زوربا
03-26-2007, 05:27 PM
في مواجهة نظرة المجتمع «الرافضة» ومخاطر المهنة ...
الجزائر - إسماعيل طلاي
«اكسب الفرنك، وحاسب البطال»، مثل شعبي جزائري يوصي العاطلين من العمل بقبول أي وظيفة مهما قلّ أجرها، بدل الاستسلام للبطالة.
ربما جعلت هذه القناعة الكثير من الشباب يُقبلون على وظائف «موقتة» حملتها رياح التغيير الاقتصادي، وأجبرهم «ضنك العيش» على القبول بأعمال لا تزال في حكم «العيب» في نظر فئة عريضة من المجتمع، وليست دوماً مربحة مادياً، ومخاطر هذه الاعمال أعظم على حياة والفتيات وكرامتهن، اذ يمضين في رحلة البحث عن «مصروف الجيب» ولو في عز الليل!
اللافت في المجتمع الجزائري أن الأزمة الاقتصادية التي مرت بها البلاد وتدني مستوى المعيشة، جعلا الكثير من الجزائريين يغيرون نظرتهم الى فتيات حملتهن ظروف قاسية إلى امتهان «الرذيلة أحياناً»، فأصبح الكثير يرددون عبارات من مثل «مسكينات»، «الله يهديهن»، أو «الله يحسن عونهن».
إنها معادلة تختصر قصصاً كثيرة لشباب، وبالأخص لفتيات دفعتهن ظروف الحياة إلى العمل في نواد ليلية و «كباريهات» بحثاً عن مصدر رزق طيلة ساعات الليل، تجمعهن صفات واحدة: الجمال، والإثارة والقدرة على استقطاب الزبائن من أصحاب الملايين، ممن يسمون في الجزائر بـ « البقارة»، والمقصود بهم أرباب أعمال وأغنياء يعرفون بثرائهم الفاحش، ويملكون أرقى السيارات.
تعمل تلك الفتيات، وبعضهن جامعيات في ساعات الليل، وخاصة الخميس والجمعة، وتقتصر مهمتهن على الاعتناء بهؤلاء «البقارة» طيلة السهرة. وعلى رغم أن أجورهن ليست مغرية، فإن «شطارة» الفتاة تكمن في قدرتها على الاقتناص من هؤلاء الأثرياء، وما يقدمونه لهن في شكل « هبة»، أو ما يسمى «البقشيش».
يروي أنور بكثير من الحسرة قصة صديقته آمال ( 23 سنة) من رواد ملهى «مقام الشهيد» في العاصمة، فيقول: «لقد عاشت ضحية طلاق والديها ومحاولة زوج والدتها الاعتداء عليها، ما عجّل بهروبها فوقعت بين أيدي وحوش آدميين».
ويضيف بلهجة المتحسر: «لقد قاومت طويلاً، قبل أن تدفعها الحاجة إلى الاستسلام للرذيلة، واعترفت لي أنها وجدتها في بادئ الأمر لذيذة فاحترفتها، ولم تكن دموع الندم كلها لتعيد اليها ما خسرته، ويزداد ندمها عندما تلتقي صديقاتها ممن وجدن حياة زوجية مستقرة».
ويختتم أنور: «دموع الندم التي ذرفتها آمال لم تغير من حالها، فاستسلمت لقساوة الحياة لقد حاولت جاهداً ثنيها لكن من دون جدوى، فانقطع الاتصال بيننا، وسمعت أنها ماضية في ما هي عليه في إحدى المناطق بعيداً من العاصمة». والمثير أن الشباب الذكور مطلوبون أيضاً في تلك الوظائف، لكن ليس لاستقطاب الأثرياء و «البقارين»، بل للعمل كحراس شخصيينBody Gard أمام الملهى لضمان أمن الأثرياء أو مرافقة الفتيات بعد ليلة حالمة.
وبعيداً من النوادي الليلية، يمتهن شباب مهناً اخرى، لكنها لا تضمن لهم الثراء، بقدر ما تمنح لهم وظائف موسمية بين الحين والآخر.
مهنة المضيف أو المضيفة، لم يعرفها المجتمع الجزائري إلا حديثا مع الانفتاح الاقتصادي، ودخول شركات أجنبية، وتنظيم معارض دولية، تقتضي الاستنجاد بشباب توكل اليهم مهمة استقطاب الزبائن الجزائريين، ولعب دور «المترجم» لمصلحة الشركات الأجنبية.
