سياسى
03-13-2007, 12:52 AM
بعدما فقدت «الاستغاثات» على صفحات الجرائد تأثيرها ...
القاهرة - أمينة خيري الحياة - 12/03/07//
«من له ظهر لا يضرب على بطنه» وكثيرون هم المصريون ممن لا ظهر لهم... أب يقف مكتوف اليدين أمام مرض ابنه، ورجل فوجئ بمن يستولي على قيراطي الأرض اللذين ورثهما عن المرحوم والده، وسيدة وجدت نفسها من دون عائل أو معاش أو مأوى، وفلاح وضع كل ما يملك من مدخرات في يد شركة تشغيل أموال اتضح أنها نصابة، وآلاف من النماذج المشابهة من المواطنين المصريين ممن يؤمنون بأن حقوقهم المسلوبة أو حاجاتهم لن تقضى لأنه «لا ظهر لهم». منهم من سلك السبل المعتادة في مثل هذه الظروف وفشل، ومنهم من اختصر الطريق وقرر البحث عن ظهر يحميه ويعيد له حقه.
ولما كان المصريون معروفين بالقدرة على الابتكار والإبداع تحت وطأة المشاكل التي تحيطهم، فقد خرج أبناء المحروسة في السنوات القليلة الماضية بعدد من الطرق والوسائل التي تميزهم عن غيرهم من شعوب الأرض: على صفحات الجرائد اليومية، قومية ومستقلة ومعارضة، العشرات من الإعلانات المدفوعة الأجر، ولكنها «استغاثات». منها ما هو مكلل بآية قرآنية داعية إلى العدل مثل «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل»، أو بحديث شريف مندد بالظلم والظالمين مثل «الظلم ظلمات يوم القيامة».
هذه الاستغاثات تحولت من إعلان كان يلفت النظر ويثير القليل من علامات التعجب والكثير من الأقاويل إلى ظاهرة عادية لا يمر يوم من دونها.
الاستغاثة الأحدث هي لمجموعة من أصحاب الأكشاك التي تبيع السجائر والحلوى في أحد شوارع حي المهندسين والذين يشكون من صدور قرار بالإزالة من دون سابق إنذار. ويذكر أصحاب الأكشاك في استغاثتهم الموجهة إلى رئيس الجمهورية ووزراء الأوقاف والعدل والداخلية والبيئة ومحافظ الجيزة أنه تبين لهم «أن أحد أصحاب النفوذ وراء هذا القرار» وأنه (صاحب النفوذ) ينفق ببذخ شديد لاستغلال هذه الأرض. وبالطبع فإن أصحاب هذه الأكشاك سلكوا كل ما يمكن سلوكه من سبل للحفاظ على أكشاكهم ومن ثم قوت يومهم وأبنائهم من دون جدوى، وكانت المحطة الأخيرة مناشدة الرئيس نفسه.
ومثلما تحولت الاستغاثات الموجهة من مواطنين إلى رئيس الجمهورية من حالات فردية إلى ظاهرة شبه عادية تحول الرصيف المواجه لمجلس الشعب (البرلمان) المصري من مجرد رصيف عادي إلى رصيف للمظلومين والمقهورين الباحثين عن مخرج من غياهب ظلمات غياب قنوات شرعية فعلية لحل مشاكل المواطنين الملحة.
حسين المر (68 عاماً) أحد أولئك الذين لجأوا إلى الرصيف الشهير لحل مأساته، فقد صدر قرار بإزالة البيت الذي يقطن فيه وما هي إلا أسابيع وسيجد نفسه مقيماً وأبناءه الخمسة وأحفاده في الشارع. طرق جميع الأبواب من دون جدوى، فجاء إلى الرصيف انتظاراً لوصول عضو مجلس الشعب عن الحي الذي يقطنه لتسليمه شكواه يداً بيد. يقول: «الشكوى لغير الله مذلة لكن السكوت على إلقائي وأبنائي في الشارع يجعل المذلة أمراً هيناً». هذا الرصيف شاهد عيان على طريقة متميزة أخرى يلجأ إليها المصريون لعلاج مشاكلهم المتفاقمة.
