yasmeen
02-21-2007, 09:14 AM
الاتحاد الاماراتية
خالص جلبي
عندما انفجرت الثورة الإيرانية تفاءلنا باستيقاظ العالم الإسلامي، لكن ذلك لم يزد عن سراب بقيعة، وبعد أن لمع وجه إيران بالرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، عادت إلى عهدها الثوري مع الرئيس أحمدي نجاد، من طلبة محاصري السفارة الأميركية في طهران، الحادثة التي ساهمت بدفع "رونالد ريغان" إلى سدة الحكم، ليطير جيمي كارتر الذي كان به بقية من إنسانية، وقد حاول مؤخراً في شيخوخته أن ينصف العرب في كتاب عنوانه "فلسطين: سلام أم فصل عنصري؟".
وكان صديقي "أحمد المسقطي"، وهو شيعي مستنير، يقول لي في ألمانيا عندما تعرفت عليه:
لا فرق عندي بين صدام والخميني، إلا بعمامة هذا وطاقية ذاك.
وكنت يوم الثورة عام 1978 في ألمانيا، فجاءتني دعوة من صديق جزائري، كي نزور طهران فلبيت وفي قلبي حماس، لكن ما أن وصلت حتى تبخر، وعرفنا أننا رجعنا في الزمن ألف عام إلى عهد الفاطميين والعبيديين.
أما صديقي الجزائري، فكان فيه بقية من عقل فتبخر، وكان من أقرب الطلبة للمفكر "مالك بن نبي"، ثم أصبح يقفز مع القافزين كي يعجل الله (فرج) الإمام المختفي في السرداب؛ فعرفت أنها ثورة من الماضي، لتصفية حسابات من الماضي. تعيش على أحلام الماضي، في حالة غيبوبة عن إحداثيات العصر. ولم نر أثراً لفكر "علي شريعتي" التنويري، بل كنا مطوقين بالفقهاء واللحى والعباءات والقفاطين من كل ناحية.
وعندما بدأ آية الله منتظري يتحدث عن هدم بناية الشاه، كان أعضاء الوفد الفلسطيني ينظرون في وجوه بعضهم البعض، متسائلين: عم يتحدث؟
وبقدر نجاح الخميني في تفجير الثورة سلمياً، بقدر غرقها في طوفان من الدماء، في حرب عبثية مع صدام حسين. وهكذا دخلت إيران نادي الأقوياء، وريقها اليوم يتحلب لأمرين: امتلاك صنم نووي، والتهام الشرق الأوسط.
وفي دمشق دعيت من قبل أناس لمحاضرة عن "النقد الذاتي"؛ وبعد المحاضرة دهشت من رجل حملني أحمالاً ثقيلة من كتب ورسائل "التسخيري" و"العاملي" و"الطباطبائي"، في قضايا قديمة إلا عند قوم حريصين على بعث الموتى من القبور...
وقد سمعت أن صديقي "أبو أسلم" من القامشلي، تسلل إلى الحوزات الجديدة التي تنتشر كالنار في الهشيم، ليجدد إسلامه، فلما شم رائحة الماضي وصراعاته لم يتابع...
وفي مركز الزلزال في إيران، يتم ملاحقة الطلبة المشاغبين، وقطع أرزاقهم، وسحب إعاناتهم وهم المفلسون، ومنع أي تنظيم، وتعطيل أي صحيفة، كما حدث مع "متين مشكين" الذي أنشأ تنظيماً خارج التنظيم الشمولي، فكان مثل الأرنب الذي يدخل غابة الأسد والثعالب، مما دعا الطلبة في جامعة "سانندج" إلى الخروج ومعهم لافتات تقول "وزير بي لياقت... استعفا استعفا"، أي استقل أيها الرئيس الهمام!
وفي أمكنة أخرى قاموا بحرق صور نجادي وطالبوا بسقوطه، وحملوا صوره منكسة! وهي علامات على بقية حياة في الإيرانيين، فلم يموتوا كما مات الناس في الأنظمة الثورية العربية؟ وتصدى نجاد في إيران شخصياً، ليقدم إنذاراً لأصحاب الفكر والقلم، وأعقبت ذلك عملية تنظيف للعقول والجامعات، تذكر بمرحلة ستالين، وذلك عبر تسريح العناصر المضادة للثورة، ووضع حزبيين مؤتمنين على فكر الثورة، في كل المراكز القيادية الجامعية، وتم تسريح مئات من أساتذة الجامعة من بروفسور ومحاضر، بل حتى جامعة طهران العريقة تم إسناد رئاستها لفقيه...
وفي الجامعات يتجول "الرفاق" بسلاح وكاميرات للكشف عن المشتبه بهم، ويقول البروفسور"عبد الكريم سوروش" إنها، أي الجامعات، تحولت إلى ثكنات عسكرية. وهو أمر أعرفه جيداً في بعض البلدان العربية حيث أصبح الأساتذة رجال مخابرات، ومدرسو "الفتوة" جنرالات... ودخلنا في نفق الديكتاتورية مثل زيارة جهنم، حتى إشعار آخر...
وفي فيلم "مملوك" الذي تجرأ فنان إيراني على عرضه، لمدة أسبوعين، ليسحب من الأسواق بسرعة، يمكن رؤية الكارثة التي حلت على إيران.
ويبدو أن "آرسطو" محق في موضوع الثورات، إذ لم يكن يثق بأولئك الثوريين الذين يدمرون أكثر مما يبنون، ويرجعون بعقارب الساعة إلى الوراء، ويفسدون في الأرض ولا يصلحون...
وجيلنا الذي عاش الثورات، بدءاً من عبد الناصر و"البعث"، لم يزدد إلا ضلالاً وجهالة وسخفاً وتخلفاً...
