yasmeen
03-19-2007, 08:58 AM
16 وكالة استخبارية أميركية تفتقد للتنسيق وتنافس محموم على الناطقين بالصينية والعربية والفارسية
واشنطن: منير الماوري
قبيل تولي الرئيس الأميركي الراحل جون كيندي رئاسة الولايات المتحدة عام 1961 سأله أحد الصحافيين عن أسباب رغبته في أن يصبح رئيسا، وكان السائل يتوقع من كنيدي أن يجيبه بأنه يرغب في خدمة وطنه، أو التضحية في سبيل شعبه، ولكن مرشح الرئاسة الفائز لتوه بأعلى منصب في بلاده، أجاب بكل بساطة أن سبب سعيه للمنصب هو معرفته بأن راتب الرئيس من أعلى الرواتب في الولايات المتحدة إضافة إلى أن الرئيس يتلقى تقارير من وكالات الاستخبارات المتعددة، تجعله مطلعا على معظم أسرار العالم.
وبعد أن باشر الرئيس كنيدي مهام منصبه في البيت الأبيض فوجئ بأمرين اثنين مناقضين لما كان يظنه، الأول: أن اصدقاء الرئيس من رجال الأعمال أعلى دخلا منه إلى حد كبير، والثاني: أن 95% مما تقدمه له أجهزة الاستخبارات من معلومات يجدها منشورة بتفاصيل أكثر دقة في الصحافة الأميركية.
كنيدي لم يتلق تقريرا واحدا، من أي جهاز استخباري أميركي عن وجود مخطط لاغتياله، مثلما لم يتلق الرئيس الحالي جورج بوش أي تقرير جازم عن عزم 19 انتحاريا عربيا على مهاجمة مانهاتن وأرلينغتون صباح الثلاثاء المشؤوم الموافق 11 سبتمبر (أيلول) 2001 رغم وجود 16 وكالة استخبارية تنفق أرقاما فلكية من أموال دافعي الضريبة لحماية الأمن الأميركي والتراب الأميركي من اعتداءات كهذه .
وقد تكون جريمة اغتيال كنيدي عملا فرديا صغيرا كان من الصعب التنبؤ به مسبقا، أو أنها كانت مؤامرة كبرى تقف وراءها جهات لم ترغب أجهزة الاستخبارات في الكشف عنها، ولكن هجمات الحادي عشر من سبتمبر وما سبقها من مقدمات تمثل فشلا ذريعا للعمل الاستخباري الأميركي ونقطة فاصلة أدت إلى تغيير جذري في بنية كافة الوكالات الاستخبارية، ومجتمع الاستخبارات في الولايات المتحدة .
لقد بدأ التغيير وإعادة التقييم بعد اتضاح الرؤية عن أسباب فشل إحباط هجمات سبتمبر، وقالت لجنة التحقيق البرلمانية في تلك الأحداث، إن وكالة الاستخبارات المركزية (الأميركية) * رصدت في عام 2000 في ماليزيا اثنين من العناصر الخطيرة من أتباع أسامة بن لادن، وهما خالد المحضار ونواف الحازمي قبل مشاركتهما في الهجمات (ضمن الـ 20 انتحاريا ناقصا واحدا)، واقتفت أثرهما إلى أن دخلا تحت سمعها وبصرها إلى الأراضي الأميركية وأقاما في سان دياغو بولاية كاليفورنيا، لكن الوكالة احتفظت بالمعلومات عنهما لنفسها ولم تبلغ مكتب المباحث الفدرالية المناط به العمل الاستخباري الداخلي كشرطة جنائية فدرالية، كما لم تقرر اعتقالهما لأن القانون يمنع الوكالة من التجسس الداخلي أو العمل كشرطة جنائية.
وبما أن وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) هي الوكالة المناط بها العمل الخارجي في الساحة الدولية الشاسعة فهي أكثر وكالة معروفة خارج الولايات المتحدة ولها محطات في مختلف أنحاء العالم، ولكن مجتمع الاستخبارات في الولايات المتحدة أكثر اتساعا وأكبر حجما من وكالة الاستخبارات المركزية إذ أن الوكالة ما هي إلا واحدة من بين 16 جهازا استخباريا تتوزع المهام فيما بينها كالتالي:
1. وكالة الاستخبارات الدفاعية ( دي آي أي): وهي الوكالة المناط بها العمل الاستخباري العسكري والتجسس على جيوش العالم، وهي تابعة لوزارة الدفاع الأميركية، وكان العسكريون يعتبرونها في السابق ملاذا للهروب من العمل الميداني، ولكن عناصرها الآن أصبحوا في المقدمة، ويواجهون في الميدان مخاطر كبيرة خصوصا في العراق وأفغانستان، ومعروف عنها أنها أكثر تنظيما، وأكثر تحقيقا للنجاحات من وكالة الاستخبارات المركزية فيما يتعلق بحرب العراق.
ومن يتمكن من زيارة مقرها في العاصمة واشنطن سيشده في صالة الدخول بالبهو الأمامي صندوق زجاجي يحوي بندقيتين مطليتين بالذهب مكتوب عليهما باللغة العربية: «هدية من رئيس الجمهورية العراقية المهيب صدام حسين»، وفي الواقع فإن صدام لم يهد هاتين البندقيتين لوكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية بل ضبطتهما الوكالة في أحد المنازل التابعة لصدام بعد يومين من سقوط بغداد، وقررت عرضهما في البهو الأمامي للوكالة افتخارا بإنجازات عناصرها في إطاحة نظام الرئيس العراقي السابق.
