المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معك معك معك يا أم النبي



ام الجواد
04-14-2007, 06:19 PM
معك يا أم النبي
الشيخ حسين المصطفى *: لقد آلمنا كثيراً أن يُدنس مقام هذه الشخصية العظيمة، والأم الجليلة لرسول الله على لسان الشيخ ناصر العمر في إجابة لسؤال حول الترحم للأم الكتابية مستدلاً بحرمة ذلك إلى الآية الكريمة ? مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى ?، والمروي عن رسول الله في مسلم: «استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي».
إنّ هذه السيدة الطاهرة، والتي نتلمس ملامحها العطرة من خلال صورة ابنها النبي العظيم الذي آوته أحشاؤها، وغذاه دمها، واتصلت حياته بحياتها، فقد كان سيدنا محمد هو الأثر الجليل الذي خلفته سيدتنا آمنة بنت وهب.
فهي «زهرة قريش» بنت بني زهرة، وأفضل فتاة في قريش نسباً وموضعاً، والمحشومة المحجوبة عن عيون البشر حتى إنَّ الرواة كانوا لا يعرفون ملامحها لعفتها، فكانت حديث قريش في المحامد والفضائل.
وحينما سئل الرسول عن نفسه، أو بدء أمره، فأجاب: «دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام»، قال ابن كثير: وهذا إسناده جيد[1] .
وأخرج الإمام أحمد بسنده عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله : «إني عند الله لخاتم النبيين، وإنّ آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات الأنبياء يرين»[2] .
ولقد قال رسول الله فيما رواه عن ربه في الحديث القدسي: «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب»[3] .
وقال كذلك: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده»[4] .
ومن أَجَلِّ مظاهر محبة رسول الله الدفاع عنه وعدم أذيته في أبويه؛ لأنَّ في أذيتهم أذية له ، وفي أذيته أذية لله تعالى.
ومما يؤذي رسول الله ويمس من شرف نبوته وشرف نسبه القول بدخول أبويه الشريفين جهنم والعياذ بالله قال تعالى: ? إِنَّ الَّذِينَ يُؤذُونَ اللهَ رَسُولَهُ لَعنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنيَا الآَخِرَةِ أَعَدَّ لَهُم عَذَاباً مُّهِيناً ?[5] .
وكان القاضي أبو بكر ابن العربي يلعن من يقول بدخول آباء النبي في النار فقد أورد العلامة السيوطي ما هذا نصه: «نقلت من مجموع بخطّ الشيخ كمال الدين الشمني، والد شيخنا الإمام تقي الدين رحمه الله ما نصّه: سُئل القاضي أبو بكر ابن العربي عن رجل قال: إنّ آباء النبي في النار، فأجاب بأنّه ملعون; لأنّ الله تعالى قال: ? إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً ? قال: ولا أذى أعظم من أن يقال عن أبيه: إنّه في النّار»[6] .
وقال أيضاً في رده على السخاوي: «...إنّه تكلّم في حق والدي المصطفى بما لا يحلّ لمسلم ذكره، ولا يسوغ أن يجزم عليه فكره، فوجب علَيّ أنْ أقوم عليه بالإنكار، وأنْ أستعمل في تنزيه هذا المقام الشريف الأقلام والأفكار، فألّفت في ذلك ست مؤلّفات شحنتها بالفوائد وهي في الحقيقة أبكار، ومن ذا الذي يستطيع أنْ ينكر علَيّ قيامي في ذلك، أو يلقي نفسه في هذه المهالك، من أنكر ذلك أكاد أقول بكفره وأستغرق العمر في هجره».
وكذلك اعترض ابن حجر العسقلاني على قول أبي حيّان الأندلسي بانحصار القول بإيمان آباء النبي بالشيعة الإمامية قائلاً: «وقول أبي حيان: إنّ الرافضة هم القائلون بأنّ آباء النبي مؤمنون غير معذَّبين، مستدلّين بقوله تعالى: ? وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ?. فلك ردّه: بأنّ مثل أبي حيّان إنّما يرجع إليه في علم النحو وما يتعلّق بذلك، وأمّا المسائل الأصوليّة فهو عنها بمعزل، كيف والأشاعرة ومن ذكر معهم -فيما مر آنفاً- على أنّهم مؤمنون، فنسبة ذلك للرافضة وحدهم -مع أنّ هؤلاء الذين هم أئمّة أهل السنّة قائلون به- قصور وأيّ قصور، تساهل وأيّ تساهل»[7] .
