زوربا
04-01-2007, 02:48 PM
الراية القطرية
كتابي دعوة للشيعة لفهم ألا مستقبل لهم مع سياسة المشاكسة والتشهير والتشنيع
مقتل عثمان أول انقلاب للرعاع علي السلطة الشرعية
الإمام الخميني ترسم خطي عمر بن الخطاب في فتح بلاد فارس خطوة خطوة
كنت ومازلت ضد المذهب الحاكم سنياً أم شيعياً.. ولم يكن بيني وبين إيران زواج حتي يحدث طلاق
السنة والشيعة هم الذين جاءوا بالأمريكان للعراق
حزب الله المشروع السياسي لإيران والإسلاميون الشيعة في العراق المشروع الطائفي لها
الثقافة العربية الموروثة تنظر الي عمر وعلي كخصمين لكني أعتقد أن كليهما كان واحداً فهما ينتميان الي المنظومة المحمدية
كتابي القادم بعنوان عثمان بن عفان.. دماء علي صفحات القرآن
لن أكتب عن علي وأفضل أن يقوم كاتب سني بهذه المهمة
خلافة أبوبكر كانت قصيرة ولم يكن مثيراً للجدل إنما كان شيخاً يتبع خطي الرسول
المجتمع العراقي منقسم منذ العصر العباسي إلي ربع علي وربع عمر
السنة ليس لهم موقف ضد أهل البيت ولا يوجد سني يكرههم
دمشق - شادي جابر
حسن نوري سلمان خلف العلوي كاتب وباحث ومفكر عراقي مخضرم، تحظي كتبه بدائرة انتشار واسعة، وكان العراقيون يستنسخون سرّاً أي كتاب يصدره، في حين كان العثور علي نسخة من كتبه يقود صاحب المكتبة و القاريء إلي سجن طويل.
وضع العديد من الكتب والمؤلفات كان آخرها "عمر والتشيع"، وكتب أيضاً "عبد الكريم قاسم رؤية بعد العشرين، الجواهري ديوان العصر، التأثيرات التركية في المشروع القومي، الشيعة والدولة القومية، دولة المنظمة السرية، أسوار الطين في عقدة الكويت، العراق الأمريكي"، كما يستعد لإصدار أربعة كتب جديدة أهمها "عثمان بن عفان.. دماء علي صفحات القرآن"، و "الجواهري.. نبتة البلوي، معادن الله، الاستيطان تحت أعمدة الصحافة".
ولد حسن العلوي في ضاحية الكرادة بالعاصمة بغداد عام 1936م، وتخرج من كلية الآداب في جامعة بغداد عام 1958، عمل في التنظيمات الأولي لحزب البعث منذ منتصف الخمسينات، وخرج من الحزب، ولم ينتم إلي تنظيم أو تجمع آخر.. عمل رئيساً لتحرير مجلة "ألف باء" قبل أن يغادر العراق إلي المنفي في فترة مبكرة من حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
للتعرف علي أبرز طروحات الكاتب والمفكر "الشيعيّ الانتماء العمري الهوي والفكر"، والإضاءة علي بعض محاور كتابه الأخير عمر والتشيع،الراية الأسبوعية زارته في منزله بحيّ المزة في دمشق وأجرت معه الحوار التالي:
عمر والتشيع
ما الذي دفعك لتأليف وإصدار كتاب عمر والتشيع؟ هل ثمة علاقة بين تأليف هذا الكتاب وبين الصراع الطائفي الدائر في العراق هذه الأيام؟
- إذا كنت تريد أن تتصالح مع خصمك وما دمت شيعياً كسياسي أو متنفذ أو صاحب أغلبية في البرلمان.. فلا يجوز لك أن تتصالح في القاعة وعندك فضائية تتعرض لمقدسات المسلمين، وتنال من الصحابة مع التركيز بشكل خاص علي عمر وعائشة.. فكأن هذه الفضائيات تعطي مسوغاً فقهياً لإصدار فتوي ضد الشيعة يستخدمها الزرقاوي.. وغيره للذبح علي الهوية.
أنا نبهت في وقت مبكر إلي أن الشيعي لم يعد معتكفاً علي منبر حسيني في قبو أو في حسينية مغلقة جميع الحاضرين فيها من الشيعة بحيث لا يعرف الآخر ماذا يحدث، فيأخذ الخطيب مداه في التشهير والتشنيع والأراجيف والأساطير، أما الآن فقد أصبح المنبر الحسيني يُبثّ عبر الفضائيات، والحديث ينقل للعالم العربي كله خلال لحظات.. ومن المعروف أن الشيعة هم أقلية محدودة في الوسط العربي والإسلامي إذ لا تتجاوز نسبتهم 10% من أعداد المسلمين في العالمين العربي والإسلامي، ومن هنا فأنت عندما تمثل الأقلية بهذه النسبة المتواضعة تكون كجزيرة محاطة ببحر سني، وبالتالي كيف ستتعامل أنت وأبناؤك مع هذا المحيط الكبير عندما تخرجون من محيطكم الصغير.. فكتابي عن عمر ودعوتي هذه هي لكي يفهم الشيعة أن الأقلية لا مستقبل لها مع سياسة المشاكسة ومع منهج التشهير والتشنيع، وإنما في التجانس مع المحيط، وهذه دعوة سبق أن دعا إليها الشيخ الراحل محمد مهدي شمس الدين في لبنان.. وينبغي علي الشيعة أن يتجانسوا مع محيطهم.
كيف تلقت المراجع الشيعية سواء في العراق أو لبنان أو إيران كتابك الجديد؟.
- ربما لم يصل إليهم بعد.. فلا أعرف ما موقفهم.
وكيف كان رد فعل الحكومة العراقية عليه؟
- الحكومة العراقية لا تقرأ، وإنما تستلم بعض التقارير، فمعلوماتها معلومات المخبرين وليست معلومات المطّلعين.