ولم تسلم مهنة المضيفات من «القيل والقال» و «الهمس واللمز»، إذ لا يزال كثيرون يرون في تلك المهنة عيباً، باعتبار أن دور المضيفات يقتصر على ارتداء بدلات قصيرة أو مثيرة، والوقوف أمام واجهات المعارض، مثل «ديكور» لتزيين واجهات الشركات، أو يعملن على محاولة استقطاب الزبائن بعبارات لطيفة وابتسامات مغرية، قد لا تكون عواقبها دوماً محمودة!
وما يثير في رفض الكثير من الجزائريين تلك المهن، أن معظم الفتيات اللواتي يشتغلن مضيفات لا يتلقين أجوراً محترمة، وكثيراً ما يقعن ضحية استغلال جمالهن وأجسادهن لتحقيق مآرب تجارية!
وعلى النقيض، ترى نسيمة بشكار صاحبة وكالة ACM Events»» أن مهنة المضيفة مهنة لا تقل «شرفاً» عن غيرها، وتقول: «فتحت الوكالة بمساعدة زوجي منذ خمس سنوات، واستقبلنا قرابة أربعمئة فتاة إلى يومنا هذا، يتم اختيارهن على أساس مقاييس، أهمها أن تكون جامعية ما بين 20 و25 سنة، وبرضا الوالدين لمن لم تصل الى العشرين. كما نشترط اتقان لغتين على الأقل، وأن يكون للفتاة مظهر مقبول وقدٌ أنيق»، مضيفة: «نحن لا نستغل الفتيات، بل نقدم لهن دورة تدريبية لمدة ساعات قبل دخولهن إلى الميدان، وندفع لهن أجرة بحسب ساعات العمل، كما نوفر لهن النقل والايواء والحماية طيلة ساعات الخدمة».
وتعترف نسيمة بأن مهنة المضيفة لا تزال مرفوضة، ما جعل عدد الوكالات المتخصصة في توظيفهن ضئيلاً، بسبب ضعف إقبال الفتيات الجزائريات لدوافع متعلقة بالقيم والعادات والتقاليد ونظرة المجتمع دوما.
وفي المقابل، تقول نسيمة إن 70 في المئة من موظفيها من الجنس «اللطيف»، مقابل 30 في المئة من الجنس «الخشن» ممن يشترط فيهم أيضاً المقاييس ذاتها، بما في ذلك حسن المظهر أيضاً!
وعن الرواتب لا تسأل! فهي تدخل في دائرة «سري للغاية»، على حد تعبير نسيمة. في حين يؤكد بعض الشباب أنها لا تتعدى 50 إلى 75 دولاراً مقابل خمس أو ثماني ساعات من العمل يومياً، لكنها أجور تفوق – غالباً – ما يتقاضاه عامل دائم أو متعاون في أي قطاع آخر.
صنف آخر من المهن التي أصبح الشباب الجزائريون يقبلون عليها في شكل «محتشم»، بسبب قلة مدخولها، وتتعلق بـ «الممثل التجاري للشركات»، حيث تنشر بعض الشركات، ولا سيما الأجنبية منها إعلانات لتوظيف شباب يتولون الترويج لمنتجاتها. وعادة ما يتحرك هؤلاء الشباب بحقائب يحملونها فوق ظهورهم ويطرقون أبواب المنازل والشركات والإدارات، يعرضون منتوجات مختلفة، حتى مواد التنظيف أحياناً، ويحاولون إغراء المواطنين باقتناء المنتوج، بعد أن يقدموا له نموذجاً مجاناً.
لكن الطريف في الأمر، أن هذه الوظيفة «غير مرحب» بها أيضاً لدى كل الجزائريين، ويروي شباب أنهم كثيراً ما ووجهوا بـ «الرفض» أو «النهر» أو حتى «الشتم»، لأن العائلات ترفض أن تمارس تلك الشركات الدعاية على ظهورها، على حد قول بعضها، وبخاصة حينما يطلب الشاب، (الممثل التجاري للشركة)، من صاحب البيت أن يملأ قسيمة ويعطي انطباعه في المنتوج، فما بالك أن يقبل بالظهور في حملة إعلامية على التلفزيون ليمدح المنتوج. أما أسباب الرفض، فلها عادة مدلول واحد: البيوت لأهلها فقط.