2. وكالة الأمن القومي (إن إس أي): هي الوكالة المعنية باستخدام آخر ما توصلت إليه التقنيات والعلوم في التجسس على الآخرين من الأعداء والأصدقاء على حد سواء، ولذلك فقوامها البشري محدود ولكن إمكانياتها التكنولوجية هائلة وتتولى الرقابة على الاتصالات وفك الشيفرات، وتزويد الوكالات الأخرى بآخر ما لديها من معلومات مستقاة من التجسس الإلكتروني والتقني.
3. وكالة الاستخبارات الجغرافية (إن جي أي): هذه الوكالة معنية بجمع المعلومات والصور والخرائط عن كل بقاع الكرة الأرضية، وتقديم الإرشاد لصناع القرار العسكريين والمدنيين عن كل ما يتعلق بالمسائل الجغرافية والفلكية خصوصا تلك المعلومات ذات العلاقة بمهام ميدانية في أي بقعة من بقاع العالم.
4. مكتب الاستطلاع الفضائي (إن آر أو): هو المكتب المناط به بجمع المعلومات من الفضاء وتزويد الوكالات الأخرى بالصور المطلوبة والمعلومات الملتقطة من الفضاء الخارجي، بما يساعد تلك الوكالات على معرفة تحركات الجيوش الأجنبية، وأي أنشطة أخرى قد تلفت الانتباه بحيث تقوم الاستخبارات الدفاعية أو الاستخبارات المركزية بتسليط القوى البشرية لجمع المعلومات الحقيقية عن تلك التحركات.
5. استخبارات وزارة الخارجية: هي من أصغر الوكالات الاستخبارية ولكن من أكثرها أهمية، وكانت عبارة عن دائرة للأبحاث تابعة لوزيرة الخارجية ولكنها تتولى حاليا جمع وتصنيف وترتيب المعلومات المستقاة من تقارير السفارات الأميركية في الخارج، وكانت استخبارات الخارجية قد حذرت قبل حرب العراق من نشوب فوضى في حال الإطاحة بصدام حسين، وتجاهل البيت الأبيض التحذير، كما تجاهلته الوكالات الأخرى.
6. استخبارات وزارة المالية: تتولى مراقبة حركة الأموال في الولايات المتحدة والعالم، وتضييق الخناق على الإرهابيين، باعتبار أن المال هو عصب الحياة للإرهاب، وبدونه لا يستطيع الإرهابيون تنفيذ عملياتهم، ومنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر أصبح من المستحيل أن يخرج أو يدخل تحويل واحد يتجاوز عشرة ألف دولار إلى أي بنك أميركي دون أن تظهر إشارة حمراء لدى استخبارات وزارة المالية، للتدقيق في مشروعية المصدر.
7. استخبارات وزارة الطاقة: تتولى مراقبة وتحليل القدرات النووية للدول الأجنبية سواء كانت صديقة أو معادية، وترسم سياسات مكافحة الانتشار النووي. وتركز هذه الاستخبارات في الآونة الحالية على البرامج النووية للدول المعادية من بينها كوريا الشمالية وإيران.
8. استخبارات وزارة الأمن الداخلي: تتولى جمع المعلومات عن أي أنشطة إرهابية داخل الأراضي الأميركية وتحليل المعلومات عن أي تهديد داخلي، بالتنسيق مع مكتب المباحث الفدرالية الأميركية والأجهزة الأخرى ذات العلاقة، ومن مسؤويتها الإعلان عن مستوى التهديد المتوقع والوضع الأمني ولون التأهب من برتقالي إلى أحمر أو غير ذلك، إضافة إلى المساهمة في مواجهة الكوارث الطبيعية وتحليل المعلومات علميا للتنبؤ بها.
9. وكالة مكافحة المخدرات: هي وكالة مستقلة لا شأن لها بالإرهاب، وتتخصص فقط في ملاحقة تجار المخدرات وضبط تهريب المخدرات عبر المنافذ البرية والجوية، ولها محطات في بعض بلدان أميركا الجنوبية، وبلدان آسوية وأوروبية.
10. استخبارات حرس السواحل: هي وكالة استخبارات تعنى بحماية السواحل الأميركية والموانئ من الاختراقات وجمع المعلومات عن المخالفين لقوانين الإبحار، وتعتبر جزءا لا يتجزأ من دائرة حرس السواحل، ولكنها بدأت خلال السنوات الأخيرة التنسيق مع الوكالات الأخرى لمكافحة الإرهاب وتحصين الموانئ الأميركية الكبرى من العمليات الإرهابية.
11. استخبارات القوات البحرية: تتولى العمليات الاستخبارية في أعالي البحار، وجمع المعلومات عن القوى البحرية للدول الأجنبية.
12. استخبارات قوات المارينز: تتولى هذه الاستخبارات التمهيد للعمل الميداني الذي يمكن أن تتولاه الوحدات الخاصة التابعة لقوات المارينز، ويفترض أن تنسق مع عناصر الاستخبارات المركزية واستخبارات وزارة الدفاع في أي عمل يتعلق بقوات المارينز.
13. استخبارات الجيش الأميركي: هي وكالة منفصلة عن استخبارات وزارة الدفاع ولكن عملها يتم بالتنسيق مع الاستخبارات الدفاعية في عمليات استطلاعية يحتاجها الجيش الأميركي ولا يسمح بالقيام بها إلا عن طريق استخبارات الجيش لأنه عناصر هذه الاستخبارات تجمع بين القدرات العسكرية والتدريب الاستخباري في بوتقة واحدة.
14. وكالة الاستخبارات المركزية: (سي آي أي) وهي من أشهر الوكالات الأميركية في الخارج، وتتولى التجسس على الدول الأجنبية والمواطنين الأجانب، وكانت قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر تتجنب العمل على الساحة الداخلية حتى لا يتعارض نشاطها مع نشاط مكتب المباحث الفدرالية.
