ام الجواد
04-15-2007, 02:31 PM
السلفية الشيعية... الوهابية معكوسة!
http://64.246.58.131/media/lib/pics/thumbs/1112227396.jpg
حسن المصطفى * - « نشرة هيا بنا* » - 14 / 4 / 2007م - 10:33 م
لست سنوات خلت، حل المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله، ضيفاً على شاشة فضائية المستقبل، ضمن حلقة خاصة من برنامج «خليك بالبيت»، الذي كان يقدمه الزميل زاهي وهبي.
في تلك الحلقة، كانت ليّ مداخلة عبر الهاتف، أسميت فيها معارضي فضل الله، ممن يصدرون في حقه فتاوى التضليل والتفسيق، بـ«السلفية الشيعية»، متحدثاً عن وجود شيعة «وهابيين»، لا يختلفون في وثوقيتهم، وتحجر معتقدهم، ورفضهم للآخر، عن مماثليهم من وهابية السنة.
فضل الله الذي كان يعرف لمن أشير بحديثي، حاول التقليل من وطأة المصطلح، وتخفيف حدته، معلنا عدم موافقته عليه، وإن أكد في ذات الوقت وجود تيار متشدد يعمل على تعطيل أي تحديث للفكر والفقه الشيعيان.
يومها، كانت الحملة على أشدها ضد فضل الله وأفكاره، وكان الراحل آية الله ميرزا جواد التبريزي، يحمل لواء الممانعة العقدية، ضد ما يطرحه فضل الله من أفكار، وضد ما يثيره من تساؤلات، وما يشكك فيه من وقائع تاريخية ــ أفكار وطروحات رأى فيها التبريزي، ومعه نفر من علماء الحوزة الدينية في مدينة قم المقدسة، هرطقة، وطروحات من شأنها أن تزعزع البناء الشيعي، وتضعف من تماسكه.
الحملة التي بدت عقدية في ظاهرها، كان محركها صراع سياسي ومرجعي خفي حول التفرد بالمقلدين والمؤمنين. صراع أداره أخصام المرجع البيروتي، ممن وجدوا في زعامته إحياء لفكر سياسي يعود بجذوره لمدرسة حزب الدعوة الإسلامي العراقي، وفي ذات الوقت، منافساً يشاركهم فيما يقتسمون من مصالح مادية ودنيوية، هم أولى بها من غيرهم.
المعركة تواصلت بضراوة، وأخذت النواة الصلبة للفكر السلفي الشيعي تزداد قوة، مستمدة من صراعها مع «الضال المضل» وقوداً لديمومتها، ومن حماسات المنافحين عن «آل البيت» شعارات عملت على صياغة عقلية ماضوية، تشتغل بأحداث تاريخية في عصر الرسول والصحابة، وما تلاها في زمن الأئمة المعصومين، في قراءة تشحذ أحداث الماضي، محولة إياها نصالاً ترمي بها معرضيها.
الإنشاد إلى كتب التاريخ والتراث لم يكن ممارسة ابتدعها هؤلاء النفر من المتشددين الشيعة، وإنما جاءت في كثير منها محاكاة لممارسات السلفية السنية، والخطابات الوهابية المتشددة لمشايخ الجزيرة العربية، وخصوصا علماء المدرسة النجدية، تلاميذ فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وشيخ الإسلام ابن تيمية، ممن وجدوا في التاريخ مادة دسمة لهجاء الشيعة وتكفيرهم.
الرجوع إلى السلف الصالح، من صحابة وتابعين وعلماء أوائل، والاحتجاج بمقولات دينية، ووقائع اجتماعية لتفنيد المعتقد الشيعي، أثار ردة فعل معاكسة، بحيث انشغل عدد من علماء الشيعة بالعودة لذات الكتب، لإثبات صوابية معتقدهم، من عين المراجع التراثية التي يستند لها الآخر السلفي، في محاججة علمية الطابع، حملت الكثير من الظلال الاجتماعية والسياسية والفكرية، انعكست سلباً على علاقة المذهبين الإسلاميين، وحكمت عقلية الأتباع بأحكام وأفكار مسبقة عن كل طرف، مشيدة جدارا سميكا من التشاحن والنفرة.
