زوربا
02-07-2007, 04:19 PM
رشيد الخيون
لا يعد العقل الذي يُنهض بالطائفية، في أوج ما وصلت اليه البشرية من وسائل تعايش واتصال، سوى أنه عقل مأزوم. ولا أجد في القول: إن أوروبا، البالغة ذروة المدنية، عانت من معارك البروتستانت والكاثوليك، عزاءً وترضيةً. ولولا الحدة في أزمة العقل ما سمي التقهقر والانكفاء صحوةً.
هذا مستهل لقضية أرى العقل المأزوم متورطاً فيها، فضحته المؤتمرات، التي أقيمت من المفترض حلاً لأزمة العراق. لكن، كيف يرجى من عقل يلح على استبدال الاحتلال بأحد (المجاهدين) الثلاثة: أسامة بن لادن، صدام حسين، أبي مصعب الزرقاوي! وما عداهم عملاء لإسرائيل وإيران!
لا أدري، هل في تلافيف هذا العقل أن جوار العراق لإيران يكفي ذريعة لصب النقمة على شيعته. كلما اضطربت السياسات مع هذه الدولة، الإشكالية منذ 1979، أُشير بالخطيئة إليهم. وكأن إيران ولاية الفقيه لم ترتبط بروابط، ضمن أطروحة «الإسلام هو الحل»، الذي رفعته جهات حزبية سُنِّية معروفة. وإذا ما وجدت جماعة شيعية لها صلات مع إيران الدولة، ضمن مصلحة، أو حتى شراء ذمة، قُدح بوطنية الشيعة العراقيين كافة. أليس هناك شارع بطهران يسمى بالإسلامبولي! مَنْ هذا بالإسلامبولي غير أحد حواشي الإخوان المسلمين؟ ومَنْ الذي رقص للثورة الإيرانية، أملاً في العدوى بدولة دينية، ألم يكونوا الإخوانيين أيضاً؟
من الحق الاعتراض على فكرة تصدير الثورة، المثبتة في الدستور الإيراني، لكن، ما ذنب شيعة العراق أن يحصروا بإيران ولاية الفقيه، المتعارضة مع النجف من الأساس. وأنهم لا أُصول لهم في مسقط رأس مذهبهم! ليس لتعصب بلداني، أقول إن العراق ككيان جغرافي تاريخي أوسع وأعرق من بلاد إيران، ودليلي على هذا أن العمق الإيراني كان يُعرف بعراق العجم، ويشمل إقليماً عاصمته أصفهان. ومَنْ يطلع على تاريخ سلاطين المغول الإيلخانيين بداية من سلطنة آباقاخان بن هولاكو (663 ـ 680هـ)، وحتى آخر سلاطينهم الأقوياء أبي سعيد بهادر (716 ـ 736هـ)، ومن قبلهم السلاطين السلاجقة، سيجد هذا الاسم ماثلاً.
وربما ستنقلب فكرة ضم العراق إلى إيران، المطروحة حالياً، إذا أضفنا إلى امتداد اسم العراق ليحوي أصفان وتوابعها، حقيقتين تاريخيتين: امتداد حدود العراق العربية داخل العمق الإيراني، حيث الأحواز، وقطعها السنة 1925 من جغرافيا بلاد الرافدين بقصة مشهورة. ولا أظن أن هناك مَنْ يميز بين لسان أهل البصرة ولسان الأحوازيين. ثم أصل التشيع عراقي، ومركزه النجف، وما البواقي من الحوزات إلا روافد. فلماذا يتم تجاوز هذه الحقائق التاريخية، ويُقدم العراق وأهله طريدةً إيرانيةً؟ لماذا يُغرس في ذهن العراقي الشيعي، المحب لدياره والعاشق لمائها، أنه من حصة إيران، وعليه أن يلوذ بها من محيط يطارده؟
كيف يتفق فريق، يشير إلى مواطنيه الشيعة بالتعجيم، مع حركة مجاهدي خلق، وهي الجماعة الشيعية والصفوية مذهباً؟ أليس السياسة لعبت لعبتها، وجعلت قبائل عربية وأُسر علوية الأُصول فُرساً! هذا إذا علمنا أن سادة الصفوية هم ذوو أُصول تركية وسُنّية لا فارسية ولا شيعية. لكن، المصلحة فرضت أن يلبسوا ثياب التشيع لمنازلة العثمانيين بها، وبهذا فُرض العداء بين أتباع الإمامين جعفر الصادق (ت 148) وأبي حنيفة النعمان (ت 150) فرضاً. ولولا أن المصلحة تتطلب إعاقة استقرار نظام ديمقراطي بالعراق ما كان يخصص التضامن مع سُنَّته دون طوائفه الأخرى، وهم مشاركون في ذروة الدولة. مع أن الأجدر أن يتم التضامن مع سُنَّة إيران، فهناك يمارس ضدهم التمييز! ولماذا لا يُعلن التضامن مع الأحوازيين وهم في أشد الحاجة إليه!