وقال: «هذا الحصر باطل منك، أيّها النحوي البعيد عن مدارك الأصول والفروع. كيف؟ وأئمّة الأشاعرة من الشافعيّة وغيرهم -على ما مرّ التصريح به- في نجاة سائر آبائه كبقيّة أهل الفترة، فلو كنت ذا إلمام بذلك لما حصرت نقل ذلك عن الرافضة وزعمت أنّهم المستدلّون عليه بالآية والحديث. وهذا الفخر الرازي من أكابر أئمة أهل السنّة قد استدلّ بهما ونقل ذلك عن غيره...».
ونحن نسأل مثيري الفتن: ما الفائدة من طرح هذه المسالة أو التكلم فيها أصلاً، إضافة لما فيها من خطر إفساد عقيدة الناس وإثارة الاختلاف في صفوف المسلمين؟!...
ولكن القائلون بعذاب أبوي النبي لا يلتفتون إلى عمق الاستدلال على عنوان إسلامي بحاجة إلى تقصي الأدلة بشكل جيد بدلاً من التسرع في الحكم وحتى لا يكونوا مصداق قوله تعالى: ? فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابتِغَاءَ الفِتنَةِ وَابتِغَاءَ تَأوِيلَهُ ?[8] .
عمدة المروجين لشرك أبوي النبي :
وعمدتهم في ذلك حديثين وهما:
1- حديث مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً: أنّ رسول الله قال: «استأذنت ربي أن استغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي»[9] .
2- ما رواه مسلم أنّ رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار. فلما قضى دعاه فقال: «إنّ أبي وأباك في النار»[10] .
معارضة الحديثين لظاهر القرآن:
والمتأمل في هذين الحديثين يستطيع أن يتبين علتهما، وذلك لمعارضتهما لصريح القران:
كقوله تعالى: ? وَمَا كُنَا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبعَثَ رَسُولاً ?[11] .
وقوله تعالى: ? ذَلِكَ أَن لَّم يَكُن رَّبُّكَ مُهلِكَ القُرَى بِظُلمٍ وَأَهلُهَا غَافِلُونَ ?[12] .
والقوم الذين بعث فيهم سيدنا رسول الله والذين منهم أبويه لم يأتهم نذير قبله لصريح قوله تعالى: ? وَمَا أَرسَلنَا إِلَيهِم قَبلَكَ مِن نَّذِيرٍ ?[13] ، وقوله تعالى: ? لِتُنذِرَ قَوماً مَّا أَتَـهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبلِكَ لَعَلَّهُم يَهتَدُونَ ?[14] .
فمعارضة هذين الحديثين المخالفين لفظاً ومعناً لصريح القرآن الذي هو قطعي الثبوت مع عدم إمكانية الجمع بينهما سقط الاحتجاج بهما، وتمسكنا بالقرآن كما هو مقرر وحسب قواعد الشريعة.
يقول الإمام النووي في شرح المهذب: «ومتى خالف خبر الآحاد نص القرآن أو إجماعاً وجب ترك ظاهره»[15] .
وقال إمام الحرمين الجويني: «ذهبت الحشوية من الحنابلة وكتبة الحديث إلى أنّ خبر الواحد العدل يوجب العلم، وهذا خزي لا يخفى مدركه على ذي لب، فنقول لهؤلاء: أتجوزون أن يزل العدل الذي وصفتموه ويخطئ؟ فإن قالوا: لا؛ كان بهتاً وهتكاً وخرقاً لحجاب الهيبة، ولا حاجة إلى مزيد البيان فيه»[16] .
وقال السمرقندي الحنفي: «ومنها -أي شروط الخبر الآحاد-: أنّ يكون موافقاً لكتاب الله تعالى والسنة المتواترة والإجماع، فأما إذا خالف واحداً من هذه الأصول القاطعة فإنه يجب رده أو تأويله على وجه يجمع بينهما... ولأنّ خبر الواحد يحتمل الصدق والكذب والسهو والغلط، والكتاب دليل قاطع فلا يقبل المحتمل بمعارضة القاطع بل يخرج على موافقة بنوع تأويل. ومنها: أن يرد الخبر في باب العمل فإذا ورد الخبر في باب الاعتقادات -وهي مسائل الكلام- فإنه لا يكون حجة لأنه يوجب الظن وعلم غالب الرأي لا علماً قطعياً فلا يكون حجة فيما يبتني على العلم القطعي والاعتقاد حقيقة»[17] .
والقاعدة عند علماء أهل السنة وبقية المذاهب الإسلامية: أنّ خبر الآحاد متى عارض الكتاب والسنة المتواترة أو الإجماع المعتبر لفظاً ومعنى مع عدم إمكانية الجمع بحال سقط الاستدلال به.
إضافة إلى أنّهم اتفقوا على العمل به في الأمور الشرعية دون العقائد، حيث إنّ مسائل العقائد مبنية على القطعيات التي تفيد العلم اليقيني والتي يكفر منكرها، بخلاف الآحاد الذي لا يفيد إلا الظن[18] .
أهل الفترة[19] ناجون:
إنّ من العقيدة التي يجب على كل مؤمن أن يعتقدها ولا يجوز له جهلها فضلاً عن إنكارها هي أنّ أهل الفترة ناجون وإن بدلوا وغيروا بدليل النصوص القرآنية القطعية السابقة الذكر وأبوي النبي من أهل الفترة بلا خلاف.
يتبع ....