هل هناك من علاقة بين استقالتك من منصبك كسفير للعراق في سوريا وبين إصدارك لهذا الكتاب؟
- نعم أعتقد أن هناك علاقة.. أنا لم أباشر عملي في السفارة لكني توقعت بعد إصدار هذا الكتاب أنهم سيصدرون قراراً بإلغاء المرسوم الجمهوري بتعييني سفيراً في عام 2004، رغم أني لم أباشر ولم أستلم مكافأة شهرية ولم أستخدم أي أداة ولا أعلم أين هي السفارة، وإنما قيل لي إنها مجاورة للسفارة الأمريكية.. لم أذهب إلي السفارة يوماً، لكنهم ربما كانوا سيستغلون هذا الأمر، فأنا استعجلتهم.. سبقتهم إلي الأمر.
قلت في كتابك إن المصريين افتخروا ببطلهم الجديد فأنصفوه وحملوه أسلوباً للإدارة، وأنموذجاً للزهد والتسامي، وروحاً للعدالة الإلهية فيما كبا أهل العراق كبوتهم، فلم يكتب فيه مثقف ينتسب إلي ثقافة التسنن..هل يأتي إصدارك لهذا الكتاب لقطع هذه الكبوة وإنصاف عمر بن الخطاب؟
- محتمل.. نعم.
ألم تخشَ أن يزيد إصدار هذا الكتاب من غضب المراجع الدينية والعامة في الطائفة الشيعية ومن نقمتها عليك؟
- أنا مغضوب عليّ شيعياً من قبل الإسلاميين الشيعة رغم كوني صاحب كتاب "الشيعة والدولة القومية" الذي كان أول كتاب يؤسس للحقوق المدنية للشيعة، وقد اعترف الدكتور أحمد الجلبي في مقابلة تلفزيونية مع قناة العراقية قبل أيام بأن كل عراقي مدين لكتابات حسن العلوي في الحقوق المدنية، فأنا لم أتكلم عن حقوق طائفية للشيعة وإنما عن حقوق مدنية للشيعة، لكنهم بشكل أو بآخر يعترفون بأن هذا الكتاب من أهم ما صدر من كتب الشيعة. ينشرونه في صحفهم ويشتمونني، يسرقونه ويطبعونه، ثم يضعون في المقدمة أنهم غير مسؤولين عما ورد في الكتاب من أفكار، نظراً لأن الكاتب كان بعثياً أو ليس إسلامياً، وغرض هؤلاء قائم مع كثير من اللؤم والضغينة فهم مملوؤن ضغينة ولؤماً ضد الآخر، هم يهاجمون الكاتب لأنه كان بعثياً قبل ربع قرن، فكيف لهم أن يتصالحوا مع البعثي وحامل السلاح الآن في العراق؟! إنهم يكذبون علي الناس.
هم يعترضون علي من يكتب "الشيعة والدولة القومية" ثم يكتب "عمر والتشيع"، وأقول لهم هما كتاب واحد.. في الكتاب الأول كنت أتكلم عن الحقوق المدنية للشيعة والحقوق المهضومة، كنت ضد أن تتحول الدولة إلي مذهب حاكم ومذهب محكوم، وكان حينها الحاكم سنياً والمحكوم شيعياً، وفي كتابي عن عمر بن الخطاب المذهب الحاكم شيعي والمحكوم سني.. أنا لا أغير موقفي فأنا كنت ومازلت ضد المذهب الحاكم سنياً كان أم شيعياً، لكن هناك قصوراً في فهم هذا المنهج، ولذلك فالمطلوب مني أن أوضح أكثر من ذلك.
في كتابي "الشيعة والدولة القومية"، 400 صفحة وأنا أتكلم عن حقوق الشيعة الضائعة.. الحقوق المدنية وليست الدينية، والكتاب هو ضد أن تتمذهب الدولة وضد أن يكون هناك مذهب حاكم ومذهب محكوم، وأنا ذكرت أن المذهب المحكوم في هذه الدولة هم الشيعة.. والآن في العراق الأمريكي أصبح المذهب الحاكم هو الشيعي والمحكوم هو السني.
هل يمكن القول إن هذا الكتاب يشكل طلاقاً بيّناً بينك وبين إيران وحلفائها؟
- لم يكن بيني وبين إيران من زواج حتي يحدث الطلاق، هذا أولاً، وثانياً علي العكس من أخطر ما في الكتاب هو الفصل عن الإمام الخميني باعتباره نموذجاً لفقه المشاركة، هو ترسّم خطي عمر بن الخطاب في فتح بلاد فارس خطوة خطوة، وعندما تعود إلي الكتاب ستجد ما لا يقل عن ثلاثين خطوة للإمام الخميني استمدها من عمر بن الخطاب في فتح بلاد فارس، فكلتا التجربتين واحدة وهي واحدة لأنها محمدية وأنا من محبي الإمام الخميني.. وقد قال فيّ السيد الخامنئي بعد أن رفع كتاب "أسوار الطين في عقدة الكويت" عام 1996، وبين مجموعة من المساعدين ومنهم السيد محمد علي التسخيري، قال "إن كتب حسن العلوي تخدم البشرية"، وعندما قلت له إنني لست إسلامياً قال "نعم ولكن كتبك تخدم البشرية وتخدم الحقيقة".
الكتابة عن الخلفاء الراشدين
أشرت في كتابك إلي أن ظهور بعض علماء الشيعة علي الفضائيات العربية وتنافسهم في مسبة عمر عجل في إصدار الكتاب، هل هذا يعني أن الكتاب صدر قبل وقته؟.
- الكتاب دائماً يخضع للتوقيت.. هو لم يصدر الآن بسبب المداخلات التلفزيونية، ولكن هذه المداخلات ساهمت في توقيت إصدار الكتاب. أنا بدأت بتأليفه بعد كتابي "أسوار الطين في عقدة الكويت" أي منذ عام 1996، والكتاب يأتي ضمن موسوعة اسمها "الفتوح السفيانية"، وهذا الفصل الخاص بعمر، وهناك فصل خاص بعثمان ربما يصدر هذا العام، وعنوانه "عثمان بن عفان.. دماء علي صفحات القرآن".