العقل الشيعي طوال تاريخه، كان في غالبه عقلاً منفتحاً، ناقداً، أقرب للفكر المعتزلي، وللفكر الفلسفي، وأسس لعلم كلام إسلامي متين يستند إلى العقل، ويتخذ منه ركيزة أساس في استدلالاته. وهو في ممارسته هذه سبق الفكر السني، الذي أغلق باب الاجتهاد، وانكفأ على أربع مذاهب: الحنفية، الحنبلية، المالكية، الشافعية.
الشيعة وفي ما يحدثون عن أئمتهم وسيرتهم العلمية، وخصوصا ما ينقلونه عن الإمام جعفر الصادق، كان مكمن فخرهم واعتزازهم، انفتاح الصادق، وسعة صدره، ومقدرته على النقاش العقدي والفلسفي مع الملاحدة والزنادقة وأصحاب الملل الأخرى. وكيف أنه شكل مدرسة تخرج على يديه منها العديد من العلماء في حقول مختلفة: الفقه، الحديث، الكيمياء..وسواها.
جعفرٌ الصادق الذي إليه ينتسب الشيعة الإمامية، ويسمون باسمه «الجعفرية»، يحتاج الشيعة لبعث فكره من جديد، والعودة لما سنه من أسلوب معاملة مع الغرماء والمخالفين، وعلميته وعمق حجيته، والحكمة الثاقبة التي ميزت تراثه العلمي. حكمة يجد المراقب أن التيار السلفي الشيعي أكثر ما يكون بعداً عنها.
بطبيعة الحال، فإن مؤيدي هذا التيار المتشدد، لا يقبلون التسمية، ويعتبرون أنها تنطبق على مخالفيهم من السلفيين السنة، غير واعين إلى اشتراك الطرفين في جذر أساس وهو التحجر، وممارسة إقصاء المخالف ونبذه، ورفض أي محاولة للتجديد وللقراءة المعاصرة للتراث الديني. فالسلفية وببساطة هي طريقة تفكير تأخذ من التراث التاريخي والديني مرجعاً لها، متمسكة بظاهر النص، واقفة بشدة ضد أي محاولة للنقد والمساءلة. من هنا، يصح وصف أي مدرسة فكرية تمارس السلوك الموصوف سابقا، بالسلفية.
يمكن اعتبار الانفتاح الإعلامي، وحرية التعبير التي شاعت عبر الانترنت والفضائيات، وسهولة الاتصالات الحديثة، وشيوع مفاهيم عن حقوق الإثنيات والأقليات والمذاهب، وبروز نجم الشيعة سياسياً وفكرياً، من خلال الدور المحوري لإيران، وحزب الله لبنان، وتسنم الشيعة سدة الحكم في العراق، كلها عوامل ساعدت بشكل أو بآخر في ولادة سلفية شيعية. وهي ولادة لم يكن لها أن تتم منطقياً، وفق المقدمات السابقة. إلا إن ما جعلها تتم، هو تجاور هذه التطورات الهامة مع اشتداد السجال المذهبي السني/الشيعي، وما يتعرض له الشيعة في العراق من عمليات قتل وإبادة على أيدي جماعات مناصرة لتنظيم القاعدة، وشعور الشيعة بأن الأنظمة السياسية تحاصرهم ولا تريد إعطاءهم حقوقا كاملة.