15. مكتب المباحث الفدرالية الأميركية: (إف بي آي)، يتولى المكتب مكافحة الجريمة داخل الأراضي الأميركية، ولكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر أوجدت للمكتب مخرجا قانونيا لمد نشاطه إلى الخارج.
وجميع هذه الوكالات الـ16 يشرف عليها نظريا، مدير الاستخبارات الوطنية، أو من يسمى اصطلاحا قيصر الاستخبارات، وهو منصب جديد ينوب عن الرئيس في تلقي تقارير جميع هذه الوكالات، ثم تلخيصها وعرض المعلومات ذات الأهمية القصوى على الرئيس وعلى أعضاء مجلس الأمن القومي، وأكبر المتضررين من استحداث هذا المنصب هو مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) الذي كان يتعامل مع رئيس الولايات المتحدة مباشرة، وأصبح الآن لا يحضر إلى البيت الأبيض إلا إذا استدعي لحضور جلسات مجلس الأمن القومي.
ويناط برئيس الهيئة الجديدة إلى جانب تلقي التقارير نيابة عن البيت الأبيض مسؤولية التنسيق بين الوكالات وترسيخ مبدأ المشاركة في المعلومات. ولكن بسبب مضي عقود طويلة من المنافسة الصامتة، وتقاليد السرية البالغة داخل كل جهاز استخباري على حده، ما زال التنسيق الحقيقي بعيدا عن التحقيق، وإن كان الوضع قد تحسن إلى حد كبير عما كان عليه قبل الحادي عشر من سبتمبر. وما زالت هناك صعوبة في توحيد ميزانيات هذه الوكالات في سلة واحدة، ومن المعروف أنه باستثاء وكالة الاستخبارات المركزية فإن معظم الوكالات تحرص على أن تكون ميزانيتها ضمن سلة الوزارة التابعة لها، بحيث لا يعرف بتفاصيل الميزانية سوى أعضاء معينين في لجان الاستخبارات التابعة لمجلسي الشيوخ والنواب.
ويعفي القانون الأميركي الوكالات الاستخبارية من تطبيق قانون حرية المعلومات في ما يتعلق بالوثائق السرية التي ترى تلك الوكالات أن الكشف عنها يشكل خطرا على الأمن القومي الأميركي، ولذلك فإن معظم الوثائق والأعمال التي يؤديها موظفو الوكالات الاستخبارية تصنف في خانة السرية. وأي وثيقة ورقية أو الكترونية يطبع عليها ختم «سري» أو «سري للغاية» يعاقب القانون من يقوم بتسريبها ومع ذلك فإن الصحافة الأميركية كثيرا ما تنشر مضامين بعض الأسرار الاستخبارية والمعلومات السرية، وتستطرد في نشر تفاصيل إضافية أكثر دقة وتوسعا، ويمكن إرجاع ذلك إلى تفسيرين رئيسيين:
التفسير الأول: أن التسريب في أكثر الحالات يكون متعمدا ومدروسا وخاضعا لرغبة الجهة الاستخبارية التي تريد إيصال معلومة ما للمجتمع أو للعدو، أو لأي جهة مستهدفة، وذلك كجزء من العمل الاستخباري، ويقيم رجال الاستخبارات وبعض المسؤولين الكبار في الأجهزة الاستخبارية علاقات شخصية مع بعض الصحافيين البارزين في الصحف الكبرى، من أجل تبادل المنافع، وتمرير بعض المعلومات.
التفسير الثاني: يرتبط أيضا بالتفسير الأول، ولكن بعض المعلومات التي لا تخطط الوكالات الاستخبارية في نشرها عمدا، تجد طريقها إلى النشر، لأن بعض المسؤولين الاستخباريين، ينتهزون فرصة علاقاتهم المشروعة بالصحافة لتمرير معلومات إضافية خفية عن رؤسائهم إما لدوافع وطنية، أو لرغبات شخصية، أو تنفيذا لأجندة سياسية خاصة، ومن أمثلة ذلك العلاقة التي ربطت بين الرجل الثاني في مكتب المباحث الفدرالية مارك فيليت زمن الرئيس ريتشارد نيكسون والصحافي في واشنطن بوست بوب ودورد، حيث كان الرجلان يعقدان لقاءات سرية لم يكشف عنها إلا بعد 30 عاما من فضيحة ووترغيت التي أطاحت الرئيس نيكسون، واتضح أن دافع الرجل الثاني في إف بي آي للإطاحة بنيكسون هو دافع شخصي لأن نيكسون تخطاه في الترقية وعين شخصا آخر غيره مديرا لـ«إف بي آي» حين أصبح المنصب شاغرا.
وعلى صعيد التنسيق العملي بين الوكالات الاستخبارية الـ16 يمكن أن نضرب مثالا على ذلك اعتمادا على قصة حقيقية. فقد روى معتقل عربي سابق في السجون الأميركية لـ«الشرق الأوسط» قصة مشهد من مشاهد اعتقاله، حيث قال إن تهمته كانت مخالفة قوانين الهجرة، ولكنه شاهد من شرفة شقته في ولاية فرجينيا ليلة اعتقاله ما يقارب 20 سيارة شرطة تحيط بالعمارة التي يسكن فيها، قائلا إن سيارة واحدة كانت تكفي لاعتقاله أو حتى رجل شرطة راجل ولم يكن هناك ما يستدعي كل تلك الضوضاء.
