وليم
02-26-2007, 09:57 PM
بيل غيتس ـ واشنطن بوست
على مدى عدة قرون، كان الناس يعتقدون أن النمو الاقتصادي هو نتيجة للتفاعل بين الرأسمال والعمل. أما اليوم، فقد بتنا نعلم أن عاملاً رئيسياً وحيداً يفوق هذين العنصرين وزناً وأهمية: الابتكار. ذلك أن الابتكار يمثل سر زعامة الولايات المتحدة الاقتصادية، وأساس قوتها التنافسية في الاقتصاد العالمي. والحقيقة أن الاستثمار الحكومي في البحث العلمي، وقوانين احترام الملكية الفكرية الصارمة، وأسواق رؤوس الأموال الفعالة... من بين الأسباب التي كانت وراء تفوق أميركا في تحويل الأفكار الجديدة إلى مشاريع تجارية ناجحة لعقود من الزمن. والحال أن أكثر هذه العوامل أهمية هو قوتها العاملة؛ فالعلماء والمهندسون الذين يتخرجون من الجامعات الأميركية -التي تعد الأفضل في العالم- هم من ابتكروا تكنولوجيات رائدة مثل "المعالج الدقيق" (microprocessor)، فأنشأوا الشركات وخلقوا ملايين فرص العمل جزيلة الأجر. إلا أن ذلك لا يجب أن يجعلنا ننظر إلى وضعنا كمركز للأفكار الجديدة في العالم باعتباره من المسلَّمات؛ ذلك أن دولاً أخرى انتبهت أيضاً إلى الدور بالغ الأهمية الذي يلعبه الابتكار في تعزيز القوة التنافسية.
نحن لا نقصد بذلك القول إن الأهمية الاقتصادية المتزايدة لدول مثل الصين والهند... أمر سيئ وسلبي، بل على العكس من ذلك، فالعالم يستفيد عندما يكتسب مزيدٌ من الأشخاص المهارات اللازمة لتشجيع الابتكار والنهوض به. غير أننا إذا كنا نريد الحفاظ على قوتنا التنافسية، فإننا بحاجة إلى قوة عاملة تضم أذكى الأدمغة في العالم وألمعها.
وثمة خطوتان رئيسيتان لبلوغ هذا الهدف، تتمثل أولاهما في ضرورة توفرنا على مدارس جيدة وقوية حتى ينضم الشباب الأميركي المتخرج إلى القوة العاملة، مسلحاً بمهارات الرياضيات والعلوم التي يحتاجها من أجل النجاح في اقتصاد المعرفة. أما الخطوة الثانية، فتكمن في ضرورة رفع القيود والتعقيدات على عمل العلماء والمهندسين المولودين خارج الولايات المتحدة في الشركات الأميركية.
والواقع أن التربية تشكل دائماً بوابة حياة أفضل في هذا البلد، كما أن مدارسنا الابتدائية والثانوية لطالما كانت الأفضل في العالم. غير أن طلاب المدارس الثانوية الأميركية احتلوا المرتبة الرابعة والعشرين في اختبار دولي للرياضيات شمل في عام 2003 تسعة وعشرين دولة مصنِّعة. وعليه، فلكي نحافظ على قوتنا التنافسية في الاقتصاد العالمي، يتعين علينا أن نلتزم بأجندة وطنية طموحة للتعليم. وهنا يمكن القول إن للحكومة والشركات دوراً مهماً تلعبانه؛ إذ يتعين على الشركات أن تدافع عن سياسات تعليمية قوية، وتعمل مع المدارس على تشجيع الاهتمام بالرياضيات والعلوم، وتوفر تعليماً ينسجم واحتياجات الشركات. أما الحكومة، فعليها أن تعمل مع المتخصصين في التربية والتعليم لإصلاح المدارس وتحسين جودة التعليم.
وإضافة إلى ذلك، يقتضي الحفاظ على القوة التنافسية للولايات المتحدة إصلاح قوانين الهجرة على نحو يمكّن من الاستفادة من الموظفين أصحاب المهارات العالية والمولودين خارج الولايات المتحدة على اعتبار أن الطلب على المهارات التقنية المتخصصة يتجاوز عرض العمال المولودين في الولايات المتحدة ممن يتوفرون على شهادات علمية عالية، علماً بأن العلماء والمهندسين من بلدان أخرى هم من يسدون الفراغ الحاصل.
بل إن الموضوع بلغ حد الأزمة؛ فإذا كان توظيف علوم الكمبيوتر يعرف نمواً يقدر بنحو 100000 وظيفة سنوياً، فإن الدراسات تُظهر وجود تراجع كبير في أعداد الطلبة الذين يتخرجون وفي حوزتهم شهادات تخصص في علوم الكمبيوتر. ومما يُذكر هنا أن الولايات المتحدة تخصص 65000 تأشيرة مؤقتة من فئة "H-1B" كل عام لتعويض هذا النقص، وهو ما لا يكفي لسد المناصب التقنية الشاغرة. والواقع أن قوانين الإقامة الدائمة تفاقم هذه المشكلة وتزيد من تعقيدها؛ حيث ينتظر الموظفون المؤقتون خمس سنوات أو يزيد للحصول على "البطاقة الخضراء". وهي فترة لا يستطيع الموظفون خلالها تغيير وظائفهم، ما يحدُّ من فرص مساهمتهم في نجاح الجهة التي تُشغّلهم، وفي النمو الاقتصادي الأميركي بصفة عامة.
