Osama
03-07-2007, 01:35 AM
جريدة السياسة
لكل مخلوق في الدنيا وظيفة محددة, فالنار تندلع من مستصغر الشرر, والليل ينبلج من النهار, والأرض ذات الصدع, والسماء ذات الرجع, وكل يد بما كسبت رهينة, وكل راع مسؤول عن رعيته, وهكذا فالبشر والحجر والشجر وما يدب فوق الأرض أو يسبح في البحر, حتى الأجرام السماوية والكواكب, كل في فلك يسيرون.. وبالتالي فإن كل مخلوق له وظيفته, سواء التي أرادها الله تعالى له, أو التي ارتضاها لنفسه.. ما عدا استثناء واحداً هو العقيد معمر القذافي, فما هي وظيفته?..
منذ 37 عاماً قفز »الأخ العقيد« إلى السلطة في ليبيا عبر انقلاب نفذه مع مجموعة من الضباط, لكنه بقرار صادر عنه سارع بعد شهر واحد إلى تسميته »ثورة عظيمة«, ثم برر ذلك بأنه نذر نفسه لمحاربة إسرائيل ورميها في البحر أو إعطاء اليهود أرضاً في الصحراء الليبية أو الأفريقية ليعيشوا فيها, واقتطع قسماً كبيراً من الموازنة الليبية النفطية لشراء مئات الطائرات وآلاف الدبابات التي تحولت إلى »خردة« لعدم وجود طيارين ولا رماة مدفعية مؤهلين, وكان أول ما فعله في حرب أكتوبر عام 1973 هو الهروب من المعركة ورفض المشاركة فيها ولو برصاصة واحدة, وآخر ما فعله في وقتنا الراهن هو مباركة غرام نجله بفنانة من إسرائيل, بعدما حل أزمة الصراع العربي الإسرائيلي بكلمة واحد هي: »إسراطين«.
ومنذ 37 عاماً, وقائد »ثورة الفاتح العظيمة« يشغل الشعب الليبي بمشاريع الوحدة متعددة الأنماط, من اتحاد الجمهوريات العربية عام 1970 الذي أفشله بعد سنة على قيامه, إلى الوحدة مع مالطا التي سقطت بعد شهر على إعلانها, فالانصهار القومي مع تونس الذي انهار بعد أسبوع على توقيع وثائقه في جزيرة »جربا« المشهورة بنوادي العراة.. إلى الوحدة مع الجزائر التي دامت مسافة رحلة العودة إلى بنغازي ليعلن هناك عن دفنها في خطاب جماهيري ضد الاستعمار.. حتى وصل به المطاف إلى خلع ثوبه العربي بالكامل, وإعلان انتمائه الافريقي الشامل!..
منذ 37 عاماً, وصاحب »النظرية الثالثة« يعبئ الشعب الليبي حقداً على الولايات المتحدة الأميركية ويلوح بقبضته في الهواء إيذاناً بتدميرها.. ويستقطع من غذاء الشعب الليبي ليمول الهنود الحمر, ومنظمات السود, ويعقد الاتفاقات مع فيدل كاسترو وعدد من حكام أميركا اللاتينية.. لكنه انتهى إلى تسليم الليبيين المتهمين بتفجير طائرة »لوكربي«, ومعهما خمسة مليارات دولار تعويضاً لأهالي الضحايا, وفوق ذلك 500 ألف وثيقة عن كل عمليات تمويل الإرهاب معززة بالأسماء والعناوين وأرقام الهواتف.
منذ 37 عاماً, و»القائد الجماهيري الملهم« لا يتأخر عن سكب الوقود فوق أي حريق عربي من المحيط إلى الخليج, فهو دعم كل أطراف الحرب اللبنانية قبل أن يتفتق ذهنه عن »حل« يقضي بترحيل المسيحيين إلى فرنسا.. ثم ابتدع »حلاً« لمشكلة الأقباط في مصر بدعوتهم إلى الإسلام..