وللإجابة على استغراب المعتقل العربي السابق (ف. ج) عن أسباب وجود كل هذا العدد من سيارات الشرطة في قضية صغيرة، يمكن القول أن الأمر يعود إلى وجود عدد كبير من الوكالات الاستخبارية المشاركة في المعلومات التي أدت إلى اعتقاله. ومن خلال القصة التي رواها المعتقل يمكن الاستنتاج أن معظم الوكالات الاستخبارية ترسل مندوبيها ميدانيا للمشاركة في اعتقال أي مشتبه به في أي قضية لها أدنى علاقة بالإرهاب كشكل من أشكال التنسيق.
وحسب رواية المعتقل العربي فإنه كان على معرفة بصديق قادم من دولة عربية، أودع أموالا ضخمة في أحد بنوك فرجينيا، فعلمت استخبارات وزارة المالية بتلك الأموال في نفس يوم إيداعها، وتم إبلاغ مكتب المباحث الفدرالية لمراقبة صاحب الأموال، واتضح أنه يحمل جوازا دبلوماسيا ولا يوجد مبرر لاعتقاله، ولكن من خلال المراقبة اكتشف رجال الاستخبارات أنه على صلة بذلك المقيم العربي الذي لا تبعد شقته سوى دقائق من مبنى البنتاغون في مدينة أرلينغتون، ولا بد من الافتراض أن وكالة الاستخبارات المركزية تولت أيضا جمع معلومات عن الرجلين في بلدهما، وتولت وكالة الأمن القومي مراقبة مكالماتهما الدولية، كما يمكن أن نفترض أن استخبارات الخارجية الأميركية جمعت معلومات إضافية عن طريق السفارة الأميركية في بلدهما، وأحيطت استخبارات وزارة الدفاع علما بكل ما يجري، وعندما اتضح أن المعلومات المتوفرة غير كافية لمعرفة مصدر تلك الأموال قررت إحدى الجهات الاستخبارية على ما يبدو أن أقصر طريق للحصول على معلومات أكثر تفصيلا، هو اعتقال المقيم العربي، ولم تجد الجهات الأمنية من سبب لاعتقاله سوى اتهامه بأنه قام بتشغيل خادمة اندونيسية، وتستر عليها في منزله دون أن يدفع عنها ضريبة العمل.
هذه التهمة لا تفسر وجود 20 سيارة مملوءة بالمحققين ورجال الشرطة، ولا تفسر الإصرار على مصادرة كل ما في الشقة من أوراق، وأجهزة كمبيوتر، ورسائل ووثائق، ولا تفسر أيضا تركيز التحقيق على أسئلة معظمها عن الدبلوماسي العربي ومصادر أمواله، ثم الإفراج عن المعتقل بعد أقل من شهرين، بعد أن أبلغ المحققين بكل ما يعرفه عن الدبلوماسي العربي، وعن مصادر أمواله بالطبع، وأعيد إلى المفرج عنه كل ما صودر من شقته، ولكن قضيته استمرت في المحكمة، وسجله القانوني أصبح ملطخا. ومن هذه القصة، إن صحت التفاصيل التي أوردها الراوي، يمكن القول إن التنسيق بين الوكالات الاستخبارية الأميركية على الصعيد الميداني مازال في طور البداية ويحتاج إلى آلية اقل مدعاة للإرباك.
ومن بين الجوانب التي تحتاج الوكالات الاستخبارية إلى التنسيق فيما بينها مسألة توظيف الكوادر، والتخفيف من حدة المنافسة بين الوكالات على استقطاب الناطقين باللغات الأجنبية حيث أن كل وكالة تعلن عن حاجتها إلى محللين ومتخصصين في اللغات الأجنبية وعلى رأسها الصينية والعربية والفارسية والأردية ولغة الباشتو، في حين تراجع الطلب على اللغة الروسية، واللغات الأوروبية.
وذكر مسؤول استخباري متقاعد يعمل حاليا في مجال التدريس في جامعة جورج تاون لـ«الشرق الاوسط» أن حوالي 75% من الوثائق التي تحتاج إلى تلخيص أو ترجمة أو تحليل هي من المصادر المفتوحة وليست وثائق سرية، ولكنها مكدسة في مبان لوكالات استخبارية لا يستطيع أن يدخلها إلا من لديه تصريح أمني قد يستغرق الحصول عليه للمولودين في بلدان أجنبية أكثر من 3 سنوات. وأضاف الخبير الأمني الذي لا يرغب في إيراد اسمه، أن الحكومة الفدرالية تعمل حاليا على توحيد الجهود في استقطاب الكوادر بحيث يتم نقل الوثائق المستقاة من مصادر مفتوحة إلى أماكن خاصة لا يحتاج الدخول والخروج إليها إلى تصريح أمني بل يمكن للأميركيين من أصول أجنبية أن يثبتوا جدارتهم في تحليل تلك المعلومات دون التورط في الإطلاع على معلومات سرية يتطلب الإطلاع عليها معرفة تاريخ حياتهم منذ ولادتهم حتى حصولهم على الجنسية الأميركية وما بعد حصولهم عليها.
ويقول الخبير الأمني المتقاعد إن الاستراتيجية التي كانت تتبناها أجهزة الاستخبارات الأميركية في التوظيف هي مقولة أن «أسلم طريق للحصول على وظيفة فيها هي أن يكون عمر المتقدم لم يتجاوز 18 عاما، ولم يسبق له أن غادر واشنطن إلى أي مكان في العالم».
هذه الاستراتيجية في نظره لم تعد صالحة للنجاح في الحرب الدائرة على الإرهاب، إذ أن الشخص الذي لم يتجاوز 18 عاما ولم يسافر إلى أي بلد، قد يكون لائقا أمنيا، ولكن لا يمكن أن تتوقع منه حكومة بلاده أن يكون صاحب خبرة في اللغات والثقافات الأجنبية أو على دراية بالكيفية التي يفكر بها الإرهابيون.
