المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رياح التغيير.. هل تهب على الكنيسة القبطية من دوائر الأحوال الشخصية



Osama
02-22-2007, 05:05 PM
انقسام.. أم انشقاق.. أم بدعة؟

القاهرة - محمد القدوسي


ساعد احتواء ازمة الأنبا كيرلس، انبا نجع حمادي، وتوابعها في أقصى صعيد مصر، على اشاعة اجواء من الطمأنينة في أوساط الاقباط الذين يرون كنيستهم تتعرض لسلسلة من الازمات هي الاكبر منذ سنين طويلة.

مئات من الاقباط تظاهروا احتجاجا على اجراء تحقيق كنسي مع الانبا بعد ان قدم نحو احد عشر من القساوسة شكوى الى بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية البابا شنودة الثالث حول ما اسموه بتجاوزات الانبا، لكن سرعان ما هدأت التظاهرات بعد جلسة سريعة بين البابا والانبا لم يكشف عن تفاصيلها، وعاد الانبا الى الدير وسط احتفالات صاخبة من انصاره.

لكن هذا الهدوء لم يغلق الباب امام التساؤلات حول مستقبل الكنيسة التي تعرضت الى هزات وانشقاقات كان السبب البارز وراءها هو المشاكل الاجتماعية التي يعانيها الاقباط، خاصة فيما يتعلق بحق الطلاق الذي يحرمه شنودة الا تحت ظروف قهرية، وهو ما جعل السؤال الابرز داخل الكنيسة وخارجها هو: هل يفتح 'الطلاق' باب الانقسام في الكنيسة القبطية (المصرية الارثوذكسية) كنيسة القديس مرقس التي ظلت مستقرة على مدى 21 قرنا؟

وهل الرغبة في الحصول على الحريات الاجتماعية هي التي تحرك الاحتجاجات، من مؤتمر العلمانيين، الى انقسام 'هابيل' ثم 'مكسيموس' وأخيرا 'اصطفنوس' الذي ظهر معلنا انشقاقا اخر على الكنيسة المصرية؟ ما الذي يجري بالضبط؟ وهل انتهت فعلا سنوات الاستقرار؟

36 عاما من الهدوء

لنبدأ من البداية، كان ذلك يوم الجمعة 3 أغسطس 1923 حين ولد الطفل الذي كبر ليصبح 'البابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية بالاسكندرية'، اي البابا رقم 117 للاقباط، وقد جلس على كرسي بطريركية الكرازة المرقسية سنة 1971.

36 سنة قضاها البابا شنودة على الكرسي الرسولي، لم يعكر صفوها الا سحابة صيف مرت في 1981، حين اختلف مع الرئيس الراحل انور السادات، فذهب الى الاعتكاف- كما اعلن وقتها- في دير وادي النطرون.

36 سنة من استقرار الكنيسة المصرية ومن دون ان تتأثر بالاحداث التي مرت بالمنطقة وبمصر بالذات على مدى ما يقرب من اربعة عقود، 36 سنة يرى البعض انها كانت 'الهدوء الذي يسبق العاصفة'، ويرى البعض الآخر انه لا عاصفة هناك ولا هم يحزنون، بل زوبعة في فنجان سرعان ما تهدأ وتعود الحال الى ما كانت عليه.

فما هي تفاصيل العاصفة؟ واين الفنجان الذي تدور فيه الزوبعة؟ هذا ما نحاول التعرف عليه.

مؤتمر علماني وانشقاقات كهنوتية

فجأة صحت القاهرة على انعقاد ما سمي ب'مؤتمر العلمانيين' برعاية شخصية قبطية بارزة هي كمال زاخر للمطالبة باصلاحات كنسية. والعلمانيون هم الاقباط الذين لا يحملون رتبة كنسية، وقد رأوا ان يعقدوا مؤتمرهم بصفتهم علمانيين حتى لا يحدث اي تداخل او تنازع بينهم وبين الكهنة. على الرغم من الحشد الكبير الذي حضر وتابع المؤتمر فان المصادر الكنسية آثرت الصمت وتجاهلته، ومن رد من رجالها اكتفى بالقول ان العلمانيين- ولأنهم بعيدون عن سلك الكهنوت- غير مؤهلين لطرح ما ينادون به من مطالب واصلاحات. وهكذا ظلت المطالب على حالها، والكنيسة ترفض مناقشتها من حيث المبدأ.
ولم يمض وقت طويل حتى كان هناك طرف اخر يعلن خروجه على طاعة البابا شنودة، هو الاب هابيل الذي نادى بنفسه رأسا لكنيسة اخرى، تتبع الملة والطائفة نفسها، فهي كنيسة للاقباط الارثوذكس.