وهو مول الانفصاليين في الصحراء المغربية واحتضن رئيسهم محمد الأمين, وشد على أيدي البربر في الجزائر وأباد قسماً كبيراً من جيشه في الصومال, ولعب على الحبال في أزمة دارفور, واجج المشاكل بين أريتريا وأثيوبيا, وألب الفصائل الفلسطينية ضد بعضها البعض, وأرسل المخربين إلى دول الخليج ودعم القوى الشيعية العربية ثم دعا إلى إبادتها أو تهجيرها, واخترع سلوكاً هجيناً في الإسلام عندما حذف كلمات من القرآن الكريم بحجة أنها كانت موجهة من الله تعالى إلى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وادعى انها خاصة بالرسول.. ثم ألغى التاريخ الهجري واستنبط تاريخاً يبدأ من وفاة النبي, وهو لم يترك حزباً عربياً كبيراً أم صغيراً إلا وموله, لكن ذهنه تفتق عن نظرية تقول: »من تحزب خان«, وإذ به يعلن عن تسليم السلطة للشعب عبر المؤتمرات الشعبية تكريساً للديمقراطية الحقيقية كما قال, فإذا بالأفواه تكمم, والزنازين تقفل على أصحاب الرأي, وعمليات الخطف والقتل والتعذيب تزدهر وتشمل كل من ناقش
نظرياته »الإلهامية« أو سأل عن مصير النهر الليبي العظيم, حتى ان إحصاءات المنظمات الدولية لحقوق الإنسان وضعت ليبيا في مقدمة الدول التي تقمع الحريات العامة..
وها هو اليوم, يتحف العالم بآخر مآثره, حين عين نفسه فقيهاً وأطلق لقب »الشهيد« على صدام حسين.. بل إنه ارتقى سدة البابوية وطوب طاغية العراق قديساً!..
والعقيد القذافي اليوم.. رفض استقبال موفد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لدعوته, حسب الأصول والقيم الكريمة, إلى مؤتمر القمة العربي المقبل في الرياض, ربما اعتقاداً منه بأن غيابه »سيزلزل« المؤتمر!..
رحم الله امرئ عرف حده فوقف عنده.. فالأمم هي مرآة الشعوب, حيث يوجد فيها الرفيع والوضيع, والأصيل والبديل والطارئ, وصناع التاريخ الذين يتقدمون صفوف الرجال, والقابعون على الهامش يقتاتون من فتات الكرماء. ولذلك فإن الأمم عندما تتباهى بعظمائها, فإنها في المقابل تخجل من سفهائها..
(.......)
لكل مخلوق في الدنيا وظيفة محددة, فالنار تندلع من مستصغر الشرر, والليل ينبلج من النهار, والأرض ذات الصدع, والسماء ذات الرجع, وكل يد بما كسبت رهينة, وكل راع مسؤول عن رعيته, وهكذا فالبشر والحجر والشجر وما يدب فوق الأرض أو يسبح في البحر, حتى الأجرام السماوية والكواكب, كل في فلك يسيرون.. وبالتالي فإن كل مخلوق له وظيفته, سواء التي أرادها الله تعالى له, أو التي ارتضاها لنفسه.. ما عدا استثناء واحداً هو العقيد معمر القذافي, فما هي وظيفته?..
منذ 37 عاماً قفز »الأخ العقيد« إلى السلطة في ليبيا عبر انقلاب نفذه مع مجموعة من الضباط, لكنه بقرار صادر عنه سارع بعد شهر واحد إلى تسميته »ثورة عظيمة«, ثم برر ذلك بأنه نذر نفسه لمحاربة إسرائيل ورميها في البحر أو إعطاء اليهود أرضاً في الصحراء الليبية أو الأفريقية ليعيشوا فيها, واقتطع قسماً كبيراً من الموازنة الليبية النفطية لشراء مئات الطائرات وآلاف الدبابات التي تحولت إلى »خردة« لعدم وجود طيارين ولا رماة مدفعية مؤهلين, وكان أول ما فعله في حرب أكتوبر عام 1973 هو الهروب من المعركة ورفض المشاركة فيها ولو برصاصة واحدة, وآخر ما فعله في وقتنا الراهن هو مباركة غرام نجله بفنانة من إسرائيل, بعدما حل أزمة الصراع العربي الإسرائيلي بكلمة واحد هي: »إسراطين«.
