المهدى
02-15-2007, 01:07 AM
الحياة اللندنية
312 مليوناً بينهم 113 مليون عامل ...
خالد غزال - الحياة
تربط التقارير الاقتصاديّة الدوليّة والمحلّية بين ازدياد السكّان في أيّ بلد وبين درجة التخلّف التي يقيم فيها اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. تتحكّم عناصر قائمة على مفاهيم وتقاليد وعادات بموضوع زيادة السكان، فالنظرة الدينيّة إلى الموضوع ما تزال تتّخذ موقفاً مناهضاً لتحديد النسل. أمّا النظرة الاجتماعيّة فترى في زيادة عدد الأولاد عنصر قوّة وفخر أحياناً، وهي مفاهيم ما تزال مشدودة إلى منطق القبيلة والعشيرة التي يشكّل حجم أفرادها مصدر قوّتها. كما ترتبط زيادة الولادات بتوزيع العمل ضمن العائلة وحاجتها إلى قوّة عمل تؤمّن زيادة مواردها أو دخلها. تتحكّم مثل هذه المفاهيم والعادات بالعقليّة السائدة في المجتمعات العربيّة ما جعل زيادة السكان في العالم العربي الأعلى منها في بلدان العالم.
يفيد «التقرير الاقتصادي العربي الموحّد» ومعه آخر الإحصاءات الصادرة عن منظمات تابعة للجامعة العربيّة أنّ عدد سكان العالم العربي بلغ في العام 2006 نحو 312 مليون نسمة. تصل نسبة الذين تقلّ أعمارهم عن 15 سنة إلى 38 في المئة وهو أعلى متوسط في العالم بأسره. وعلى رغم انخفاض معدلات الخصوبة في العديد من البلدان العربيّة من 6.2 في المئة عام 1980 إلى 3.5 في المئة عام 1998، إلا أنّ هذا المعدّل ما زال أعلى بكثير من المتوسط العالمي للخصوبة الذي يبلغ 2.7 في المئة وذلك وفقاً لتقرير التنمية البشريّة عام 2002.
يُجمع خبراء التنمية في العالم العربي على معاناته من طفرة سكّانية كبيرة تشكّل واحدة من معضلاته المستعصية، وتترك آثارها السلبيّة في مختلف المجالات والميادين. في مجتمعات متقدّمة وناهضة، تمثّل زيادة السكان عنصراً إيجابياً نظراً لما تؤمّنه من يد عاملة متجدّدة وتلعب دوراً في تقدّم البلد المعني. أما في البلاد العربيّة، وخصوصاً منها ذات الكثافة السكّانية، فإنّ الطفرة السكّانية تؤثُر سلباً في قوّة العمل الموجودة. من المعروف أن اليد العاملة العربيّة كانت عام 2004 تشكّل نحو 113 مليون عامل أي ما نسبته 37 في المئة من مجمل سكان العالم العربي. في ظل محدوديّة مشاريع التنمية ومحدوديّة مجالات العمل أيضاً، تسبّبت الزيادة السكّانية ببطالة وصفها تقرير «مجلس الوحدة الاقتصاديّة» التابع للجامعة العربيّة، ومعها تقرير منظمة العمل الدوليّة للعام 2006، بأنها «الأسوأ بين جميع مناطق العالم من دون منازع». فقد وصل عدد العاطلين من العمل إلى 25 مليون عامل، ما يجعلها تعيش ظروفاً صعبة تتعرّض فيها للابتزاز والطرد من العمل وتحكّم أرباب العمل بها وإخضاعها إلى أجور مخفضة.
من المظاهر السلبيّة الأخرى للطفرة السكّانية انعكاسها على مستوى الفقر وحجم الفقراء في العالم العربي. تشير «تقارير التنمية الإنسانيّة العربيّة» إلى أن أكثر من نصف سكان العالم العربي يعيش تحت خط الفقر وبمعدل دخل فردي لا يتجاوز دولارين في اليوم. وتشير التقارير إلى حالات واسعة من المجاعة أصابت عدداً غير قليل من السكان في أكثر من بلد عربي. يتدخّل الفقر في شكل كبير في إعاقة التطوّر الاجتماعي والعلمي، ويُعتبر عاملاً أساسياً في فشل مشاريع التنمية والتحديث. يتسبّب سوء التغذية الناجم عن الفقر في اعتلال صحّة المواطن ويمنع الحدّ من السيطرة على المرضى ويزيد عدد الوفيات. وعلى رغم التقدّم الحاصل في ميدان الرعاية الصحّية، إلاّ أنّ تقارير منظمات الصحة العالمية ما تزال تشير إلى مزيد من التشوّهات الصحية الناجمة من عدم قدرة المواطن العربي على تأمين المستلزمات الطبّية الضرورية.
