المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مهمّة في طهران .......فهمي هويدي



مجاهدون
02-06-2007, 08:03 AM
كتب:فهمي هويدي


ليس غريبا بعدما مررنا في قطر بتجربة المصارحة في حوار السنة والشيعة، أن ننتقل من الفهم الى التفاهم، وصولا الى استحقاقات المصالحة، الأمر الذي فرض علينا أن نستكمل مناقشات الدوحة بلقاءات مع أهل الحل والعقد في طهران.

(1)

لماذا طهران بالذات؟ لأن ايران اختارت منذ قيام الثورة الاسلامية في عام 79 أن تصبح العنوان الرسمي للشيعة، اذ نص دستورها (في المادة 12) على أن الاسلام دينها الرسمي ومذهبها هو الجعفري الأثنى عشري. ومن ثم فانها اصبحت الدولة الوحيدة في العالم الاسلامي الآن التي تلتزم في دستورها بمذهب معين. (هذا النص لا يرتب بالضرورة تبعية الشيعة في الدول الأخرى لايران، خصوصا أن قبلتهم المذهبية في العراق حيث مرقد الامام على في النجف الأشرف، التي استقر بها أهم مرجع ديني للمذهب، السيد على السيستاني).
اضافة الى ذلك فان ايران هى صاحبة النفوذ الأكبر في العراق، بعد الولايات المتحدة بطبيعة الحال، لاسباب استراتيجية ومذهبية. فهي تملك حدودا معها بطول 1350 كيلومترا، فضلا عن أنها تحتفظ بعلاقات وثيقة مع اهم التجمعات الشيعية العراقية التي آواتها واستضافتها طيلة سنوات الحكم البعثي في بغداد. وقد استخدمت نفوذها ذاك في الحد من الاملاءات الامريكية في تشكيل الحكومة وفي صياغة الدستور، وفي التحذير من التوجهات الانفصالية لدى الاكراد.
ثمة سبب آخر للتوجه الى طهران، هو أنه لم يعد هناك خلاف بين عدد غير قليل من المعلقين والمحللين حول الهدف البعيد لحملة اذكاء الفتنة الطائفية. ذلك أنه منذ أعلن على الملأ أن ثمة اعدادا امريكيا تحرض عليه اسرائيل بشدة لتوجيه ضربة عسكرية ضد ايران، توقف مشروعها النووي وتحد من دورها في دعم المقاومة الفلسطينية وقوى الممانعة في المنطقة، فقد بات مطلوبا تعبئة العالم العربي الاسلامي ضدها، بما يؤدي الى احكام طرق العزلة من حولها. الأمر الذي يوفر اجواء مواتية لتوجيه الضربة المنشودة.

( 2 )
في هذا السياق بدا التوجه الى طهران أمرا طبيعيا لا غرابة فيه، كما ذكرت في اول الكلام. لكني لا أخفي أن الشعور بالغربة كان من نصيي في هذه الزيارة بالذات. ذلك أنني اعتدت أن اتوجه الى طهران بصفتي المهنية، وباعتباري باحثاً مسلما يحاول أن يتابع تجربة مثيرة رفعت الراية الاسلامية بعد طول احتجاب. لكني هذه المرة ذهبت اليها باعتباري واحداً من أهل السنة يطرق ابواب مجتمع شيعي. وخلال ربع القرن الأخير، كنت ادخل الى العاصمة الايرانية مشغولا بما يجري هناك من تحولات سياسية واجتماعية، الا أنني صرت في الرحلة الاخيرة مهموما بالشأن الطائفي دون غيره. وفي حين ظللت اتعامل مع ايران بحسبانها جزءاً من الأمة الاسلامية، وسندا وعمقا استراتيجيا للعالم العربي، فأنني ذهبت اليها هذه المرة وهى طرف في مشكلة اقلقت العالم العربي والاسلامي.
الى هذا المدى تراجعنا الى الوراء. الأمر الذي يصور لك مدى الفساد في المناخ السياسي السائد، بما افرزه من خلل فادح في الأولويات، وتعطيل شبه كامل للبوصلة التي يتعين الاهتداء بها في التعامل مع مختلف التحديات. حتى بدا لناـ في لحظة تاريخية بائسةـ أننا لم نعد نعرف العدو من الصديق، ناهيك عن أن بعضنا صار يفضل المحتل الغاصب على الحليف والشقيق!.
لقد أدى انفجار الوضع الطائفي في العراق الى اطلاق القنبلة الملوثة التي انتشر رذاذها المسموم في ارجاء العالم العربي والاسلامي، بما استصحبه من استدعاء لمرارات التاريخ المسكون بالاحقاد والاكاذيب. واحدثت تلك الصدمة صداها في اتجاهات عدة، فمن ناحية انتعشت المدارس والتيارات التي سعت الى تأجيج الخصومة وتوسيع نطاق الحريق. ومن ناحية ثانية تحرك بعض اهل العقل والاعتدال لاحتواء الحريق واطفاء نيرانه قدر الامكان. وكان انعقاد مؤتمر حوار المذاهب في قطر من بين تلك الأصداء. كما كانت «وثيقة مكة» التي رعتها منظمة المؤتمر الاسلامي صدى آخر. وكان تحرك اتحاد علماء المسلمين صدى ثالثا. اذ تمثل في ايفاء اثنين من اعضائه الى طهران للتشاور مع مسؤوليها حول الأزمة، احدهما هو الدكتور محمد سليم العوا الأمين العام للاتحاد، وقدر لي أن اكون ثانيهما باعتباري عضواً في مجلس الامناء.

