Osama
01-20-2007, 08:44 AM
قضية للنقاش
جريدة القبس الكويتية
الشائع في الاوساط السياسية ان عدو الفساد هو الديموقراطية وان البيئة الصالحة لنموه هي الدكتاتورية.. وبذلك صارت اللغة الدارجة ان من يريد محاربة الفساد عليه بالديموقراطية والعكس صحيح.. اي ان الفرز السياسي للفساد بات محسوما، اذا كنت دكتاتوريا فانت فاسد واذا كنت ديموقراطيا فانت في الضفة الاخرى وبموقع الاكثر نظافة!
هذا المفهوم تعرض للتشويه واعطى اشارات ملتبسة للراي العام، بحيث صار رائجا ان الديموقراطية تحولت الى ما يشبه 'الحصانة' لدى هذه الجهة او تلك، باعتبار ان النظام يحميه ويعطيه شرعية بالاستمرار والابتعاد عن دوائر الاتهامات.
الواقع ان هذا التصنيف فيه نوع من 'الخداع' وتبرئة للذمة قبل تقديم الكشف المالي، فليس كل ما يلمع ذهبا وهذا ما ينطبق على الديموقراطية، لذلك يتعين التمييز قبل اصدار الحكم.
فالديموقراطيات الغربية تعني مباشرة ان هناك نظام مؤسسات يوجب المساءلة والمحاسبة في ظل قوانين ولوائح تطبق على 'الجميع' وبلا استثناء! لكن البعض يخلط بين الديموقراطيات الغربية والديموقراطيات المطبقة في ديار العروبة ومنها الكويت، صحيح ان الانظمة السياسية الغربية تمارس المحاسبة وتلتزم بالمساءلة وتضع المشبوهين مهما كانت مناصبهم ومواقعهم تحت دائرة القانون والقضاء، لكن للفساد هناك اوجها اخرى تختلف عن اوجه الفساد في المنطقة العربية.
معيار العائلة
فاللوبيات حلت محل العائلة والسمعة والقبيلة وصار المعيار بالتدخل واشكال الفساد يتوقف على اصحاب المصالح الذين يعبرون عن انفسهم من خلال الاحتكارات الصناعية والمالية والتجارية الكبرى التي تعطي لنفسها حق ممارسة الفساد للدفاع عن مصالحها!.. بينما ما زالت المعايير عندنا وفي البلدان التي اختارت النهج الديموقراطي، تستند الى اعتبارات ذات صلة باسم العائلة وبموقع الشخص ونفوذه السياسي او باسم الانتماء القبلي الذي يشكل 'فزاعة' تستنفر كل الطاقات والامكانات المتاحة لافراد القبيلة وفي مختلف مؤسسات الدولة.
اذن مشروعية الفساد هناك مستمدة من الدفاع عن المصالح وفق آلية 'متحضرة' لكنها موجودة، في حين ان الاخذ بالديموقراطية لا يعفي هؤلاء من الاستمرار بالمحاسبة والمساءلة.. بعكس ما هو قائم في مجتمعاتنا العربية التي تلعلع بالديموقراطية وهي غارقة في الفساد.
حالة الكويت
منذ سنوات والحديث عن بؤر الفساد في الكويت لم ينقطع ففي الصحافة اليومية 'فضائح' بالهبل وملفات ساخنة تأتي وتذهب، وشخصيات توضع تحت المجهر والكل يتحدث عنها وعن ادوارها وهناك من وضع دليلا باسماء المفسدين الكبار ولم يعد فيها شيء من الاسرار، والتواطؤات باتت مكشوفة ايضا للمقربين والمتابعين.. انما يتوقف البعض عند النهايات ويتساءل كيف نعيش في نظام ديموقراطي يقوم على المساءلة والمحاسبة ومعظم الفاسدين يخرجون من دوائرهم 'ابطالا' ويطلعون من القضايا المشبوهة بوجه 'نظيف' انظف من القطن الابيض! ولهذا يستتبعون السؤال بنتيجة مكملة له وهي ان الديموقراطية عندنا 'تحمي' هؤلاء وتبعد عنهم كأس المحاسبة والعقاب !
كيف ذلك ؟ هذا هو الموضوع
هناك من يعتقد ان الديموقراطية هنا تحتاج الى 'تحسينات' وتعديلات وتغيير في الآلية المتبعة ويدللون على قناعتهم تلك بان العلاقة بين المرشح والناخب قائمة على تبادل المنافع والمصالح وبالتالي سيبقى هذا النائب الممثل للشعب مرهونا بقاعدة تقديم وجبة من 'الخدمات' التي تشيع ثقافة من الفساد تعمم على باقي مؤسسات الدولة.. وفي المحصلة تكون الديموقراطية جسرا للعبور الى غايات بعيدة عن الدور المناط بها وهو القائم على التشريع واعمال الرقابة على السلطة التنفيذية ومن ثم تنشأ علاقة تبادل المنافع بين هذا النائب وذاك الوزير وتدخل حسبة التنفيعات وشراء الولاءات السياسية في دورة جديدة من المناورات والمواجهات في سوق المزايدات.
