زهير
02-20-2007, 09:43 AM
السفير اللبنانية
حسام عيتاني
أصبحت الشكوى من التشيع موضوعا رائجا في وسائل الاعلام. وبرز من يتناول الظاهرة معددا قرى بكاملها يغير سكانها مذهبهم من المذهب السني الى المذهب الشيعي، ويجري تناقل اسماء افراد نبذوا مذهب أهل السنة معلنين التحاقهم بمذهب أهل البيت. ولم يجد عدد من الدعاة السنة غضاضة من التحذير من التمدد الشيعي الى داخل مجتمعات كانت تعتبر معاقل سنية تقليدية.
اما الندوات والمؤتمرات التي تعقد «لمعالجة» العلاقة بين الطائفتين الاسلاميتين، فقد تخلت عن طابع المجاملات والكلمات العامة والرنانة لتشهد رفع المشاركين السنة احتجاجاتهم على ما يرونه هجوما سياسيا وعقيديا يقوم به الشيعة مستهدفين ليس فقط الجمهور السني بل السلطات السياسية والمرجعية الدينية للطائفة.
ولعل أفقر مقاربة لهذه المسألة هي المقاربة التي يتبناها الجانبان حاليا وتتضمن حلا يقوم على امتناع أتباع الطائفتين عن التعرض لمقدسات الطرف الآخر. وما من بأس في ان تجد تلك التقييمات المتناقضة لاحداث وقعت قبل اكثر من اربعة عشر قرنا تفسيرا متفقا عليه، غير ان المشكلة لن تجد حلا لها اذا اقتصرت المعالجة على هذا النحو. فالمسألة مرتبطة بالعصر الراهن وواقعه وسياساته أكثر من ارتباطها بما دار بين فاطمة وأبي بكر او بين معاوية والامام علي او بين يزيد والحسين.
المسألة، نقول، تتعلق بحاضر العرب والمسلمين، ما يعني ان ما ينسب الى الطائفة الشيعية من جهد لبث دعايتها بدعم من إيران او غيرها، يتجاهل حقيقة جلية وهي ان دول الخليج النفطية انفقت مليارات الدولارات في سبيل الدعوة الى المذهب السني، وتحديدا الى التأويل السلفي للمذهب.
ولا يمكن بحال انكار وجود جانب إرادوي ـ دعوي للنشاط الديني، وهو جانب تمارسه جميع الاديان (مع استثناءات قليلة) من خلال نقلها لنشاطها الى اي ارض ترى فيها قبولا او تجد فيها آذانا صاغية. لكن لا ينبغي، في الوقت ذاته، تحميل الجانب هذا عند الطائفة الشيعية مسؤولية بعض المخاطر التي يراها الدعاة السنة. بكلمات أخرى ليس المضمون العقيدي للمذهب الاثني عشري هو ما يجب ان يلقى الاهتمام عند من يشعر بالخوف من «التمدد الايراني» والتشيع.
الحق ان الاجدى هو البحث عن مصدر قلق السنة العرب اليوم من التشيع، في اماكن لا يؤدي الانتماء المذهبي فيها دورا رئيسا. فمصدر القلق الحقيقي ليس الا الانهيار المستدام للنظام العربي. ومنذ عقود يسير هذا النظام على طريق تكريس افلاسه السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي. والنظام العربي، بصفته طريقة في الحكم من صفاتها المبدئية استئثار قلة بقرار الكثرة ومصادرة حقوقها في التعبير الديموقراطي وفي تداول السلطة، لم يستطع النظام هذا على مدى عقود، لعلها بدأت مع نكبة فلسطين وانكشاف إفلاس الطروحات القومية الراديكالية، تقديم اي حل ناجع للمسائل الشائكة التي نهضت امام الشعوب العربية. وباختصار شديد يمكن القول، ان الخطابية القومية العربية ارتدت بعد انكشاف قصورها، الى محافظة اجتماعية خانقة اعيد فيها الاعتبار الى النسب والعشيرة والقرابة والى اعلاء من شأن مظاهر التخلف الثقافي بصفتها دليل الاصالة على الانتماء الى الاسلام. وجاءت اموال النفط لتساهم في رفد مظاهر الجمود الثقافي والسياسي بعناصر ديمومتها واستغنائها عن المنافسة في اي مجال كان مع العالم، بما هي (المنافسة) مصدر للتجديد ودافع الى الحركة والحياة، والى تعميم فكر اسلامي نصابه تصور تبسيطي للعالم وللعلاقات بين الافراد والدول.