ما حدث في مؤتمر الدوحة للتقريب بين المذاهب كان مؤذياً للعراقيين، ذلك عندما وقف وصرخ من قاعته الشيخ يوسف القرضاوي، وهو من عمداء الإخوان، لنصرة أهل السُنَّة، ضد هيمنة شيعية! مع أنه إذا كان هناك طغيان إيراني، وليس لأحد نفي ما تقوم به إيران، فجحيمه يقع على العراقيين كافة. فماذا نسمي الابادات بالمدن الشيعية: الحلة، الثورة، كربلاء، الكاظمية..إلخ؟ حتى بات الذبح في الشيعة كارثياً، كل انفجار يجني المئات من القتلى. وتراهم اضطروا إلى اللوذ بجماعات، في الظرف العادي، يُعدون من الأشرار.
ألم تصدر هيئة علماء المسلمين، التي يتضامن معها القرضاوي دون غيرها من هيئات العراق، عشرات البيانات ضد القتل والإبادة في المناطق الشيعية؟ يا تُرى مَنْ القتلة؟ أهم فدائيو صدام؟ وهؤلاء لا يميزون بين الشيعي والسُنّي قط! أهم الإرهابيون؟ وهؤلاء دخلوا العراق ورؤوسهم ملأى بفتاوى التكفير، وأحد مشايعيهم كفر الإمام أبا حنيفة أمامي! أقول: مَنْ يقتل شباب الأنبار السُنَّة، أهو الشيعي! أم هو ذلك الطالب إمارة إسلامية فيها، وتخرجَ من أردان الفكر الإسلامي المسيس؟ أسئلة محيرة! وما يجعل الحَيرة مركبة أن فقهاء دين يصبون على النار زيتاً، والدم يصب هاطلات من أعناق العراقيين كافة.
لتسمى الأشياء بأسمائها، وأن تبعد العقائد والطوائف من التشابك بالتكفير والتغريب عن الأوطان، وتشخص المعركة على الأرض العراقية بأنها سياسية لا طائفية. ولا تحتاج إلى مؤتمر بروكسل ولا مؤتمر الدوحة، بقدر ما تحتاج إلى تضامن مع العراق وأهله ضد مَنْ يريد به السوء إذا كانت إيران أو سواها. فربما أُسند صدام حسين، من قِبل الكثيرين، بغزوه لإيران لأنها شيعية أعجمية، وهو الحاكم السُنّي العربي! لكن، ألم تكن الكويت عربية سُنّية؟!
بيت القصيد، ما حصل في التاسع من أبريل 2003 كان زلزالاً هز أزمة العقل العروبي والإسلاموي المأزوم، وأطفأ التشبث بوهم الدولة القومية، بل الدولة الدينية، ويستحق ردة فعل كبرى كإقامة مآتم عزاء على صدام والزرقاوي، وليس على 182 ألف كردي أبيدوا في الأنفال من قِبل الأول، وليس على ضحايا تفجير مقر الأمم المتحدة، وفيه بُناة وأطباء، أبيدوا من قِبل الثاني. وبقدر ما فضح الزلزال المستور من النوايا، أعاد التوازن المفقود، وأشعر الجميع بحق المساواة. صحيح أن حماقات المحتلين، وأنانيات وجهاء السياسة بالعراق، قد تعصف بهذا الشعور، لكن الأفق بات مفتوحاً على عراق آخر، سينعم فيه الجميع من أعلى الجبل إلى أخفض ممر بالأهوار.
ولا أجد محمد صالح بحر العلوم (ت 1992) مجافياً للحقيقة عندما قال ناقداً زمن التمايز بالعطاء: «قبور قومي بضفاف الفرات.. قد منحت دجلةَ هذي القصور». والشاعر، صاحب قصيدة «أين حقي» الشهيرة، على حد ظني، أبعد أهل زمانه عن الطائفية!