لقد تعثر حل هذه المسألة العام الماضي عندما كان الكونجرس يسعى إلى حل مشكلة أمن الحدود والهجرة غير القانونية. وهنا أود مناشدة المشرِّعين أن يدعموا، حين ينكبون على مناقشة هذه المواضيع المهمة من جديد، إصلاح برنامج تأشيرات "H-1B" بحيث يصبح باستطاعة الشركات الأميركية توظيف العلماء والمهندسين الذين ولدوا في الخارج، بعدما يتعذر عليها إيجاد الكفاءات التي تحتاجها داخل البلاد.
والحقيقة أن إصلاح برنامج "البطاقة الخضراء" على نحو يصبح من السهل معه الاحتفاظ بالمهنيين من ذوي المهارات العالية في البلاد، لا يقل أهمية عن برنامج إصلاح التأشيرات؛ ذلك أن هؤلاء الموظفين مهمون وضروريون بالنسبة لقوة الولايات المتحدة التنافسية، وبالتالي فعلينا أن نرحب بمساهمتهم في نمو الاقتصاد الأميركي. كما علينا أن نشجع الطلبة الأجانب على البقاء في الولايات المتحدة بعد تخرجهم. ومما يُذكر هنا أن نصف المرشحين لنيل شهادة الدكتوراه في علوم الكمبيوتر في الولايات المتحدة يأتون من الخارج. وغني عن البيان أنه ليس من مصلحتنا القومية تعليمهم هنا، وإرسالهم بعد ذلك إلى أوطانهم بعدما يتمون دراساتهم.
خلال السنوات الثلاثين الماضية، كان الابتكار الأميركي وراء ظهور عصر المعلومات الرقمية. أما اليوم، فإذا كانت الولايات المتحدة تحرص على الاحتفاظ بزعامتها الاقتصادية في العالم، فعلينا أن نخلق جميعاً بيئة مواتية تُمكن الجيل الجديد من الإتيان بابتكارات، وذلك بغضِّ النظر عن مكان ولادته. فالمشكلة في الولايات المتحدة لا تكمن في الموهبة، وإنما تكمن في الإرادة السياسية.
رئيس شركة مايكروسوفت.
على مدى عدة قرون، كان الناس يعتقدون أن النمو الاقتصادي هو نتيجة للتفاعل بين الرأسمال والعمل. أما اليوم، فقد بتنا نعلم أن عاملاً رئيسياً وحيداً يفوق هذين العنصرين وزناً وأهمية: الابتكار. ذلك أن الابتكار يمثل سر زعامة الولايات المتحدة الاقتصادية، وأساس قوتها التنافسية في الاقتصاد العالمي. والحقيقة أن الاستثمار الحكومي في البحث العلمي، وقوانين احترام الملكية الفكرية الصارمة، وأسواق رؤوس الأموال الفعالة... من بين الأسباب التي كانت وراء تفوق أميركا في تحويل الأفكار الجديدة إلى مشاريع تجارية ناجحة لعقود من الزمن. والحال أن أكثر هذه العوامل أهمية هو قوتها العاملة؛ فالعلماء والمهندسون الذين يتخرجون من الجامعات الأميركية -التي تعد الأفضل في العالم- هم من ابتكروا تكنولوجيات رائدة مثل "المعالج الدقيق" (microprocessor)، فأنشأوا الشركات وخلقوا ملايين فرص العمل جزيلة الأجر. إلا أن ذلك لا يجب أن يجعلنا ننظر إلى وضعنا كمركز للأفكار الجديدة في العالم باعتباره من المسلَّمات؛ ذلك أن دولاً أخرى انتبهت أيضاً إلى الدور بالغ الأهمية الذي يلعبه الابتكار في تعزيز القوة التنافسية.
نحن لا نقصد بذلك القول إن الأهمية الاقتصادية المتزايدة لدول مثل الصين والهند... أمر سيئ وسلبي، بل على العكس من ذلك، فالعالم يستفيد عندما يكتسب مزيدٌ من الأشخاص المهارات اللازمة لتشجيع الابتكار والنهوض به. غير أننا إذا كنا نريد الحفاظ على قوتنا التنافسية، فإننا بحاجة إلى قوة عاملة تضم أذكى الأدمغة في العالم وألمعها.
وثمة خطوتان رئيسيتان لبلوغ هذا الهدف، تتمثل أولاهما في ضرورة توفرنا على مدارس جيدة وقوية حتى ينضم الشباب الأميركي المتخرج إلى القوة العاملة، مسلحاً بمهارات الرياضيات والعلوم التي يحتاجها من أجل النجاح في اقتصاد المعرفة. أما الخطوة الثانية، فتكمن في ضرورة رفع القيود والتعقيدات على عمل العلماء والمهندسين المولودين خارج الولايات المتحدة في الشركات الأميركية.