واشنطن: منير الماوري
قبيل تولي الرئيس الأميركي الراحل جون كيندي رئاسة الولايات المتحدة عام 1961 سأله أحد الصحافيين عن أسباب رغبته في أن يصبح رئيسا، وكان السائل يتوقع من كنيدي أن يجيبه بأنه يرغب في خدمة وطنه، أو التضحية في سبيل شعبه، ولكن مرشح الرئاسة الفائز لتوه بأعلى منصب في بلاده، أجاب بكل بساطة أن سبب سعيه للمنصب هو معرفته بأن راتب الرئيس من أعلى الرواتب في الولايات المتحدة إضافة إلى أن الرئيس يتلقى تقارير من وكالات الاستخبارات المتعددة، تجعله مطلعا على معظم أسرار العالم.
وبعد أن باشر الرئيس كنيدي مهام منصبه في البيت الأبيض فوجئ بأمرين اثنين مناقضين لما كان يظنه، الأول: أن اصدقاء الرئيس من رجال الأعمال أعلى دخلا منه إلى حد كبير، والثاني: أن 95% مما تقدمه له أجهزة الاستخبارات من معلومات يجدها منشورة بتفاصيل أكثر دقة في الصحافة الأميركية.
كنيدي لم يتلق تقريرا واحدا، من أي جهاز استخباري أميركي عن وجود مخطط لاغتياله، مثلما لم يتلق الرئيس الحالي جورج بوش أي تقرير جازم عن عزم 19 انتحاريا عربيا على مهاجمة مانهاتن وأرلينغتون صباح الثلاثاء المشؤوم الموافق 11 سبتمبر (أيلول) 2001 رغم وجود 16 وكالة استخبارية تنفق أرقاما فلكية من أموال دافعي الضريبة لحماية الأمن الأميركي والتراب الأميركي من اعتداءات كهذه .
وقد تكون جريمة اغتيال كنيدي عملا فرديا صغيرا كان من الصعب التنبؤ به مسبقا، أو أنها كانت مؤامرة كبرى تقف وراءها جهات لم ترغب أجهزة الاستخبارات في الكشف عنها، ولكن هجمات الحادي عشر من سبتمبر وما سبقها من مقدمات تمثل فشلا ذريعا للعمل الاستخباري الأميركي ونقطة فاصلة أدت إلى تغيير جذري في بنية كافة الوكالات الاستخبارية، ومجتمع الاستخبارات في الولايات المتحدة .
لقد بدأ التغيير وإعادة التقييم بعد اتضاح الرؤية عن أسباب فشل إحباط هجمات سبتمبر، وقالت لجنة التحقيق البرلمانية في تلك الأحداث، إن وكالة الاستخبارات المركزية (الأميركية) * رصدت في عام 2000 في ماليزيا اثنين من العناصر الخطيرة من أتباع أسامة بن لادن، وهما خالد المحضار ونواف الحازمي قبل مشاركتهما في الهجمات (ضمن الـ 20 انتحاريا ناقصا واحدا)، واقتفت أثرهما إلى أن دخلا تحت سمعها وبصرها إلى الأراضي الأميركية وأقاما في سان دياغو بولاية كاليفورنيا، لكن الوكالة احتفظت بالمعلومات عنهما لنفسها ولم تبلغ مكتب المباحث الفدرالية المناط به العمل الاستخباري الداخلي كشرطة جنائية فدرالية، كما لم تقرر اعتقالهما لأن القانون يمنع الوكالة من التجسس الداخلي أو العمل كشرطة جنائية.
وبما أن وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) هي الوكالة المناط بها العمل الخارجي في الساحة الدولية الشاسعة فهي أكثر وكالة معروفة خارج الولايات المتحدة ولها محطات في مختلف أنحاء العالم، ولكن مجتمع الاستخبارات في الولايات المتحدة أكثر اتساعا وأكبر حجما من وكالة الاستخبارات المركزية إذ أن الوكالة ما هي إلا واحدة من بين 16 جهازا استخباريا تتوزع المهام فيما بينها كالتالي:
1. وكالة الاستخبارات الدفاعية ( دي آي أي): وهي الوكالة المناط بها العمل الاستخباري العسكري والتجسس على جيوش العالم، وهي تابعة لوزارة الدفاع الأميركية، وكان العسكريون يعتبرونها في السابق ملاذا للهروب من العمل الميداني، ولكن عناصرها الآن أصبحوا في المقدمة، ويواجهون في الميدان مخاطر كبيرة خصوصا في العراق وأفغانستان، ومعروف عنها أنها أكثر تنظيما، وأكثر تحقيقا للنجاحات من وكالة الاستخبارات المركزية فيما يتعلق بحرب العراق.
ومن يتمكن من زيارة مقرها في العاصمة واشنطن سيشده في صالة الدخول بالبهو الأمامي صندوق زجاجي يحوي بندقيتين مطليتين بالذهب مكتوب عليهما باللغة العربية: «هدية من رئيس الجمهورية العراقية المهيب صدام حسين»، وفي الواقع فإن صدام لم يهد هاتين البندقيتين لوكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية بل ضبطتهما الوكالة في أحد المنازل التابعة لصدام بعد يومين من سقوط بغداد، وقررت عرضهما في البهو الأمامي للوكالة افتخارا بإنجازات عناصرها في إطاحة نظام الرئيس العراقي السابق.