الجزائر - إسماعيل طلاي
«اكسب الفرنك، وحاسب البطال»، مثل شعبي جزائري يوصي العاطلين من العمل بقبول أي وظيفة مهما قلّ أجرها، بدل الاستسلام للبطالة.
ربما جعلت هذه القناعة الكثير من الشباب يُقبلون على وظائف «موقتة» حملتها رياح التغيير الاقتصادي، وأجبرهم «ضنك العيش» على القبول بأعمال لا تزال في حكم «العيب» في نظر فئة عريضة من المجتمع، وليست دوماً مربحة مادياً، ومخاطر هذه الاعمال أعظم على حياة والفتيات وكرامتهن، اذ يمضين في رحلة البحث عن «مصروف الجيب» ولو في عز الليل!
اللافت في المجتمع الجزائري أن الأزمة الاقتصادية التي مرت بها البلاد وتدني مستوى المعيشة، جعلا الكثير من الجزائريين يغيرون نظرتهم الى فتيات حملتهن ظروف قاسية إلى امتهان «الرذيلة أحياناً»، فأصبح الكثير يرددون عبارات من مثل «مسكينات»، «الله يهديهن»، أو «الله يحسن عونهن».
إنها معادلة تختصر قصصاً كثيرة لشباب، وبالأخص لفتيات دفعتهن ظروف الحياة إلى العمل في نواد ليلية و «كباريهات» بحثاً عن مصدر رزق طيلة ساعات الليل، تجمعهن صفات واحدة: الجمال، والإثارة والقدرة على استقطاب الزبائن من أصحاب الملايين، ممن يسمون في الجزائر بـ « البقارة»، والمقصود بهم أرباب أعمال وأغنياء يعرفون بثرائهم الفاحش، ويملكون أرقى السيارات.
تعمل تلك الفتيات، وبعضهن جامعيات في ساعات الليل، وخاصة الخميس والجمعة، وتقتصر مهمتهن على الاعتناء بهؤلاء «البقارة» طيلة السهرة. وعلى رغم أن أجورهن ليست مغرية، فإن «شطارة» الفتاة تكمن في قدرتها على الاقتناص من هؤلاء الأثرياء، وما يقدمونه لهن في شكل « هبة»، أو ما يسمى «البقشيش».
يروي أنور بكثير من الحسرة قصة صديقته آمال ( 23 سنة) من رواد ملهى «مقام الشهيد» في العاصمة، فيقول: «لقد عاشت ضحية طلاق والديها ومحاولة زوج والدتها الاعتداء عليها، ما عجّل بهروبها فوقعت بين أيدي وحوش آدميين».
ويضيف بلهجة المتحسر: «لقد قاومت طويلاً، قبل أن تدفعها الحاجة إلى الاستسلام للرذيلة، واعترفت لي أنها وجدتها في بادئ الأمر لذيذة فاحترفتها، ولم تكن دموع الندم كلها لتعيد اليها ما خسرته، ويزداد ندمها عندما تلتقي صديقاتها ممن وجدن حياة زوجية مستقرة».
ويختتم أنور: «دموع الندم التي ذرفتها آمال لم تغير من حالها، فاستسلمت لقساوة الحياة لقد حاولت جاهداً ثنيها لكن من دون جدوى، فانقطع الاتصال بيننا، وسمعت أنها ماضية في ما هي عليه في إحدى المناطق بعيداً من العاصمة». والمثير أن الشباب الذكور مطلوبون أيضاً في تلك الوظائف، لكن ليس لاستقطاب الأثرياء و «البقارين»، بل للعمل كحراس شخصيينBody Gard أمام الملهى لضمان أمن الأثرياء أو مرافقة الفتيات بعد ليلة حالمة.
وبعيداً من النوادي الليلية، يمتهن شباب مهناً اخرى، لكنها لا تضمن لهم الثراء، بقدر ما تمنح لهم وظائف موسمية بين الحين والآخر.
مهنة المضيف أو المضيفة، لم يعرفها المجتمع الجزائري إلا حديثا مع الانفتاح الاقتصادي، ودخول شركات أجنبية، وتنظيم معارض دولية، تقتضي الاستنجاد بشباب توكل اليهم مهمة استقطاب الزبائن الجزائريين، ولعب دور «المترجم» لمصلحة الشركات الأجنبية.