ام الجواد
04-14-2007, 06:22 PM
قال المفسر الشيخ محمد أمين الشنقيطي[20] :
«ظاهر الآية الكريمة أنّ الله عز وجل لا يعذّب أحداً من خلقه لا في الدنيا ولا في الآخرة، حتى يبعث إليه رسولاً ينذره ويحذره، فيعصي ذلك الرسول ويستمر على الكفر والمعصية بعد الإنذار والإعذار.
وقد أوضح الله عز وجل هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله تعالى: ? رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ?[21] ، فصرح بأنه لا بد أن يقطع حجة كل أحد بإرسال الرسل مبشرين من أطاعهم بالجنة، ومنذرين من عصاهم بالنار.
وهذه الحجة بينها في سورة طه بقوله: ? وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى ?[22] ، وأشار لها في سورة القصص بقوله تعالى: ? وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ?[23] ، وقوله تعالى: ? ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ?[24] ، وقوله تعالى: ? يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ?[25] ، وكقوله تعالى: ? وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ ?[26] ، إلى غير ذلك من الآيات.
ووضَّح ما دلت عليه الآيات المذكورة وأمثالها في القرآن الكريم من أنّ الله جل وعلا لا يعذب أحداً إلا بعد الإنذار والإعذار على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام تصريحه جل وعلا في آيات كثيرة بأنه لم يدخل أحداً النار إلا بعد الإعذار والإنذار.... فمن ذلك قوله جل وعلا: ? تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ ?[27] ، ومعلوم أنّ ? كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْج ? يعم جميع الأفواج الملقين في النار... -إلى أن قال- وهذه الآيات التي ذكرنا وأمثالها في القرآن العظيم تدل على عذر أهل الفترة بأنهم لم يأتهم نذير ولو ماتوا على الكفر»، انتهى كلامه.
فإذا كان أهل الفترة من أهل النجاة فكيف يمكن تصور حرمان والدي الرسول من هذا الأمر؟!
المنحى الأصولي:
يجب أن يعلم بأنّ المتفق عليه أنّ الفقيه لا يصل إلى الحكم الشرعي من دليل واحد غالباً، بل هو نتيجة تفاعل مجموعة من العلوم المشتركة من آيات قرآنية وأحاديث شرعية صحيحة وقواعد أصولية وحديثية ولغوية والتي لا غنى عنها لفهم معاني النصوص وإصدار الحكم الشرعي.
ومن القواعد التي لا بد منها لفهم هذين الحديثين على وفق ما اتفق عليه كبار أهل الحل والعقد من نقاد علماء أهل السنة والجماعة من حفاظ وأصوليين وغيرهم أنّ من أسباب رد الحديث:
1) مخالفته لصريح القرآن لفظاً ومعنى مع عدم إمكانية تأويله ليوافق القرآن بلا تكلف.
2) مخالفته لصريح العقل السليم لأنّ أفعال الله تعالى لا تخلو عن حكمة وإن كنا لا ندركها غالباً ولأنّ العقل شاهد من شواهد الشرع فالشرع لا يأتي إلا بمجوزات العقول.
3) أنه لا يستدل في العقائد إلا بالمتواتر أو المشهور خلافاً لأبي حنيفة الذي يرى أنه يجوز الاستدلال بخبر الآحاد في العقائد بشرط أن لا يكون له معارض من القرآن أو من السنة المتواترة أو المشهورة.
وما نحن فيه ليس من هذا القبيل لا عند الإمام أبي حنيفة، ولا عند غيره من باب الأولى لأنّ الظني لا يقوى على معارضة القطعي.
والقرآن قطعي الثبوت ويمثل له بهذه الآية: ? ومَا كُنَا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبعَثَ رَسُولاً ?[28] . ويؤيد ذلك ما قاله الأصوليون من أنّ «ترك الاستفصال يؤدي إلى تعلق الحكم في عموم المقال». وهذه الآية تدخل تحت هذه القاعدة. وهو يتطابق مع هذه الآية، أنّ كل من لم يأته رسول لا يعذب إلا ما خرج على غير قياس.
هذا في كيفية العمل إذا ما عارض الحديث القرآن، أما إذا ما عارض الحديث الحديث فكلامهم في هذا الباب كثير.
نقد حديثي الشرك:
الحديث الأول: حديث «استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي».
وفي الحديث أنه بكى وأبكى من حوله، فإنّ هذا الحديث لا يصح الاستدلال به على أنّ والدته في النار لعدة أمور:
1) أنّ هذا الحديث يعارض معارضة صريحة قول الله تعالى: ? وَمَا كُنَا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبعَثَ رَسُولاً ?، وقوله تعالى: ? وَمَا أَرسَلنَا إِلَيهِم قَبلَكَ مِن نَّذِيرٍ ?[29] .
2) أنّ بكائه على أمه لا يدل على أنها من أهل النار بأي وجه من الوجوه بدليل أنه بكى على ابنه إبراهيم كما في الصحيحين إذ قال: «تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون».
3) إنّ الله تعالى أذن له بزيارة قبرها يدل على أنها مؤمنة وليست كافرة من أهل النار وإلا لتعارض صدر الحديث مع عجزه، ناهيك أيضاً أنّ الله تعالى قد نهاه أن يقوم على قبور الكفار والمنافقين بقوله عز من قائل: ? ولا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنهُم مَّاتَ أَبَداً ولا تَقُم عَلَى قَبرِهِ إِنَّهُم كَفَرُواْ بِاللهِ ورَسُولِهِ ومَاتُواْ وهُم فَاسِقُونَ ?[30] وحاشى مقام رسول الله أن يخالف أمر الله تعالى ومن يظن ذلك فليس له نصيب من الإيمان في شيء.
الحديث الثاني: حديث أنّ رجلاً قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار، فلما قضى دعاه فقال: «إنّ أبي وأباك في النار...».
ومما يجب أن يعلم أنّ لهذا الحديث ثلاثة طرق:
