المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدكتور علي الطراح : كليات المعلمين تحولت إلى مأوى للفاشلين



المراسل
04-07-2007, 07:58 AM
أكد في ورقة عن "ثقافة الحوار" يناقشها مكتب التربية العربي أن "صراع الكبار همش دوره"

الطراح: التسييس المدمر أفرغ التعليم من محتواه وكليات المعلمين تحولت إلى مأوى للفاشلين




في هجوم هو الاعنف من نوعه انتقد عميد كلية العلوم الاجتماعية السابق واستاذ الاجتماع بجامعة الكويت د. علي الطراح السياسات التربوية والتعليمية في البلاد ووصفها ب¯ »العقيمة والفاشلة« .
واكد د. الطراح في ورقة عمل بعنوان »ثقافة الحوار في مؤسساتنا التعليمية« قدمها الى مكتب التربية العربي لدول الخليج ويعتزم مناقشتها اليوم ضمن اعمال مؤتمره الذي يعقد في جده بالمملكة العربية السعودية واكد ان التعليم يخضع لعملية تسييس مدمرة وقال »ان الصراع بين القوى في مراكز صنع القرار ادى الى تهميش دور التعليم« ووصفها بأنها »عملية غير اخلاقية فرغت التعليم من محتواه وخربت مبتغاه«.
واضاف ان »سوء التخطيط ادى الى تحويل كليات اعداد المعلمين الى مأوى للفاشلين دراسيا والباحثين عن وظيفة سريعة« وفيما يلي نص الورقة:
وتساءل د. الطراح: لماذا نتحدث عن أهمية الحوار في مناهجنا التعليمية? ورد قائلا: بكل تأكيد نحن نواجه أزمة حقيقية , وهي ليست وليدة اليوم بقدر ما هي نتاج لتراكمات لسياسات غير فاعلة, أثرت بمرور الزمن على عقول الأبناء ومن ثم وجدنا أنفسنا أمام أزمة حقيقية تجلت في غياب الحوار وقبول الرأي والرأي الأخر.

وقال: ان العالم يعيش أزمة في التواصل بين الثقافات كما يعيشها اليوم, في الوقت الذي تتقارب فيه المسافات الجغرافية وتتباعد المسافات الاجتماعية, انه عصر العولمة الذي حول العالم الى قرية كما يقولون. يبدو لنا ان تطور تقنية الاتصال لم يؤثر في تقارب البشر ولم يكسر الحواجز الثقافية, بل نشهد يوما بعد يوم تشييد حواجز ثقافية عالمية. ومرد هذه الأزمة الاستفراد ومنطق القوة الذي شكل عالم اليوم. التجاذب والنفور والعداء سمة بشرية وكذلك المحبة والتسامح والسلام سمة للبشر, فالإنسان أيا كان انتماؤه ودينه ومعتقده يحمل السمات التي اشرنا لها, إلا إن الحضارة والتربية والدين والهدف هي قوى تهذب الإنسان وتعلي منه في فهمه لمعنى الحياة وتمكنه من التواصل مع البشر.

الحرب الكونية
وتابع قائلا: نحن كبشر نختلف عن بعضنا حيث تربينا ضمن ثقافات مختلفة وحتى العرق الواحد والدين الواحد والثقافة الواحدة تخلق الاختلاف, فالاختلاف سمة بشرية وكذلك التواصل سمة بشرية ويبقى الإنسان الذي يتحكم في صعود وهبوط الاختلاف او التساند والتعاضد بين البشر, البشرية تمر بمرحلة ساد فيها التباعد وقلت فيها قنوات الحوار وارتفعت وتيرة لغة القوة , ما أدى الى نشوء العنف الذي نشهده في عالم اليوم والعنف إيديولوجيا تشكلت سماتها مع انهيار الحرب الباردة وبمعنى أخر مع انهيار نظام الاستقطاب الثنائي ويبدو لي إننا نعيش مرحلة حرجة في تاريخ البشرية , فالعنف يولد العنف المضاد وهكذا نجد أنفسنا في دائرة العنف غير قادرين على كسرها وكل منا يلوم الأخر, فالغرب يرى في الإسلام مصدر الخطر الجديد الذي حل بالعالم منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر. والعرب والمسلمون وضعوا في موقع الدفاع عن الإسلام, وتبرئته من اتهامات كيديه, كان مصدرها جماعات خارجه عن ملة الإسلام, جماعات افرزها واقعها المحلي و ترعرعت وشبت بفعل واقعها العالمي. فالمحلي والعالمي شكلوا لنا جماعات أسلامية جديدة بنوعها وليست بفكرها, ونفذت دمار سبتمبر. استطاعت هذه الجماعات الجديدة ان تدخلنا في حربا جديدة, انه بالنسبة لي الحرب الكونية الرابعة. ما حل في العالم من عنف هو إفراز لأوضاع معقدة تداخل فيها الاجتماعي والنفسي والسياسي, أنها اندفاع سريع بالكارثة نحو الكارثة, زرعت بذورها في الداخل والخارج .