بعده ظهر مكسيموس الذي اعلن نفسه رئيس اساقفة، واطلق عليه الانبا مكسيموس يوحنا الاول معلنا قيام ما سماه المجمع المقدس للمسيحيين للارثوذكس المستقل في مصر والشرق الاوسط، في حفل شهده حضور اعلامي مكثف.

وفي الحفل قام مكسيموس برسامة اسقفين هما الاب بطرس لأبرشية مصر الجديدة ومدينة نصر وشمال الدلتا، والاب اغاثون لأبرشية جنوب القاهرة والصعيد، في سابقة هي الاولى من نوعها بعيدا عن الكنيسة الام برئاسة البابا شنودة الثالث. وافاد بيان للمجمع المقدس الجديد:

ان انشاء مجمع مقدس لم يتم ليكون خصما باي حال من الاحوال للمجمع المقدس التابع للكنيسة الارثوذكسية، الام، لكنه إضافة جديدة للعلم والمعرفة والمجتمع. وقال مكسيموس انه بناء على قرار المجمع المقدس للمسيحيين الارثوذكس في المهجر الاميركي، تمت ترقية المطران مكسيموس يوحنا إلى رتبة رئيس أساقفة. واضاف مكسيموس انه بناء على هذا القرار تم الاعلان رسميا عن القداس التأسيسي. واعتبر ان مجمعه المقدس مغاير للمجمع المقدس لكنيسة البابا شنودة وان 'كنيستنا كيان قائم بذاته ولا سلطة لشنودة أو غيره عليها'، لافتا الى ان يتبع المجمع المقدس للمسيحيين الارثوذكس في اميركا. كما نفى ان يكون لانشاء المجمع اي علاقة بمؤتمر اقباط المهجر.

ومن جانبهم أكد 'اقباط المهجر على لسان الناشط المهجري مايكل منير انه لا تربطهم بمكسيموس ومجمعه أي علاقة، وانهم يدينون بالولاء للبابا شنودة. ونفى مكسيموس وجود اي اتصالات بينه وبين مسؤولين في الادارة الاميركية، ومع ذلك قال: 'نحن كنيسة تابعة لاميركا وقمنا باستخراج التراخيص والموافقة عليها من جانب وزارة الخارجية الاميركية'.

كيانات كنسية موازية

وما يربط هابيل ومكسيموس فكلاهما لم ينصب نفسه بديلا للبابا شنودة، و إنما قالا انهما يقودان كيانات كنسية موازية، وصفها البعض بأنها 'انشقاق' ووصفتها الكنيسة القبطية بأنها 'بدعة' لكن روبتيل اصطنفوس لم يقف عند حدود الانشقاق ولم يكتف بادعاء انه كنيسة موازية للكنيسة القبطية، بل اعلن تنصيب نفسه 'ابا' للاقباط الارثوذكس، بعد ان اعلن ان شنودة يفتقد مقومات قيادة الكنيسة في الوقت الراهن.

وطالب اصطفنوس ابناء الطائفة الارثوذكسية في مصر بالانضمام إلى الكنيسة، وطائفته التي أسماها 'ابناء المسيح'، والتي وصفها بأنها ستكون بمنزلة 'طوق نجاة' لتعساء الكنيسة، الذين تضرروا بشدة من السياسات الكنسية لشنودة.

وقال انه لمس عن قرب، ومن خلال معايشته ل'مآسي' شعب الكنيسة، مدى تضررهم من تعنت شنودة تجاه القضايا الانسانية للاقباط، مثل الطلاق والزواج.

يزوجون المطلقين والمطلقات

ولم ينس اصطفنوس ان ينفي وجود اي تنسيق بينه وبين مكسيموس في هذا الامر، ولا ان يؤكد انه يرفض اي دعوة للمصالحة مع شنودة، مطالبا اياه بالرجوع إلى اللوائح التاريخية، ومنها: لائحة الارثوذكس الصادر بها قرار عام 1938 والتي اعتمدها المجلس الملي للكنيسة المصرية، وفيها كثير من المباحثات المتعلقة بمسألتي الزواج والطلاق.