وبعد احداث 11 ايلول واحتلال افغانستان والعراق والعجز عن دفع الانتفاضة الفلسطينية الى نهاية مثمرة، طرحت مجددا اسئلة حول صواب الممارسة السياسية الاسلامية وخلفيتها الايديولوجية. وعندما بدا ان الاسلام (السني) لم يتمكن من ان يكون الحل على الرغم من تسليمه أمر الوصاية على المجتمعات العربية، توجهت الانظار شطر تجربة اسلامية مختلفة حققت قدرا من النجاحات التي بدت ملحوظة مقارنة مع توالي الانتكاسات التي مني بها الاسلام سواء في طبعته الرسمية من خلال الانظمة التسلطية ـ العائلية او من خلال قوى قدمت نفسها على انها البديل عن كل التجارب المفلسة السابقة.
وليس صدفة ان يتصاعد القلق السني من النشاط الشيعي بعد ظهور ايران كطرف قادر على تحقيق اهدافه من دون حرب في افغانستان والعراق، وعلى انجاز حليف ايران الابرز، حزب الله، نجاحات ملموسة في الصراع ضد اسرائيل. اي ان التشيع نجح على الساحتين اللتين شهدتا هزيمة التوجهات العربية القومية منها والاسلامية، اي بناء الدولة العربية ومواجهة الاخطار الخارجية. وإذا اضيف الى ذلك ما تعلنه ايران عن تقدم في مجالات الطاقة النووية والتسلح وتشدد في «الممانعة» امام الدخول الاميركي المباشر الى المنطقة، في مقابل اتكالية عربية (سنية) على الغرب في المجالات كافة، لبدا ان ايران هي سبب أرق الأنظمة العربية.
خلاصة القول، ان في مجال التحذير من الأخطار الشيعية نصيباً كبيراً من التحذير من عواقب الاخفاقات الداخلية العربية التي قد تشجع ليس على انتشار مذهب أهل البيت وتصدي الاقليات الشيعية في الدول العربية للمطالبة بحصة أكبر من القرار السياسي فحسب، بل ايضا على بحث الاكثريات العربية عن حكومات قادرة ان تسوغ سلطتها بشرعية جديدة غير مشكوك فيها.
حسام عيتاني
أصبحت الشكوى من التشيع موضوعا رائجا في وسائل الاعلام. وبرز من يتناول الظاهرة معددا قرى بكاملها يغير سكانها مذهبهم من المذهب السني الى المذهب الشيعي، ويجري تناقل اسماء افراد نبذوا مذهب أهل السنة معلنين التحاقهم بمذهب أهل البيت. ولم يجد عدد من الدعاة السنة غضاضة من التحذير من التمدد الشيعي الى داخل مجتمعات كانت تعتبر معاقل سنية تقليدية.
اما الندوات والمؤتمرات التي تعقد «لمعالجة» العلاقة بين الطائفتين الاسلاميتين، فقد تخلت عن طابع المجاملات والكلمات العامة والرنانة لتشهد رفع المشاركين السنة احتجاجاتهم على ما يرونه هجوما سياسيا وعقيديا يقوم به الشيعة مستهدفين ليس فقط الجمهور السني بل السلطات السياسية والمرجعية الدينية للطائفة.
ولعل أفقر مقاربة لهذه المسألة هي المقاربة التي يتبناها الجانبان حاليا وتتضمن حلا يقوم على امتناع أتباع الطائفتين عن التعرض لمقدسات الطرف الآخر. وما من بأس في ان تجد تلك التقييمات المتناقضة لاحداث وقعت قبل اكثر من اربعة عشر قرنا تفسيرا متفقا عليه، غير ان المشكلة لن تجد حلا لها اذا اقتصرت المعالجة على هذا النحو. فالمسألة مرتبطة بالعصر الراهن وواقعه وسياساته أكثر من ارتباطها بما دار بين فاطمة وأبي بكر او بين معاوية والامام علي او بين يزيد والحسين.
المسألة، نقول، تتعلق بحاضر العرب والمسلمين، ما يعني ان ما ينسب الى الطائفة الشيعية من جهد لبث دعايتها بدعم من إيران او غيرها، يتجاهل حقيقة جلية وهي ان دول الخليج النفطية انفقت مليارات الدولارات في سبيل الدعوة الى المذهب السني، وتحديدا الى التأويل السلفي للمذهب.