واعاد التذكير بسبل انتشار الحضارة الإسلامية.وقال ان الحضارة الإسلامية التي تركت بصماتها على العالم ما كان لها ان تستقبل وتنتشر لولا إيمانها بأهمية الحوار, بل هي حضارة قامت على الانفتاح وعلى فكرة التفاهم. نحن نعرف اننا دخلنا بحروب عديدة ولكن كذلك دخلنا بحوار مع الفرس والهنود والبيزنطيين وكذلك مع جيوب الحضارة اللاتينية, مما نعتبره رصيدا تاريخيا من لغة الحوار لم يتم استثماره لظروف تاريخية , لا يعنينا نقاشها في هذه الورقة , بقدر ما نود ان نؤكد أهمية توافر مقاومات الحوار في تراثنا .

وقال اليوم نسمع عن دعوات لإصلاح التعليم , ومعظمها ينطلق من أرضية الاتفاق على ان مناهجنا التعليمية فيها ما يعيق تطور مفهوم الحوار بين الثقافات , وفيها من قيم التعزيز للفوقية في نظرتنا للتراث , وهي فوقية نمت عبر سنوات وتطورت الى حواجز نفسية منعتنا من الانفتاح وقبول الأخر. هذه الفوقية في فهمنا للثقافة والتراث دفعتنا للتباهي والنكوص والعودة الى الماضي , وكأن الماضي كفيل بحل مشاكل الحاضر, ونسينا ان الماضي تكون في ظروفه التاريخية والاجتماعية ولا يمكننا إن نعيد التاريخ بظروفه الموضوعية والذاتية. حالة التباهي وصلت الى درجة منعتنا من التبصر بأحداث العالم وترابطه , وجعلتنا نشعر وكأننا محور العالم وبالتالي وجدنا أنفسنا نتعلق بالماضي ونشعر بروح السعادة في عالم تقترب فيه المسافات الجغرافية ,وتتداخل الثقافات وتتفاعل مع بعضها , وفي عالم تتصارع فيه الأفكار والمعرفة ولم يعد فيه مكان لمن يعزل نفسه .


ثقافة الحوار أم الالغاء
واوضح ان الثقافة تشكل هوية الإنسان , والإنسان لا يحيى دون هوية . نتحدث عن الهجمة العالمية الموجهة ضد ثقافتنا الإسلامية والعربية, ومنطلقنا من ذلك الخوف من ضياع الهوية. ضياع الهوية تقلق الإنسان وتقلل من تركيزه وتفانيه وكفاءته وهي بحاجة الى مزيد من البحث العلمي, ولكن الحالة المضطربة التي نعيشها هي انعكاس لقوة العولمة وتحديها لكثير من مفاهيمنا التي لا نتفق فيها مع كثير من ملامح ثقافة العولمة , فقاد هذا الموقف الى عجز بنيوي في إيجاد بدائل ثقافية جديدة ,وفشلنا في تطوير مفاهيمنا وفق رؤية تراثية ديناميكية يتفاعل فيه الماضي والحاضر, تمكننا من الاعتزاز بهويتنا , وتمنحنا رؤية جديدة متوازنة للثقافات المختلفة باعتبارها نتاج إنساني لا يمكننا التقليل منها , وهي لا تقل شانا عن ثقافتنا التي أطرت وحددت معالم شخصيتنا, وكما لعبت ثقافتنا دورا في صياغة مفاهيمنا , فكذلك الثقافات الأخرى لعبت نفس الدور في صياغة منظومة القيم والسلوك لدى من نختلف معه. وكما نطالب الآخر باحترام الخصوصية الثقافية فمن باب أولى إن نمارس الاحترام للثقافات الأخرى. بمعنى ما حدث لنا هو أخفاق كبير في تمسكنا في تراثنا وهذا الإخفاق تجلى في حالة الاضطراب التي نشاهدها أمامنا في كل مناحي الحياة.

