الفيلم بهذا الحجم من الإعداد والإخراج المبهر، يطرحان تساؤلاً: هل قدمت هوليوود هذا الفيلم من منطلق إيديولوجي أم انتهازي / مادي؟

الحق أنني لو كنت شاباً أميركياً لخرجت من صالة السينما وأنا مطمئن وخائف... مطمئن إلى الشجاعة الأميركية التي مثّلها في الفيلم - بفانتازيا فجة أحياناً - المقاتلون الإسبرطيون، وخائف من القوة الفارسية التي تتمثل في العدد والعتاد.

أي أن الشاب الأميركي - المقاتل في السينما!- في حيرة بين الشجاعة الأميركية والقوة الإيرانية. لكن المفارقة أن الوضع الآن على عكس الوضع الذي كان عام 450 قبل الميلاد، والشجاعة الإيرانية «الانتحارية» الآن هي التي تقابل القوة الأميركية بقوتها وعتادها، فهل سيدرك الشاب الأميركي هذا الانقلاب «اللوجستي» قبل أن يقتحم معركة هوليوودية غير محسوبة العواقب؟!

3- لم يكن بوش غائباً عن الفيلم. كان حاضراً بعباراته المألوفة التي يرددها عند كل ورطة أميركية جديدة. كان الملك الإسبرطي ليونيداس يردد، مبرراً أمام مجلس حكماء إسبرطة قتاله ضد الفرس، أنه ينشد الحرية والتحضر والعدالة... بلا حدود!

لكن هذه المناشدات والشعارات البراقة لم تقنع مجلس حكماء إسبرطة بالموافقة على خروج الجيش الإسبرطي للقتال، ولذا لم يكن أمام الملك الاسبرطي سوى الخروج بـ300 مقاتل انتحاري تطوعوا للقتال معه. وهي رسالة تطمين وسلوان للرئيس جورج بوش، بأنه إذا لم يحصل على موافقة الكونغرس في توجيه ضربة لإيران، فإن جدّه الاسبرطي الملك ليونيداس لم يحصل آنذاك على موافقة مجلس حكماء اسبرطة في حربه ضد الفرس، لكنه خرج بفرقة انتحارية كسبت إعجاب التاريخ منذ 2500 سنة حتى اليوم، وجذبت الجيش الإغريقي كله لقتال الفرس بعد ذلك.

والآن... هل نحن فعلاً أمام تحوّل الصراع بين الإسلام والغرب، إلى صراع أكثر امتداداً زمانياً ومكانياً، بين الشرق والغرب؟

أم أن هوليوود تنتهز ضحالة المشاهد الأميركي بحيث تستجلب كل الصراعات التي تمت بين الشرق والغرب قبل مجيء الإسلام، لتؤرشفها في ذهنية المشاهد الأميركي ضمن ملفات الصراع مع الإسلام، وهو الذي لا يدرك بطبيعته الثقافية المحدودة عن الآخر أن الإمبراطورية الفارسية لا علاقة لها بالإسلام، إلا إذا اشتهى أحمدي نجاد خلط الأوراق بين الامبراطورية الفارسية والإسلام؟!

المؤكد أن المواطن الأميركي الآن هو الأداة التنفيذية الأولى في الصراع بين الإسلام والغرب، لكنه في الوقت ذاته هو الأداة التشريعية الأخيرة في هذا الصراع. وحتى لا ينغمس الأميركي (السمح) في معركة متوحشة تشعلها أكاذيب بوش وحماقات نجاد، يجدر البحث عن وسيلة لإزالة رغوة هوليوود وفقاعات بوش من الطريق نحو الوصول إلى روح الإنسان الأميركي، لإيقافه عن خوض الحرب الإسبرطية التالية!


* المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى منظمة اليونسكو.