المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العلامة فضل الله و التشيع السلفي



ام الجواد
03-25-2007, 02:25 PM
http://64.246.58.131/media/lib/pics/thumbs/1115935349.jpg
السيد نذير الماجد

25/ 3 / 2007م - 10:50 ص
بين الحين والآخر يطل علينا بشيبته الوقورة ونظرته الحادة التي تخترق الأشياء والأبعاد ، وبوعيه المتأصل في الدين والثقافة والفكر، ذلك المفكر الإسلامي الموسوعي المتألق في مجالات عدة، فحين يتحدث يجول في التاريخ ليعود في الحاضر، ويثير الموقف الفقهي فيزيل عنه غبار الجمود وفهم السلف، ويجعل منه موقفا متوائما مع العصر وروح الحضارة، إنه السيد محمد حسين فضل الله ، الفقيه المتنور الذي عودنا على آراءه الجريئة وفتاواه المتحررة من سطوة اليمين المحافظ وهيمنة النسق الرجعي في الحوزة، لا سيما أؤلئك الذين يصنفون أنفسهم كحراس للعقيدة وأباطرة لفقه السلف!.

السيد محمد حسين فضل الله الذي أراه يحاول تطبيق منهجية الحفر "الأركيولوجي" على التاريخ والتراث الشيعي، تلك المنهجية التي بامكانها إختراق كل الترسبات والطبقات الرسوبية التي تشكلت وتراكمت عبر التاريخ وكونت الصورة الكاملة عن شخصياتا وأبطالنا ونماذجنا وعقائدنا وأخلاقنا وسلوكنا وحضارتنا واحتجاجنا وثوراتنا ودمائنا وبالتالي كل تراثنا.. المنهجية التي تتسم بالتوتر والبحث وأيضا الشك والتفحص بإمكانها أن تصل بنا لذلك النور الأول المتفجر للحركة التحررية للنبي الأكرم ولأتباعه من أصحاب علي وفاطمة،، وبالتالي نتمكن من زحزحة كل الظلال التي تراكمت عبر التاريخ.. وبقدر ما تتسم هذه المنهجية بالشك والتردد والحذر من الإقتراب من "الحقيقة المعرفية التاريخية" بقدر ما هي جريئة في نبش التراث وبلورة السؤال. فكان أن تجرأ وطرح السؤال الشهير حول مسألة "كسر الضلع" وغيرها من القضايا التاريخية.

لذلك فهو يعتبر من أبرز وجوه الخط المستنير في الحوزة وبين الفقهاء الذين يمتلكون أدوات أساسية في عملهم الاستنباطي تجعل من فهمهم الديني فهما واقعيا أكثر وتقدميا أيضا، وهذا ما قد يفتقده الآخرون الذين يخضعون لنسق مضمر لا يمكنهم تجاوزه، ويشكل عاملا ضاغطا له قوته التأثيرية البالغة في عملية صنع وإنتاج الفتوى والموقف الديني. كما أنه له حضورا لافتا في القضايا المعاصرة سواء السياسية أو الثقافية أو غيرها، وقد تمكن من اعداد وتخريج جيل إسلامي واعي ومستنير، حتى تمكنت تلك الأيادي البيضاء لفكره وعطاءه من تشكيل ثقافة ترسخت في الجيل الصاعد على امتداد العالم العربي والإسلامي، فكان حزب الله في لبنان وحزب الدعوة في العراق والبحرين والشباب الواعي والمثقف في القطيف وغير ذلك، لكن أبرز أثر يمكن لمسه، ذلك المتجسد في حزب الله الذي كان ولايزال يعتبر المرشد الروحي والمعلم الرسالي لكوادره الأساسية.. وفي حرب تموز الأخيرة التي شنتها إسرائيل على لبنان وسطر فيها حزب الله أروع ملاحم البطولة والمقاومة حتى ظفر بالنصر، كان العلامة فضل الله متواجدا في خندق المجابهة، فكان يتحدث ويخطب ويصدح في فضاء لبنان بنداء نصرة المقاومة والوقوف إلى جانبها ، مما جعل إسرائيل تستهدف منزله الخاص في محاولة للإغتيال والتصفية الجسدية.

لم تكن هذه المحاولة الوحيدة لتصفيته جسديا ، بل كانت هنالك محاولات عديدة تستهدف اغتياله، في موازاة تصفيته معنويا، من قبل الفكر السلفي - ولكن على الطريقة الشيعية!! - الذي ما انفك يحاول اغتياله معنويا وحجب فكره المتنور عن الجماهير، ففي الوقت الذي كان يناضل ضد الإستعمار والإمبريالية خارجيا والجهل والتخلف والاستبداد داخليا يرمى بسهام التكفير والتضليل من الجهة الخلفية، من جهات تزعم أن لديها "صك ملكية" و"حق وراثة" للفكر الشيعي وتمثيله ومن ثم تقديمه جاهزا معلبا وساذجا أيضا وفي قوالب مهترئة للجمهور والمغلوب على أمرهم من الناس! ضمن حرب مفروضة استخدمت فيها كل عناصر التجييش والتحشيد العاطفي المرتكز على المخيال الديني بطريقة إلهائية أبعد ما تكون عن البراءة والموضوعية والأمانة الفكرية!