واردف قائلا الثقافة لا تتماسك الا من خلال انفتاحها على الآخر ولا تتجذر في عقل الإنسان الا من خلال المقارنة بالآخر , فالآخر هو المرآة التي نستطيع منها ان نستنبط بواطن الخلل ومن ثم نقوم بعملية التصحيح لما هو مطلوب تصحيحه ولم يعد في الإمكان في عالم الفضائيات وانتقال المعلومة , لأي مجتمع إن يحجب التفاعل مع الثقافات الأخرى تحت حجة الحفاظ على الهوية الثقافية. الحفاظ على الهوية لا يأتي من خلال العزل بقدر ما تقوى الهوية من خلال تفاعلها مع العالم بأفكاره المختلفة.

وأكد ان القدرة على الحوار تتطلب مجموعة من القيم الاجتماعية وأهمها التسامح .أننا نعني بالتسامح بقدرة المرء على قبول الرأي الذي تختلف معه وعلى مناقشته لتكوين القانعة برفضه أو قبوله وهنا نتحدث عن تكوين قناعات بان الرأي قبل للصواب والخطأ وقابل للمناقشة وليست هناك حقائق مطلقة وما يحكم ذلك الإطار الثقافي الذي ينشأ المرء فيه. لأسباب عديدة , سادت قيم التسلط في الثقافة العربية وانتقلت الى مناهجنا التعليمية ومفاهيمنا العامة وقنوات التواصل والبيئة الأسرية مما أدى إلى انتشار الحدية وأحيانا التطرف كسلوك طاغ على كثير من الشباب. وعندما نقول إن الثقافة العربية فلا يعني ذلك بكل تأكيد الإسلام باعتباره الدين القائم على الحوار بقدر ما نتحدث عن موروث ثقافي تكون وتأصل عبر مراحل التطور التاريخي للمجتمعات العربية.
واشار الى ان الإسلام كدين وفكر لم يقم على أسس إلغاء ما قبله , وحارب فكر الإكراه لقوله تعالى : والذين هم عن اللغو معرضون" من منطلق ان العقل هو سيد موقف الاختلاف في الرأي. التسامح قيمة اجتماعية نتعلمها من خلال التربية المدرسية والأسرية وهي قيمة مفقودة في محيطنا الاجتماعي ونحن بحاجة إلى أعادة النظر بكثير من مفاهيمنا ومناهجنا لكي تتلاءم مع فكر التسامح.

وقال إن من الأسباب التي أدت الى طغيان التشدد بين الشباب ما نعرفه بواقع التنافر ضمن الثقافة الواحدة, وعدم قدرتنا على هضم التنوع الثقافي وتعصبنا للقيم التي نؤمن بها دون مراعاة للقيم التي نختلف حولها. أن البشر يتنوعون بانتمائهم سواء دينيا او قوميا وسياسيا , وان التنوع هو سنة الحياة وانه لا يمكن للبشر ان يتوحدوا ضمن ثقافة واحدة بقدر ما نستطيع ان ننمي قيم مشتركة بين الثقافات المختلفة. فهناك ما يجمعنا مع سائر الثقافات , فقيم العدالة والحرية والإيمان والمساواة والاحترام والصدق والمحبة والخير والسلام نعتبرها قيما إنسانية لا نختلف عليها .
وأكد ان من المهم ان نؤمن بفكر التنوع وان البشر يختلفون بعقائدهم وان ظاهرة الاختلاف سنة كونية لا يمكننا ان ننفيها او نزيلها. اذا ما قبلنا مبدأ التنوع نستطيع ان نقبل القدرة على الحوار ونتحلى بروح التسامح, وان نقبل الثقافات الأخرى ليس باعتبارها تهديدا لثقافتنا بقدر ما هي مكونا ت إنسانية لها جذورها التاريخية ونشترك معها بمجموعة من السمات التي نعتبرها جسرا للتواصل بيننا. الحوار أداة مهمة في التواصل سواء مع نفسه او الأخر , والحوار ميزة إنسانية ولا مكن للإنسان ان يتطور دون ان يحصن نفسه بقيم الحوار. والحوار يحارب العزلة والانطواء ومن يغلق باب الحوار فهو عزل نفسه عن التواصل والانفتاح وأغلق قناة التفاعل لكسب المعرفة. والحوار ينمى القدرة على الإبداع والاعتزاز بالخصوصية الثقافية . ونحن عندما نتحاور نعبر عن وجهات نظرنا القائمة على معطيات معينة ونحاول ان نقنع الآخرين فيها , والآخرون لديهم معطياتهم وقناعاتهم وهم ينطلقون من أرضية الإقناع بصحة ما يؤمنون به . فالحوار هو تبادل وجهات نظر ومحاولة لا استخدام العقل والمنطق في توصيل وجهات نظرنا دون تعصب او انحياز.