2. وكالة الأمن القومي (إن إس أي): هي الوكالة المعنية باستخدام آخر ما توصلت إليه التقنيات والعلوم في التجسس على الآخرين من الأعداء والأصدقاء على حد سواء، ولذلك فقوامها البشري محدود ولكن إمكانياتها التكنولوجية هائلة وتتولى الرقابة على الاتصالات وفك الشيفرات، وتزويد الوكالات الأخرى بآخر ما لديها من معلومات مستقاة من التجسس الإلكتروني والتقني.
3. وكالة الاستخبارات الجغرافية (إن جي أي): هذه الوكالة معنية بجمع المعلومات والصور والخرائط عن كل بقاع الكرة الأرضية، وتقديم الإرشاد لصناع القرار العسكريين والمدنيين عن كل ما يتعلق بالمسائل الجغرافية والفلكية خصوصا تلك المعلومات ذات العلاقة بمهام ميدانية في أي بقعة من بقاع العالم.
4. مكتب الاستطلاع الفضائي (إن آر أو): هو المكتب المناط به بجمع المعلومات من الفضاء وتزويد الوكالات الأخرى بالصور المطلوبة والمعلومات الملتقطة من الفضاء الخارجي، بما يساعد تلك الوكالات على معرفة تحركات الجيوش الأجنبية، وأي أنشطة أخرى قد تلفت الانتباه بحيث تقوم الاستخبارات الدفاعية أو الاستخبارات المركزية بتسليط القوى البشرية لجمع المعلومات الحقيقية عن تلك التحركات.
5. استخبارات وزارة الخارجية: هي من أصغر الوكالات الاستخبارية ولكن من أكثرها أهمية، وكانت عبارة عن دائرة للأبحاث تابعة لوزيرة الخارجية ولكنها تتولى حاليا جمع وتصنيف وترتيب المعلومات المستقاة من تقارير السفارات الأميركية في الخارج، وكانت استخبارات الخارجية قد حذرت قبل حرب العراق من نشوب فوضى في حال الإطاحة بصدام حسين، وتجاهل البيت الأبيض التحذير، كما تجاهلته الوكالات الأخرى.
6. استخبارات وزارة المالية: تتولى مراقبة حركة الأموال في الولايات المتحدة والعالم، وتضييق الخناق على الإرهابيين، باعتبار أن المال هو عصب الحياة للإرهاب، وبدونه لا يستطيع الإرهابيون تنفيذ عملياتهم، ومنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر أصبح من المستحيل أن يخرج أو يدخل تحويل واحد يتجاوز عشرة ألف دولار إلى أي بنك أميركي دون أن تظهر إشارة حمراء لدى استخبارات وزارة المالية، للتدقيق في مشروعية المصدر.
7. استخبارات وزارة الطاقة: تتولى مراقبة وتحليل القدرات النووية للدول الأجنبية سواء كانت صديقة أو معادية، وترسم سياسات مكافحة الانتشار النووي. وتركز هذه الاستخبارات في الآونة الحالية على البرامج النووية للدول المعادية من بينها كوريا الشمالية وإيران.
8. استخبارات وزارة الأمن الداخلي: تتولى جمع المعلومات عن أي أنشطة إرهابية داخل الأراضي الأميركية وتحليل المعلومات عن أي تهديد داخلي، بالتنسيق مع مكتب المباحث الفدرالية الأميركية والأجهزة الأخرى ذات العلاقة، ومن مسؤويتها الإعلان عن مستوى التهديد المتوقع والوضع الأمني ولون التأهب من برتقالي إلى أحمر أو غير ذلك، إضافة إلى المساهمة في مواجهة الكوارث الطبيعية وتحليل المعلومات علميا للتنبؤ بها.
9. وكالة مكافحة المخدرات: هي وكالة مستقلة لا شأن لها بالإرهاب، وتتخصص فقط في ملاحقة تجار المخدرات وضبط تهريب المخدرات عبر المنافذ البرية والجوية، ولها محطات في بعض بلدان أميركا الجنوبية، وبلدان آسوية وأوروبية.
10. استخبارات حرس السواحل: هي وكالة استخبارات تعنى بحماية السواحل الأميركية والموانئ من الاختراقات وجمع المعلومات عن المخالفين لقوانين الإبحار، وتعتبر جزءا لا يتجزأ من دائرة حرس السواحل، ولكنها بدأت خلال السنوات الأخيرة التنسيق مع الوكالات الأخرى لمكافحة الإرهاب وتحصين الموانئ الأميركية الكبرى من العمليات الإرهابية.
11. استخبارات القوات البحرية: تتولى العمليات الاستخبارية في أعالي البحار، وجمع المعلومات عن القوى البحرية للدول الأجنبية.
12. استخبارات قوات المارينز: تتولى هذه الاستخبارات التمهيد للعمل الميداني الذي يمكن أن تتولاه الوحدات الخاصة التابعة لقوات المارينز، ويفترض أن تنسق مع عناصر الاستخبارات المركزية واستخبارات وزارة الدفاع في أي عمل يتعلق بقوات المارينز.
13. استخبارات الجيش الأميركي: هي وكالة منفصلة عن استخبارات وزارة الدفاع ولكن عملها يتم بالتنسيق مع الاستخبارات الدفاعية في عمليات استطلاعية يحتاجها الجيش الأميركي ولا يسمح بالقيام بها إلا عن طريق استخبارات الجيش لأنه عناصر هذه الاستخبارات تجمع بين القدرات العسكرية والتدريب الاستخباري في بوتقة واحدة.
14. وكالة الاستخبارات المركزية: (سي آي أي) وهي من أشهر الوكالات الأميركية في الخارج، وتتولى التجسس على الدول الأجنبية والمواطنين الأجانب، وكانت قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر تتجنب العمل على الساحة الداخلية حتى لا يتعارض نشاطها مع نشاط مكتب المباحث الفدرالية.