كان التشيع "السلفي" ولا يزال يسعى باستماتة لاجهاض كل المحاولات الرامية لتجديد الفكر الديني، بوصفه -أي التشيع بالطريقة السلفية- نسقا سائدا يرتكز على فكر المؤسسة الرسمي المدشن عقب سيطرة الارثوذكسيات الرسمية، ذلك الفكر الذي جاء نتيحة ظروف اجتماعية في سياق تاريخي يتسم بالجمود والسكون قد تمكن من إحكام السيطرة على عمليات إنتاج الوعي الديني المغلق ورأس المال الرمزي لدى الجماعة التي عانت من الاضطهاد والقمع لقرون وقرون، حتى تكونت بنية اجتماعية ترفض التغيير حفاظا على هويتها من التهديد الوجودي.. فكان أن حدث اندماج وخلط بين محددات الهوية وبين الفكر الديني النسبي الخاضع للتغيرات التاريخية والاجتماعية من جهة والدين بوصفه المتعالي المنفتح على المطلقات من جهة أخرى.

في ظل هذا الوضع تتداخل عوامل عديدة لاثارة مثل هذه الصراعات السلمية ظاهريا والتي يعتمل فيها العنف من الداخل، فهنالك الصراع على الزعامة والرغبة في تمركزها عند أصحاب هذا التيار "السلفي الشيعي" وهنالك الشريان الإقتصادي الذي يوفر له القوة والسيطرة بل والهيمنة، وأخيرا: سيكولوجية القهر والاضطهاد كما أسلفنا. فالجماعة التي تعيش هذا الواقع تستميت من أجل تماسك الأتباع والمنتمين وإن كان هنالك ضمور في ذلك الوعي الخاص بالإنتماء الطائفي تلجأ تلك الجماعة لوسائل من شأنها إعادة التماسك وانبعاث الإحساس بالهوية من جديد كأن تخلق عدوا وهميا أو تستعدي من تختلف معهم وإن كانوا من حيث الإنتماء ينتسبون لها.. ويخيل لي أن هذا ما حدث للسيد فضل الله في محنته مع بعض خبراء التقديس "رجال الدين" قبل أن تتسع دائرة التحريض والإقصاء لتضم وجوها بارزة ونافذة ، لها سطوتها وكارزميتها في الوسط الشيعي.

قلنا أن مشكلة ذلك الفكر "الشيعي السلفي" تكمن في سلطة السلف وتقديس الفهم البشري للدين فالنص الديني الثابت لا يمكن تطبيقه دون الأخد بالإعتبار آليات التاويل. ولا يمكن تقديم رؤى تطبيقية دون نزع وشاح القداسة عن نتاج التفسير الديني لدى السلف، وإن كان يشكل إحدى الأدوات في بلورة رؤية دقيقة واقعية إلا أن إحتكار إنتاج الفكر الديني عند أؤلائك وأتباع مدرستهم امر قد يسهم في تقويض رؤية دينية تستقي من النص والواقع معا...

لقد تراكم فهم بشري للدين وتشكلت ثقافة إسلامية كنتاج عمل المفكرين الأوائل جراء تأثرهم بفلسفة الإغريق والنزعة العقلية.. وفي كل حقبة تظهر عدة اتجاهات في الفكر الديني وتأويل النص بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، بين التطرف والتجديد ، وكانت حركة أخوان الصفا في البصرة اولى الحركات الرائدة التي دعت في خطوة مبكرة لإعمال العقل ومنحه سلطة عليا في الفكر ضمن الإطار الشيعي.