هل ستكتب عن باقي الخلفاء الراشدين.. أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما؟
- لا.. لأن الكتابة عن علي بن أبي طالب لا تدخل في برنامج المصالحة ولا الكتابة عن أبي بكر، فأبو بكر كانت خلافته قصيرة، ولم يكن مثيراً للجدل، كان رضوان الله عليه شيخاً يتبع خطي الرسول عليه الصلاة والسلام، أما عمر فهو شخصية حيوية مثيرة للانتباه وللجدل، وهي قائمة حتي الآن.. وفيما يتعلق بالخليفة الثالث عثمان فهو لم يعش حياة ناشطة وإنما كانت وفاته هي المهمة، مقتله كان مفجعاً.. ولهذا كتبت عن حياة عمر وأكتب الآن عن ممات عثمان.. أما فيما يتعلق بالكتابة عن علي، فأفضل أن يقوم كاتب سني بهذه المهمة.
هل ستتطرق إلي نتائج مقتل عثمان رضي الله عنه، وما سمي بقميص عثمان وحرب الجمل..؟
- بالتأكيد.. أنا أعتقد أن مقتل عثمان بهذه الطريقة هو الذي هيأ لجميع الانقلابات العسكرية في الوطن العربي، وهذا يعني أن الرعاع في الشارع يستلبون السلطة.. في لحظة ما يتسورون الحيطان.. يدخلون القصر الملكي.. يقتلون الملك.. أو يسجنون الملك.. أو ينفون الملك.. ويصبحون ملوكاً مكانه باسم رؤساء جمهورية. السابقة الأولي كانت في مقتل عثمان، فأنا أعالج الموضوع معالجة سياسية وليست دينية، مقتل عثمان هو أول انقلاب للرعاع علي السلطة الشرعية.
هل يمكن القول أن حسن العلوي تأثر بعلي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب بنفس المقدار؟ وإن لم يكن فأي الرجلين كان تأثيره أكبر في نفس وضمير ووجدان حسن العلوي؟
- سؤالك يعكس الثقافة العربية الموروثة بالنظر إلي علي وعمر كخصمين، ولهذا تريد أن تعرف لمن أنحاز لهذا أو لذاك.. أنا أشفق علي هؤلاء الذين إذا أرادوا التعبير عن عدم طائفيتهم قالوا نحن منصفون مع علي وعمر، وكأنهم يقرّون بوجود خصومة بين علي وعمر، فهم يجمعون هذه الخصومة بهذين الاسمين، وهذا السؤال يوحي كأنهما خصمان وعلي أن أذهب إلي أحدهما.
أنا أعتقد أن كليهما كان واحداً لأن عمر وعلي ينتميان إلي المنظومة المحمدية.. هما شخص واحد وفلسفة واحدة، وهما أوضح وأبرز ثنائية في تاريخ الإسلام، وقد ظهرت في المزاج وفي السلوك وفي طريقة الحكم، ولذلك أبقي الإمام علي علي جميع قرارات عمر بن الخطاب، فأبقي تحريم زواج المتعة كما هو مثلاً، ولم يغير أي كلمة في قرارات عمر سوي مسألة التسوية في العطاء. عمر وضع جدولاً تراتبياً في العطاء يعطي لعائلة الرسول أولاً وحسب القدم في الإسلام، وهو الذي قال: لا أساوي بين من قاتل رسول الله ومن قاتل معه.. وفي آخر حياته قال: لو عشت لقابل لأعدت الفضول إلي أصحابها، أي لو عشت للعام القادم لعدت إلي منهج التسوية في العطاء، وذلك بسبب الطريقة التي استخدمها بعدم التسوية في العطاء.. وعلي بن أبي طالب استخدم التسوية وهي طريقة أبو بكر وطريقة عثمان لكن عمر اختص بعدم التسوية في العطاء، كذلك عمر أوصي من يأتي بعده بأن يبقي الولاة والعمال لمدة عام دون تغيير حتي لا يحدث اشتباك في الإدارة، ولأن هؤلاء لديهم خبرة أبقاهم عثمان بن عفان لمدة عام بينما لم يلتزم علي بن أبي طالب بهذا القرار لأن الوصية لم تشمله كونه لم يأتِ بعد عمر مباشرة وكان الخليفة الرابع.. وقد نصح بعض الصحابة الإمام علي بأن لا يغير وبأن يستخدم نفس الطريقة السابقة في إبقاء الولاة كما هم، لكن احتجاجات كثيرة ظهرت علي بعض الولاة وكان لا بد من تغييرهم وقد غيّرهم، وهذه كانت بداية الإشكالات التي واجهت الإمام علي.. وفي غير ذلك فإن الإمام علي أبقي قرارات عمر كما هي لأن الحكم في زمن عمر كان حكماً مشتركاً لجميع الصحابة، وأكثر اثنين تشاركا هما علي وعمر، تشاركا في القرارات شراكة كانت أكثر من شوري، ولهذا قلت في كتابي إن علياً كان شريكاً في السلطة وليس مستشاراً.
التصالح مع التاريخ
في كتابك عمر والتشيع تشترط لنجاح مشروع المصالحة الطائفية أن يبدأ من التصالح مع التاريخ، وتشير إلي أن حضور اجتماع للمصالحة دون الأخذ بهذا الشرط هو خداع للنفس وضحك علي الذات.. لكن هناك من يتساءل لماذا نتصالح مع التاريخ؟ أليس الأجدي بنا أن نتصالح مع الحاضر لبناء المستقبل؟
- منهجي اجتماعي أكثر منه سياسي، وعلي ضوء العلاقات والقوانين الاجتماعية يأتي الناتج السياسي، فالسياسة بنت المجتمع لكن الثقافة العربية الحديثة جعلت المجتمع ابن السياسة، وهذا هو الفرق بين الثوري والمحافظ.. فالمحافظ يعتقد أن السياسة هي بنت المجتمع أما الثوري فيقول بأن السياسة هي أم المجتمع وهي التي تخلق هذا المجتمع وتحدد ملامحه.