(3)

التحليل الذي حملناه معنا الى ايران كان كالتالي:


أننا ندرك أن الصراع في جوهره سياسي وأن تفجير الصراع الطائفي اريد به كسب المعركة السياسية التي تتعدد اهدافها. ما بين صرف الانتباه عن الاحتلال وتحريض المحيط السني ضد الشيعة وضد ايران، الأمر الذي ييسر مسألة ضرب ايران عسكرياً، ويتيح لاسرائيل أن تنفرد بصدارة القوة في المنطقة لتفرض مخططاتها وتصفي قوى المقاومة والممانعة فيها، بقدر ما أنه يسهل على الولايات المتحدة مسعاها لاعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالحها واهدافها.

أن الممارسات التي حدثت في العراق حققت لتلك المخططات ما أرادته. ورغم أن غلاة السنة والشيعة تورطوا في وقائع ومشاهد الفتنة، الا أن ثمة تمايزاً بين الطرفين من زوايا ثلاث، أولها أن الشيعة في الموقف الأقوى، نظراً لأنهم يملكون اهم مفاتيح السلطة. ولهم سيطرتهم المشهودة على اجهزة الأمن والشرطة والجيش. ثانيهما أن الميلشيات الشيعية، مستندة الى ما تملك من عناصر القوة، قامت بتهجير اعداد غير قليلة من اهل السنة من البصرة وبغداد. كما بادرت الى اجراء تصفيات واسعة النطاق بين الشخصيات السنية، تارة تحت لافتة محاربة البعثيين، وتارة اخرى تحت لافتة مقاومة «الوهابيين». الأمر الثالث أن المراجع الدينية السنية المعتبرة ادانت سلوك الغلاة من السلفيين المنسوبين الى اهل السنة وانتقدت بشدة الأصوات التي ايدتهم، في حين أننا لم نجد ادانة مماثلة من المراجع الشيعية لممارسات غلاة المذهب.

هذه الممارسات كان لها صداها السلبي في العالم العربي والاسلامي، الأمر الذي اثار غضب أهل السنة ليس فقط ضد الشيعة، وانما ايضاً ضد ايران، التي توقع منها كثيرون ان تبذل جهداً في كبح جماح الميلشيات الشيعية، التي يعرف الجميع أن قادتها على الأقل تربطهم علاقات وثيقة مع طهران. وهو ما ادى الى توسيع نطاق الصراع الطائفي ونقله الى أكثر من بلد عربي اسلامي.

أن ثمة قرائن تدل على أن صعود التيار المحافظ في ايران، وهيمنته الراهنة على السلطتين التنفيذية والتشريعية، احدث تحولاً في توجهات الحكومة، اصبحت بمقتضاه تقدم الاعتبارات الايديولوجية على السياسة. وقد تغذت تلك التوجهات بالتمكين للشيعة في العراق بعد الاحتلال الأمريكي. آية ذلك أن ارمينيا المسيحية حين دخلت في صراع مسلح ضد اذربيجان ذات الاغلبية الشيعية، فأن طهران رجحت الاعتبارات السياسية وانحازت الى الأولى دون الثانية. أما حين احتل الأمريكيون العراق وترتب على ذلك صعود الشيعة والتمكين لهم، فان طهران اتخذت موقفاً معاكساً، بدا فيه أنها رجحت الايديولوجيا على السياسة، فانتصرت للمذهب على حساب المبدأ.

أن انتعاش التيار المحافظ في ايران والتمكين للشيعة في العراق والاداء الممتاز لحزب الله في مواجهة عدوان اسرائيل على لبنان، فتح شهية بعض المراجع الدينية، ممن عمدوا الى استثمار الاجواء المواتية لنشر التشيع في العديد من بلدان العالم العربي والاسلامي ذات الصبغة السنية. واستصحبت هذه الخطوة ترويجاً لبعض كتب الشيعة التي استدعت مرارات التاريخ واحقاده، واساءت الى صحابة رسول الله. وكان طبيعياً أن يستثير ذلك غضب اهل السنة.