عوامل متراكمة

واوضح ان الحوار يتطلب الاعتراف بوجود الآخر المختلف , واحترام حقه في التعبير وفي تبني آرائه وحقه في ان يحظى باحترام . والآخر قد يكون فردا او جماعة وفي الحالتين قد يكون مؤمنا بعقيدتنا وقد يكون مخالفا لنا , بمعنى ان يحمل أفكارا مخالفة لنا ولا نملك الا ان نحترمها , ونكرس أسس الاحترام المتبادل لدينا موروث ثقافي غني من الممكن الاستدلال فيه في حوارنا, فالإسلام كدين قام على الحوار والإقناع ولم ينتشر الا من خلال الانفتاح واحترام حق الأخر باعتناق أفكاره. والإسلام قام على حقيقة الاختلاف استنادا إلى قوله تعالى" يأيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" فالله خلق البشر مختلفين بآرائهم وعقائدهم وأجناسهم ولغاتهم وطلب منا ان نتحاور ولا نتقاتل وهنا قيمة دينية تم إهمالها ولم يتم استثمارها في مناهجنا التعليمية لترسيه قواعد السلوك .كما ان الحقيقة الدينية تثبت لنا بان أنبياء الله استخدموا الحوار , وفي قوله تعالى " وإذا قال إبراهيم رب ارني كيف تحيي الموتى? وقال او لم تؤمن ? قال بلى ولكن ليطمئن قلبي. " فإذن كان الحوار مع الله وأنبيائه مما يعضد حقيقة راسخة في الدين وهذا الجانب لم يتم ترويجه بين الأمة.

كما تحاور الأنبياء مع الناس , وقامت الدعوة على الحوار واحترام حق الآخرين في اعتناق أفكارهم , وهنا كذلك تأكيد على قيمة الحوار في الإسلام. وليس تعدد المذاهب الا تأكيد على الاختلاف وعلى حق الناس في اعتناق ما يوافقهم ويقترب منهم.

واشار الى ان الحضارة الحالية التي ننعم بها ما هي الا تواصل لحضارات مختلفة وكان الإسلام منها, فالحضارة الإسلامية كانت منبعا لحضارات لاحقه كما كانت الحضارة الإسلامية امتدادا لحضارات أخرى , وهذا ما نطلق عليه التواصل بين الحضارات .

وقال أن انعدام ثقافة الحوار هي نتيجة لخليط من العوامل المتراكمة و يختلط فيها السياسي والقبلي والديني , وهي خليط من تراكمات تاريخية عائلية وتربوية تحولت عبر التاريخ الى منظومة التقاليد والعادات , فعطلت نمو الشخصية المبدعة والمنفتحة , فأصبح أمر تصفيتها وإعادة التوازن لها من اشق الأمور واعقدها. ثقافة الحوار هي قيم يكتسبها الفرد من مجتمعه ولا يرثها من جينات والديه, إنها عملية تطلب ثقافة تربوية وأسرية واجتماعية تؤمن لإنسان القدرة على التفاعل مع نفسه والأخر.أنها ثقافة تتحول الى سلوك يمارسه الفرد في بيته وفي الشارع وفي البرلمان وفي العمل , إنها قواعد سلوكية ترسخ في ذهن الإنسان فتصبح أسلوبا مقرا اجتماعيا , فتختفي الهمجية من حياتنا الاجتماعية لا مناص من مواجهة ثوابت رسمت حياتنا , وهي ثوابت دخيلة لا مفر من مواجهتها عبر تغير خطابنا السياسي والديني الذي رسخ في عقول الناس , التسلطية في كل مناحي الحياة وحول السلوك والتفكير الى القمع كوسيلة للتفاهم ونستبدل كل ذلك باستعمال الحكمة والعقل والإرادة الحازمة القائمة على الذات الإنسانية السوية.