الفرق بين الاثنين هو ما جعلني أذهب إلي التاريخ.. فالعمل السياسي سهل، إذ يمكن أن يلتقي الخصمان ويصفق الحاضرون وتصفق القاعة للمنصة وكأن الأمر انتهي، لكن العامل الاجتماعي يبقي، فالمجتمع العراقي منقسم منذ العصر العباسي إلي ربع علي وربع عمر، وعلينا أن نقر بذلك حتي لا نكذب علي أنفسنا.. وهذه أمور التقطها العالم الجريء الشجاع الدكتور علي الوردي الذي تتلمذت عليه في الكلية وما بعد الكلية.. وبقي صديقي حتي وفاته.. الدكتور الوردي صنفهم إلي جماعتين ربع علي وربع عمر، إذاً هناك انقسام اجتماعي، وهناك خطابان في المجتمع.. تأتي فترات يخمد هذا البركان وتأتي فترات أخري لينشط.
لكن هناك من يقول إن الاحتلال الأمريكي للعراق أطلق العنان للصراع الطائفي، فالطوائف كانت موجودة في العراق من قبل الاحتلال إلا أن ظهور الطائفية بهذا الشكل المخيف الذي نراه الآن لم يكن كذلك قبل مجيء الأمريكيين؟
أنا أعتقد أن الانشطار الطائفي في العراق موجود قبل أن تكتشف أمريكا وقبل أن يعرف العالم أن هناك قارة اسمها أمريكا، هو موجود منذ العصر العباسي، فالأمريكان لم يأتوا لنا بالطائفية.. الطائفية مستقرة والعراق ميدان ممتاز لحروب الطوائف، الدول تختار الصراع الطائفي، وقد اختارت تركيا وإيران "الدولة العثمانية والدولة الصفوية" هذا النوع من الصراع، وكان صراعاً طويلاً شهد حروباً دامية.. ولذلك لا يجوز بسهولة أن نأتي ونختصر التاريخ والمجتمع ونتعلق بالظاهرة السياسية العاجلة المرئية الواضحة، فنقول مثلاً إن الصراع في العراق بين السنة والشيعة أوجده الأمريكان.. ربما يكون الصحيح أن السنة والشيعة هم من جاء بالأمريكان.. فالسنة تحالفوا مع البريطانيين، والعراق البريطاني كان منذ عام 1921م حتي سقوطه عام 1958م عراقاً سنياً، كان الحاكم سنياً لكن الحكم لم يكن كذلك، بمعني أن الحكم لم يكن يسير علي سنن المذاهب السنية الأربعة، كان الحاكم سنياً والقرار كذلك، وكان الحاكم يوظف الطائفة للاستئثار بالسلطة وامتيازاتها، أما الآن فقد انعكست الصورة لكن بنفس الطريقة فالقرار أصبح شيعياً.. الحاكم اليوم شيعي وليس الحكم شيعياً، فالعراق الأمريكي الذي بدأ في 9/ 4 / 2003م هو عراق شيعي، ونتج عن اتفاق بين الشيعة والأمريكان.. والخطر الكبير الآن في العراق هو في محاولة الحاكم الشيعي أن يجعل الحكم شيعياً.
أنا أعتقد أن الصراع كان موجوداً في التاريخ، لكنه اليوم صراع شرس وصل إلي مستويات مرعبة وهي تتمثل مع الأسف في القتل علي الهوية.
الخلاف إيديولوجي سياسي
في كتابك تشبه إيديولوجيا القطيعة الدينية بالإيديولوجيا الماركسية القائمة علي نبذ وتجريم وإبطال أي اشتراكية أو فكرة صالحة خارج الجدلية الماركسية وقوانين التطور التاريخي القائل بالاشتراكية العلمية.. هل تساوي بذلك بين الإيديولوجيتين أو بين الإيديولوجيات كافة، وهل يمكن المقارنة بين النص الديني المستوحي من القرآن والسنة النبوية وبين النصوص الأخري المعدة من قبل البشر؟
-أنا أتحدث عن النهج الإيديولوجي.. عندما يقول الماركسي لأتباعه لا توجد إلا اشتراكية واحدة وما عداها خطأ. أنا أعتقد أن النهج الإيديولوجي واحد، هناك منهج القطيعة عند من يقولون إن الإمام علي بن أبي طالب قاطع الصحابة والدولة بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم.. هؤلاء أشبههم بأصحاب منهج القطيعة من الماركسيين الذين لا يرون حياة أخري أو اشتراكية أخري خارج اشتراكيتهم، بينما اكتشفنا وجود اشتراكية أخري في العالم، وتحديداً في السويد والدول الاسكندنافية، ثبت أنها أرقي بكثير من الاشتراكية السوفيتية التي اندثرت فيما بقيت الاشتراكية في تلك الدول. ومن هنا أنا أردت القول لأهل القطيعة اذهبوا إلي العالم الآخر ولا تكونوا كالماركسيين، ولم أكن أريد أن أقارن بين العقيدتين.
إذا أردنا العودة إلي لبّ الخلاف بين السنة والشيعة.. من خلال أبحاثك الكثيرة في هذا المجال، هل تؤكد الآن مجدداً أن الخلاف السني الشيعي عموماً هو خلاف سياسي كما يذهب بعض المجددين من الباحثين الإسلاميين؟
- في العراق الصراع سياسي نعم، وفي كتابي "الشيعة والدولة القومية" قلت إن الصراع سياسي وليس دينياً، وفي كتابي "عمر والتشيع" قلت إن الصراع سياسي أيضاً، فالصراع بالأساس سياسي، كان ولا يزال صراعاً علي السلطة وبسببها، ولو لم تكن السلطة في العراق لما كان المجتمع العراقي يتصارع بهذه الحدة، فإذاً هناك دافع سياسي وهنا تأتي مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية كدولة احتلال.
كان عمر بن الخطاب بعد أن اتسعت الدولة العربية وافتتح العراق يقول "لو مات جدي في طفّ الفرات لشعرت أن الله سيحاسب عمر عليه"، بمعني أنه كان يعتبر نفسه مسؤولاً حتي عن حياة العنزة علي شاطئ الفرات.. ولكن انظر الآن إلي الرئيس بوش فهو ورغم كل هذه المذابح يظهر الآن علي التلفزيون ليقول إن الوضع في العراق ممتاز ونحن متفائلون.. أين هو التفاؤل في ظل هذه المذابح التي تحصل الآن؟!.