وقال اصطنفوس ان الكل يعلم ان هناك كهنة يزوجون المطلقين والمطلقات، الذين لديهم آلاف الموانع، ويسمحون للاثرياء من دون الفقراء، ويكتفون بالتسجيل الحكومي فقط، ولا يبلغون البطريركية بالمخالفة للوائح والنظم الكنسية. واكد رفضه لسياسة 'وضع رأس في الرمل'، بينما حالات الاحتقان تتسع رقعتها بين الأرثوذكس.

بين مجمع أميركاوكنيسة مصر

يقول الاستاذ كمال زاخر: ان الانشقاقات تمثل ظاهرة ايجابية، ويؤكد ان المؤتمر الذي اشرف على تنظيمه هو احد ابرز الاسباب التي ادت لتفعيل حركة المطالبين بالاصلاحات الكنسية، وحرك مياه راكدة بالشارع المصري المسيحي بصفة خاصة.

اما مكسيموس الذي يمثل اكبر الانشقاقات - او البدع - حتى الآن فيقول ان الاقباط ليسوا كل الارثوذكس، فعدد الارثوذكس في العالم نحو 250 مليونا، لا يزيد الاقباط عن 4% منهم، ويقول: ان الارثوذكس ليس لهم بابا واحد، ولا يتبعون رئاسة دينية ولا كنيسة واحدة. ويؤكد ان الارثوذكس لهم مجامع مقدسة، وكل مجمع يتكون من مجموعة اساقفة، ولديه رئيس، ويكون المجمع بمنزلة الحاكم الفعلي. ويقول ان المجمع المقدس في اميركا رسمه - اي عينه - رئيس اساقفة، وكلفه بإنشاء مجمع مقدس في مصر، وهذا ما فعله. ويضيف 'لسنا منشقين على الكنيسة القبطية وانما نحن امتداد للعقيدة الارثوذكسية، والخارجية الاميركية تعتمد كنيستنا لأننا امتداد لمجمع مقدس اميركي'.

اما مصادر الكنيسة فتقول ان مكسيموس ليس الا شماسا - درجة كنيسة في اول السلم الكهنوتي - مشلوحا (اي مطرودا). وفضلا عن انها تشكك في جدارة الذين قاموا بترسيمه بتولي هذه المهمة المقدسة، فإنها تعترض على قيام كنيسة بترسيم اسقف او بطريرك يعمل في النطاق الجغرافي لكنيسة اخرى.

ونظرا لحساسية القضية وحساسية المرحلة التي تمر بها الكنيسة القبطية بعد مرض البابا شنودة، فضل محدثي عدم ذكر اسمه، لكنه شرح الموقف من وجهة نظر الكنيسة قائلا:

الكنيسة هي الشعب، هي الام التي يلوذ بها ابناؤها، ورئيس الكنيسة هو 'الاب'، وما بين الكاهن وكنيسته سر مقدس يشبه سر الزواج، فكيف تأتي 'ام' اخرى لترعى وتقود ابناء غيرها؟ هذا مرفوض في العقيدة الارثوذكسية، كما انه مرفوض بالعقل والمنطق. لهذا لا يمكن الاعتراف بأي صفة كهنوتية لماكس ميشيل - يقصد مكسيموس - الذي لا نعرفه الا بهذا الاسم، ولا يمكن ان نتفاوض معه الا باعتباره واحدا من الناس، لا اسقفا ولا رئيس اساقفة. لا يمكن الاعتراف له بأي صفة كهنوتية، لأن مصر لها كنيسة واحدة، وهي كنيسة رئيس واحد، هو قداسة البابا شنودة. ولأنه لا يمكن ان يأتي شخص فيقول ان هناك كنيسة في نطاق جغرافي آخر وحياة مختلفة رسمته بطريركا او اسقفا، فنوافق على كلامه، ولو فتحنا الباب لهذا لما استطعنا ان نغلقه، ولوجدنا انفسنا كل يوم امام كنيسة جديدة.

الطلاق.. ثغرة واضحة

يقول مكسيموس ان التوبة لا تحتاج الى اعتراف امام كاهن، ويكفي ان يعلن القبطي توبته بينه وبين الرب بصدق حتى يغفر له الرب الخطيئة. ويعيد التذكير أن الخط الهمايوني - الصادر من الباب العالي العثماني بتنظيم بناء الكنائس في مصر إنما صدر بناء على طلب الاقباط، حتى لا تبنى في ديارهم كنائس تملك مالا وقدرات اكثر من الاقباط، بحكم انتمائها الى دول العالم المتقدم الغني، وهو في الامرين معا يخالف الاتجاه العام في الشارع القبطي، الذي يؤمن بأن 'الاعتراف' احد الاسرار المقدسة في المسيحية، كما يطالب بالتخلص من الخط الهمايوني، تارة بإنكاره دوره التاريخي في حماية الكنيسة القبطية، وتارة بالقول إن هذا الدور تجاوزه الزمن، والقانون الذي وضع للحماية اصبح الآن يمثل قيدا.