وتابع د. الطراح عرض ورقته قائلا: اليوم تصاعدت الصيحات لا صلاح التعليم انطلاقا من ان تعليمنا يعاني من تخلف في ترسية قيم الحوار ويحث الطالب على الانغلاق على الذات ويمنع نمو الإبداع واحترام حق الأخر في الاختلاف ويعزز العزلة بيننا . ولكن هل كانت بدايات تعليمنا كما انتهت إليه? بالتأكيد لدينا ثوابت تاريخية تقول بان التعليم الذي ساد في فترة الانفتاح كان تعليما حيا امتاز بحكم العقل في الاختلاف , وبالتأكيد ما كان بالإمكان ان تنتشر الحضارة الإسلامية إذا لم يكن لدينا الإيمان بأهمية الانفتاح والحوار والرغبة في النقل لما هو مفيد في تطوير ملكات العقل, التعليم أداة نقل المعرفة والثقافة عبر التاريخ , وهو يقوم بوظيفة اجتماعية تحفظ للمجتمع دوامه من خلال تعزيز الهوية الثقافية وتحضير الكفاءات التي يحتاجها السوق وفي الدولة الإسلامية ظهرت المدرسة وتطورت نتيجة ازدهار العلم والإيمان بأهميته في نشر الوعي واكتساب المعرفة . لم تكن المنظومة التعليمية منغلقة بقدر ما كنت منفتحة على الثقافات الأخرى وتقدمت الحضارة بفعل الإيمان بقيمة المعرفة الإنسانية. التعليم وان لم يأخذ شكله الرسمي المتعارف عليه الا انه كان فاعلا في حياة المجتمع واستطاع ان يكسر كثيرا من الثوابت التي شكلت عائقا نحو الانفتاح على الأخر.
التعليم في الدولة الحديثة فقد كثيرا من مقوماته ولم يعد يمتاز بالديناميكية حيث حصرت وظيفته في تخريج المهارات والتخصصات وفقد مقوما أساسيا في بناء مناهجه التي تجسد في في التركيز على الحفظ وعلى تكريس قيم الطاعة العمياء .

التعليم أداة لتطوير قدرات الإنسان , ليست القدرات المهنية فقط وإنما قدراته الإنسانية المتمثلة في معرفة قواعد السلوك والتواصل والتعبير عن حاجاته , ومهارات في كيفية حل الصراع وتعلم قواعد الاختلاف والإقناع وليس الإكراه الذي عاد سمة للشخصية العربية. التعليم الذي ننشده هو التعليم الذي يوسع خياراتنا في الحياة ويساعدنا على التفاهم والتعلم واكتساب الخبرة.

المراسل
04-07-2007, 08:00 AM
تحديات جديدة

وقال ان المجتمعات الحية تحرص على مراجعة برامجها التعليمية وإصلاح ما هو مطلوب أصلاحه و لا تنتظر من يأتي ويفرض عليها أجندة أصلاحية قد لا تتوافق مع بيئتها . ولا يخفى على المتابع بان القرن المنصرم شهد جهودا حثيثة في مجال إصلاح التعليم , وشمل ذلك تصميم المدارس وغرف الدراسة والمناهج وتدريب المعلمين وتغير في أساليب التعليم وطرق توصيل المعلومة الى متلقيها. أن القرن الذي نعيشه يمر بتغيرات سريعة وكبيرة تمس حياتنا ولا يمكننا الا ان نعيشه ونتفاعل مع وتيرة التغير ليس من خلال التخلي عن ثوابتنا العقلية وإنما اقتباس ما يتماشى مع حاجة العقل والإنسان. وتيرة التغير تزداد ولا تتباطأ , وهي بحاجة الى عقل منفتح قادر على الاستفادة منها وخصوصا أننا نشهد تغيرا تتضاعف وتيرته ولا يمكننا إغفاله وإخراجه من حياتنا. ان حجم التغير يتطلب منا تعليما متميزا يهيأ للإنسان مساحه واسعة للتفاعل مع أخيه الإنسان المغاير لثقافته والمختلف معه في فكره لكي يقوى مداركه ويحسن من قدراته.