هذه الظروف المعقدة، ولدت شيئاً فشيئاً نظرة متصلبة، استندت إلى أن ما قام به الكثير من العلماء كمبادرات حسن نية للتقريب بين المسلمين، لم تثمر شيئا، وكان نتيجتها مزيداً من فتاوى التكفير والقتل، وتآمراً على النظام السياسي الشيعي في العراق وإيران، وحصاراً عربياً لحزب الله في لبنان. من هنا، علت أصوات مؤيدة للكف عن دعم الفلسطينيين، وضرورة الاشتغال على المجتمع الشيعي ومصالحه الخاصة، والتوقف عن مجاملة علماء ومشايخ السنة، وعدم الخوف من إشهار العقائد الشيعية والجهر بها، بل، حرمة التفريط بالصغير منها.
http://64.246.58.131/media/lib/pics/1123444212.jpg
الاحتقان الشعبي لدى جمهور هذا التيار، دفعه للضغط على مرجعياته الفكرية والفقهية لتبني مواقف متصلبة. مواقف كان من نتائجها إصدار فتاوى تضليل وتفسيق بحق عدد من الشخصيات الفقهية والفكرية التي تمتلك نظرة حديثة وتمارس نقدا بحق الخطاب الديني التقليدي.
علي شريعتي، محمد حسين فضل الله، مجتهد شبستري، مصطفى ملكيان، عبد الكريم سروش... جميعهم مورست تجاههم حملة إقصائية عنيفة، لم يكن رأس حربتها طلبة علوم دينية صغار، بل نفرٌ من مراجع الدين، وأساتذة الحوزة العلمية، في دلالة عميقة، تظهر إلى أي مدى يملك هذا التيار من قوة وسلطة رمزيتان، رغم عدم ضخامته عددياً.
الأمور كادت أن تذهب إلى الأسوأ. وسعى البعض للتنقيب في بطون كتب علماء إمامية كبار، للبحث عن ما يعتبرونه هنات وزلات وضعفا في العقيدة. وفي إحدى المرات، اتهم الشيخ علي الكوراني، وهو رجل دين لبناني مقيم في إيران، ويعتبر أحد أهم منظري هذا التيار ــ اتهم آية الله السيد محمد باقر الصدر، بأنه يستقي أفكاره من مصادر سنية، في محاولته منه للمز الصدر، إلا أنه جوبه بردع وصد شديدين، أثنياه عن مواصلة تعرضه للعلامة الصدر، لما يمتلكه الأخيرة من مكانة مرموقة في الفكر الشيعي والإسلامي.
الكوراني، لم يكن يمارس نقداً علمياً بريئاً حيال أفكار الصدر الأول، وإنما راح يفتش بكيدية بين سطور مؤلفاته. تفتيش يحلو له وللكثيرين ممارسته، لولا الخوف مما قد يواجهونه من مشكلات. خصوصاً أن كثيراً من الشخصيات التي قد يتعرضون لها بالنقد الجارح، تمتلك سلطة دينية وسياسية واجتماعية، مما سيقود التعرض لها، لحدوث ارتدادات سلبية، ستحجم التيار المتشدد وتفضح كثيرا من خباياه.
بعض المنتمين لا يخفون حسرتهم على عدم قدرتهم على محاكمة أفكار مرشد الثورة الإيرانية، آية الله علي خامنئي. خصوصاً أنهم يرون فيه امتداد لمدرسة العلامة الراحل مرتضى مطهري، والذي كان من أشد المهاجمين للتيارات الفقهية والفكرية المتحجرة في الوسط الشيعي، ومن المنادين بضرورة تطور الفقه وتحديثه.
السلفية الشيعية رغم حديتها، إلا أنها تبقى ضمن إطار محدد لا تخرج عنه. فهي لا تكفر بقية المسلمين، ولا تحل دماءهم، وفي ذات الوقت تدعوا للتعايش السلمي، على العكس من السلفية التكفيرية السنية التي تكفر من اختلف معها، وتبيح دمه.
آية الله ميرزا جواد التبريزي، وفي عمق خلافه العقدي مع فضل الله، حاول البعض أن يستصدر منه فتوى تخرج الأخير من «التشيع»، إلا أن التبريزي لم يستجب لهذا المطلب، ورفض بشدة إصدار حكم يترتب عليه انتهاك حرمة فضل الله في دمه، وماله، وعرضه.