ومنذ 37 عاماً, وقائد »ثورة الفاتح العظيمة« يشغل الشعب الليبي بمشاريع الوحدة متعددة الأنماط, من اتحاد الجمهوريات العربية عام 1970 الذي أفشله بعد سنة على قيامه, إلى الوحدة مع مالطا التي سقطت بعد شهر على إعلانها, فالانصهار القومي مع تونس الذي انهار بعد أسبوع على توقيع وثائقه في جزيرة »جربا« المشهورة بنوادي العراة.. إلى الوحدة مع الجزائر التي دامت مسافة رحلة العودة إلى بنغازي ليعلن هناك عن دفنها في خطاب جماهيري ضد الاستعمار.. حتى وصل به المطاف إلى خلع ثوبه العربي بالكامل, وإعلان انتمائه الافريقي الشامل!..
منذ 37 عاماً, وصاحب »النظرية الثالثة« يعبئ الشعب الليبي حقداً على الولايات المتحدة الأميركية ويلوح بقبضته في الهواء إيذاناً بتدميرها.. ويستقطع من غذاء الشعب الليبي ليمول الهنود الحمر, ومنظمات السود, ويعقد الاتفاقات مع فيدل كاسترو وعدد من حكام أميركا اللاتينية.. لكنه انتهى إلى تسليم الليبيين المتهمين بتفجير طائرة »لوكربي«, ومعهما خمسة مليارات دولار تعويضاً لأهالي الضحايا, وفوق ذلك 500 ألف وثيقة عن كل عمليات تمويل الإرهاب معززة بالأسماء والعناوين وأرقام الهواتف.
منذ 37 عاماً, و»القائد الجماهيري الملهم« لا يتأخر عن سكب الوقود فوق أي حريق عربي من المحيط إلى الخليج, فهو دعم كل أطراف الحرب اللبنانية قبل أن يتفتق ذهنه عن »حل« يقضي بترحيل المسيحيين إلى فرنسا.. ثم ابتدع »حلاً« لمشكلة الأقباط في مصر بدعوتهم إلى الإسلام..
وهو مول الانفصاليين في الصحراء المغربية واحتضن رئيسهم محمد الأمين, وشد على أيدي البربر في الجزائر وأباد قسماً كبيراً من جيشه في الصومال, ولعب على الحبال في أزمة دارفور, واجج المشاكل بين أريتريا وأثيوبيا, وألب الفصائل الفلسطينية ضد بعضها البعض, وأرسل المخربين إلى دول الخليج ودعم القوى الشيعية العربية ثم دعا إلى إبادتها أو تهجيرها, واخترع سلوكاً هجيناً في الإسلام عندما حذف كلمات من القرآن الكريم بحجة أنها كانت موجهة من الله تعالى إلى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وادعى انها خاصة بالرسول.. ثم ألغى التاريخ الهجري واستنبط تاريخاً يبدأ من وفاة النبي, وهو لم يترك حزباً عربياً كبيراً أم صغيراً إلا وموله, لكن ذهنه تفتق عن نظرية تقول: »من تحزب خان«, وإذ به يعلن عن تسليم السلطة للشعب عبر المؤتمرات الشعبية تكريساً للديمقراطية الحقيقية كما قال, فإذا بالأفواه تكمم, والزنازين تقفل على أصحاب الرأي, وعمليات الخطف والقتل والتعذيب تزدهر وتشمل كل من ناقش
نظرياته »الإلهامية« أو سأل عن مصير النهر الليبي العظيم, حتى ان إحصاءات المنظمات الدولية لحقوق الإنسان وضعت ليبيا في مقدمة الدول التي تقمع الحريات العامة..
وها هو اليوم, يتحف العالم بآخر مآثره, حين عين نفسه فقيهاً وأطلق لقب »الشهيد« على صدام حسين.. بل إنه ارتقى سدة البابوية وطوب طاغية العراق قديساً!..
والعقيد القذافي اليوم.. رفض استقبال موفد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لدعوته, حسب الأصول والقيم الكريمة, إلى مؤتمر القمة العربي المقبل في الرياض, ربما اعتقاداً منه بأن غيابه »سيزلزل« المؤتمر!..
رحم الله امرئ عرف حده فوقف عنده.. فالأمم هي مرآة الشعوب, حيث يوجد فيها الرفيع والوضيع, والأصيل والبديل والطارئ, وصناع التاريخ الذين يتقدمون صفوف الرجال, والقابعون على الهامش يقتاتون من فتات الكرماء. ولذلك فإن الأمم عندما تتباهى بعظمائها, فإنها في المقابل تخجل من سفهائها..
(.......)