تنعكس الطفرة السكّانية سلباً على ميادين العلم والتعليم، بحيث تتجلّى نتائجها المباشرة في العجز عن تأمين التعليم للجميع. وتقدّم التقارير الرسمية أرقاماً مذهلة حول حجم الأمّية في العالم العربي، فتقدّر منظمة التربية والثقافة والعلوم (الاونيسكو) نسبة الأمّيين بـ 40 في المئة من مجمل السكان العرب، أي نحو 70 مليون مواطن من مختلف المستويات العمريّة. أمّا «المنظمة العربيّة للثقافة والعلوم» (الاليسكو) فتقدّر عدد الأمّيين بـ 80 مليوناً، فيما يذهب «المشروع المسكوني للتربية الشعبيّة» الذي يعمل على مكافحة الأمّية في سبع دول عربيّة إلى أنّ عدد الأمّيين يصل إلى 100 مليون أي بنسبة 45 في المئة من سكان العالم العربي. وتشير هذه الإحصاءات إلى أنّ نسبة النساء الأمّيات يساوي ضعف الذكور بما يصل إلى 80 في المئة من الأرقام المشار إليها. مع الإشارة إلى أن المنظمات الدولية تشكك في حجم الأرقام المقدّمة ومدى صحتها، وترى أنّ الأرقام الفعليّة تزيد بكثير عن الأعداد المصرّح بها.
يمسّ تدهور مستويات المعيشة والصحّة والتعليم الناجمة عن الزيادة السكّانية القضايا البديهيّة التي يحتاجها الإنسان العربي، ما يعني أن العجز عن تلبيتها يمثّل انتهاكاً فاضحاً لحقوق الإنسان. وهو أمر جعل المطالبة بالحدّ من الزيادة السكّانية في أكثر من بلد في العالم جزءاً من النضال لتأمين الحقوق الطبيعية للإنسان وحقّه في السعادة والعيش بكرامة.
يترتّب على الطفرة السكّانية انعكاسات اجتماعية ذات وجه سلبي أيضاً. ويلفت خبراء الأسرة إلى مخاطر ازدياد عدد أفرادها. بالإضافة إلى الصعوبة في تأمين المتطلّبات المعيشيّة، فإن الزيادة تمــــسّ مستوى الرعاية للأولاد في الصميم. إنّ عائــلة قليلة العدد تمكّن الوالدين من توفير حدّ أكبر من العناية والحنان والاهتمام مما سيـــصيب عائلة ذات أعداد كبيرة من الأولاد، حيث سيحتلّ الهمّ الاقتصادي الأولوية لدى ربّ العائلة.
ويؤكّد علماء النفس على النتائج السلبيّة أو الإيجابيّة لطبيعة الرعاية للأولاد في عمر الطـــفولة وقبل الوصول إلى الشباب، وذلك في نمط حياتهم وسلوكهم بعد البلوغ والانخراط في الحياة العامة.
أدّت الزيادة السكّانية وما تزال إلى نزوح سكاني من الريف إلى المدينة، فاكتظت المدن بما يفوق طاقتها على الاحتمال، ولفّتها أحزمة البؤس بعد تمركز أعداد هائلة من الفقراء والمعدمين فيها. ندر أن نجَت مدينة عربيّة من آثار «النزيف» المتزايدة لها، فعانت جميعها من أخطار اجتماعية وسياسية كثيرة انعكست في اضطرابات وأعمال عنف.
إلا أنّ النتائج السياسيّة المترتّبة على الطفرة السكّانية تظل الأخطر والأكثر حساسية في العالم العربي. تتبدّى المشكلة الأولى في حجم الشبيبة العربيّة التي تشكّل نصف السكان لجهة الحاجات التي تتطلّبها. تريد الشبيبة مستوى معيشياً لائقاً، وتعليماً ووظائف وخدمات وأملاً بالمستقبل, في ظل عجز وفشل سياسات التحديث التي قامت بها الأنظمة العربيّة. تحوّلت هذه الشبيبة في أقسام واسعة منها إلى أرض خصبة للتمرّد والنزاعات العنفية والإجرام، يعزّز هذه الممارسات الشعور بالمستقبل المجهول وصعوبة الحياة الراهنة. ويفسّر هذا الوضع السبب الذي استطاعت بموجبه الحركات الأصوليّة ذات المنحى العنفي الغرف من هذه الفئة الشبابيّة لتوظيفها في أعمالها استناداً إلى وعود «خلاصيّة» موهومة. يجمع دارسو الحركات الأصوليّة على النتائج السلبيّة لزيادة السكان ودورها في توسّع هذه الحركات وانتشارها.