كتابي دعوة للشيعة لفهم ألا مستقبل لهم مع سياسة المشاكسة والتشهير والتشنيع
مقتل عثمان أول انقلاب للرعاع علي السلطة الشرعية
الإمام الخميني ترسم خطي عمر بن الخطاب في فتح بلاد فارس خطوة خطوة
كنت ومازلت ضد المذهب الحاكم سنياً أم شيعياً.. ولم يكن بيني وبين إيران زواج حتي يحدث طلاق
السنة والشيعة هم الذين جاءوا بالأمريكان للعراق
حزب الله المشروع السياسي لإيران والإسلاميون الشيعة في العراق المشروع الطائفي لها
الثقافة العربية الموروثة تنظر الي عمر وعلي كخصمين لكني أعتقد أن كليهما كان واحداً فهما ينتميان الي المنظومة المحمدية
كتابي القادم بعنوان عثمان بن عفان.. دماء علي صفحات القرآن
لن أكتب عن علي وأفضل أن يقوم كاتب سني بهذه المهمة
خلافة أبوبكر كانت قصيرة ولم يكن مثيراً للجدل إنما كان شيخاً يتبع خطي الرسول
المجتمع العراقي منقسم منذ العصر العباسي إلي ربع علي وربع عمر
السنة ليس لهم موقف ضد أهل البيت ولا يوجد سني يكرههم
دمشق - شادي جابر
حسن نوري سلمان خلف العلوي كاتب وباحث ومفكر عراقي مخضرم، تحظي كتبه بدائرة انتشار واسعة، وكان العراقيون يستنسخون سرّاً أي كتاب يصدره، في حين كان العثور علي نسخة من كتبه يقود صاحب المكتبة و القاريء إلي سجن طويل.
وضع العديد من الكتب والمؤلفات كان آخرها "عمر والتشيع"، وكتب أيضاً "عبد الكريم قاسم رؤية بعد العشرين، الجواهري ديوان العصر، التأثيرات التركية في المشروع القومي، الشيعة والدولة القومية، دولة المنظمة السرية، أسوار الطين في عقدة الكويت، العراق الأمريكي"، كما يستعد لإصدار أربعة كتب جديدة أهمها "عثمان بن عفان.. دماء علي صفحات القرآن"، و "الجواهري.. نبتة البلوي، معادن الله، الاستيطان تحت أعمدة الصحافة".
ولد حسن العلوي في ضاحية الكرادة بالعاصمة بغداد عام 1936م، وتخرج من كلية الآداب في جامعة بغداد عام 1958، عمل في التنظيمات الأولي لحزب البعث منذ منتصف الخمسينات، وخرج من الحزب، ولم ينتم إلي تنظيم أو تجمع آخر.. عمل رئيساً لتحرير مجلة "ألف باء" قبل أن يغادر العراق إلي المنفي في فترة مبكرة من حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
للتعرف علي أبرز طروحات الكاتب والمفكر "الشيعيّ الانتماء العمري الهوي والفكر"، والإضاءة علي بعض محاور كتابه الأخير عمر والتشيع،الراية الأسبوعية زارته في منزله بحيّ المزة في دمشق وأجرت معه الحوار التالي:
عمر والتشيع
ما الذي دفعك لتأليف وإصدار كتاب عمر والتشيع؟ هل ثمة علاقة بين تأليف هذا الكتاب وبين الصراع الطائفي الدائر في العراق هذه الأيام؟
- إذا كنت تريد أن تتصالح مع خصمك وما دمت شيعياً كسياسي أو متنفذ أو صاحب أغلبية في البرلمان.. فلا يجوز لك أن تتصالح في القاعة وعندك فضائية تتعرض لمقدسات المسلمين، وتنال من الصحابة مع التركيز بشكل خاص علي عمر وعائشة.. فكأن هذه الفضائيات تعطي مسوغاً فقهياً لإصدار فتوي ضد الشيعة يستخدمها الزرقاوي.. وغيره للذبح علي الهوية.
أنا نبهت في وقت مبكر إلي أن الشيعي لم يعد معتكفاً علي منبر حسيني في قبو أو في حسينية مغلقة جميع الحاضرين فيها من الشيعة بحيث لا يعرف الآخر ماذا يحدث، فيأخذ الخطيب مداه في التشهير والتشنيع والأراجيف والأساطير، أما الآن فقد أصبح المنبر الحسيني يُبثّ عبر الفضائيات، والحديث ينقل للعالم العربي كله خلال لحظات.. ومن المعروف أن الشيعة هم أقلية محدودة في الوسط العربي والإسلامي إذ لا تتجاوز نسبتهم 10% من أعداد المسلمين في العالمين العربي والإسلامي، ومن هنا فأنت عندما تمثل الأقلية بهذه النسبة المتواضعة تكون كجزيرة محاطة ببحر سني، وبالتالي كيف ستتعامل أنت وأبناؤك مع هذا المحيط الكبير عندما تخرجون من محيطكم الصغير.. فكتابي عن عمر ودعوتي هذه هي لكي يفهم الشيعة أن الأقلية لا مستقبل لها مع سياسة المشاكسة ومع منهج التشهير والتشنيع، وإنما في التجانس مع المحيط، وهذه دعوة سبق أن دعا إليها الشيخ الراحل محمد مهدي شمس الدين في لبنان.. وينبغي علي الشيعة أن يتجانسوا مع محيطهم.
كيف تلقت المراجع الشيعية سواء في العراق أو لبنان أو إيران كتابك الجديد؟.
- ربما لم يصل إليهم بعد.. فلا أعرف ما موقفهم.
وكيف كان رد فعل الحكومة العراقية عليه؟
- الحكومة العراقية لا تقرأ، وإنما تستلم بعض التقارير، فمعلوماتها معلومات المخبرين وليست معلومات المطّلعين.