1) السند الأول عن طريق حماد بن سلمة عن ثابت وهي التي جاء فيها: إنّ أبي وأباك في النار.
2) السند الثاني عن طريق معمر عن ثابت وهي خالية من ذكر «إن أبي وأباك في النار».
3) السند الثالث عن طريق إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه سعد بن أبي وقاص وهي خالية أيضاً من ذكر «إنّ أبي وأباك في النار» غير أنها تنتهي بقوله : «حيث ما مررت بقبر كافر فبشره بالنار».
فالطريق الأول في سنده: ثابت وحماد بن سلمة.
أما ثابت فهو عند بعضهم ثقة، ولكن ذكره ابن عدي في الضعفاء وعلل الحديث فقال: «إنه وقع في أحاديثه ما ينكر»، وهذا الحديث منها.
وأما حماد فقال عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري: «حماد بن سلمة بن دينار البصري أحد الأئمة الأثبات إلا أنه ساء حفظه في الآخر».
وقال السيوطي عن حماد بن سلمة: «إنّ حماد تكلم في حفظه ووقع في أحاديثه مناكير ذكروا أنّ ربيبه دسها في كتبه وكان حماد في آخر حياته لا يحفظ فحدث بها فوهم فيها ومن ثم لم يخرج له البخاري شيئاً ولا خرَّج له مسلم في أصول الدين إلا من روايته عن ثابت. قال الحاكم في المدخل: ما خرج مسلم لحماد إلا من حديثه عن ثابت»[31] .
أما الطريق الثاني ففي سنده: «معمر عن ثابت، عن أنس» عوضاً «عن حماد، عن ثابت».
والطريق الثالث جاء بالسند الآتي: فقد أخرج البزار والطبراني والبيهقي من طريق إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه سعد بن أبي وقاص: أنّ أعرابياً قال لرسول الله : أين أبي؟ قال: «في النار» قال: فأين أبوك؟ قال: «حيث ما مررت بقبر كافر فبشره بالنار».
ويُلاحظ أنّ السند الأول ذكر فيه «حماد، عن ثابت» والسند الثاني ذكر فيه «معمر، عن ثابت» ومن المعروف أنّ معمراً أثبت من حماد بدليل أنّ حماداً تُكلِّم في حفظه كما سلف ولم يتكلم أحد في معمر.
قال السيوطي في نفس المرجع المذكور: «وأما معمر فلم يتكلم في حفظه ولا اسْتُنكر شيءٌ من حديثه واتفق على التخريج له الشيخان فكان لفظه أثبت أي فتكون روايته أوثق وأثبت وأقرب الى الصحة».
وأما سند الرواية الثالثة فقد قال السيوطي في نفس المرجع: «وهذا إسناد على شرط الشيخين فتعين المصير إليه والاعتماد على هذا اللفظ وتقديمه على غيره».
في أدلة نجاة أبوي النبي من الكتاب والسنة:
من الكتاب:
1 - قوله تعالى: ? ومَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبعَثَ رَسُولاً ?[32] فالآية عامة وصريحة في أنّ الله تعالى لا يعذِّب أحداً حتى يرسل الرسل.
قال الألوسي صاحب روح المعاني في تفسيره عند شرح هذه الآية: «وما صح وما استقام بل استحال في السنة الإلهية المبنية على الحكم البالغة أو في قضائنا السابق أن نعذب أحداً بنوع من أنواع التعذيب دنيوياً أو أُخروياً على فعل شيء أو ترك شيء أصلياً كان أو فرعياً حتى نبعث إليه رسولاًً يهدي إلى الحق ويبين الشريعة». فإنه وإن كان ? لا يُسئَلُ عَمَّا يَفعَلُ وهُم يُسئَلُونَ ?[33] إلا أنه سبحانه وتعالى ببالغ حكمته وكمال عدله وبمحض فضله لا يعذب أحد إلا بعد إرسال الرسل.
قال الشاطبي: «جرت سنته سبحانه في خلقه: أنه لا يؤاخذ بالمخالفة إلا بعد إرسال الرسل، فإذا قامت الحجة عليهم؛ فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، ولكل جزاء مثله»[34] .
قال القاسمي -في معنى الآية-: «وما صحَّ، وما استقام منا، بل استحال في سنَّتنا المبنية على الحِكم البالغة، أن نعذِّب قوماً حتى نبعث إليهم رسولاً يهديهم إلى الحق، ويردعهم عن الضلال؛ لإقامة الحجة، وقطعاً للعذر. والعذاب أعمُّ من الدنيوي والأخروي، أي: فهو يشملهما، وليس مختصا بأحدهما»[35] .
وقال ابن تيمية: «إنّ الكتاب والسنة قد دلت على أنّ الله لا يعذب أحداً إلا بعد إبلاغ الرسالة، فمن لم تبلغه جملة، لم يعذِّبه رأساً، ومن بلغته جملة دون بعض التفصيل، لم يعذِّبه إلا على إنكار ما قامت عليه الحجة الرسالية»[36] .
2 - قوله تعالى: ? ولَولا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةُ بِمَا قَدَّمَت أَيدِيهِم فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَولا أَرسَلتَ إِلَينَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ ونَكُونَ مِنَ المُؤمِنِينَ ?[37] أي أنّ الحامل على إرسال الرسل تعللهم بهذا القول واحتجاجهم به.
3 - قوله تعالى: ? ومَا كَانَ رَبُكُّ مُهلِكَ القُرَى حَتَّى يَبعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتلُواْ عَلَيهِم ءَايَاتِنَا ?[38] .
قال ابن جُزَيْ في تفسيره (التسهيل لعلوم التنـزيل): «أُمُّ القرى مكة لأنها أوَّل ما خلق الله من الأرض ولأنَّ فيها بيت الله، والمعنى أنّ الله أقام الحجة على أهل القرى بأن بعث سيدنا محمد في أمِّ القرى فإن كفروا أهلكهم بظلمهم بعد البيان لهم وإقامة الحجة عليهم».
4 - قوله تعالى: ? ولَو أَنَّا أَهلَكَنـهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَولا أَرسَلتَ إِلَينَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ ءَايَـتِكَ مِن قَبلِ أَن نَّذِلَّ ونَخزَى ?[39] .
5 - قوله تعالى: ? ومَا أَهلَكنَا مِن قَريَةٍ إِلا لَهَا مُنذِرُونَ، ذِكرَى ومَا كُنَّا ظَالِمِينَ ?[40] .
