المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النفس والدنيا ...



هبة الله
07-04-2004, 11:43 AM
ذهب رجل إلى علي بن أبي طالب عليه السلام .. ليكتب له عقد شراء بيت .. فنظر علي إلى الرجل .. فوجد أن الدنيا متربعة على قلبه ...

فكتب له .. إشترى ميت من ميت بيتًا في دار المذنبين .. له أربعة حدود ...

الحد الأول يؤدي إلى الموت ...

والحد الثاني يؤدي إلى القبر ...

والحد الثالث يؤدي إلى الحساب ...

والحد الرابع يؤدي إما إلى الجنة وإما إلى النار ...

(بمعنى أن جميع حدود البيت الأربعة تؤدي إلى الموت ) ...

فقال الرجل لعلي .. ما هذا يا علي .. جئت تكتب لي عقد شراء بيت .. فكتبت لي عقد مقبرة ؟!؟!

فقال له علي ...

النفس تبكي على الدنيا وقد علمت .. أن السعادة فيها ترك ما فيها ...
لا دارُ للمرء بعد الموت يسكنها .. إلا التي كان قبل الموت يبنيها ...
فإن بناها بخيرٍ طاب مسكنُه .. وإن بناها بشرٍ خاب بانيها ...
أموالنا لذوي الميراث نجمعها .. ودورنا لخراب الدهر نبنيها ...

أين الملوك التي كانت مسلطنةُ .. حتى سقاها بكأس الموت ساقيها ...
فكم مدائنٍ في الآفاق قد بُنيت .. أمست خرابًا وأفنى الموت أهليها...

لا تركنَنّّ إلى الدنيا وما فيها .. فالموت لا شك يُفنينا ويُفنيها ...
لكل نفسٍ وإن كانت على وجلٍ .. من المَنِيَّةِ آمالٌ تقوّيها ...
المرء يبسطها والدهر يقبضها .. والنفس تنشرها والموت يطويها ...

(بمعنى أن المرء يبسط الأمل .. والدهر يقبض الأمل .. والنفس تنشر الأمل .. والموت يطوي الأمل فينتهي أمرها ) ...

إنما مكارمَ الأخلاق مطهرةٌ .. فالدين أولها والعقل ثانيها ...
والعلم ثالثها والحلم رابعها .. والجود خامسها والفضل سادسها ...
والبر سابعها والشكر ثامنها .. والصبر تاسعها واللين باقيها ...

(أظن أن كل زوجين من الصفات مكمّلة للأخرى .. فصفة الدين هي الأساس .. وصفة العقل مكملة لصفة الدين .. بمعنى أن صفة الدين من غير صفة العقل تكون ناقصة ...

فالعقل يثبّت الدين ويحافظ عليه ...

وكذلك العلم والحلم .. فالعلم أساس .. والحلم مكملة لها .. بمعنى أن على المرء أن يتحلى بالعلم وفي نفس الوقت أن يتحلى بالحلم .. وإلا فإن هناك نقصا في صفة العلم .. إذا كانت من غير حلم ...

وكذلك الجود والفضل .. وكذلك البر والشكر .. كل صفة منهم مكملة للأخرى ...

فعندما أبرّ الناس .. يجب عليّ أن لا أمنّ عليهم .. بل أن أشكرهم لأني قدمت لهم ذلك البر ...

وكذلك الصبر واللين .. فصفة الصبر صفة جميلة جدًا .. لكنها تكون قبيحة .. إن لم يتحلى الإنسان باللين .. فصفة اللين مكملة لصفة الصبر ) ...

والنفس تعلم أني لا أصادقها .. ولست أرشد إلا حين أعصيها ...
واعمل لدارٍ غدًا رضوانُ خازنها .. والجار أحمد والرحمن ناشيها ...

قصورها ذهبٌ والمسك طينتها .. والزعفران حشيشها نابتٌ فيها ...
أنهارها لبنٌ محضٌ ومن عسلٍ .. والخمرُ يجري رحيقًا في مجاريها ...

والطير تجري على الأغصان عاكفةً .. تسبح الله جهرًا في مغانيها ...
من يشتري الدار الفردوس يعمّرها .. بركعةٍ في ظلام الليل يحيها ...