لا يعد العقل الذي يُنهض بالطائفية، في أوج ما وصلت اليه البشرية من وسائل تعايش واتصال، سوى أنه عقل مأزوم. ولا أجد في القول: إن أوروبا، البالغة ذروة المدنية، عانت من معارك البروتستانت والكاثوليك، عزاءً وترضيةً. ولولا الحدة في أزمة العقل ما سمي التقهقر والانكفاء صحوةً.
هذا مستهل لقضية أرى العقل المأزوم متورطاً فيها، فضحته المؤتمرات، التي أقيمت من المفترض حلاً لأزمة العراق. لكن، كيف يرجى من عقل يلح على استبدال الاحتلال بأحد (المجاهدين) الثلاثة: أسامة بن لادن، صدام حسين، أبي مصعب الزرقاوي! وما عداهم عملاء لإسرائيل وإيران!
لا أدري، هل في تلافيف هذا العقل أن جوار العراق لإيران يكفي ذريعة لصب النقمة على شيعته. كلما اضطربت السياسات مع هذه الدولة، الإشكالية منذ 1979، أُشير بالخطيئة إليهم. وكأن إيران ولاية الفقيه لم ترتبط بروابط، ضمن أطروحة «الإسلام هو الحل»، الذي رفعته جهات حزبية سُنِّية معروفة. وإذا ما وجدت جماعة شيعية لها صلات مع إيران الدولة، ضمن مصلحة، أو حتى شراء ذمة، قُدح بوطنية الشيعة العراقيين كافة. أليس هناك شارع بطهران يسمى بالإسلامبولي! مَنْ هذا بالإسلامبولي غير أحد حواشي الإخوان المسلمين؟ ومَنْ الذي رقص للثورة الإيرانية، أملاً في العدوى بدولة دينية، ألم يكونوا الإخوانيين أيضاً؟
من الحق الاعتراض على فكرة تصدير الثورة، المثبتة في الدستور الإيراني، لكن، ما ذنب شيعة العراق أن يحصروا بإيران ولاية الفقيه، المتعارضة مع النجف من الأساس. وأنهم لا أُصول لهم في مسقط رأس مذهبهم! ليس لتعصب بلداني، أقول إن العراق ككيان جغرافي تاريخي أوسع وأعرق من بلاد إيران، ودليلي على هذا أن العمق الإيراني كان يُعرف بعراق العجم، ويشمل إقليماً عاصمته أصفهان. ومَنْ يطلع على تاريخ سلاطين المغول الإيلخانيين بداية من سلطنة آباقاخان بن هولاكو (663 ـ 680هـ)، وحتى آخر سلاطينهم الأقوياء أبي سعيد بهادر (716 ـ 736هـ)، ومن قبلهم السلاطين السلاجقة، سيجد هذا الاسم ماثلاً.
وربما ستنقلب فكرة ضم العراق إلى إيران، المطروحة حالياً، إذا أضفنا إلى امتداد اسم العراق ليحوي أصفان وتوابعها، حقيقتين تاريخيتين: امتداد حدود العراق العربية داخل العمق الإيراني، حيث الأحواز، وقطعها السنة 1925 من جغرافيا بلاد الرافدين بقصة مشهورة. ولا أظن أن هناك مَنْ يميز بين لسان أهل البصرة ولسان الأحوازيين. ثم أصل التشيع عراقي، ومركزه النجف، وما البواقي من الحوزات إلا روافد. فلماذا يتم تجاوز هذه الحقائق التاريخية، ويُقدم العراق وأهله طريدةً إيرانيةً؟ لماذا يُغرس في ذهن العراقي الشيعي، المحب لدياره والعاشق لمائها، أنه من حصة إيران، وعليه أن يلوذ بها من محيط يطارده؟
كيف يتفق فريق، يشير إلى مواطنيه الشيعة بالتعجيم، مع حركة مجاهدي خلق، وهي الجماعة الشيعية والصفوية مذهباً؟ أليس السياسة لعبت لعبتها، وجعلت قبائل عربية وأُسر علوية الأُصول فُرساً! هذا إذا علمنا أن سادة الصفوية هم ذوو أُصول تركية وسُنّية لا فارسية ولا شيعية. لكن، المصلحة فرضت أن يلبسوا ثياب التشيع لمنازلة العثمانيين بها، وبهذا فُرض العداء بين أتباع الإمامين جعفر الصادق (ت 148) وأبي حنيفة النعمان (ت 150) فرضاً. ولولا أن المصلحة تتطلب إعاقة استقرار نظام ديمقراطي بالعراق ما كان يخصص التضامن مع سُنَّته دون طوائفه الأخرى، وهم مشاركون في ذروة الدولة. مع أن الأجدر أن يتم التضامن مع سُنَّة إيران، فهناك يمارس ضدهم التمييز! ولماذا لا يُعلن التضامن مع الأحوازيين وهم في أشد الحاجة إليه!