خالص جلبي
عندما انفجرت الثورة الإيرانية تفاءلنا باستيقاظ العالم الإسلامي، لكن ذلك لم يزد عن سراب بقيعة، وبعد أن لمع وجه إيران بالرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، عادت إلى عهدها الثوري مع الرئيس أحمدي نجاد، من طلبة محاصري السفارة الأميركية في طهران، الحادثة التي ساهمت بدفع "رونالد ريغان" إلى سدة الحكم، ليطير جيمي كارتر الذي كان به بقية من إنسانية، وقد حاول مؤخراً في شيخوخته أن ينصف العرب في كتاب عنوانه "فلسطين: سلام أم فصل عنصري؟".
وكان صديقي "أحمد المسقطي"، وهو شيعي مستنير، يقول لي في ألمانيا عندما تعرفت عليه:
لا فرق عندي بين صدام والخميني، إلا بعمامة هذا وطاقية ذاك.
وكنت يوم الثورة عام 1978 في ألمانيا، فجاءتني دعوة من صديق جزائري، كي نزور طهران فلبيت وفي قلبي حماس، لكن ما أن وصلت حتى تبخر، وعرفنا أننا رجعنا في الزمن ألف عام إلى عهد الفاطميين والعبيديين.
أما صديقي الجزائري، فكان فيه بقية من عقل فتبخر، وكان من أقرب الطلبة للمفكر "مالك بن نبي"، ثم أصبح يقفز مع القافزين كي يعجل الله (فرج) الإمام المختفي في السرداب؛ فعرفت أنها ثورة من الماضي، لتصفية حسابات من الماضي. تعيش على أحلام الماضي، في حالة غيبوبة عن إحداثيات العصر. ولم نر أثراً لفكر "علي شريعتي" التنويري، بل كنا مطوقين بالفقهاء واللحى والعباءات والقفاطين من كل ناحية.
وعندما بدأ آية الله منتظري يتحدث عن هدم بناية الشاه، كان أعضاء الوفد الفلسطيني ينظرون في وجوه بعضهم البعض، متسائلين: عم يتحدث؟
وبقدر نجاح الخميني في تفجير الثورة سلمياً، بقدر غرقها في طوفان من الدماء، في حرب عبثية مع صدام حسين. وهكذا دخلت إيران نادي الأقوياء، وريقها اليوم يتحلب لأمرين: امتلاك صنم نووي، والتهام الشرق الأوسط.
وفي دمشق دعيت من قبل أناس لمحاضرة عن "النقد الذاتي"؛ وبعد المحاضرة دهشت من رجل حملني أحمالاً ثقيلة من كتب ورسائل "التسخيري" و"العاملي" و"الطباطبائي"، في قضايا قديمة إلا عند قوم حريصين على بعث الموتى من القبور...
وقد سمعت أن صديقي "أبو أسلم" من القامشلي، تسلل إلى الحوزات الجديدة التي تنتشر كالنار في الهشيم، ليجدد إسلامه، فلما شم رائحة الماضي وصراعاته لم يتابع...
وفي مركز الزلزال في إيران، يتم ملاحقة الطلبة المشاغبين، وقطع أرزاقهم، وسحب إعاناتهم وهم المفلسون، ومنع أي تنظيم، وتعطيل أي صحيفة، كما حدث مع "متين مشكين" الذي أنشأ تنظيماً خارج التنظيم الشمولي، فكان مثل الأرنب الذي يدخل غابة الأسد والثعالب، مما دعا الطلبة في جامعة "سانندج" إلى الخروج ومعهم لافتات تقول "وزير بي لياقت... استعفا استعفا"، أي استقل أيها الرئيس الهمام!
وفي أمكنة أخرى قاموا بحرق صور نجادي وطالبوا بسقوطه، وحملوا صوره منكسة! وهي علامات على بقية حياة في الإيرانيين، فلم يموتوا كما مات الناس في الأنظمة الثورية العربية؟ وتصدى نجاد في إيران شخصياً، ليقدم إنذاراً لأصحاب الفكر والقلم، وأعقبت ذلك عملية تنظيف للعقول والجامعات، تذكر بمرحلة ستالين، وذلك عبر تسريح العناصر المضادة للثورة، ووضع حزبيين مؤتمنين على فكر الثورة، في كل المراكز القيادية الجامعية، وتم تسريح مئات من أساتذة الجامعة من بروفسور ومحاضر، بل حتى جامعة طهران العريقة تم إسناد رئاستها لفقيه...
وفي الجامعات يتجول "الرفاق" بسلاح وكاميرات للكشف عن المشتبه بهم، ويقول البروفسور"عبد الكريم سوروش" إنها، أي الجامعات، تحولت إلى ثكنات عسكرية. وهو أمر أعرفه جيداً في بعض البلدان العربية حيث أصبح الأساتذة رجال مخابرات، ومدرسو "الفتوة" جنرالات... ودخلنا في نفق الديكتاتورية مثل زيارة جهنم، حتى إشعار آخر...
وفي فيلم "مملوك" الذي تجرأ فنان إيراني على عرضه، لمدة أسبوعين، ليسحب من الأسواق بسرعة، يمكن رؤية الكارثة التي حلت على إيران.
ويبدو أن "آرسطو" محق في موضوع الثورات، إذ لم يكن يثق بأولئك الثوريين الذين يدمرون أكثر مما يبنون، ويرجعون بعقارب الساعة إلى الوراء، ويفسدون في الأرض ولا يصلحون...
وجيلنا الذي عاش الثورات، بدءاً من عبد الناصر و"البعث"، لم يزدد إلا ضلالاً وجهالة وسخفاً وتخلفاً...