15. مكتب المباحث الفدرالية الأميركية: (إف بي آي)، يتولى المكتب مكافحة الجريمة داخل الأراضي الأميركية، ولكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر أوجدت للمكتب مخرجا قانونيا لمد نشاطه إلى الخارج.
وجميع هذه الوكالات الـ16 يشرف عليها نظريا، مدير الاستخبارات الوطنية، أو من يسمى اصطلاحا قيصر الاستخبارات، وهو منصب جديد ينوب عن الرئيس في تلقي تقارير جميع هذه الوكالات، ثم تلخيصها وعرض المعلومات ذات الأهمية القصوى على الرئيس وعلى أعضاء مجلس الأمن القومي، وأكبر المتضررين من استحداث هذا المنصب هو مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) الذي كان يتعامل مع رئيس الولايات المتحدة مباشرة، وأصبح الآن لا يحضر إلى البيت الأبيض إلا إذا استدعي لحضور جلسات مجلس الأمن القومي.
ويناط برئيس الهيئة الجديدة إلى جانب تلقي التقارير نيابة عن البيت الأبيض مسؤولية التنسيق بين الوكالات وترسيخ مبدأ المشاركة في المعلومات. ولكن بسبب مضي عقود طويلة من المنافسة الصامتة، وتقاليد السرية البالغة داخل كل جهاز استخباري على حده، ما زال التنسيق الحقيقي بعيدا عن التحقيق، وإن كان الوضع قد تحسن إلى حد كبير عما كان عليه قبل الحادي عشر من سبتمبر. وما زالت هناك صعوبة في توحيد ميزانيات هذه الوكالات في سلة واحدة، ومن المعروف أنه باستثاء وكالة الاستخبارات المركزية فإن معظم الوكالات تحرص على أن تكون ميزانيتها ضمن سلة الوزارة التابعة لها، بحيث لا يعرف بتفاصيل الميزانية سوى أعضاء معينين في لجان الاستخبارات التابعة لمجلسي الشيوخ والنواب.
ويعفي القانون الأميركي الوكالات الاستخبارية من تطبيق قانون حرية المعلومات في ما يتعلق بالوثائق السرية التي ترى تلك الوكالات أن الكشف عنها يشكل خطرا على الأمن القومي الأميركي، ولذلك فإن معظم الوثائق والأعمال التي يؤديها موظفو الوكالات الاستخبارية تصنف في خانة السرية. وأي وثيقة ورقية أو الكترونية يطبع عليها ختم «سري» أو «سري للغاية» يعاقب القانون من يقوم بتسريبها ومع ذلك فإن الصحافة الأميركية كثيرا ما تنشر مضامين بعض الأسرار الاستخبارية والمعلومات السرية، وتستطرد في نشر تفاصيل إضافية أكثر دقة وتوسعا، ويمكن إرجاع ذلك إلى تفسيرين رئيسيين:
التفسير الأول: أن التسريب في أكثر الحالات يكون متعمدا ومدروسا وخاضعا لرغبة الجهة الاستخبارية التي تريد إيصال معلومة ما للمجتمع أو للعدو، أو لأي جهة مستهدفة، وذلك كجزء من العمل الاستخباري، ويقيم رجال الاستخبارات وبعض المسؤولين الكبار في الأجهزة الاستخبارية علاقات شخصية مع بعض الصحافيين البارزين في الصحف الكبرى، من أجل تبادل المنافع، وتمرير بعض المعلومات.
التفسير الثاني: يرتبط أيضا بالتفسير الأول، ولكن بعض المعلومات التي لا تخطط الوكالات الاستخبارية في نشرها عمدا، تجد طريقها إلى النشر، لأن بعض المسؤولين الاستخباريين، ينتهزون فرصة علاقاتهم المشروعة بالصحافة لتمرير معلومات إضافية خفية عن رؤسائهم إما لدوافع وطنية، أو لرغبات شخصية، أو تنفيذا لأجندة سياسية خاصة، ومن أمثلة ذلك العلاقة التي ربطت بين الرجل الثاني في مكتب المباحث الفدرالية مارك فيليت زمن الرئيس ريتشارد نيكسون والصحافي في واشنطن بوست بوب ودورد، حيث كان الرجلان يعقدان لقاءات سرية لم يكشف عنها إلا بعد 30 عاما من فضيحة ووترغيت التي أطاحت الرئيس نيكسون، واتضح أن دافع الرجل الثاني في إف بي آي للإطاحة بنيكسون هو دافع شخصي لأن نيكسون تخطاه في الترقية وعين شخصا آخر غيره مديرا لـ«إف بي آي» حين أصبح المنصب شاغرا.
وعلى صعيد التنسيق العملي بين الوكالات الاستخبارية الـ16 يمكن أن نضرب مثالا على ذلك اعتمادا على قصة حقيقية. فقد روى معتقل عربي سابق في السجون الأميركية لـ«الشرق الأوسط» قصة مشهد من مشاهد اعتقاله، حيث قال إن تهمته كانت مخالفة قوانين الهجرة، ولكنه شاهد من شرفة شقته في ولاية فرجينيا ليلة اعتقاله ما يقارب 20 سيارة شرطة تحيط بالعمارة التي يسكن فيها، قائلا إن سيارة واحدة كانت تكفي لاعتقاله أو حتى رجل شرطة راجل ولم يكن هناك ما يستدعي كل تلك الضوضاء.
