فاطمي
03-25-2007, 10:00 AM
سعد محيو - الخليج الاماراتية
نشرت “نيويورك تايمز” مطلع هذا الشهر دراسة مطولة وممتعة حول النقاشات الراهنة في أمريكا بين العلماء حول مسائل الله تعالى ونظريات الخلق او اللاخلق في الوجود.
عنوان الدراسة الذي جاء بعنوان “إله داروين”، لم يكن صدفة او مجرد إثارة صحافية، بل هو سعى إلى تلخيص كل الجدل العنيف هذه الأيام بين أنصار نظرية “التخطيط الذكي” (الخلق الإلهي) للحياة، وفرضية تشارلز داورين حول التطور الطبيعي الآلي للمخلوقات.
الدراسة لم تخرج بالطبع بخلاصات تحسم هذا الجدل. هذا ليس دورها، ناهيك عن انها عاجزة عن ذلك. كل ما فعلته هو انها اعادت إلى الأذهان بضربة قلم واحدة جو النقاشات الساخنة التي أثارتها أبحاث ألبرت أينشتاين في مطلع القرن العشرين حول هذه المسألة الكبرى.
بداية النقاشات انطلقت العام 1902 حين نشر هنري بوانكاريه عالم الفيزياء والرياضيات الفرنسي الشهير كتابه “العلم والفرضية”، الذي استعرض فيه مشهد الفيزياء الحديثة، فاكتشف وجود ثلاثة ألغاز كبرى في الكون تتعلق بطبيعة الجزئيات والذرات، والحقيقة الغريبة أن المعادن تبث إلكترونات حين تتعرض إلى الضوء الفوبنفسجي المعروف باسم “التأثير الكهروضوئي”؛ وأخيراً فشل العلم في العثور على الأثير، وهو المكان غير المرئي الذي كان يعتقد ان موجات الضوء تنتقل عبره.
وفي العام ،1904 قرأ موظف براءات اسمه ألبرت أينشتاين كتاب بوانكاريه، وبعده بعام واحد حل كل ألغازه. كيف فعل ذلك؟
هذا ما عرضته دراستان صدرتا مؤخراً عن أينشتاين. الأولى لجون ريدغين بعنوان “اينشتاين 1905: مستوى العظمة”، والثاني لأرين بورن بعنوان “رسائل بورن أينشتاين، 1916 1955: الصداقة والسياسات والفيزياء في زمن مضطرب”.
في الدراسة الأولى، نكتشف أن أينشتاين حل لغز الأثير عبر نسف دعامتين من فيزياء اسحق نيوتن حول الزمن المطلق والمكان المطلق، واحَل مكانهما النظرية الخاصة للنسبية التي تقول إن الزمان يتمدد والمكان يتقلّص حين نقترب من سرعة الضوء.
بعد نصف قرن من هذه السنة العجائبية (1904 1905)، وفي الجملة الاخيرة من رسالته الأخيرة إلى صديقه وخصمه الفكري الفيزيائي ماكس بزرن، رفض أينشتاين المحتضر تبنّي نظريات فيزياء الكم الجديدة التي تنسف هي الاخرى الفيزياء القديمة التي بدأ هو نفسه بتدميرها، والتي تقول إن ظواهر الطبيعة “ليست سوى محض احتمالات تتذبذب في اللايقين”.
وبرغم أن ورقته العام 1905 حول التأثير الكهروضوئي ساهمت إلى حد بعيد في تأسيس ميكانيك الكم، إلا انه لم يستطع البتة التصالح مع اللايقين الذي تقدمه هذه النظرية. وهو كان مصّراً على أن هذه الأخيرة تقدم تفسيراً سطحياً او خارجياً للكون، وانه لا بد في يوم ما من العثور على نظرية يقينية بالكامل أطلق عليها اسم “النظرية الموحدة التي تفسر كل شيء”.
بيد أن رفض أينشتاين لفيزياء الكم لم يستند إلى أسس علمية بل إلى مجرد “الأحاسيس”. وكتب لبورن: “إن ميكانيكا الكم تفرض نفسها بالتأكيد. لكن لدي صوت داخلي يقول لي ان هذه ليست الحقيقة بعد. هذه النظرية تقول الكثير، لكنها لا تقرّبنا حقيقة من سره (الله تعالى). إني مقتنع أنه لا يلعب بالنرد”.
لقد كان أينشتاين مؤمناً بأن ثمة “حقيقة موضوعية في قلب الكون. كتب: إذا ما ثبتت صحة نظرية فيزياء الكم، فإني أفضل ان أكون اسكافياً أو حتى موظفاً في نادي قمار، بدلاً من اكون فيزيائياً”.
حسناً. أينشتاين لم يتحَول بعد إلى اسكافي. ففرضيات فيزياء الكم حول عدم وجود حقيقة موضوعية ثابتة في الكون، لا تزال مجرد فرضيات. ولغز الوجود لا يزال لغزاً كبيراً، لا بل هو يزداد تعقيداً مع كل اكتشاف علمي جديد.
ولو ان تشارلز داروين على قيد الحياة الآن، لأنغمس هو أيضاً بحماس في هذه النقاشات، برغم “يقينه” بأن التطور الطبيعي سمة كل المخلوقات.
ولا عجب. فداروين هو أيضاً مخلوق في حاجة دائمة للعثور على خالقه، مع التطور الطبيعي او من دونه.