هل هناك من علاقة بين استقالتك من منصبك كسفير للعراق في سوريا وبين إصدارك لهذا الكتاب؟
- نعم أعتقد أن هناك علاقة.. أنا لم أباشر عملي في السفارة لكني توقعت بعد إصدار هذا الكتاب أنهم سيصدرون قراراً بإلغاء المرسوم الجمهوري بتعييني سفيراً في عام 2004، رغم أني لم أباشر ولم أستلم مكافأة شهرية ولم أستخدم أي أداة ولا أعلم أين هي السفارة، وإنما قيل لي إنها مجاورة للسفارة الأمريكية.. لم أذهب إلي السفارة يوماً، لكنهم ربما كانوا سيستغلون هذا الأمر، فأنا استعجلتهم.. سبقتهم إلي الأمر.
قلت في كتابك إن المصريين افتخروا ببطلهم الجديد فأنصفوه وحملوه أسلوباً للإدارة، وأنموذجاً للزهد والتسامي، وروحاً للعدالة الإلهية فيما كبا أهل العراق كبوتهم، فلم يكتب فيه مثقف ينتسب إلي ثقافة التسنن..هل يأتي إصدارك لهذا الكتاب لقطع هذه الكبوة وإنصاف عمر بن الخطاب؟
- محتمل.. نعم.
ألم تخشَ أن يزيد إصدار هذا الكتاب من غضب المراجع الدينية والعامة في الطائفة الشيعية ومن نقمتها عليك؟
- أنا مغضوب عليّ شيعياً من قبل الإسلاميين الشيعة رغم كوني صاحب كتاب "الشيعة والدولة القومية" الذي كان أول كتاب يؤسس للحقوق المدنية للشيعة، وقد اعترف الدكتور أحمد الجلبي في مقابلة تلفزيونية مع قناة العراقية قبل أيام بأن كل عراقي مدين لكتابات حسن العلوي في الحقوق المدنية، فأنا لم أتكلم عن حقوق طائفية للشيعة وإنما عن حقوق مدنية للشيعة، لكنهم بشكل أو بآخر يعترفون بأن هذا الكتاب من أهم ما صدر من كتب الشيعة. ينشرونه في صحفهم ويشتمونني، يسرقونه ويطبعونه، ثم يضعون في المقدمة أنهم غير مسؤولين عما ورد في الكتاب من أفكار، نظراً لأن الكاتب كان بعثياً أو ليس إسلامياً، وغرض هؤلاء قائم مع كثير من اللؤم والضغينة فهم مملوؤن ضغينة ولؤماً ضد الآخر، هم يهاجمون الكاتب لأنه كان بعثياً قبل ربع قرن، فكيف لهم أن يتصالحوا مع البعثي وحامل السلاح الآن في العراق؟! إنهم يكذبون علي الناس.
هم يعترضون علي من يكتب "الشيعة والدولة القومية" ثم يكتب "عمر والتشيع"، وأقول لهم هما كتاب واحد.. في الكتاب الأول كنت أتكلم عن الحقوق المدنية للشيعة والحقوق المهضومة، كنت ضد أن تتحول الدولة إلي مذهب حاكم ومذهب محكوم، وكان حينها الحاكم سنياً والمحكوم شيعياً، وفي كتابي عن عمر بن الخطاب المذهب الحاكم شيعي والمحكوم سني.. أنا لا أغير موقفي فأنا كنت ومازلت ضد المذهب الحاكم سنياً كان أم شيعياً، لكن هناك قصوراً في فهم هذا المنهج، ولذلك فالمطلوب مني أن أوضح أكثر من ذلك.
في كتابي "الشيعة والدولة القومية"، 400 صفحة وأنا أتكلم عن حقوق الشيعة الضائعة.. الحقوق المدنية وليست الدينية، والكتاب هو ضد أن تتمذهب الدولة وضد أن يكون هناك مذهب حاكم ومذهب محكوم، وأنا ذكرت أن المذهب المحكوم في هذه الدولة هم الشيعة.. والآن في العراق الأمريكي أصبح المذهب الحاكم هو الشيعي والمحكوم هو السني.
هل يمكن القول إن هذا الكتاب يشكل طلاقاً بيّناً بينك وبين إيران وحلفائها؟
- لم يكن بيني وبين إيران من زواج حتي يحدث الطلاق، هذا أولاً، وثانياً علي العكس من أخطر ما في الكتاب هو الفصل عن الإمام الخميني باعتباره نموذجاً لفقه المشاركة، هو ترسّم خطي عمر بن الخطاب في فتح بلاد فارس خطوة خطوة، وعندما تعود إلي الكتاب ستجد ما لا يقل عن ثلاثين خطوة للإمام الخميني استمدها من عمر بن الخطاب في فتح بلاد فارس، فكلتا التجربتين واحدة وهي واحدة لأنها محمدية وأنا من محبي الإمام الخميني.. وقد قال فيّ السيد الخامنئي بعد أن رفع كتاب "أسوار الطين في عقدة الكويت" عام 1996، وبين مجموعة من المساعدين ومنهم السيد محمد علي التسخيري، قال "إن كتب حسن العلوي تخدم البشرية"، وعندما قلت له إنني لست إسلامياً قال "نعم ولكن كتبك تخدم البشرية وتخدم الحقيقة".
الكتابة عن الخلفاء الراشدين
أشرت في كتابك إلي أن ظهور بعض علماء الشيعة علي الفضائيات العربية وتنافسهم في مسبة عمر عجل في إصدار الكتاب، هل هذا يعني أن الكتاب صدر قبل وقته؟.
- الكتاب دائماً يخضع للتوقيت.. هو لم يصدر الآن بسبب المداخلات التلفزيونية، ولكن هذه المداخلات ساهمت في توقيت إصدار الكتاب. أنا بدأت بتأليفه بعد كتابي "أسوار الطين في عقدة الكويت" أي منذ عام 1996، والكتاب يأتي ضمن موسوعة اسمها "الفتوح السفيانية"، وهذا الفصل الخاص بعمر، وهناك فصل خاص بعثمان ربما يصدر هذا العام، وعنوانه "عثمان بن عفان.. دماء علي صفحات القرآن".