العديد من طلاب العلم الصغار، والمنتفعين، والجهلة، والمدسوسين، يشكلون العمق الشعبي للتيار المتشدد، وهم في حال أطلق لهم العنان، سيمارسون سطوتهم على المرجعيات الدينية، ويجبرون بعضها، ربما، على تبني مواقف لا يؤمنون بها في دواخلهم.
إن سلطة العوام، والمريدين، تمثل قوة ضاربة، يخشاها الكثيرون، لارتباطها بتعقيدات اجتماعية، وسياسية، ومالية، تجعلهم محل مدارات، ومحل مشاركة في اتخاذ القرار أحياناً. وإن سكوت عدد من المرجعيات الدينية حيال الممارسات المتشددة، رغم رفضها لها، سيؤدي لرواج هذه الأفكار، وتمكينها، بحيث تصبح بمثابة المسلمات والعقائد، وهي في أصل كثير منها، خرافات لا حقيقة لها.
المطلوب اليوم ليس الصدام مع أصحاب الفكر السلفي الشيعي، وإنما الدخول معهم في حوار صريح وعلمي، وممارسة قراءة نقدية لأفكارهم، دون التردد تحت ذريعة أعذار واهية، لأن المماطلة في النقد، قد تدفع لتفشي هذا التيار المحدود والصغير ليجذب إليه قطاعات أوسع، ليختزل ويختطف الفكر الشيعي، ويقدمه في صورة مشوهة. صورة تجعله حبيس تاريخ يشده لبطونه، فيما هو مطالب بتقديم أجوبة وحلول لكثير من القضايا المعاصرة، والتي يراها أتباعه أولى بالبحث والانشغال. فمصير الناس مرتبط بالحاضر، لا بما سلف من أيام قبرت، ونثر عليها التراب.
الخُلاصة
حق جعفر الصادق على الشيعة أن يعملوا على بعث فكره، وعلى العودة إلى ما سنه من أسلوب في معاملة الغرماء والمخالفين، وإلى علميته التي يبدو جلياً أن التيار السلفي الشيعي أبعد ما يكون عنها.
* 12 نيسان 2007
كاتب سعودي «القطيف»
http://64.246.58.131/media/lib/pics/thumbs/1112227396.jpg
حسن المصطفى * - « نشرة هيا بنا* » - 14 / 4 / 2007م - 10:33 م
لست سنوات خلت، حل المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله، ضيفاً على شاشة فضائية المستقبل، ضمن حلقة خاصة من برنامج «خليك بالبيت»، الذي كان يقدمه الزميل زاهي وهبي.
في تلك الحلقة، كانت ليّ مداخلة عبر الهاتف، أسميت فيها معارضي فضل الله، ممن يصدرون في حقه فتاوى التضليل والتفسيق، بـ«السلفية الشيعية»، متحدثاً عن وجود شيعة «وهابيين»، لا يختلفون في وثوقيتهم، وتحجر معتقدهم، ورفضهم للآخر، عن مماثليهم من وهابية السنة.
فضل الله الذي كان يعرف لمن أشير بحديثي، حاول التقليل من وطأة المصطلح، وتخفيف حدته، معلنا عدم موافقته عليه، وإن أكد في ذات الوقت وجود تيار متشدد يعمل على تعطيل أي تحديث للفكر والفقه الشيعيان.
يومها، كانت الحملة على أشدها ضد فضل الله وأفكاره، وكان الراحل آية الله ميرزا جواد التبريزي، يحمل لواء الممانعة العقدية، ضد ما يطرحه فضل الله من أفكار، وضد ما يثيره من تساؤلات، وما يشكك فيه من وقائع تاريخية ــ أفكار وطروحات رأى فيها التبريزي، ومعه نفر من علماء الحوزة الدينية في مدينة قم المقدسة، هرطقة، وطروحات من شأنها أن تزعزع البناء الشيعي، وتضعف من تماسكه.