ايضا فإن مكسيموس - يضيف - اطلق في البداية حرية الاقباط في الحج الى الاراضي المقدسة في فلسطين المحتلة، وهو ما ينهى عنه البابا شنودة مراعاة لوضع الفلسطينيين الذين يعانون تحت الاحتلال، وتضامنا معهم، لكن مكسيموس - وتحت ضغط الرأي العام فيما يبدو - تراجع عن هذه النقطة، وقال: اعمال اسرائيل الوحشية ضد المدنيين غير مقبولة، ونحن امام بلطجي يحاول بين الحين والآخر تأديب الشارع الذي يقطن فيه.

قضية هالة صدقي

أما الورقة التي ظلت ثابتة في يد مكسيموس من البداية الى النهاية، والتي اتفق فيها ايضا مع المنشقين - او المبتدعين - الآخرين، فهي ورقة 'الأحوال الشخصية'، وبالتحديد إمكان إيقاع الطلاق - وان اختلفت المسميات والتفاسير - وحقق المطلق والمطلقة في الزواج مرة اخرى.. هذه الورقة هي التي اجمع عليها هابيل ومكسيموس واصطفنوس، حيث ركزوا في دعايتهم لأنفسهم ونقدهم للبابا شنودة على مسألة الطلاق، الذي اغلق شنودة بابه - تقريبا - فلم تعد الكنيسة تعترف بتفريق او تطليق، وبالتالي لم تعد تقر الزواج التالي للمطلق - لأنه من وجهة نظرها مازال زوجا - وهكذا توقفت حياة كثير من الأقباط الذين لم يوفقوا في زيجتهم، ومنهم الممثلة الشهيرة هالة صدقي - او هالة جورج يونان - التي حاولت التحرر من قيد الزوجية بطلب الخلع بعد ان اقفل امامها باب الطلاق، ويوما بعد يوم تزداد الأزمة تعقيدا، وبعد ان كانت تشكل 'لغما اجتماعيا' كما وصفها عدد من المفكرين والكتاب الاقباط والمسلمين، اصبحت لغما يهدد استقرار الكنيسة، ومدخلا للانشقاق عليها.

مائة ألف طلب طلاق

الارقام المعلنة مفزعة حقا، يقول البعض انها 100 ألف دعوى طلب طلاق، وينزل آخرون بالرقم إلى 40 ألفا فقط، اما البابا شنودة فيرى ان الرقم مبالغ فيه، وان العدد لا يزيد على ألفي قضية. ويقول اصطفنوس ان الرقم اكبر بكثير من 2000 أسرة غير مستقرة، ولو قلنا ان متوسط عدد الأسرة 5 أفراد (أب وأم و3 أبناء) فالمحصلة ان لدينا 10 آلاف قبطي يعيشون حياة غير مستقرة.

ويقول مكسيموس: الوضع الرعوي - اي وضع الرعية وهم الاقباط - وصل الى مرحلة غير مسبوقة، فيما يشبه الانهيار بالنسبة للاحوال الاجتماعية، خاصة في دعاوى الزواج والطلاق التي اصبحت تشكل أزمة، ما يعني انهيار الجانب الرعوي للكنيسة، وخراب بيوت عدد كبير من الاقباط.

ويضيف ان الدستور المصري يعترف بالأديان الثلاثة: الإسلام والمسيحية واليهودية، وان الدولة آلت على نفسها الا تتدخل في الشؤون الداخلية للأقباط، من باب حرية العقيدة، لهذا - يقول مكسيموس - فإن كنيسة لا تخالف القانون، ولهذا حصل على بطاقة هوية رسمية مثبت فيها صفته الكهنوتية، ولا مانع - ولا تعارض - ان صدرت بطاقة مماثلة للبابا شنودة، فكل منهما له كنيسته، ولا يملك احدهما سلطانا على الآخر، لا يملك رسامته ولا عزله. قالها مكسيموس وعينه - بلا شك - على آلاف الاقباط الذين يتطلعون الى حياة اجتماعية مستقرة، تبدو حتى الآن بالنسبة إليهم حلما بعيد المنال.