ولا يمكن بحال انكار وجود جانب إرادوي ـ دعوي للنشاط الديني، وهو جانب تمارسه جميع الاديان (مع استثناءات قليلة) من خلال نقلها لنشاطها الى اي ارض ترى فيها قبولا او تجد فيها آذانا صاغية. لكن لا ينبغي، في الوقت ذاته، تحميل الجانب هذا عند الطائفة الشيعية مسؤولية بعض المخاطر التي يراها الدعاة السنة. بكلمات أخرى ليس المضمون العقيدي للمذهب الاثني عشري هو ما يجب ان يلقى الاهتمام عند من يشعر بالخوف من «التمدد الايراني» والتشيع.
الحق ان الاجدى هو البحث عن مصدر قلق السنة العرب اليوم من التشيع، في اماكن لا يؤدي الانتماء المذهبي فيها دورا رئيسا. فمصدر القلق الحقيقي ليس الا الانهيار المستدام للنظام العربي. ومنذ عقود يسير هذا النظام على طريق تكريس افلاسه السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي. والنظام العربي، بصفته طريقة في الحكم من صفاتها المبدئية استئثار قلة بقرار الكثرة ومصادرة حقوقها في التعبير الديموقراطي وفي تداول السلطة، لم يستطع النظام هذا على مدى عقود، لعلها بدأت مع نكبة فلسطين وانكشاف إفلاس الطروحات القومية الراديكالية، تقديم اي حل ناجع للمسائل الشائكة التي نهضت امام الشعوب العربية. وباختصار شديد يمكن القول، ان الخطابية القومية العربية ارتدت بعد انكشاف قصورها، الى محافظة اجتماعية خانقة اعيد فيها الاعتبار الى النسب والعشيرة والقرابة والى اعلاء من شأن مظاهر التخلف الثقافي بصفتها دليل الاصالة على الانتماء الى الاسلام. وجاءت اموال النفط لتساهم في رفد مظاهر الجمود الثقافي والسياسي بعناصر ديمومتها واستغنائها عن المنافسة في اي مجال كان مع العالم، بما هي (المنافسة) مصدر للتجديد ودافع الى الحركة والحياة، والى تعميم فكر اسلامي نصابه تصور تبسيطي للعالم وللعلاقات بين الافراد والدول.
وبعد احداث 11 ايلول واحتلال افغانستان والعراق والعجز عن دفع الانتفاضة الفلسطينية الى نهاية مثمرة، طرحت مجددا اسئلة حول صواب الممارسة السياسية الاسلامية وخلفيتها الايديولوجية. وعندما بدا ان الاسلام (السني) لم يتمكن من ان يكون الحل على الرغم من تسليمه أمر الوصاية على المجتمعات العربية، توجهت الانظار شطر تجربة اسلامية مختلفة حققت قدرا من النجاحات التي بدت ملحوظة مقارنة مع توالي الانتكاسات التي مني بها الاسلام سواء في طبعته الرسمية من خلال الانظمة التسلطية ـ العائلية او من خلال قوى قدمت نفسها على انها البديل عن كل التجارب المفلسة السابقة.
وليس صدفة ان يتصاعد القلق السني من النشاط الشيعي بعد ظهور ايران كطرف قادر على تحقيق اهدافه من دون حرب في افغانستان والعراق، وعلى انجاز حليف ايران الابرز، حزب الله، نجاحات ملموسة في الصراع ضد اسرائيل. اي ان التشيع نجح على الساحتين اللتين شهدتا هزيمة التوجهات العربية القومية منها والاسلامية، اي بناء الدولة العربية ومواجهة الاخطار الخارجية. وإذا اضيف الى ذلك ما تعلنه ايران عن تقدم في مجالات الطاقة النووية والتسلح وتشدد في «الممانعة» امام الدخول الاميركي المباشر الى المنطقة، في مقابل اتكالية عربية (سنية) على الغرب في المجالات كافة، لبدا ان ايران هي سبب أرق الأنظمة العربية.
خلاصة القول، ان في مجال التحذير من الأخطار الشيعية نصيباً كبيراً من التحذير من عواقب الاخفاقات الداخلية العربية التي قد تشجع ليس على انتشار مذهب أهل البيت وتصدي الاقليات الشيعية في الدول العربية للمطالبة بحصة أكبر من القرار السياسي فحسب، بل ايضا على بحث الاكثريات العربية عن حكومات قادرة ان تسوغ سلطتها بشرعية جديدة غير مشكوك فيها.