ويتكرر المشهد كلما كانت هناك جلسة لمجلس الشعب. تجدهم مصطفين في هدوء وصبر يحسدون عليهما. منهم من جاء وحده، وآخرون أتوا بعائلاتهم أو معارفهم، يقفون بالساعات، وإذا شعروا بالإنهاك يجلسون على سور إحدى الوزارات وعيونهم أشبه بعيون الصقور المتربصة بالفريسة حال وصولها. لكن «الفرائس» تصل غالباً في سياراتها الفارهة وتنزلق إلى الداخل في ثوان معدودة.
الأوراق التي يحملها الشاكون تحوي عشرات القصص والمآسي التي لا يحتمل الكثير منها انتظار نتيجة اللف والدوران في المكاتب البيروقراطية التي ينتهج الكثير منها منهج «فوت علينا بكره»، لا سيما الشكاوى الصحية الباحثة عن علاج من مرض قاتل.
وعلى بعد نحو دقائق من «رصيف الشكاوى» يقبع «ضرائح الشكاوى» حيث يتوافد يومياً آلاف المصريين من المسلمين، لا سيما من البسطاء ممن يسردون شكاواهم بمنتهى الشفافية أمام ضريح السيدة زينب، أو السيدة نفيسة، أو في سيدنا الحسين. وفي حال المواطنين المسيحيين فإن كنيسة السيدة العذراء في الزيتون أو مار جرجس في مصر القديمة تفيان بالغرض نفسه من السرد الروحاني، وهو سرد يتزامن في أغلب الأحوال مع صولات وجولات في محاولة لحل المشاكل دنيوياً من دون جدوى.
المثير أن الحلول الدنيوية المطروحة حالياً شملت أخيراً حلولاً عنكبوتية، طرحتها «بوابة الحكومة الالكترونية» الني أفردت على صفحتها الرئيسية على شبكة الإنترنت «خدمة جديدة: منظومة شكاوى واستفسارات المواطنين». الخدمة الجديدة تشمل أقساماً للشكاوى الموجهة لوزارات الداخلية والصحة والتضامن الاجتماعي والبيئة، إلا أن جدواها وسرعة الاستجابة ما زالا في طور التجربة. وفي حال «عم حسين» فهو يرفض تماماً الانسياق وراءها، يقول: «لقد قابلت من لديهم القدرة على حل مشكلتي وجهاً لوجه، ووعدوني بسرعة الحل، ولم يحدث شيء. فما بالك لو أرسلت شكوى لا أملك حتى وريقة تثبت تسلم المسؤول لها؟».
القاهرة - أمينة خيري الحياة - 12/03/07//
«من له ظهر لا يضرب على بطنه» وكثيرون هم المصريون ممن لا ظهر لهم... أب يقف مكتوف اليدين أمام مرض ابنه، ورجل فوجئ بمن يستولي على قيراطي الأرض اللذين ورثهما عن المرحوم والده، وسيدة وجدت نفسها من دون عائل أو معاش أو مأوى، وفلاح وضع كل ما يملك من مدخرات في يد شركة تشغيل أموال اتضح أنها نصابة، وآلاف من النماذج المشابهة من المواطنين المصريين ممن يؤمنون بأن حقوقهم المسلوبة أو حاجاتهم لن تقضى لأنه «لا ظهر لهم». منهم من سلك السبل المعتادة في مثل هذه الظروف وفشل، ومنهم من اختصر الطريق وقرر البحث عن ظهر يحميه ويعيد له حقه.
ولما كان المصريون معروفين بالقدرة على الابتكار والإبداع تحت وطأة المشاكل التي تحيطهم، فقد خرج أبناء المحروسة في السنوات القليلة الماضية بعدد من الطرق والوسائل التي تميزهم عن غيرهم من شعوب الأرض: على صفحات الجرائد اليومية، قومية ومستقلة ومعارضة، العشرات من الإعلانات المدفوعة الأجر، ولكنها «استغاثات». منها ما هو مكلل بآية قرآنية داعية إلى العدل مثل «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل»، أو بحديث شريف مندد بالظلم والظالمين مثل «الظلم ظلمات يوم القيامة».
هذه الاستغاثات تحولت من إعلان كان يلفت النظر ويثير القليل من علامات التعجب والكثير من الأقاويل إلى ظاهرة عادية لا يمر يوم من دونها.