(4)

كأننا انتقلنا الى كوكب آخر حين وصلنا الى طهران. فدرجة الحرارة تحت الصفر، والمدينة بدت وكأنها غطيت بملاءة هائلة من الثلج الأبيض، في حين اكتست جدرانها بلافتات سوداء حفلت بمناجاة الأمام الحسين «قمر بن هاشم». اما حشود البشر فقد استغرقتها طقوس ذكريات عاشوراء ومأساة مقتلة كربلاء. قبل ثلاثة عشر قرناً. وهي التي ما برح المنشدون يستعيدون وقائعها عبر مكبرات الصوت باصواتهم الشجية، التي تمزق نياط القلوب وتستجلب طوفان الدموع من أعين الملتاعين الذين ملأوا «الحسينيات»، بعدما تعطلت الدوائر لثلاثة أيام. بصعوبة بالغة تحددت لنا لقاءات مع سبعة من المسؤولين، ثلاثة منهم في وزارة الخارجية على رأسهم الوزير منوشهر متكي، ثم على لاريحاني الامين العام لمجلس الأمن القومي، والدكتور على ولايتي وزير الخارجية الاسبق وابرز مستشاري المرشد، السيد على خامئني. وآية الله محمد علي التسخيري أمين المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب. وختمت اللقاءات بجلسة مطولة من الشيخ هاشمي رفسنجاني الذي يرأس في الوقت الحاضر مجلس تشخيص مصلحة النظام. وترشحه الشائعات هذه الايام لموقع اكبر في هرم السلطة.

بعدما سمعوا ما تكلمنا به كانت ردودهم كالتالي:


أن موقف ايران من قضية وحدة الامة الاسلامية استراتيجي، ولم يطرأ عليه تغيير منذ دعا اليه الامام الخميني في عام 79 وحتى هذه اللحظة. وقد انطلقت طهران من هذا الموقف حين ساندت بكل ما تملك مقاومة المسلمين في البوسنة وفي فلسطين وفي افغانستان ضد الاحتلال الروسي. وهؤلاء جميعا من أهل السنة.

ان فكرة الهلال الشيعي طرح خبيث تردده الدوائر الغربية لشق الصف الاسلامي، وهى ذاتها الدوائر التي تساوم ايران كل حين، اذ تلوح بالاستجابة لما تريده، حتى في مشروعها النووي، اذا ما اعترفت الجمهورية الاسلامية باسرائيل وتخلت عن مساندة المقاومة الفلسطينية.

ان الشيعة ـ كما السنة ـ لديهم المعتدلون والمتطرفون والعقلاء والسفهاء. لكن متطرفيهم وسفهاءهم لم يذهبوا الى حد اشهار سلاح التكفير، كما فعل بعض متطرفي السنة. وفي كل الأحوال فان العلاقة ستكون افضل بكثير لو أنها انبنت على مواقف المعتدلين وليس المتطرفين.

ان ايران استنكرت وادانت على لسان قائدها السيد على خامئني عمليات القتل والتهجير التي مورست على الجانبين السني والشيعي، ولكن ضعف الجهاز الاعلامي في ايران لم ينقل هذه الاصوات الى الخارج.

صحيح أن ايران لها نفوذها وتأثيرها، لكن ليس صحيحا أنها تسيطر على كل ما يحدث في العراق أو انها تحرك كل ما يجري في المحيط الشيعي. ذلك أن مراجع الشيعة حيثما وجدوا يتمتعون باستقلال خاص عن الدولة، وبالتالي فان ممارساتهم ينبغي أن تحسب عليهم وليس على ايران. وما يقال عن عمليات تشييع في هذا البلد أو ذاك او طباعة كتب مسيئة الى الصحابة، تتحمل ايران وزرها، رغم أن بعض المراجع هم اللذين يقومون بها. (في هذا الصدد روي السيد هادي خسرو شاهي سفير ايران السابق في القاهرة أن بعض الشيعة المصريين طلبوا منه مساعدتهم في بناء «حسينية» في الاسكندرية ولكنه أعتذر لهم ونصحهم بعدم الاقدام على هذه الخطوة).

ان ايران مستعدة للتعاون مع أي طرف من اهل السنة في أي خطوة من شأنها اغلاق ملف الفتنة الطائفية، التي تعتبرها جزءا من المؤامرة الغربية ضدها.
هذه خلاصة الرسالة التي نقلناها الى مجلس امناء اتحاد علماء المسلمين، كي يحدد في ضوئها خطوته التالية.

بومتعب
02-10-2007, 01:15 PM
فهمي هويدي ؟؟؟
أسمع كلامك أسدأك !!! أشوف عمايلك أتعجب !!!