6 - قوله تعالى: ? وهُم يَصطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخرِجنَا نَعمل صَالِحاً غَيرَ الَّذِى كُنَّا نَعمَلُ أَوَلَم نُعَمِّركُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ?[41] .
7 - قوله تعالى: ? أَم يَقُولُونَ افتَرَاهُ بَل هُوَ الحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوماً مَّا أَتَـهُم مِّن نَّذِيرٍ مّن قَبلِكَ لَعَلَّهُم يَهتَدُونَ ?[42] .
8 - قوله تعالى: ? وهَذَا كِتَابَ أَنـزلنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ واتَّقُواْ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ، أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنـزلَ الكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَينِ مِن قَبلِنَا وإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِم لَغَافِلينَ، أَو تَقُولُواْ لَو أَنَّا أُنـزلَ عَلَينَا الكِتَابُ لَكُنَّا أَهدَى مِنهُم فَقَد جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُم وهُدًى ورَحمةٌ ?[43] .
9 - قوله تعالى: ? رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ?[44] .
قال البرسوي: «والمعنى: لئلا يكون للناس على الله معذرة يوم القيامة يعتذرون بها، قائلين: لولا أرسلتَ إلينا رسولاً فيبين لنا شرائعك، ويعلمنا ما لم نكن نعلم من أحكامك، وينبهنا من سَنة الغفلة، لقصور القوة البشرية عن إدراك جزئيات المصالح، وعجز أكثر الناس عن إدراك كلياتها. ففيه تنبيهٌ على أنَّ بعثة الأنبياء إلى الناس ضرورة، وإنّما سميت المعذرةُ حجةً مع استحالة أن يكون لأحد عليه سبحانه حجة في فعلٍ من أفعاله، بل أن يفعل ما يشاء، للتنبيه على أنّ المعذرة في القبول عنده تعالى بمقتضى كرمه ورحمته، لعباده بمنزلة الحجة القاطعة التي لا مردَّ لها»[45] .
والآيات في هذا الباب كثيرة جداً لمن أراد أن يتبصر فعليه بكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وقد سئل الإمام الشافعي عن صفات الله، وما يؤمن به؟
فقال: «لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه، وأخبر بها نبيه أمته، ولا يسع أحداً من خلق الله قامت عليه الحجة ردها؛ لأنّ القرآن نزل بها، وصح عن رسول الله القول بها، فيما روى عنه العدول، فإن خالف بعد ذلك بعد ثبوت الحجة عليه، فهو كافر، فأما قبل ثبوت الحجة عليه، فمعذور بالجهل؛ لأنّ علم ذلك لا يقدر عليه بالعقل، ولا بالروية، والقلب، والفكر، ولا نكفر بالجهل بها أحداً إلا بعد انتهاء الخبر إليه به»[46] .
ما جاء في السنة:
1 - ما أخرجه مسلم في كتاب المناقب: بسنده إلى واثلة بن الأسقع يقول: سمعت رسول الله يقول: «إنَّ الله عز وجل اصطفى كِنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كِنانة، واصطفى من قريشٍ بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم».
ووجه الدليل من الحديث أنّ الاصطفاء يشعر بالنجاة، والقرآن يشهد لذلك الاصطفاء بآياتٍ كثيرة إذ أنَّ الله لا يصطفي المشركين الأنجاس، إنّما يصطفي الموحدين الطاهرين فعبد الله أبي رسول الله اصطفاه الله.
فلا يوجد دليل ما على قيام أي من الوالدين المحترمين للرسول بعبادة الأصنام. فمن الحقائق التاريخية وجود كثير من الموحدين الذين لم يعبدوا الأصنام والأوثان في ذلك العهد حيث كانوا على دين إبراهيم .
أيمكن تصور أنّ الله تعالى الذي لا يهمل ولا يضيع أي شيء حتى الذرات التي تدخل في جسد الإنسان بل يجعلها في الميزان يوم القيامة، والمنزه عن أي عبث... أيمكن تصور أن الله تعالى سيضيع والديّ الرسول وكانا هما السبب والوسيلة في ظهور الجسد المادي للرسول إلى الدنيا؟!
فإن لم يكن الله ليضيع الموحدين في ذلك العهد من أمثال زيد بن عمرو، وورقة بن نوفل، وغيرهما. فلقد آمن هؤلاء بقلوبهم بالله تعالى، قد لا يكونون يعلمون كلمة (الله) فلا يستطيعون قول (يا الله)، ولكنهم كانوا يؤمنون بوجود اله واحد وكانوا يتوجهون بدعائهم إليه. فقبيل البعثة المحمدية كان الجو قد أصبح ملائماً ومناسباً. فكان أصحاب هذه الأرواح الحساسة قد شعروا بقرب هطول الرحمة الإلهية.. شعروا وحدسوا بهذا وكانوا يبشرون من حولهم من الناس بهذه البشارة. لذا فنحن نأمل أنّ رسول الله الذي أعطي حق شفاعة واسعة لا ينسى يوم القيامة هؤلاء الأشخاص والأفراد الذين كانوا يترقبون مجيئه بفارغ الصبر وبكل وجد وشوق وأن يأخذ بيدهم في ذلك اليوم ليقودهم إلى بر الأمان. كما نؤمن بأنّ الأشخاص الآخرين في ذلك العهد الذين لم يعبدوا الأصنام سيكونون من أهل النجاة مثل هؤلاء الأصناف تماماً.
وجاء في التاريخ: أنّ عبد المطلب قد ذهب إلى أبرهة الأشرم وقال له: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه. وكان ذلك عند ما جاء أبرهة لهدم الكعبة وأخذ بعض الإبل الخاصة بعبد المطلب.
وقد صدق عبد المطلب في قوله فإنّ الله قد حمى البيت كما قال. فهل هذا كان عن صدفة أم أنّ عبد المطلب كان موحداً بل مؤمناً بالله، ولذلك قال بأنّ للبيت رب يحميه؟! ولماذا لم يقل الآلهة تحميه، بل قال رب يحميه، أي رب واحد.
2 - روى أبو نعيم في دلائل النبوة: أنّ النبي قال: «لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفَّى مهذَّباً لا تنشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما».