نشرت “نيويورك تايمز” مطلع هذا الشهر دراسة مطولة وممتعة حول النقاشات الراهنة في أمريكا بين العلماء حول مسائل الله تعالى ونظريات الخلق او اللاخلق في الوجود.
عنوان الدراسة الذي جاء بعنوان “إله داروين”، لم يكن صدفة او مجرد إثارة صحافية، بل هو سعى إلى تلخيص كل الجدل العنيف هذه الأيام بين أنصار نظرية “التخطيط الذكي” (الخلق الإلهي) للحياة، وفرضية تشارلز داورين حول التطور الطبيعي الآلي للمخلوقات.
الدراسة لم تخرج بالطبع بخلاصات تحسم هذا الجدل. هذا ليس دورها، ناهيك عن انها عاجزة عن ذلك. كل ما فعلته هو انها اعادت إلى الأذهان بضربة قلم واحدة جو النقاشات الساخنة التي أثارتها أبحاث ألبرت أينشتاين في مطلع القرن العشرين حول هذه المسألة الكبرى.
بداية النقاشات انطلقت العام 1902 حين نشر هنري بوانكاريه عالم الفيزياء والرياضيات الفرنسي الشهير كتابه “العلم والفرضية”، الذي استعرض فيه مشهد الفيزياء الحديثة، فاكتشف وجود ثلاثة ألغاز كبرى في الكون تتعلق بطبيعة الجزئيات والذرات، والحقيقة الغريبة أن المعادن تبث إلكترونات حين تتعرض إلى الضوء الفوبنفسجي المعروف باسم “التأثير الكهروضوئي”؛ وأخيراً فشل العلم في العثور على الأثير، وهو المكان غير المرئي الذي كان يعتقد ان موجات الضوء تنتقل عبره.
وفي العام ،1904 قرأ موظف براءات اسمه ألبرت أينشتاين كتاب بوانكاريه، وبعده بعام واحد حل كل ألغازه. كيف فعل ذلك؟
هذا ما عرضته دراستان صدرتا مؤخراً عن أينشتاين. الأولى لجون ريدغين بعنوان “اينشتاين 1905: مستوى العظمة”، والثاني لأرين بورن بعنوان “رسائل بورن أينشتاين، 1916 1955: الصداقة والسياسات والفيزياء في زمن مضطرب”.
في الدراسة الأولى، نكتشف أن أينشتاين حل لغز الأثير عبر نسف دعامتين من فيزياء اسحق نيوتن حول الزمن المطلق والمكان المطلق، واحَل مكانهما النظرية الخاصة للنسبية التي تقول إن الزمان يتمدد والمكان يتقلّص حين نقترب من سرعة الضوء.
بعد نصف قرن من هذه السنة العجائبية (1904 1905)، وفي الجملة الاخيرة من رسالته الأخيرة إلى صديقه وخصمه الفكري الفيزيائي ماكس بزرن، رفض أينشتاين المحتضر تبنّي نظريات فيزياء الكم الجديدة التي تنسف هي الاخرى الفيزياء القديمة التي بدأ هو نفسه بتدميرها، والتي تقول إن ظواهر الطبيعة “ليست سوى محض احتمالات تتذبذب في اللايقين”.
وبرغم أن ورقته العام 1905 حول التأثير الكهروضوئي ساهمت إلى حد بعيد في تأسيس ميكانيك الكم، إلا انه لم يستطع البتة التصالح مع اللايقين الذي تقدمه هذه النظرية. وهو كان مصّراً على أن هذه الأخيرة تقدم تفسيراً سطحياً او خارجياً للكون، وانه لا بد في يوم ما من العثور على نظرية يقينية بالكامل أطلق عليها اسم “النظرية الموحدة التي تفسر كل شيء”.
بيد أن رفض أينشتاين لفيزياء الكم لم يستند إلى أسس علمية بل إلى مجرد “الأحاسيس”. وكتب لبورن: “إن ميكانيكا الكم تفرض نفسها بالتأكيد. لكن لدي صوت داخلي يقول لي ان هذه ليست الحقيقة بعد. هذه النظرية تقول الكثير، لكنها لا تقرّبنا حقيقة من سره (الله تعالى). إني مقتنع أنه لا يلعب بالنرد”.
لقد كان أينشتاين مؤمناً بأن ثمة “حقيقة موضوعية في قلب الكون. كتب: إذا ما ثبتت صحة نظرية فيزياء الكم، فإني أفضل ان أكون اسكافياً أو حتى موظفاً في نادي قمار، بدلاً من اكون فيزيائياً”.
حسناً. أينشتاين لم يتحَول بعد إلى اسكافي. ففرضيات فيزياء الكم حول عدم وجود حقيقة موضوعية ثابتة في الكون، لا تزال مجرد فرضيات. ولغز الوجود لا يزال لغزاً كبيراً، لا بل هو يزداد تعقيداً مع كل اكتشاف علمي جديد.
ولو ان تشارلز داروين على قيد الحياة الآن، لأنغمس هو أيضاً بحماس في هذه النقاشات، برغم “يقينه” بأن التطور الطبيعي سمة كل المخلوقات.
ولا عجب. فداروين هو أيضاً مخلوق في حاجة دائمة للعثور على خالقه، مع التطور الطبيعي او من دونه.