واشار الى ان عالم اليوم يواجه تحديات جديدة وقديمة في آن واحد , فالعالم يشهد صراعات أثنية وعرقية وقومية ودينية لا تقل شانا عن الصراعات الاقتصادية والسياسية, الصراع الذي يشهده عالمنا بحاجة الى عقول قادرة على استيعاب متغيراته والتعامل معها وفق احتياجاتنا وليس سياسة الانغلاق على الذات التي أبعدتنا عن بؤرة التفاعل مع الحضارة الإنسانية. وفي خضم هذه الصراعات يظهر لنا جليا الخوف والقلق من اندثار الهوية وتتعالى الأصوات المنادية بالانكماش على الذات اعتقادا منها بان حماية الهوية يقوم على العزلة ومقاومة التغير. لا مفر لنا من إعادة فهمنا للهوية ومكوناتها الإنسانية , فالهوية هي ما يميزنا في عالم مضطرب والحفاظ عليها يتطلب مزيدا من الانفتاح لكي تتعزز مفاهيمها ومكوناتها وانه من الخطأ التعامل معها باعتبارها ورقة تتقاذفها الرياح وكأنها مغروسة في رمال متحركة.

وشدد على ان مواجهة التغير بحاجة الى حل مبرمج يلعب فيه التعليم المنظم في مدارسنا وجامعاتنا دورا أساسيا في صقل الشخصية والعقل. والتغير الذ ي ننشده هو التغير القائم على اعتبار الطالب والمعلم شركاء في البناء المجتمعي وخصوصا بان المعلم لا يحظى بمكانته الاجتماعية المرموقة .

وعن آليات التغير في ثقافة الحوار قال انها تطلب أولا: الاعتراف بالحقيقة بان المعلم في نظمنا لا يحظى بمكانته ولا يشعر بقيمته الاجتماعية , وربما لسوء التخطيط تحولت كليات أعداد المعلمين إلى مأوى للفاشلين دراسيا وللباحثين عن وظيفة سريعة تريحهم من مشقة البحث عن العمل. المعلم الذي يفقد الثقة بنفسه ولا يحظى باحترام المجتمع لا يملك القدرة على خلق الدافعية نحو تهيئة الشخصية الناقدة والمبدعة. وهنا نحن نتحدث عن سياسة دولة والحاجة الى تغيرها عبر تقديم فهم جديد لقيمة المعلم, المعلم الذي يتخرج من معاهدنا غير مهيأ للدور المناط به , فالمناهج عليلة وأساليب التعليم عقيمة , فهو بنهاية المطاف إنتاج لسياسة فاشلة لا تمكنه من القيام بدوره في خلق جيل متفاعل مع نفسه ومحيطه الإنساني.

وأكد ان التغير الذي شهدته دولنا النفطية أدى الى خلق كثير من التشوهات, فالدولة ما زالت تمارس دورها الأبوي , وسياساتها تنبع من فهمها التقليدي لدور الدولة وعلاقتها بالمواطن. بكل تأكيد نحن مع الدولة

المسؤولة عن مواطنيها ولكن لا يمكن للدولة الحديثة ان تنشئ مواطنيها على فلسفة الاتكال و التبعية, فالعلاقة يجب ان تستقيم على مبدأ الشراكة المسؤولة في بناء الدولة الحديثة. التشوه أصاب قيم العمل ولم يعد المواطن يستوعب أهمية العمل ودوره في عملية البناء, فهو يشعر بدوره الهامشي ولا يحظى بشعور الفاعل في عملية البناء. إذن التغير يتطلب تغيرا في فلسفة الدولة من حيث فهمها للمواطن باعتباره شريكا يملك القدرات التي تمكنه من المساهمة في التنمية.
واوضح انه لا يمكن للمعلم ان يقوم بدوره في ظل هيمنة ثقافة التسلط والتهميش, فهي ثقافة قاتلة للإبداع , ولا يمكننا من استيعاب ضرورة التغير الا من خلال استيعاب مضار ثقافة التسلط التي عطلت قدرات الإنسان. التسامح يشكل احد أهم المحاور في ثقافة الحوار وإذا ما كان المعلم تنقصه قيم التسامح فبكل تأكيد ينزع الى تحويل أفكاره الى طلابه ويغرس فيهم الفكر المتشدد. على المعلم ان يتحلى بروح من المرونة في قبول الأفكار ومناقشتها وان لا يمارس التعسف في دوره وان يظهر بمظهر النموذج الذي يقتدي به طلابه.