فوصف رسول الله أصوله بالطاهرة والطيبة وهما صفتان منافيتان للكفر والشرك قال تعالى يصف المشركين: ? إِنَّمَا المُشرِكُونَ نَجَسُ ?[47] .
قال الحافظ زين الدين العراقي في مورده الهني ومولده السني:
حفظ الإله كـرامــةً لمــــحــمــدٍ ءاباءهُ الأمجادُ صوناً لاسمـهِ
تركوا السفاح فلم يصيبهم عارهُ مــن آدمٍ وإلـــى أبيـهِ وأمهِ
3 - ما ذكره ابن حجر القسطلاني في كتابه المواهب اللدنية قال: روى الزهري عن أسماء بنت رهم عن أمها قالت: «شهدت آمنة أمَّ النَّبي في علتها التي ماتت بها ومحمد يفع له خمس سنين عند رأسها فنظرت إلى وجهه وقالت أبيات شعر ثم قالت كل حيٍّ ميِّت وكل جديد بال وكل كثير يفنى وأنا ميِّتة وذكري باقٍ وقد تركت خيراًَ وولدت طهراً ثم ماتت فكنَّا نسمع نوح الجنِّ عليها، أخرج الإمام أحمد وصححه الحاكم من حديث العرباض ابن سارية السلمي قال ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام وكذلك أمهات النبيين يرين« بمعنى أي يلهمن.
أفمن كان آخر كلامه هذه الحكم الدالة على سلامة فطرته ومن يبشر بقدوم رسول الله ومن كانت الجن تنوح عليه أسفاً على فراقه يُقال فيه أنَّه من أصحاب النَّار.
مقولة الشيعة الإمامية:
من معتقدات الشيعة الإمامية في الأنبياء والمعصومين أنهم لم يتنقّلوا إلا من صلب طاهر إلى رحم مطهّر، وذلك من أبينا آدم وأمنا حواء حتى قدموا إلى هذه الحياة الدنيا.
فلا يمكن أن يودع المعصوم في صلب غير طاهر أو ليس بموحّد، أو أنّه يبقى في رحم غير مطهّر، وهذا ما دلّت عليه الروايات الشريفة:
قال : «خلقني الله تبارك وتعالى وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بسبعة آلاف عام، ثم نقلنا إلى صلب آدم ثم نقلنا من صلبه إلى أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات»[48] .
وعن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين يقول: والله ما عبد أبي ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قط، قيل: فما كانوا يعبدون؟ قال : كانوا يعبدون -يصلّون إلى- البيت على دين إبراهيم متمسكين به[49] .
وقال رسول الله : «يا علي إنّ عبد المطلب كان لا يستقسم بالأزلام، ولا يعبد الأصنام، ولا يأكل ما ذبح على النصب، ويقول: أنا على دين أبي إبراهيم »[50] .
وعن داود الرَّقِّي قال: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يعني الإمام الصادق- وَلِي عَلَى رَجُلٍ مَالٌ قَدْ خِفْتُ تَوَاهُ فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ ذَلِكَ.
فقال لي: «إِذَا صِرْتَ بِمَكَّةَ فَطُفْ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ طَوَافاً، وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ عَنْهُ، وَطُفْ عَنْ أَبِي طَالِبٍ طَوَافاً، وَصَلِّ عَنْهُ رَكْعَتَيْنِ، وَطُفْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ طَوَافاً، وَصَلِّ عَنْهُ رَكْعَتَيْنِ، وَطُفْ عَنْ آمِنَةَ طَوَافاً وَصَلِّ عَنْهَا رَكْعَتَيْنِ، وَطُفْ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ طَوَافاً، وَصَلِّ عَنْهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ ادْعُ أَنْ يُرَدَّ عَلَيْكَ مَالُكَ».
قال: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ بَابِ الصَّفَا وَإِذَا غَرِيمِي وَاقِفٌ يَقُولُ يَا دَاوُدُ حَبَسْتَنِي تَعَالَ اقْبِضْ مَالَكَ.[51] .
وقد روي عن محمد بن علي الباقر أنه سئل عما يقوله الناس أنّ أبا طالب في ضحضاح من نار؟
فقال : «لو وضع إيمان أبي طالب في كفة ميزان وإيمان هذا الخلق في الكفة الأخرى لرجح إيمانه».
ثم قال : «ألم تعلموا أنّ أمير المؤمنين علياً كان يأمر أن يحج عن عبد الله وآمنة وأبي طالب في حياته ثم أوصى في وصيته بالحج عنهم»[52] .
وهاتان الروايتان دليل فقهي على إسلامهم، لأنّ غير المسلم لا يُحَجّ عنه.
وقد روى هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله قال: هبط جبرئيل على رسول الله فقال: يا محمد إنّ الله عز وجل قد شفعك في خمسة: في بطن حَمَلك وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف، وفي صلب أنزلك وهو عبد الله بن عبد المطلب، وفي حجر كفلك وهو عبد المطلب بن هاشم، وفي بيت آواك وهو عبد مناف بن عبد المطلب أبو طالب، وفي أخ كان لك في الجاهلية.
قيل: يا رسول الله من هذا الأخ؟!
فقال: «كان أُنسي وكنت أنسه وكان سخياً يطعم الطعام»[53] .
ونقرأ في زيارة رسول الله : «أشهد يا رسول الله أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة، والأرحام المطهرة، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها».
ونقرأ أيضاً في زيارته : «...السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين الهادين المهديين، السلام عليك وعلى جدك عبد المطلب وعلى أبيك عبد الله، السلام عليك وعلى أمك آمنة بنت وهب، السلام على عمك حمزة سيد الشهداء، السلام عليك وعلى عمك عباس بن عبد المطلب، السلام على عمك وكفيلك أبي طالب...»
إلى غير ذلك من الروايات والزيارات الشريفة التي تنصّ على أنّ المعصومين لا يودعون إلا في الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهّرة، مضافاً إلى بعض الشواهد التاريخية المؤيّدة لذلك.