ولم تسلم مهنة المضيفات من «القيل والقال» و «الهمس واللمز»، إذ لا يزال كثيرون يرون في تلك المهنة عيباً، باعتبار أن دور المضيفات يقتصر على ارتداء بدلات قصيرة أو مثيرة، والوقوف أمام واجهات المعارض، مثل «ديكور» لتزيين واجهات الشركات، أو يعملن على محاولة استقطاب الزبائن بعبارات لطيفة وابتسامات مغرية، قد لا تكون عواقبها دوماً محمودة!
وما يثير في رفض الكثير من الجزائريين تلك المهن، أن معظم الفتيات اللواتي يشتغلن مضيفات لا يتلقين أجوراً محترمة، وكثيراً ما يقعن ضحية استغلال جمالهن وأجسادهن لتحقيق مآرب تجارية!
وعلى النقيض، ترى نسيمة بشكار صاحبة وكالة ACM Events»» أن مهنة المضيفة مهنة لا تقل «شرفاً» عن غيرها، وتقول: «فتحت الوكالة بمساعدة زوجي منذ خمس سنوات، واستقبلنا قرابة أربعمئة فتاة إلى يومنا هذا، يتم اختيارهن على أساس مقاييس، أهمها أن تكون جامعية ما بين 20 و25 سنة، وبرضا الوالدين لمن لم تصل الى العشرين. كما نشترط اتقان لغتين على الأقل، وأن يكون للفتاة مظهر مقبول وقدٌ أنيق»، مضيفة: «نحن لا نستغل الفتيات، بل نقدم لهن دورة تدريبية لمدة ساعات قبل دخولهن إلى الميدان، وندفع لهن أجرة بحسب ساعات العمل، كما نوفر لهن النقل والايواء والحماية طيلة ساعات الخدمة».
وتعترف نسيمة بأن مهنة المضيفة لا تزال مرفوضة، ما جعل عدد الوكالات المتخصصة في توظيفهن ضئيلاً، بسبب ضعف إقبال الفتيات الجزائريات لدوافع متعلقة بالقيم والعادات والتقاليد ونظرة المجتمع دوما.
وفي المقابل، تقول نسيمة إن 70 في المئة من موظفيها من الجنس «اللطيف»، مقابل 30 في المئة من الجنس «الخشن» ممن يشترط فيهم أيضاً المقاييس ذاتها، بما في ذلك حسن المظهر أيضاً!
وعن الرواتب لا تسأل! فهي تدخل في دائرة «سري للغاية»، على حد تعبير نسيمة. في حين يؤكد بعض الشباب أنها لا تتعدى 50 إلى 75 دولاراً مقابل خمس أو ثماني ساعات من العمل يومياً، لكنها أجور تفوق – غالباً – ما يتقاضاه عامل دائم أو متعاون في أي قطاع آخر.
صنف آخر من المهن التي أصبح الشباب الجزائريون يقبلون عليها في شكل «محتشم»، بسبب قلة مدخولها، وتتعلق بـ «الممثل التجاري للشركات»، حيث تنشر بعض الشركات، ولا سيما الأجنبية منها إعلانات لتوظيف شباب يتولون الترويج لمنتجاتها. وعادة ما يتحرك هؤلاء الشباب بحقائب يحملونها فوق ظهورهم ويطرقون أبواب المنازل والشركات والإدارات، يعرضون منتوجات مختلفة، حتى مواد التنظيف أحياناً، ويحاولون إغراء المواطنين باقتناء المنتوج، بعد أن يقدموا له نموذجاً مجاناً.
لكن الطريف في الأمر، أن هذه الوظيفة «غير مرحب» بها أيضاً لدى كل الجزائريين، ويروي شباب أنهم كثيراً ما ووجهوا بـ «الرفض» أو «النهر» أو حتى «الشتم»، لأن العائلات ترفض أن تمارس تلك الشركات الدعاية على ظهورها، على حد قول بعضها، وبخاصة حينما يطلب الشاب، (الممثل التجاري للشركة)، من صاحب البيت أن يملأ قسيمة ويعطي انطباعه في المنتوج، فما بالك أن يقبل بالظهور في حملة إعلامية على التلفزيون ليمدح المنتوج. أما أسباب الرفض، فلها عادة مدلول واحد: البيوت لأهلها فقط.