وللإجابة على استغراب المعتقل العربي السابق (ف. ج) عن أسباب وجود كل هذا العدد من سيارات الشرطة في قضية صغيرة، يمكن القول أن الأمر يعود إلى وجود عدد كبير من الوكالات الاستخبارية المشاركة في المعلومات التي أدت إلى اعتقاله. ومن خلال القصة التي رواها المعتقل يمكن الاستنتاج أن معظم الوكالات الاستخبارية ترسل مندوبيها ميدانيا للمشاركة في اعتقال أي مشتبه به في أي قضية لها أدنى علاقة بالإرهاب كشكل من أشكال التنسيق.
وحسب رواية المعتقل العربي فإنه كان على معرفة بصديق قادم من دولة عربية، أودع أموالا ضخمة في أحد بنوك فرجينيا، فعلمت استخبارات وزارة المالية بتلك الأموال في نفس يوم إيداعها، وتم إبلاغ مكتب المباحث الفدرالية لمراقبة صاحب الأموال، واتضح أنه يحمل جوازا دبلوماسيا ولا يوجد مبرر لاعتقاله، ولكن من خلال المراقبة اكتشف رجال الاستخبارات أنه على صلة بذلك المقيم العربي الذي لا تبعد شقته سوى دقائق من مبنى البنتاغون في مدينة أرلينغتون، ولا بد من الافتراض أن وكالة الاستخبارات المركزية تولت أيضا جمع معلومات عن الرجلين في بلدهما، وتولت وكالة الأمن القومي مراقبة مكالماتهما الدولية، كما يمكن أن نفترض أن استخبارات الخارجية الأميركية جمعت معلومات إضافية عن طريق السفارة الأميركية في بلدهما، وأحيطت استخبارات وزارة الدفاع علما بكل ما يجري، وعندما اتضح أن المعلومات المتوفرة غير كافية لمعرفة مصدر تلك الأموال قررت إحدى الجهات الاستخبارية على ما يبدو أن أقصر طريق للحصول على معلومات أكثر تفصيلا، هو اعتقال المقيم العربي، ولم تجد الجهات الأمنية من سبب لاعتقاله سوى اتهامه بأنه قام بتشغيل خادمة اندونيسية، وتستر عليها في منزله دون أن يدفع عنها ضريبة العمل.
هذه التهمة لا تفسر وجود 20 سيارة مملوءة بالمحققين ورجال الشرطة، ولا تفسر الإصرار على مصادرة كل ما في الشقة من أوراق، وأجهزة كمبيوتر، ورسائل ووثائق، ولا تفسر أيضا تركيز التحقيق على أسئلة معظمها عن الدبلوماسي العربي ومصادر أمواله، ثم الإفراج عن المعتقل بعد أقل من شهرين، بعد أن أبلغ المحققين بكل ما يعرفه عن الدبلوماسي العربي، وعن مصادر أمواله بالطبع، وأعيد إلى المفرج عنه كل ما صودر من شقته، ولكن قضيته استمرت في المحكمة، وسجله القانوني أصبح ملطخا. ومن هذه القصة، إن صحت التفاصيل التي أوردها الراوي، يمكن القول إن التنسيق بين الوكالات الاستخبارية الأميركية على الصعيد الميداني مازال في طور البداية ويحتاج إلى آلية اقل مدعاة للإرباك.
ومن بين الجوانب التي تحتاج الوكالات الاستخبارية إلى التنسيق فيما بينها مسألة توظيف الكوادر، والتخفيف من حدة المنافسة بين الوكالات على استقطاب الناطقين باللغات الأجنبية حيث أن كل وكالة تعلن عن حاجتها إلى محللين ومتخصصين في اللغات الأجنبية وعلى رأسها الصينية والعربية والفارسية والأردية ولغة الباشتو، في حين تراجع الطلب على اللغة الروسية، واللغات الأوروبية.
وذكر مسؤول استخباري متقاعد يعمل حاليا في مجال التدريس في جامعة جورج تاون لـ«الشرق الاوسط» أن حوالي 75% من الوثائق التي تحتاج إلى تلخيص أو ترجمة أو تحليل هي من المصادر المفتوحة وليست وثائق سرية، ولكنها مكدسة في مبان لوكالات استخبارية لا يستطيع أن يدخلها إلا من لديه تصريح أمني قد يستغرق الحصول عليه للمولودين في بلدان أجنبية أكثر من 3 سنوات. وأضاف الخبير الأمني الذي لا يرغب في إيراد اسمه، أن الحكومة الفدرالية تعمل حاليا على توحيد الجهود في استقطاب الكوادر بحيث يتم نقل الوثائق المستقاة من مصادر مفتوحة إلى أماكن خاصة لا يحتاج الدخول والخروج إليها إلى تصريح أمني بل يمكن للأميركيين من أصول أجنبية أن يثبتوا جدارتهم في تحليل تلك المعلومات دون التورط في الإطلاع على معلومات سرية يتطلب الإطلاع عليها معرفة تاريخ حياتهم منذ ولادتهم حتى حصولهم على الجنسية الأميركية وما بعد حصولهم عليها.
ويقول الخبير الأمني المتقاعد إن الاستراتيجية التي كانت تتبناها أجهزة الاستخبارات الأميركية في التوظيف هي مقولة أن «أسلم طريق للحصول على وظيفة فيها هي أن يكون عمر المتقدم لم يتجاوز 18 عاما، ولم يسبق له أن غادر واشنطن إلى أي مكان في العالم».
هذه الاستراتيجية في نظره لم تعد صالحة للنجاح في الحرب الدائرة على الإرهاب، إذ أن الشخص الذي لم يتجاوز 18 عاما ولم يسافر إلى أي بلد، قد يكون لائقا أمنيا، ولكن لا يمكن أن تتوقع منه حكومة بلاده أن يكون صاحب خبرة في اللغات والثقافات الأجنبية أو على دراية بالكيفية التي يفكر بها الإرهابيون.