يتبع ...

ام الجواد
04-14-2007, 06:24 PM
وأخيراً نقول:
ثبت عن أبي حميد وأبي أسيد، عن سيدنا رسول الله أنه قال: «إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه»[54] .
وعن أبي هريرة قال رسول الله : «إذا حدثتم عني حديثاً تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوا به قلته أو لم أقله فإني أقول ما تعرفونه ولا تنكرونه، وإذا حدثتم عني حديثاً تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به فإني لا أقول ما تنكرونه وأقول ما تعرفونه»[55] .
وعن أبي أيوب الأنصاري وعوف ابن مالك الأشجعي وعبد الله بن عمرو أنّ رسول الله قال: «أطيعوني ما كنت بين أظهركم وعليكم بكتاب الله عز وجل أحلوا حلاله وحرموا حرامه»[56] .
إنّ النبي أمر بالتمسك بكتاب الله تعالى بعد وفاته لأنّ الحديث المروي عنه يمكن أن يتلاعب به بعض الناس أو يدسوا فيه ما يوافق أهواءهم خلافاً لكتاب الله تعالى الذي تكفل الله بحفظه.. ولذا قال الإمام فخر الدين الرازي: «إن جميع آباء محمد كانوا مسلمين ومما يدل على ذلك قوله : «لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات» رواه أبو نعيم في الدلائل وقد قال تعالى: ? إِنَّمَا المُشرِكُونَ نَجَسٌ ?[57] فوجب أن لا يكون أحد من أجداده مشركاً فكيف بآبائه».
ويقول أمير المؤمنين علي عن آباء الرسول : «فاستودَعَهم في أفضل مستودَع، وأقرّهم في خير مقرّ، تناسختْهم كرام الأصلاب إلى مطهرات الأرحام، كلّما مضى منهم سَلَف قام منهم بدِين الله خلف، حتى أفضت كرامة الله سبحانه إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فأخرجه من أفضل المعادن مَنبتاً، وأعزّ الأرومة مغرساً، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه، وانتجب منها أُمناءه»[58] .
فعليك يا رسول الله السلام وعلى أمك الطاهرة آمنة بنت وهب:
تتباهى بك العصور وتسمو بـك علـيـاء بعـدهـا علـيـاء
فهنيئـاً بــه لآمـنـة الفـضـل الــذي شـرفـت بــه حـــواء[/COLOR][/SIZE][1] مسند الإمام أحمد: ج 5 ص 262، وتفسير ابن كثير: ج 1 ص 186 وج 4 ص360.
[2] مسند الإمام أحمد: ج 4 ص 127 - 128.
[3] أخرجه البخاري في كتاب الرقائق باب 38.
[4] أخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب 8.
[5] الأحزاب: 57.
[6] الدرج المنيفة في الآباء الشريفة (ضمن الرسائل العشر): ص 42.
[7] المنح المكيّة: ص 27.
[8] آل عمران: 7.
[9] صحيح مسلم: حديث 976.
[10] صحيح مسلم: حديث 203، وسنن أبي داود: حديث 4718، ومسند أحمد: ج 3 ص 119، 268.
[11] الإسراء: 15.
[12] الأنعام: 131.
[13] سبأ: 44.
[14] السجدة: 3.
[15] المجموع: ج 4 ص 342.
[16] البرهان: ج 1 ص 606.
[17] ميزان الأصول: ج 2 ص 642-643.
[18] الورقات، للجويني: ص 184، المستصفى، للغزالي: ج 1 ص 145، واللمع، لأبي إسحاق الشيرازي: ص 72، وأصول السرخسي: ص 313، والفصول في الأصول، للجصاص: ج 3 ص 93.
[19] أهل الفترة: وهو اصطلاح يستعمل في الفقه الإسلامي للدلالة على أولئك الذين عاشوا بين رسالتي المسيح والرسول الكريم, ولم يتسن لهم أن يتبعوا أحداً من الأنبياء الكرام, وفي هذه الحالة فإنّ جمهور الفقهاء كانوا لا يرون أنّ هؤلاء من أهل التكليف نظراً لغياب الرسالات عنهم, ولا يصح مطالبة هؤلاء بالتزام أحكام الشريعة ويسمون أهل فترة. [/SIZE][/COLOR][20] تفسير أضواء البيان: تفسير قوله تعالى: ? وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ?.
[21] النساء: 165.
[22] طه: 134.
[23] القصص: 47.
[24] الأنعام: 31.
[25] المائدة: 19.
[26] الأنعام: 155 - 157.
[27] الملك: 8 - 9.
[28] الإسراء: 15.
[29] سبأ: 44.
[30] التوبة: 84.
[31] مسالك الحنفا في نجاة والدي المصطفى، المطبوع مع الحاوي: ج 2 ص 202.
[32] الإسراء: 15.
[33] الأنبياء: 23.
[34] الموافقات: ج 3 ص 377.
[35] محاسن التأويل: ج 10 ص 213.
[36] مجموع الفتاوى: ج 13 ص 493.
[37] القصص: 47.
[38] القصص: 59.
[39] طه: 134.
[40] الشعراء: 208 - 209.
[41] فاطر: 37.
[42] السجدة: 3.
[43] الأنعام: 155 - 157.
[44] النساء: 165.
[45] تفسير روح البيان: ج 2 ص 324.
[46] مختصر العلو، للذهبي: ص 177.
[47] التوبة: 28.
[48] إرشاد القلوب: ج 2 ص 415.
[49] كمال الدين للصدوق: ص 174 ح 32، وبحار الأنوار: ج 15 ص 144 ح 76.
[50] الخصال: ص 312 ح 90، ومن لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 365 ح 5762، وبحار الأنوار: ج 15 ص 127 ح 67.
[51] الكافي: ج 4 ص 544، ومن لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 520 ح 3116.
[52] بحار الأنوار: ج 35 ص 156.
[53] الخصال: ج 1 ص 293.
[54] وهو حديث صحيح صححه الألباني في الصحيح ج 2 ص 369.
[55] رواه الطحاوي في مشكل الآثار: ص 14 ح 347 وهو حسن.
[56] رواه الطبراني في الكبير، 18- 38، وصححه الألباني في الصحيح: ج 3 ص 458.
[57] التوبة: 28.
[58] نهج البلاغة: الخطبة الرابعة.