في المقابل، وفي ظل سعي المجتمعات العربيّة إلى التحديث والتقدّم والإصلاح السياسي والنضال من أجل تحقيق الديموقراطية، تنتصب الطفرة السكّانية عائقاً أساسياً أمام هذه التوجّهات. لا تساعد زيادة سكّانية مولّدة دائماً للفقر والبطالة والأمّية على الترويج أو ازدهار ثقافة الديموقراطية، بل العكس هو الصحيح، ستشكّل هذه العوامل، كما كانت دوماً، عنصر تأييد للاستبداد والتسلّط على المجتمع والدولة.
ترتبط النتائج السلبيّة للطفرة السكّانية وثيقاً بمجمل السياسات الرسميّة العربيّة السائدة ومدى جدّية السلطات في التصدّي لها. يحوي العالم العربي من الموارد الطبيعية المتنوّعة ما يتكفّل بإشباع حاجات ضعف سكان العالم العربي. لكن المشكلة تكمن في كيفية توزيع هذه الثروات والفئات الاجتماعية التي تطالها، ومدى توظيفها في خدمة تنمية اقتصادية واجتماعية وبشريّة تؤمّن تحسيناً لأوضاع المواطن. قامت معظم الدول العربيّة بمحاولات تنموية وسعت إلى تنفيذ مشاريع واسعة، إلا أنّ الفشل كان نصيبها الغالب، وهو أمر يطرح مجدداً الحاجة إلى مراجعة سياسات التنمية بما يؤدي إلى الإفادة من أخطائها وتجاوز سلبيّاتها وصولاً إلى سياسة صحيحة تضع حداً للتدهور العام وتستطيع استيعاب الزيادات السكّانية وتوظيفها بما يخدم تطوّر المجتمعات العربيّة.
312 مليوناً بينهم 113 مليون عامل ...
خالد غزال - الحياة
تربط التقارير الاقتصاديّة الدوليّة والمحلّية بين ازدياد السكّان في أيّ بلد وبين درجة التخلّف التي يقيم فيها اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. تتحكّم عناصر قائمة على مفاهيم وتقاليد وعادات بموضوع زيادة السكان، فالنظرة الدينيّة إلى الموضوع ما تزال تتّخذ موقفاً مناهضاً لتحديد النسل. أمّا النظرة الاجتماعيّة فترى في زيادة عدد الأولاد عنصر قوّة وفخر أحياناً، وهي مفاهيم ما تزال مشدودة إلى منطق القبيلة والعشيرة التي يشكّل حجم أفرادها مصدر قوّتها. كما ترتبط زيادة الولادات بتوزيع العمل ضمن العائلة وحاجتها إلى قوّة عمل تؤمّن زيادة مواردها أو دخلها. تتحكّم مثل هذه المفاهيم والعادات بالعقليّة السائدة في المجتمعات العربيّة ما جعل زيادة السكان في العالم العربي الأعلى منها في بلدان العالم.
يفيد «التقرير الاقتصادي العربي الموحّد» ومعه آخر الإحصاءات الصادرة عن منظمات تابعة للجامعة العربيّة أنّ عدد سكان العالم العربي بلغ في العام 2006 نحو 312 مليون نسمة. تصل نسبة الذين تقلّ أعمارهم عن 15 سنة إلى 38 في المئة وهو أعلى متوسط في العالم بأسره. وعلى رغم انخفاض معدلات الخصوبة في العديد من البلدان العربيّة من 6.2 في المئة عام 1980 إلى 3.5 في المئة عام 1998، إلا أنّ هذا المعدّل ما زال أعلى بكثير من المتوسط العالمي للخصوبة الذي يبلغ 2.7 في المئة وذلك وفقاً لتقرير التنمية البشريّة عام 2002.