الحملة التي بدت عقدية في ظاهرها، كان محركها صراع سياسي ومرجعي خفي حول التفرد بالمقلدين والمؤمنين. صراع أداره أخصام المرجع البيروتي، ممن وجدوا في زعامته إحياء لفكر سياسي يعود بجذوره لمدرسة حزب الدعوة الإسلامي العراقي، وفي ذات الوقت، منافساً يشاركهم فيما يقتسمون من مصالح مادية ودنيوية، هم أولى بها من غيرهم.
المعركة تواصلت بضراوة، وأخذت النواة الصلبة للفكر السلفي الشيعي تزداد قوة، مستمدة من صراعها مع «الضال المضل» وقوداً لديمومتها، ومن حماسات المنافحين عن «آل البيت» شعارات عملت على صياغة عقلية ماضوية، تشتغل بأحداث تاريخية في عصر الرسول والصحابة، وما تلاها في زمن الأئمة المعصومين، في قراءة تشحذ أحداث الماضي، محولة إياها نصالاً ترمي بها معرضيها.
الإنشاد إلى كتب التاريخ والتراث لم يكن ممارسة ابتدعها هؤلاء النفر من المتشددين الشيعة، وإنما جاءت في كثير منها محاكاة لممارسات السلفية السنية، والخطابات الوهابية المتشددة لمشايخ الجزيرة العربية، وخصوصا علماء المدرسة النجدية، تلاميذ فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وشيخ الإسلام ابن تيمية، ممن وجدوا في التاريخ مادة دسمة لهجاء الشيعة وتكفيرهم.
الرجوع إلى السلف الصالح، من صحابة وتابعين وعلماء أوائل، والاحتجاج بمقولات دينية، ووقائع اجتماعية لتفنيد المعتقد الشيعي، أثار ردة فعل معاكسة، بحيث انشغل عدد من علماء الشيعة بالعودة لذات الكتب، لإثبات صوابية معتقدهم، من عين المراجع التراثية التي يستند لها الآخر السلفي، في محاججة علمية الطابع، حملت الكثير من الظلال الاجتماعية والسياسية والفكرية، انعكست سلباً على علاقة المذهبين الإسلاميين، وحكمت عقلية الأتباع بأحكام وأفكار مسبقة عن كل طرف، مشيدة جدارا سميكا من التشاحن والنفرة.
العقل الشيعي طوال تاريخه، كان في غالبه عقلاً منفتحاً، ناقداً، أقرب للفكر المعتزلي، وللفكر الفلسفي، وأسس لعلم كلام إسلامي متين يستند إلى العقل، ويتخذ منه ركيزة أساس في استدلالاته. وهو في ممارسته هذه سبق الفكر السني، الذي أغلق باب الاجتهاد، وانكفأ على أربع مذاهب: الحنفية، الحنبلية، المالكية، الشافعية.
الشيعة وفي ما يحدثون عن أئمتهم وسيرتهم العلمية، وخصوصا ما ينقلونه عن الإمام جعفر الصادق، كان مكمن فخرهم واعتزازهم، انفتاح الصادق، وسعة صدره، ومقدرته على النقاش العقدي والفلسفي مع الملاحدة والزنادقة وأصحاب الملل الأخرى. وكيف أنه شكل مدرسة تخرج على يديه منها العديد من العلماء في حقول مختلفة: الفقه، الحديث، الكيمياء..وسواها.
جعفرٌ الصادق الذي إليه ينتسب الشيعة الإمامية، ويسمون باسمه «الجعفرية»، يحتاج الشيعة لبعث فكره من جديد، والعودة لما سنه من أسلوب معاملة مع الغرماء والمخالفين، وعلميته وعمق حجيته، والحكمة الثاقبة التي ميزت تراثه العلمي. حكمة يجد المراقب أن التيار السلفي الشيعي أكثر ما يكون بعداً عنها.