الاستغاثة الأحدث هي لمجموعة من أصحاب الأكشاك التي تبيع السجائر والحلوى في أحد شوارع حي المهندسين والذين يشكون من صدور قرار بالإزالة من دون سابق إنذار. ويذكر أصحاب الأكشاك في استغاثتهم الموجهة إلى رئيس الجمهورية ووزراء الأوقاف والعدل والداخلية والبيئة ومحافظ الجيزة أنه تبين لهم «أن أحد أصحاب النفوذ وراء هذا القرار» وأنه (صاحب النفوذ) ينفق ببذخ شديد لاستغلال هذه الأرض. وبالطبع فإن أصحاب هذه الأكشاك سلكوا كل ما يمكن سلوكه من سبل للحفاظ على أكشاكهم ومن ثم قوت يومهم وأبنائهم من دون جدوى، وكانت المحطة الأخيرة مناشدة الرئيس نفسه.
ومثلما تحولت الاستغاثات الموجهة من مواطنين إلى رئيس الجمهورية من حالات فردية إلى ظاهرة شبه عادية تحول الرصيف المواجه لمجلس الشعب (البرلمان) المصري من مجرد رصيف عادي إلى رصيف للمظلومين والمقهورين الباحثين عن مخرج من غياهب ظلمات غياب قنوات شرعية فعلية لحل مشاكل المواطنين الملحة.
حسين المر (68 عاماً) أحد أولئك الذين لجأوا إلى الرصيف الشهير لحل مأساته، فقد صدر قرار بإزالة البيت الذي يقطن فيه وما هي إلا أسابيع وسيجد نفسه مقيماً وأبناءه الخمسة وأحفاده في الشارع. طرق جميع الأبواب من دون جدوى، فجاء إلى الرصيف انتظاراً لوصول عضو مجلس الشعب عن الحي الذي يقطنه لتسليمه شكواه يداً بيد. يقول: «الشكوى لغير الله مذلة لكن السكوت على إلقائي وأبنائي في الشارع يجعل المذلة أمراً هيناً». هذا الرصيف شاهد عيان على طريقة متميزة أخرى يلجأ إليها المصريون لعلاج مشاكلهم المتفاقمة.
ويتكرر المشهد كلما كانت هناك جلسة لمجلس الشعب. تجدهم مصطفين في هدوء وصبر يحسدون عليهما. منهم من جاء وحده، وآخرون أتوا بعائلاتهم أو معارفهم، يقفون بالساعات، وإذا شعروا بالإنهاك يجلسون على سور إحدى الوزارات وعيونهم أشبه بعيون الصقور المتربصة بالفريسة حال وصولها. لكن «الفرائس» تصل غالباً في سياراتها الفارهة وتنزلق إلى الداخل في ثوان معدودة.
الأوراق التي يحملها الشاكون تحوي عشرات القصص والمآسي التي لا يحتمل الكثير منها انتظار نتيجة اللف والدوران في المكاتب البيروقراطية التي ينتهج الكثير منها منهج «فوت علينا بكره»، لا سيما الشكاوى الصحية الباحثة عن علاج من مرض قاتل.
وعلى بعد نحو دقائق من «رصيف الشكاوى» يقبع «ضرائح الشكاوى» حيث يتوافد يومياً آلاف المصريين من المسلمين، لا سيما من البسطاء ممن يسردون شكاواهم بمنتهى الشفافية أمام ضريح السيدة زينب، أو السيدة نفيسة، أو في سيدنا الحسين. وفي حال المواطنين المسيحيين فإن كنيسة السيدة العذراء في الزيتون أو مار جرجس في مصر القديمة تفيان بالغرض نفسه من السرد الروحاني، وهو سرد يتزامن في أغلب الأحوال مع صولات وجولات في محاولة لحل المشاكل دنيوياً من دون جدوى.
المثير أن الحلول الدنيوية المطروحة حالياً شملت أخيراً حلولاً عنكبوتية، طرحتها «بوابة الحكومة الالكترونية» الني أفردت على صفحتها الرئيسية على شبكة الإنترنت «خدمة جديدة: منظومة شكاوى واستفسارات المواطنين». الخدمة الجديدة تشمل أقساماً للشكاوى الموجهة لوزارات الداخلية والصحة والتضامن الاجتماعي والبيئة، إلا أن جدواها وسرعة الاستجابة ما زالا في طور التجربة. وفي حال «عم حسين» فهو يرفض تماماً الانسياق وراءها، يقول: «لقد قابلت من لديهم القدرة على حل مشكلتي وجهاً لوجه، ووعدوني بسرعة الحل، ولم يحدث شيء. فما بالك لو أرسلت شكوى لا أملك حتى وريقة تثبت تسلم المسؤول لها؟».