يُجمع خبراء التنمية في العالم العربي على معاناته من طفرة سكّانية كبيرة تشكّل واحدة من معضلاته المستعصية، وتترك آثارها السلبيّة في مختلف المجالات والميادين. في مجتمعات متقدّمة وناهضة، تمثّل زيادة السكان عنصراً إيجابياً نظراً لما تؤمّنه من يد عاملة متجدّدة وتلعب دوراً في تقدّم البلد المعني. أما في البلاد العربيّة، وخصوصاً منها ذات الكثافة السكّانية، فإنّ الطفرة السكّانية تؤثُر سلباً في قوّة العمل الموجودة. من المعروف أن اليد العاملة العربيّة كانت عام 2004 تشكّل نحو 113 مليون عامل أي ما نسبته 37 في المئة من مجمل سكان العالم العربي. في ظل محدوديّة مشاريع التنمية ومحدوديّة مجالات العمل أيضاً، تسبّبت الزيادة السكّانية ببطالة وصفها تقرير «مجلس الوحدة الاقتصاديّة» التابع للجامعة العربيّة، ومعها تقرير منظمة العمل الدوليّة للعام 2006، بأنها «الأسوأ بين جميع مناطق العالم من دون منازع». فقد وصل عدد العاطلين من العمل إلى 25 مليون عامل، ما يجعلها تعيش ظروفاً صعبة تتعرّض فيها للابتزاز والطرد من العمل وتحكّم أرباب العمل بها وإخضاعها إلى أجور مخفضة.
من المظاهر السلبيّة الأخرى للطفرة السكّانية انعكاسها على مستوى الفقر وحجم الفقراء في العالم العربي. تشير «تقارير التنمية الإنسانيّة العربيّة» إلى أن أكثر من نصف سكان العالم العربي يعيش تحت خط الفقر وبمعدل دخل فردي لا يتجاوز دولارين في اليوم. وتشير التقارير إلى حالات واسعة من المجاعة أصابت عدداً غير قليل من السكان في أكثر من بلد عربي. يتدخّل الفقر في شكل كبير في إعاقة التطوّر الاجتماعي والعلمي، ويُعتبر عاملاً أساسياً في فشل مشاريع التنمية والتحديث. يتسبّب سوء التغذية الناجم عن الفقر في اعتلال صحّة المواطن ويمنع الحدّ من السيطرة على المرضى ويزيد عدد الوفيات. وعلى رغم التقدّم الحاصل في ميدان الرعاية الصحّية، إلاّ أنّ تقارير منظمات الصحة العالمية ما تزال تشير إلى مزيد من التشوّهات الصحية الناجمة من عدم قدرة المواطن العربي على تأمين المستلزمات الطبّية الضرورية.
تنعكس الطفرة السكّانية سلباً على ميادين العلم والتعليم، بحيث تتجلّى نتائجها المباشرة في العجز عن تأمين التعليم للجميع. وتقدّم التقارير الرسمية أرقاماً مذهلة حول حجم الأمّية في العالم العربي، فتقدّر منظمة التربية والثقافة والعلوم (الاونيسكو) نسبة الأمّيين بـ 40 في المئة من مجمل السكان العرب، أي نحو 70 مليون مواطن من مختلف المستويات العمريّة. أمّا «المنظمة العربيّة للثقافة والعلوم» (الاليسكو) فتقدّر عدد الأمّيين بـ 80 مليوناً، فيما يذهب «المشروع المسكوني للتربية الشعبيّة» الذي يعمل على مكافحة الأمّية في سبع دول عربيّة إلى أنّ عدد الأمّيين يصل إلى 100 مليون أي بنسبة 45 في المئة من سكان العالم العربي. وتشير هذه الإحصاءات إلى أنّ نسبة النساء الأمّيات يساوي ضعف الذكور بما يصل إلى 80 في المئة من الأرقام المشار إليها. مع الإشارة إلى أن المنظمات الدولية تشكك في حجم الأرقام المقدّمة ومدى صحتها، وترى أنّ الأرقام الفعليّة تزيد بكثير عن الأعداد المصرّح بها.
يمسّ تدهور مستويات المعيشة والصحّة والتعليم الناجمة عن الزيادة السكّانية القضايا البديهيّة التي يحتاجها الإنسان العربي، ما يعني أن العجز عن تلبيتها يمثّل انتهاكاً فاضحاً لحقوق الإنسان. وهو أمر جعل المطالبة بالحدّ من الزيادة السكّانية في أكثر من بلد في العالم جزءاً من النضال لتأمين الحقوق الطبيعية للإنسان وحقّه في السعادة والعيش بكرامة.