والواقع أن التربية تشكل دائماً بوابة حياة أفضل في هذا البلد، كما أن مدارسنا الابتدائية والثانوية لطالما كانت الأفضل في العالم. غير أن طلاب المدارس الثانوية الأميركية احتلوا المرتبة الرابعة والعشرين في اختبار دولي للرياضيات شمل في عام 2003 تسعة وعشرين دولة مصنِّعة. وعليه، فلكي نحافظ على قوتنا التنافسية في الاقتصاد العالمي، يتعين علينا أن نلتزم بأجندة وطنية طموحة للتعليم. وهنا يمكن القول إن للحكومة والشركات دوراً مهماً تلعبانه؛ إذ يتعين على الشركات أن تدافع عن سياسات تعليمية قوية، وتعمل مع المدارس على تشجيع الاهتمام بالرياضيات والعلوم، وتوفر تعليماً ينسجم واحتياجات الشركات. أما الحكومة، فعليها أن تعمل مع المتخصصين في التربية والتعليم لإصلاح المدارس وتحسين جودة التعليم.
وإضافة إلى ذلك، يقتضي الحفاظ على القوة التنافسية للولايات المتحدة إصلاح قوانين الهجرة على نحو يمكّن من الاستفادة من الموظفين أصحاب المهارات العالية والمولودين خارج الولايات المتحدة على اعتبار أن الطلب على المهارات التقنية المتخصصة يتجاوز عرض العمال المولودين في الولايات المتحدة ممن يتوفرون على شهادات علمية عالية، علماً بأن العلماء والمهندسين من بلدان أخرى هم من يسدون الفراغ الحاصل.
بل إن الموضوع بلغ حد الأزمة؛ فإذا كان توظيف علوم الكمبيوتر يعرف نمواً يقدر بنحو 100000 وظيفة سنوياً، فإن الدراسات تُظهر وجود تراجع كبير في أعداد الطلبة الذين يتخرجون وفي حوزتهم شهادات تخصص في علوم الكمبيوتر. ومما يُذكر هنا أن الولايات المتحدة تخصص 65000 تأشيرة مؤقتة من فئة "H-1B" كل عام لتعويض هذا النقص، وهو ما لا يكفي لسد المناصب التقنية الشاغرة. والواقع أن قوانين الإقامة الدائمة تفاقم هذه المشكلة وتزيد من تعقيدها؛ حيث ينتظر الموظفون المؤقتون خمس سنوات أو يزيد للحصول على "البطاقة الخضراء". وهي فترة لا يستطيع الموظفون خلالها تغيير وظائفهم، ما يحدُّ من فرص مساهمتهم في نجاح الجهة التي تُشغّلهم، وفي النمو الاقتصادي الأميركي بصفة عامة.
لقد تعثر حل هذه المسألة العام الماضي عندما كان الكونجرس يسعى إلى حل مشكلة أمن الحدود والهجرة غير القانونية. وهنا أود مناشدة المشرِّعين أن يدعموا، حين ينكبون على مناقشة هذه المواضيع المهمة من جديد، إصلاح برنامج تأشيرات "H-1B" بحيث يصبح باستطاعة الشركات الأميركية توظيف العلماء والمهندسين الذين ولدوا في الخارج، بعدما يتعذر عليها إيجاد الكفاءات التي تحتاجها داخل البلاد.
والحقيقة أن إصلاح برنامج "البطاقة الخضراء" على نحو يصبح من السهل معه الاحتفاظ بالمهنيين من ذوي المهارات العالية في البلاد، لا يقل أهمية عن برنامج إصلاح التأشيرات؛ ذلك أن هؤلاء الموظفين مهمون وضروريون بالنسبة لقوة الولايات المتحدة التنافسية، وبالتالي فعلينا أن نرحب بمساهمتهم في نمو الاقتصاد الأميركي. كما علينا أن نشجع الطلبة الأجانب على البقاء في الولايات المتحدة بعد تخرجهم. ومما يُذكر هنا أن نصف المرشحين لنيل شهادة الدكتوراه في علوم الكمبيوتر في الولايات المتحدة يأتون من الخارج. وغني عن البيان أنه ليس من مصلحتنا القومية تعليمهم هنا، وإرسالهم بعد ذلك إلى أوطانهم بعدما يتمون دراساتهم.
خلال السنوات الثلاثين الماضية، كان الابتكار الأميركي وراء ظهور عصر المعلومات الرقمية. أما اليوم، فإذا كانت الولايات المتحدة تحرص على الاحتفاظ بزعامتها الاقتصادية في العالم، فعلينا أن نخلق جميعاً بيئة مواتية تُمكن الجيل الجديد من الإتيان بابتكارات، وذلك بغضِّ النظر عن مكان ولادته. فالمشكلة في الولايات المتحدة لا تكمن في الموهبة، وإنما تكمن في الإرادة السياسية.
رئيس شركة مايكروسوفت.