ام الجواد
04-16-2007, 04:23 PM
http://www.rasid.com/media/lib/pics/thumbs/1154309609.jpg


الشيخ حسين المصطفى


اليكم الرابط لنصرة ام الرسول صلى الله عليه و اله و سلم السيدة آمنه بنت وهب رضي الله عنها و ارضاها في موقع راصد

http://www.rasid.com/artc.php?id=15971

الأمازيغي
04-16-2007, 08:53 PM
كان اولى بهذا الدجال ناصر الشيطان ان يتدبر احوال امه بدل الكلام عن سيدته وام سيد الخلق ص

JABER
04-16-2007, 11:26 PM
لا ادري كيف يعيش ناصر العمر وامثاله ، كل فتاواه تكفيرية ، حتى وصلت به الجرأة ان يتعدى على مقام رسول الله ، هل هناك احد علماء الشيعة ان يفتي بهذا الزنديق فتوى كما افتى الامام الخميني بسلمان رشدي ؟

ام الجواد
04-18-2007, 01:01 PM
القوم تمادو كثيرا على مقام و حضرة الرسول الاكرم صلى الله عليه و اله
يجب علينا نصرة ام الرسول
لا نكتفي بالتنديد عبر الانترنت فقط بل من واجبنا نصرة رسول الله وان نثور على ائمة الجهل و التكفير و نضع لهم حدود حمراء لا يجب ان يتجاوزوها
طعنوا في امه و ابيه و عمه و جده و حتى في حضرته سلام الله عليه طعنوا فيه و قالوا انه اراد الانتحار من شاهق و انه صلى و هو جنب و انه صلى و نسى و انه يهجر الخ الخ الخ الخ
لعنه الله على الناصبين و المبغضين لمحمد و ال محمد

المراسل
04-18-2007, 02:19 PM
اين ائمة المساجد الذين ملؤوا منابرهم بشتم العلماء والاولياء ، لماذا لا نجدهم يدافعون عن أعظم ام في التاريخ ، ام الرسول محمد وجدة الائمة والزهراء عليها السلام

اصحوا ياناس اصحوا redred

واحسيناه
04-20-2007, 04:02 PM
عليك يا رسول الله السلام وعلى أمك الطاهرة آمنة بنت وهب
الطاهرة المؤمنة ذات النسب والشرف

تتباهى بك العصور وتسمو بـك علـيـاء بعـدهـا علـيـاء
فهنيئـاً بــه لآمـنـة الفـضـل الــذي شـرفـت بــه حـــواء

لقد كانت آمنة سلام الله عليها مؤمنة مسلمة تابعة لدين ابراهيم عليه السلام
وكانت واهلها وقسم قليل من الناس المؤمنين ومنهم عبد المطّلب
ينتظرون وعد الله بظهور رسول
الاسلام محمد عليه وعلى آله افضل الصلاة وازكى السلام
كما ننتظر نحن اليوم في زماننا هذا خروج صاحب الأمر والزمان ارواحنا له فداء
فمنّا من ينتظره انتظار الغيث في جفاف الصيف الحرّ الشديد ومنّا من يكذّب بهذا الانتظار ويختلق كل الأعذار لطول الانتظار ومنّا من يقول بخروجه ووفاته وانتهاء امره
فهكذا كان زمان آمنة سلام الله عليها الا انها أرواحنا لها ولولدها فداء كانت مؤمنة مسلمة حنيفية
وهكذا كان زوجها سلام الله عليه ايضا
حتى انه يوم زواجهما شاع في جبينهما نورا حار فيه الناس وسألوا عبد المطلب عن سببه فامرهما بالمكوث في البيت
وهناك امورا كونية حدتث يوم زواجهما سلام الله عليهما
وكذى يوم ولادة ابنهما محمد صلى الله عليه وآله

اذا توفر لنا بعض الوقت ذكرناها باذن الله تعالى

كل الشكر والامتنان للعزيزة أم الجواد على البحث القيّم والمبارك

الأمازيغي
04-20-2007, 05:17 PM
العالم العربي السني المنافق نائم ولا يتحمس لمثل هذه القضايا انما يتحمس للطغاة امثال هدام العراق ويتحمس لفتاوي تكفير الشيعة وايران.
لاحظوا كيف تحمسوا لما اعدام هدام العراق واقامو الدنيا ولم يقعدوها وكأنه اعدم نبي من انبياء الله

مجاهدون
04-20-2007, 05:30 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد والعن عدوهم ، كفروا كل عائلة الرسول ولم يتصدى لهم احد ...هذه فاجعة كبرى

عباس الابيض
02-23-2012, 12:02 PM
ناصر العمر تصنع البكاء قبل اسبوعين عندما كتب حمزة الكشغرى مقالا عن النبي (ص)

ويتناسى نفسه انه يطعن في اصل النبي ( ص) وفي امه الكريمه الفاضلة صلوات الله عليها