يترتّب على الطفرة السكّانية انعكاسات اجتماعية ذات وجه سلبي أيضاً. ويلفت خبراء الأسرة إلى مخاطر ازدياد عدد أفرادها. بالإضافة إلى الصعوبة في تأمين المتطلّبات المعيشيّة، فإن الزيادة تمــــسّ مستوى الرعاية للأولاد في الصميم. إنّ عائــلة قليلة العدد تمكّن الوالدين من توفير حدّ أكبر من العناية والحنان والاهتمام مما سيـــصيب عائلة ذات أعداد كبيرة من الأولاد، حيث سيحتلّ الهمّ الاقتصادي الأولوية لدى ربّ العائلة.
ويؤكّد علماء النفس على النتائج السلبيّة أو الإيجابيّة لطبيعة الرعاية للأولاد في عمر الطـــفولة وقبل الوصول إلى الشباب، وذلك في نمط حياتهم وسلوكهم بعد البلوغ والانخراط في الحياة العامة.
أدّت الزيادة السكّانية وما تزال إلى نزوح سكاني من الريف إلى المدينة، فاكتظت المدن بما يفوق طاقتها على الاحتمال، ولفّتها أحزمة البؤس بعد تمركز أعداد هائلة من الفقراء والمعدمين فيها. ندر أن نجَت مدينة عربيّة من آثار «النزيف» المتزايدة لها، فعانت جميعها من أخطار اجتماعية وسياسية كثيرة انعكست في اضطرابات وأعمال عنف.
إلا أنّ النتائج السياسيّة المترتّبة على الطفرة السكّانية تظل الأخطر والأكثر حساسية في العالم العربي. تتبدّى المشكلة الأولى في حجم الشبيبة العربيّة التي تشكّل نصف السكان لجهة الحاجات التي تتطلّبها. تريد الشبيبة مستوى معيشياً لائقاً، وتعليماً ووظائف وخدمات وأملاً بالمستقبل, في ظل عجز وفشل سياسات التحديث التي قامت بها الأنظمة العربيّة. تحوّلت هذه الشبيبة في أقسام واسعة منها إلى أرض خصبة للتمرّد والنزاعات العنفية والإجرام، يعزّز هذه الممارسات الشعور بالمستقبل المجهول وصعوبة الحياة الراهنة. ويفسّر هذا الوضع السبب الذي استطاعت بموجبه الحركات الأصوليّة ذات المنحى العنفي الغرف من هذه الفئة الشبابيّة لتوظيفها في أعمالها استناداً إلى وعود «خلاصيّة» موهومة. يجمع دارسو الحركات الأصوليّة على النتائج السلبيّة لزيادة السكان ودورها في توسّع هذه الحركات وانتشارها.
في المقابل، وفي ظل سعي المجتمعات العربيّة إلى التحديث والتقدّم والإصلاح السياسي والنضال من أجل تحقيق الديموقراطية، تنتصب الطفرة السكّانية عائقاً أساسياً أمام هذه التوجّهات. لا تساعد زيادة سكّانية مولّدة دائماً للفقر والبطالة والأمّية على الترويج أو ازدهار ثقافة الديموقراطية، بل العكس هو الصحيح، ستشكّل هذه العوامل، كما كانت دوماً، عنصر تأييد للاستبداد والتسلّط على المجتمع والدولة.
ترتبط النتائج السلبيّة للطفرة السكّانية وثيقاً بمجمل السياسات الرسميّة العربيّة السائدة ومدى جدّية السلطات في التصدّي لها. يحوي العالم العربي من الموارد الطبيعية المتنوّعة ما يتكفّل بإشباع حاجات ضعف سكان العالم العربي. لكن المشكلة تكمن في كيفية توزيع هذه الثروات والفئات الاجتماعية التي تطالها، ومدى توظيفها في خدمة تنمية اقتصادية واجتماعية وبشريّة تؤمّن تحسيناً لأوضاع المواطن. قامت معظم الدول العربيّة بمحاولات تنموية وسعت إلى تنفيذ مشاريع واسعة، إلا أنّ الفشل كان نصيبها الغالب، وهو أمر يطرح مجدداً الحاجة إلى مراجعة سياسات التنمية بما يؤدي إلى الإفادة من أخطائها وتجاوز سلبيّاتها وصولاً إلى سياسة صحيحة تضع حداً للتدهور العام وتستطيع استيعاب الزيادات السكّانية وتوظيفها بما يخدم تطوّر المجتمعات العربيّة.