بطبيعة الحال، فإن مؤيدي هذا التيار المتشدد، لا يقبلون التسمية، ويعتبرون أنها تنطبق على مخالفيهم من السلفيين السنة، غير واعين إلى اشتراك الطرفين في جذر أساس وهو التحجر، وممارسة إقصاء المخالف ونبذه، ورفض أي محاولة للتجديد وللقراءة المعاصرة للتراث الديني. فالسلفية وببساطة هي طريقة تفكير تأخذ من التراث التاريخي والديني مرجعاً لها، متمسكة بظاهر النص، واقفة بشدة ضد أي محاولة للنقد والمساءلة. من هنا، يصح وصف أي مدرسة فكرية تمارس السلوك الموصوف سابقا، بالسلفية.
يمكن اعتبار الانفتاح الإعلامي، وحرية التعبير التي شاعت عبر الانترنت والفضائيات، وسهولة الاتصالات الحديثة، وشيوع مفاهيم عن حقوق الإثنيات والأقليات والمذاهب، وبروز نجم الشيعة سياسياً وفكرياً، من خلال الدور المحوري لإيران، وحزب الله لبنان، وتسنم الشيعة سدة الحكم في العراق، كلها عوامل ساعدت بشكل أو بآخر في ولادة سلفية شيعية. وهي ولادة لم يكن لها أن تتم منطقياً، وفق المقدمات السابقة. إلا إن ما جعلها تتم، هو تجاور هذه التطورات الهامة مع اشتداد السجال المذهبي السني/الشيعي، وما يتعرض له الشيعة في العراق من عمليات قتل وإبادة على أيدي جماعات مناصرة لتنظيم القاعدة، وشعور الشيعة بأن الأنظمة السياسية تحاصرهم ولا تريد إعطاءهم حقوقا كاملة.
هذه الظروف المعقدة، ولدت شيئاً فشيئاً نظرة متصلبة، استندت إلى أن ما قام به الكثير من العلماء كمبادرات حسن نية للتقريب بين المسلمين، لم تثمر شيئا، وكان نتيجتها مزيداً من فتاوى التكفير والقتل، وتآمراً على النظام السياسي الشيعي في العراق وإيران، وحصاراً عربياً لحزب الله في لبنان. من هنا، علت أصوات مؤيدة للكف عن دعم الفلسطينيين، وضرورة الاشتغال على المجتمع الشيعي ومصالحه الخاصة، والتوقف عن مجاملة علماء ومشايخ السنة، وعدم الخوف من إشهار العقائد الشيعية والجهر بها، بل، حرمة التفريط بالصغير منها.
http://64.246.58.131/media/lib/pics/1123444212.jpg
الاحتقان الشعبي لدى جمهور هذا التيار، دفعه للضغط على مرجعياته الفكرية والفقهية لتبني مواقف متصلبة. مواقف كان من نتائجها إصدار فتاوى تضليل وتفسيق بحق عدد من الشخصيات الفقهية والفكرية التي تمتلك نظرة حديثة وتمارس نقدا بحق الخطاب الديني التقليدي.
علي شريعتي، محمد حسين فضل الله، مجتهد شبستري، مصطفى ملكيان، عبد الكريم سروش... جميعهم مورست تجاههم حملة إقصائية عنيفة، لم يكن رأس حربتها طلبة علوم دينية صغار، بل نفرٌ من مراجع الدين، وأساتذة الحوزة العلمية، في دلالة عميقة، تظهر إلى أي مدى يملك هذا التيار من قوة وسلطة رمزيتان، رغم عدم ضخامته عددياً.
الأمور كادت أن تذهب إلى الأسوأ. وسعى البعض للتنقيب في بطون كتب علماء إمامية كبار، للبحث عن ما يعتبرونه هنات وزلات وضعفا في العقيدة. وفي إحدى المرات، اتهم الشيخ علي الكوراني، وهو رجل دين لبناني مقيم في إيران، ويعتبر أحد أهم منظري هذا التيار ــ اتهم آية الله السيد محمد باقر الصدر، بأنه يستقي أفكاره من مصادر سنية، في محاولته منه للمز الصدر، إلا أنه جوبه بردع وصد شديدين، أثنياه عن مواصلة تعرضه للعلامة الصدر، لما يمتلكه الأخيرة من مكانة مرموقة في الفكر الشيعي والإسلامي.