هل ستكتب عن باقي الخلفاء الراشدين.. أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما؟
- لا.. لأن الكتابة عن علي بن أبي طالب لا تدخل في برنامج المصالحة ولا الكتابة عن أبي بكر، فأبو بكر كانت خلافته قصيرة، ولم يكن مثيراً للجدل، كان رضوان الله عليه شيخاً يتبع خطي الرسول عليه الصلاة والسلام، أما عمر فهو شخصية حيوية مثيرة للانتباه وللجدل، وهي قائمة حتي الآن.. وفيما يتعلق بالخليفة الثالث عثمان فهو لم يعش حياة ناشطة وإنما كانت وفاته هي المهمة، مقتله كان مفجعاً.. ولهذا كتبت عن حياة عمر وأكتب الآن عن ممات عثمان.. أما فيما يتعلق بالكتابة عن علي، فأفضل أن يقوم كاتب سني بهذه المهمة.
هل ستتطرق إلي نتائج مقتل عثمان رضي الله عنه، وما سمي بقميص عثمان وحرب الجمل..؟
- بالتأكيد.. أنا أعتقد أن مقتل عثمان بهذه الطريقة هو الذي هيأ لجميع الانقلابات العسكرية في الوطن العربي، وهذا يعني أن الرعاع في الشارع يستلبون السلطة.. في لحظة ما يتسورون الحيطان.. يدخلون القصر الملكي.. يقتلون الملك.. أو يسجنون الملك.. أو ينفون الملك.. ويصبحون ملوكاً مكانه باسم رؤساء جمهورية. السابقة الأولي كانت في مقتل عثمان، فأنا أعالج الموضوع معالجة سياسية وليست دينية، مقتل عثمان هو أول انقلاب للرعاع علي السلطة الشرعية.
هل يمكن القول أن حسن العلوي تأثر بعلي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب بنفس المقدار؟ وإن لم يكن فأي الرجلين كان تأثيره أكبر في نفس وضمير ووجدان حسن العلوي؟
- سؤالك يعكس الثقافة العربية الموروثة بالنظر إلي علي وعمر كخصمين، ولهذا تريد أن تعرف لمن أنحاز لهذا أو لذاك.. أنا أشفق علي هؤلاء الذين إذا أرادوا التعبير عن عدم طائفيتهم قالوا نحن منصفون مع علي وعمر، وكأنهم يقرّون بوجود خصومة بين علي وعمر، فهم يجمعون هذه الخصومة بهذين الاسمين، وهذا السؤال يوحي كأنهما خصمان وعلي أن أذهب إلي أحدهما.
أنا أعتقد أن كليهما كان واحداً لأن عمر وعلي ينتميان إلي المنظومة المحمدية.. هما شخص واحد وفلسفة واحدة، وهما أوضح وأبرز ثنائية في تاريخ الإسلام، وقد ظهرت في المزاج وفي السلوك وفي طريقة الحكم، ولذلك أبقي الإمام علي علي جميع قرارات عمر بن الخطاب، فأبقي تحريم زواج المتعة كما هو مثلاً، ولم يغير أي كلمة في قرارات عمر سوي مسألة التسوية في العطاء. عمر وضع جدولاً تراتبياً في العطاء يعطي لعائلة الرسول أولاً وحسب القدم في الإسلام، وهو الذي قال: لا أساوي بين من قاتل رسول الله ومن قاتل معه.. وفي آخر حياته قال: لو عشت لقابل لأعدت الفضول إلي أصحابها، أي لو عشت للعام القادم لعدت إلي منهج التسوية في العطاء، وذلك بسبب الطريقة التي استخدمها بعدم التسوية في العطاء.. وعلي بن أبي طالب استخدم التسوية وهي طريقة أبو بكر وطريقة عثمان لكن عمر اختص بعدم التسوية في العطاء، كذلك عمر أوصي من يأتي بعده بأن يبقي الولاة والعمال لمدة عام دون تغيير حتي لا يحدث اشتباك في الإدارة، ولأن هؤلاء لديهم خبرة أبقاهم عثمان بن عفان لمدة عام بينما لم يلتزم علي بن أبي طالب بهذا القرار لأن الوصية لم تشمله كونه لم يأتِ بعد عمر مباشرة وكان الخليفة الرابع.. وقد نصح بعض الصحابة الإمام علي بأن لا يغير وبأن يستخدم نفس الطريقة السابقة في إبقاء الولاة كما هم، لكن احتجاجات كثيرة ظهرت علي بعض الولاة وكان لا بد من تغييرهم وقد غيّرهم، وهذه كانت بداية الإشكالات التي واجهت الإمام علي.. وفي غير ذلك فإن الإمام علي أبقي قرارات عمر كما هي لأن الحكم في زمن عمر كان حكماً مشتركاً لجميع الصحابة، وأكثر اثنين تشاركا هما علي وعمر، تشاركا في القرارات شراكة كانت أكثر من شوري، ولهذا قلت في كتابي إن علياً كان شريكاً في السلطة وليس مستشاراً.
التصالح مع التاريخ
في كتابك عمر والتشيع تشترط لنجاح مشروع المصالحة الطائفية أن يبدأ من التصالح مع التاريخ، وتشير إلي أن حضور اجتماع للمصالحة دون الأخذ بهذا الشرط هو خداع للنفس وضحك علي الذات.. لكن هناك من يتساءل لماذا نتصالح مع التاريخ؟ أليس الأجدي بنا أن نتصالح مع الحاضر لبناء المستقبل؟
- منهجي اجتماعي أكثر منه سياسي، وعلي ضوء العلاقات والقوانين الاجتماعية يأتي الناتج السياسي، فالسياسة بنت المجتمع لكن الثقافة العربية الحديثة جعلت المجتمع ابن السياسة، وهذا هو الفرق بين الثوري والمحافظ.. فالمحافظ يعتقد أن السياسة هي بنت المجتمع أما الثوري فيقول بأن السياسة هي أم المجتمع وهي التي تخلق هذا المجتمع وتحدد ملامحه.