ما حدث في مؤتمر الدوحة للتقريب بين المذاهب كان مؤذياً للعراقيين، ذلك عندما وقف وصرخ من قاعته الشيخ يوسف القرضاوي، وهو من عمداء الإخوان، لنصرة أهل السُنَّة، ضد هيمنة شيعية! مع أنه إذا كان هناك طغيان إيراني، وليس لأحد نفي ما تقوم به إيران، فجحيمه يقع على العراقيين كافة. فماذا نسمي الابادات بالمدن الشيعية: الحلة، الثورة، كربلاء، الكاظمية..إلخ؟ حتى بات الذبح في الشيعة كارثياً، كل انفجار يجني المئات من القتلى. وتراهم اضطروا إلى اللوذ بجماعات، في الظرف العادي، يُعدون من الأشرار.
ألم تصدر هيئة علماء المسلمين، التي يتضامن معها القرضاوي دون غيرها من هيئات العراق، عشرات البيانات ضد القتل والإبادة في المناطق الشيعية؟ يا تُرى مَنْ القتلة؟ أهم فدائيو صدام؟ وهؤلاء لا يميزون بين الشيعي والسُنّي قط! أهم الإرهابيون؟ وهؤلاء دخلوا العراق ورؤوسهم ملأى بفتاوى التكفير، وأحد مشايعيهم كفر الإمام أبا حنيفة أمامي! أقول: مَنْ يقتل شباب الأنبار السُنَّة، أهو الشيعي! أم هو ذلك الطالب إمارة إسلامية فيها، وتخرجَ من أردان الفكر الإسلامي المسيس؟ أسئلة محيرة! وما يجعل الحَيرة مركبة أن فقهاء دين يصبون على النار زيتاً، والدم يصب هاطلات من أعناق العراقيين كافة.
لتسمى الأشياء بأسمائها، وأن تبعد العقائد والطوائف من التشابك بالتكفير والتغريب عن الأوطان، وتشخص المعركة على الأرض العراقية بأنها سياسية لا طائفية. ولا تحتاج إلى مؤتمر بروكسل ولا مؤتمر الدوحة، بقدر ما تحتاج إلى تضامن مع العراق وأهله ضد مَنْ يريد به السوء إذا كانت إيران أو سواها. فربما أُسند صدام حسين، من قِبل الكثيرين، بغزوه لإيران لأنها شيعية أعجمية، وهو الحاكم السُنّي العربي! لكن، ألم تكن الكويت عربية سُنّية؟!
بيت القصيد، ما حصل في التاسع من أبريل 2003 كان زلزالاً هز أزمة العقل العروبي والإسلاموي المأزوم، وأطفأ التشبث بوهم الدولة القومية، بل الدولة الدينية، ويستحق ردة فعل كبرى كإقامة مآتم عزاء على صدام والزرقاوي، وليس على 182 ألف كردي أبيدوا في الأنفال من قِبل الأول، وليس على ضحايا تفجير مقر الأمم المتحدة، وفيه بُناة وأطباء، أبيدوا من قِبل الثاني. وبقدر ما فضح الزلزال المستور من النوايا، أعاد التوازن المفقود، وأشعر الجميع بحق المساواة. صحيح أن حماقات المحتلين، وأنانيات وجهاء السياسة بالعراق، قد تعصف بهذا الشعور، لكن الأفق بات مفتوحاً على عراق آخر، سينعم فيه الجميع من أعلى الجبل إلى أخفض ممر بالأهوار.
ولا أجد محمد صالح بحر العلوم (ت 1992) مجافياً للحقيقة عندما قال ناقداً زمن التمايز بالعطاء: «قبور قومي بضفاف الفرات.. قد منحت دجلةَ هذي القصور». والشاعر، صاحب قصيدة «أين حقي» الشهيرة، على حد ظني، أبعد أهل زمانه عن الطائفية!