لكن السلفية الشيعية تفرض نفسها في كل حقب التاريخ الإسلامي لتبقى هي الأكثر رسوخا ونفوذا، ذلك أن التجديد يحتاج لقدرة فقاهتية هائلة وجرأة وشجاعة لا يملكها الجميع وعادة ما يتحلى بها القليل من المفكرين، وعندما نتحدث عن الشجاعة والجرأة الفكرية فنحن نطلق ذلك على المتصدي للخرافة وإن كانت بمرتبة العقيدة عند الناس، ولا يخفى على كل لبيب أن علماء الدين الشيعة يحتاجون لهذه الجرأة والشجاعة أكثر من غيرهم لأنهم دوما في مواجهة السائد، فنحن نحتاج لمفكرين لديهم المقدرة والشجاعة لتصفية المخيال الديني مما لحق به من شوائب عبر مراحل تشكله المتعددة. ولا نقصد إطلاق المواقف مجانا بلا سند أو دليل.. بل المطلوب هو تنشيط الحوار العلمي المعتمد على الدليل وفعالية الإجتهاد والعقل، وأن يفسح المجال لأهل التخصص في التحقيق والتنقيح والبحث فـ"نحن أبناء الدليل أينما مال نميل" وكما يقال في المثل الدارج "هذا الميدان يا حميدان".. لكن يجب ان يتحقق ذلك كله شريطة الاحترام والمصداقية العلمية وعدم الإقصاء والتكفير..

من المستغرب حقا أن توجه كل هذه السهام وهذا الطعن "غير البريء وغير العلمي" ضده فقط لأنه أثار سؤالا حول مسألة كسر الضلع أو لأنه اتخذ بعض المواقف الفكرية التي تشذ عن المألوف، فليس هو أول من كانت لديه مثل هذه الآراء التي يرفضها اليوم هذا التشيع "السلفي" النرجسي والقابع في صنمية الذات، فهذا الشيخ الطبرسي في كتابه إعلام الورى باعلام الهدى الذي لم يجزم بان هنالك سقطا للزهراء وذاك الشيخ المطهري الذي نفى حادثة الأربعين جملة وتفصيلا وقبلهما الصدوق الذي طرح موقفا جريئا حول العصمة وهو الذي كان يخوض معترك الجدال العلمي مع غيره من العلماء ولم يضلله أحد ولم يكفره أحد؟ حتى أن الشيخ المفيد رد على بعض مصنفاته بمصنفات أخرى؟ والقائمة تطول.. لكننا نزداد عجبا عندما نعرف أن هذه الحملات الظالمة قد لحقت صدور مثل تلك المواقف الجريئة بفترة ليست وجيزة، وكان هو نفسه ثقة عمالقة الحوزة العلمية في النجف كالسيد الخوئي وفي قم كالإمام الخميني وغيره! ولم نسمع من خبراء التقديس وحراس الطقوس "رجال الدين" أي اتهام أو تقليل من شأن هذا المفكر العظيم، بخلاف ما نسمعه هذه الأيام من اتهامات فظيعة تكشف مدى الإفلاس الأخلاقي عند أؤلئك المغمورين من رجال الدين أو من غوغاء تعتاش على الفتن والجهل والتعصب والتمامية..

هذه الحملات المستعرة التي تذكرنا بمحاكم التفتيش في أوروبا عندما كانت تسود الأوساط العملية تلك الأسكولاستيكة الإتباعية، وتذكرنا بمحاكمة غاليلو وغيره من العلماء الذين تجرؤوا بتصديهم للجهل وبجهرهم باعتقاداتهم العلمية التي كانت نبراسا مضيئا للنهضة والتنوير.. فكانت ردة الفعل حادة جدا بحيث لم يقمع الدين ورجال الدين وحسب بل قمعت المعنوية كلها.. لذلك فإنه- أي السيد فضل الله - قد فطن لمثل هذه المخاطر والتحديات فكان أن ثبت في موقع التحدي والمداراة في أن معا ، وإلتزم فكره وخطه ونهجه دون خوف أو خشية أو لين، واستمر في مواجهة الظلم العالمي خارجيا والفكر الطوباوي والإستحمار والإستبداد داخليا. حتى وصفه أحدهم "بصخرة تتكسر عليها الأمواج الهوجاء وتعود هادئة ساكنة تنحدر عنه كالسيل البارد"..

و رغم ما نشهده من انبعاث واعادة تنشيط للفكر السلفي بوجهه الشيعي إلا أننا لازلنا نطمح بأن تنتهي المرحلة البائسة التي يواجه فيها جهابذة التجديد بتلك الفتاوى التسقيطية المجانية التي انحدرت حتى أصبح يطمع فيها البعض لنيل الشهرة! أقول تنتهي هذه المرحلة حتى يتسلل الإطمئنان إلى جسد الأمة بمنظومة عقدية ورؤية فكرية عقلانية متصالحة مع الذات واللحظة الزمنية المعاشة ومنجزات الفكر البشري..
مدرس - القطيف

جون
03-25-2007, 02:33 PM
شكرا ولكن اين نشرت هذه المقابلة جزاك الله خيرا

ام الجواد
03-25-2007, 02:49 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اخي الكريم جون
المقالة كتبها السيد نذير الماجد و الصورة ملحقة أعلاه
المقال في الحقيقة و صلني عبر ايميل أعجبت بمحتواه فنقلته الى المنتدى للافادة ;)