الفرق بين الاثنين هو ما جعلني أذهب إلي التاريخ.. فالعمل السياسي سهل، إذ يمكن أن يلتقي الخصمان ويصفق الحاضرون وتصفق القاعة للمنصة وكأن الأمر انتهي، لكن العامل الاجتماعي يبقي، فالمجتمع العراقي منقسم منذ العصر العباسي إلي ربع علي وربع عمر، وعلينا أن نقر بذلك حتي لا نكذب علي أنفسنا.. وهذه أمور التقطها العالم الجريء الشجاع الدكتور علي الوردي الذي تتلمذت عليه في الكلية وما بعد الكلية.. وبقي صديقي حتي وفاته.. الدكتور الوردي صنفهم إلي جماعتين ربع علي وربع عمر، إذاً هناك انقسام اجتماعي، وهناك خطابان في المجتمع.. تأتي فترات يخمد هذا البركان وتأتي فترات أخري لينشط.
لكن هناك من يقول إن الاحتلال الأمريكي للعراق أطلق العنان للصراع الطائفي، فالطوائف كانت موجودة في العراق من قبل الاحتلال إلا أن ظهور الطائفية بهذا الشكل المخيف الذي نراه الآن لم يكن كذلك قبل مجيء الأمريكيين؟
أنا أعتقد أن الانشطار الطائفي في العراق موجود قبل أن تكتشف أمريكا وقبل أن يعرف العالم أن هناك قارة اسمها أمريكا، هو موجود منذ العصر العباسي، فالأمريكان لم يأتوا لنا بالطائفية.. الطائفية مستقرة والعراق ميدان ممتاز لحروب الطوائف، الدول تختار الصراع الطائفي، وقد اختارت تركيا وإيران "الدولة العثمانية والدولة الصفوية" هذا النوع من الصراع، وكان صراعاً طويلاً شهد حروباً دامية.. ولذلك لا يجوز بسهولة أن نأتي ونختصر التاريخ والمجتمع ونتعلق بالظاهرة السياسية العاجلة المرئية الواضحة، فنقول مثلاً إن الصراع في العراق بين السنة والشيعة أوجده الأمريكان.. ربما يكون الصحيح أن السنة والشيعة هم من جاء بالأمريكان.. فالسنة تحالفوا مع البريطانيين، والعراق البريطاني كان منذ عام 1921م حتي سقوطه عام 1958م عراقاً سنياً، كان الحاكم سنياً لكن الحكم لم يكن كذلك، بمعني أن الحكم لم يكن يسير علي سنن المذاهب السنية الأربعة، كان الحاكم سنياً والقرار كذلك، وكان الحاكم يوظف الطائفة للاستئثار بالسلطة وامتيازاتها، أما الآن فقد انعكست الصورة لكن بنفس الطريقة فالقرار أصبح شيعياً.. الحاكم اليوم شيعي وليس الحكم شيعياً، فالعراق الأمريكي الذي بدأ في 9/ 4 / 2003م هو عراق شيعي، ونتج عن اتفاق بين الشيعة والأمريكان.. والخطر الكبير الآن في العراق هو في محاولة الحاكم الشيعي أن يجعل الحكم شيعياً.
أنا أعتقد أن الصراع كان موجوداً في التاريخ، لكنه اليوم صراع شرس وصل إلي مستويات مرعبة وهي تتمثل مع الأسف في القتل علي الهوية.
الخلاف إيديولوجي سياسي
في كتابك تشبه إيديولوجيا القطيعة الدينية بالإيديولوجيا الماركسية القائمة علي نبذ وتجريم وإبطال أي اشتراكية أو فكرة صالحة خارج الجدلية الماركسية وقوانين التطور التاريخي القائل بالاشتراكية العلمية.. هل تساوي بذلك بين الإيديولوجيتين أو بين الإيديولوجيات كافة، وهل يمكن المقارنة بين النص الديني المستوحي من القرآن والسنة النبوية وبين النصوص الأخري المعدة من قبل البشر؟
-أنا أتحدث عن النهج الإيديولوجي.. عندما يقول الماركسي لأتباعه لا توجد إلا اشتراكية واحدة وما عداها خطأ. أنا أعتقد أن النهج الإيديولوجي واحد، هناك منهج القطيعة عند من يقولون إن الإمام علي بن أبي طالب قاطع الصحابة والدولة بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم.. هؤلاء أشبههم بأصحاب منهج القطيعة من الماركسيين الذين لا يرون حياة أخري أو اشتراكية أخري خارج اشتراكيتهم، بينما اكتشفنا وجود اشتراكية أخري في العالم، وتحديداً في السويد والدول الاسكندنافية، ثبت أنها أرقي بكثير من الاشتراكية السوفيتية التي اندثرت فيما بقيت الاشتراكية في تلك الدول. ومن هنا أنا أردت القول لأهل القطيعة اذهبوا إلي العالم الآخر ولا تكونوا كالماركسيين، ولم أكن أريد أن أقارن بين العقيدتين.
إذا أردنا العودة إلي لبّ الخلاف بين السنة والشيعة.. من خلال أبحاثك الكثيرة في هذا المجال، هل تؤكد الآن مجدداً أن الخلاف السني الشيعي عموماً هو خلاف سياسي كما يذهب بعض المجددين من الباحثين الإسلاميين؟
- في العراق الصراع سياسي نعم، وفي كتابي "الشيعة والدولة القومية" قلت إن الصراع سياسي وليس دينياً، وفي كتابي "عمر والتشيع" قلت إن الصراع سياسي أيضاً، فالصراع بالأساس سياسي، كان ولا يزال صراعاً علي السلطة وبسببها، ولو لم تكن السلطة في العراق لما كان المجتمع العراقي يتصارع بهذه الحدة، فإذاً هناك دافع سياسي وهنا تأتي مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية كدولة احتلال.
كان عمر بن الخطاب بعد أن اتسعت الدولة العربية وافتتح العراق يقول "لو مات جدي في طفّ الفرات لشعرت أن الله سيحاسب عمر عليه"، بمعني أنه كان يعتبر نفسه مسؤولاً حتي عن حياة العنزة علي شاطئ الفرات.. ولكن انظر الآن إلي الرئيس بوش فهو ورغم كل هذه المذابح يظهر الآن علي التلفزيون ليقول إن الوضع في العراق ممتاز ونحن متفائلون.. أين هو التفاؤل في ظل هذه المذابح التي تحصل الآن؟!.