التسييس المدمر

وحول علاقة التعليم بالمواطنة قال: ان الإنسان يشكل المدخل للتغير , والمواطن الذي يشعر بأهميته ودوره يتمكن من ممارسة وظيفته الا ان حقيقة الواقع تقول بان المواطنة التي تعنى العلاقة السوية بين الدولة هي علاقة غائبة او بالأحرى لا نمارسها بحياتنا اليومية. فاليوم لا نعطي للانتماء والولاء للأرض الأهمية المطلوبة ولا يشعر الإنسان بأهمية انتمائه للدولة ويلجأ للأطر التقليدية لأجل تحقيق ما يريد المواطنة تعتبر جوهر التفاعلات التي ينتجها المجتمع ومكونا أساسيا للدولة الحديثة التي تحرص على انصهار كافة التنوعات الاجتماعية ضمن مفهوم المواطنة الفاعلة. مبدأ المواطنة بأطر العلاقة بين الفرد والدولة وفق القوانين المعمول بما تتضمنه تلك العلاقة من حقوق وواجبات ويندرج ضمن هذا المفهوم , الحرية المسؤولة التي تضفى على المواطن حقوقا سياسية وأخرى قانونية واجتماعية وثقافية. المواطنة تعنى في ابسط معانيها , المشاركة الواعية والفاعلة دون وصاية وهي علاقة ديناميكية تهيمن عليها قيم التساند المشترك.

وقال ان التعليم خضع لعملية تسييس مدمرة , فالصراع بين القوى في مراكز صنع القرار أدى الى تهميش دور التعليم , أنها عملية غير أخلاقية فرغت التعليم من محتواه وخربت مبتغاة. تسييس التعليم من أهم المشكل التي وجهتها الدول النامية , حيث نتيجة لغياب الدور الفاعل للدولة أدى ذلك الى أثارة شهية القوى التقليدية في ممارسة هيمنتها على التعليم وتحول التعليم الى أداة سياسية تحقق أهداف الجماعة وليس المجتمع. لدينا الكثير من الأمثلة التي تؤكد ان تسييس التعليم قاد الى انحداره حيث لعبت الأهواء في صياغة برامجه. ففي الكويت على سبيل المثال, تم تقليص وحذف بعض الدروس الموسيقية او التربية البدنية مما اثر على مناهج التعليم من حيث تكاملها . فالموسيقى والتربية البدنية هي من المواد الأساسية التي تلعب دورا في صقل الشخصية وفي تفتيح أفاق الطالب وفي تحريك دوافعه و إنضاج سلوكه وترقية حسه.

وأكد ان التعليم الذي ينطلق من فلسفة لا يؤدي وظائفه المطلوبة , فالتعليم في بلادنا لا يسير وفق فلسفة واضحة , وهو تعليم مسيس بالدرجة الأولى لا ينطلق من سياسات مؤسسية بقدر ما هو اجتهادات متنافرة. التعليم الأساس الذي تأسس عليه الهوية الوطنية وصقل الشخصية ومن هنا فالتعليم يجب ان يحظى باهتمام مسؤول من صانعي القرار السياسي وان يحظى موضوع التطوير بمسؤولية الدولة على مستوى مجلس الوزراء وذلك تجنبا لأي محاولات لا تعبر عن تصورات الدولة وخططها. كما ان من القضايا الملحة الاهتمام بتأسيس منظومة تعليمية مترابطة ومتكاملة بدأ من رياض الأطفال حتى مراحل التعليم العالي بجميع فروعة. ويتطلب ذلك توحيد الجهود في مستوى الإدارة والأجهزة المشرفة لكي يتسنى للمخطط التربوي القيام بمسؤولياته. إضافة الى أهمية تكامل المناهج وتساندها منذ المراحل الأولى لكي تأتي الخطط ثمارها.