الكوراني، لم يكن يمارس نقداً علمياً بريئاً حيال أفكار الصدر الأول، وإنما راح يفتش بكيدية بين سطور مؤلفاته. تفتيش يحلو له وللكثيرين ممارسته، لولا الخوف مما قد يواجهونه من مشكلات. خصوصاً أن كثيراً من الشخصيات التي قد يتعرضون لها بالنقد الجارح، تمتلك سلطة دينية وسياسية واجتماعية، مما سيقود التعرض لها، لحدوث ارتدادات سلبية، ستحجم التيار المتشدد وتفضح كثيرا من خباياه.
بعض المنتمين لا يخفون حسرتهم على عدم قدرتهم على محاكمة أفكار مرشد الثورة الإيرانية، آية الله علي خامنئي. خصوصاً أنهم يرون فيه امتداد لمدرسة العلامة الراحل مرتضى مطهري، والذي كان من أشد المهاجمين للتيارات الفقهية والفكرية المتحجرة في الوسط الشيعي، ومن المنادين بضرورة تطور الفقه وتحديثه.
السلفية الشيعية رغم حديتها، إلا أنها تبقى ضمن إطار محدد لا تخرج عنه. فهي لا تكفر بقية المسلمين، ولا تحل دماءهم، وفي ذات الوقت تدعوا للتعايش السلمي، على العكس من السلفية التكفيرية السنية التي تكفر من اختلف معها، وتبيح دمه.
آية الله ميرزا جواد التبريزي، وفي عمق خلافه العقدي مع فضل الله، حاول البعض أن يستصدر منه فتوى تخرج الأخير من «التشيع»، إلا أن التبريزي لم يستجب لهذا المطلب، ورفض بشدة إصدار حكم يترتب عليه انتهاك حرمة فضل الله في دمه، وماله، وعرضه.
العديد من طلاب العلم الصغار، والمنتفعين، والجهلة، والمدسوسين، يشكلون العمق الشعبي للتيار المتشدد، وهم في حال أطلق لهم العنان، سيمارسون سطوتهم على المرجعيات الدينية، ويجبرون بعضها، ربما، على تبني مواقف لا يؤمنون بها في دواخلهم.
إن سلطة العوام، والمريدين، تمثل قوة ضاربة، يخشاها الكثيرون، لارتباطها بتعقيدات اجتماعية، وسياسية، ومالية، تجعلهم محل مدارات، ومحل مشاركة في اتخاذ القرار أحياناً. وإن سكوت عدد من المرجعيات الدينية حيال الممارسات المتشددة، رغم رفضها لها، سيؤدي لرواج هذه الأفكار، وتمكينها، بحيث تصبح بمثابة المسلمات والعقائد، وهي في أصل كثير منها، خرافات لا حقيقة لها.
المطلوب اليوم ليس الصدام مع أصحاب الفكر السلفي الشيعي، وإنما الدخول معهم في حوار صريح وعلمي، وممارسة قراءة نقدية لأفكارهم، دون التردد تحت ذريعة أعذار واهية، لأن المماطلة في النقد، قد تدفع لتفشي هذا التيار المحدود والصغير ليجذب إليه قطاعات أوسع، ليختزل ويختطف الفكر الشيعي، ويقدمه في صورة مشوهة. صورة تجعله حبيس تاريخ يشده لبطونه، فيما هو مطالب بتقديم أجوبة وحلول لكثير من القضايا المعاصرة، والتي يراها أتباعه أولى بالبحث والانشغال. فمصير الناس مرتبط بالحاضر، لا بما سلف من أيام قبرت، ونثر عليها التراب.
الخُلاصة
حق جعفر الصادق على الشيعة أن يعملوا على بعث فكره، وعلى العودة إلى ما سنه من أسلوب في معاملة الغرماء والمخالفين، وإلى علميته التي يبدو جلياً أن التيار السلفي الشيعي أبعد ما يكون عنها.
* 12 نيسان 2007
كاتب سعودي «القطيف»