ونوه الى ان التعليم الفعال يقوم على المعلم المدرب والمثقف ومن هنا لا يحظى المعلم في مدارسنا بالاهتمام الكافي وخصوصا في حالة المعلم الوافد الذي ربما لا يخضع لاختبارات مهنية للتأكد من قدراته الشخصية . وطبعا كذلك لا نستثني جودة التأهيل للمعلم المحلي سواء من حيث المنهج او قدراته الشخصية, صورة المعلم بالسنوات الاخيرة لا تحظى بمكانة اجتماعية مرموقة بعكس ما كان سائدا في العقود الماضية حيث كان يحظى باحترام المجتمع . ويشير احد الباحثين الى ان القيمة المعنوية للمعلم والتعليم مقارنة بالعهود السابقة بحاجة الى بحث والى معرفة للأسباب التي أدت الى تدنى وضعه الاجتماعي , فالمعلم الذي لا يحظى باحترام المجتمع يفتقد للحماس والقدرة في تأدية واجباته, ونتيجة لدعوات التوطين لمهنة التعليم كثير ما تضررت المهنة حيث انخفضت الكفاءة في الأعداد مما ساهم في تدنى صورة المعلم في المجتمع.

وأكد انه لا يمكن لأمة أن تشق طريقها دون التعاون مع الأمم الأخرى في شتى المجالات . فالعلاقة الثقافية بين الشعوب الاخرى هي الطريق لإنماء العواطف وزيادة التواصل وفي تقريب المسافات الاجتماعية . علينا ان نغرس مفهوم التساند بين البشر, ولا يمكن لنا مواجهة مشاكلنا الا من خلال التعاون.انه من المهم ان نستوعب أهمية التعددية في الثقافات البشرية , والتعددية القائمة على التفاهم وعلى الاحترام للخصوصية للكيان الثقافي لكل مجتمع.

د. الطراح شدد على ان البشرية عليها ان تتحرك من مفهوم التكامل وليس التطاحن وغلبة ثقافة على أخرى, فكل ثقافة لها معتنقوها وتسعى للحفاظ على مكوناتها الإنسانية. من المذهل ان نستوعب دروس التاريخ ونستنبط بان التواصل بين الثقافات كان دائما حافزا للإبداع والابتكار المثمر والمفيد للبشرية. انه من المهم ان نستوعب ان البشرية ترتبط فيما بينها فيما هو مشترك وإنها بإمكانها ان تطور المشترك لصالحا وان تستوعب الاختلاف ليس من باب التباعد بقدر ما هو أثراء لكل ثقافة.

وقال ان مظاهر الدمار كثيرة وعلى البشر ان يستوعبوا ما صنعت أيديهم وأنهم بإمكانهم تنشيط التواصل للحد من الدمار الذي تعيشه الإنسانية. ما نحتاج إليه يتجسد في تطوير المشترك بيننا كبشر باختلاف عقائدنا وأفكارنا وان نسعى الى التجديد في بعض من ثواباتنا لكي نتمكن من فهم الأخر.أننا بحاجة الى روحية جديدة تعمل على تقليل الاختلاف وإعلاء قيم التعاون بيننا وعلينا ان نطور هيكلية جديدة للدولة تسمح فيه في توسيع مساحة الحوار والاهتمام في النشء باعتبارهم الاستثمار لبناء مجتمع تسود فيه قيم السلام والمحبة. أننا نطلق من مفهوم الإحساس بالتاريخ وبتفاعلاته وبتناقضاته التي ليست بالضرورة تقود الى التباعد وإنما في مزيد من الفهم لأسباب الاختلاف باعتباره حق لكل إنسان .

وخلص الى انه من المهم ان ندرك قيمة مبدأ المساواة الإنسانية, باعتبارها الوسيلة لحل كثير من الصراعات بين البشر , فالفوقية التي يمارسها البعض وخصوصا فيما يخص الثقافة نعده عملا مدمرا ومخربا لقيم التساند بيننا. ان الفلسفة النشطة والفاعلة في إيجاد أرضية للتعاون تتطلب بعض من التنازلات وأهمها حق البشر في الاختلاف في المعتقد وفي الدين والثقافة وان الاحترام لحرية الاختلاف هو الطريق للتواصل الفعال وهو الوسيلة لمد جسور التعاون لمزيد من التقارب بين البشر.