اضافة لذلك يلاحظ غياب المعلومات عن الرأي العام في مثل هذه القضايا، وهو ما من شأنه تخفيف الضغط الرقابي عن الشخص او الجهة المتورطة بالفساد، صحيح ان ديوان المحاسبة هنا يقوم بالتدقيق والمراقبة ووضع التقارير، لكنه بحكم نظامه ملزم بتقديمها الى مجلس الامة اولا، وهذا ما يشكل عائقا امام شيوع المعلومة للجمهور بيسروسهولة.
الخلاصة ان الديموقراطية ستبقى اداة صالحة لمكافحة الفساد، لكن كيف نستخدمها وتحت اي شروط، هذا هو السؤال وهو الموضوع الذي يشبه حكاية مخفر الشرطة، هو موجود لحفظ الامن لكنه لا يستطيع ان يمنع وقوع جرائم الا بقدر محدود.
الديموقراطية تنمو في جو وبيئة ملائمة لها فاذا زرعت في بيئة غير ملائمة تصبح 'مسخا' مثلما هي حال النبات المثمر اذا اخذته من بيئته وزرعته في بيئة اخرى لن يعطي ثمرا، اذا لم توفر له عناصر النجاح، او اذا اعطي جاء بثمار هزيلة.
جريدة القبس الكويتية
الشائع في الاوساط السياسية ان عدو الفساد هو الديموقراطية وان البيئة الصالحة لنموه هي الدكتاتورية.. وبذلك صارت اللغة الدارجة ان من يريد محاربة الفساد عليه بالديموقراطية والعكس صحيح.. اي ان الفرز السياسي للفساد بات محسوما، اذا كنت دكتاتوريا فانت فاسد واذا كنت ديموقراطيا فانت في الضفة الاخرى وبموقع الاكثر نظافة!
هذا المفهوم تعرض للتشويه واعطى اشارات ملتبسة للراي العام، بحيث صار رائجا ان الديموقراطية تحولت الى ما يشبه 'الحصانة' لدى هذه الجهة او تلك، باعتبار ان النظام يحميه ويعطيه شرعية بالاستمرار والابتعاد عن دوائر الاتهامات.
الواقع ان هذا التصنيف فيه نوع من 'الخداع' وتبرئة للذمة قبل تقديم الكشف المالي، فليس كل ما يلمع ذهبا وهذا ما ينطبق على الديموقراطية، لذلك يتعين التمييز قبل اصدار الحكم.
فالديموقراطيات الغربية تعني مباشرة ان هناك نظام مؤسسات يوجب المساءلة والمحاسبة في ظل قوانين ولوائح تطبق على 'الجميع' وبلا استثناء! لكن البعض يخلط بين الديموقراطيات الغربية والديموقراطيات المطبقة في ديار العروبة ومنها الكويت، صحيح ان الانظمة السياسية الغربية تمارس المحاسبة وتلتزم بالمساءلة وتضع المشبوهين مهما كانت مناصبهم ومواقعهم تحت دائرة القانون والقضاء، لكن للفساد هناك اوجها اخرى تختلف عن اوجه الفساد في المنطقة العربية.
معيار العائلة
فاللوبيات حلت محل العائلة والسمعة والقبيلة وصار المعيار بالتدخل واشكال الفساد يتوقف على اصحاب المصالح الذين يعبرون عن انفسهم من خلال الاحتكارات الصناعية والمالية والتجارية الكبرى التي تعطي لنفسها حق ممارسة الفساد للدفاع عن مصالحها!.. بينما ما زالت المعايير عندنا وفي البلدان التي اختارت النهج الديموقراطي، تستند الى اعتبارات ذات صلة باسم العائلة وبموقع الشخص ونفوذه السياسي او باسم الانتماء القبلي الذي يشكل 'فزاعة' تستنفر كل الطاقات والامكانات المتاحة لافراد القبيلة وفي مختلف مؤسسات الدولة.
اذن مشروعية الفساد هناك مستمدة من الدفاع عن المصالح وفق آلية 'متحضرة' لكنها موجودة، في حين ان الاخذ بالديموقراطية لا يعفي هؤلاء من الاستمرار بالمحاسبة والمساءلة.. بعكس ما هو قائم في مجتمعاتنا العربية التي تلعلع بالديموقراطية وهي غارقة في الفساد.
حالة الكويت
منذ سنوات والحديث عن بؤر الفساد في الكويت لم ينقطع ففي الصحافة اليومية 'فضائح' بالهبل وملفات ساخنة تأتي وتذهب، وشخصيات توضع تحت المجهر والكل يتحدث عنها وعن ادوارها وهناك من وضع دليلا باسماء المفسدين الكبار ولم يعد فيها شيء من الاسرار، والتواطؤات باتت مكشوفة ايضا للمقربين والمتابعين.. انما يتوقف البعض عند النهايات ويتساءل كيف نعيش في نظام ديموقراطي يقوم على المساءلة والمحاسبة ومعظم الفاسدين يخرجون من دوائرهم 'ابطالا' ويطلعون من القضايا المشبوهة بوجه 'نظيف' انظف من القطن الابيض! ولهذا يستتبعون السؤال بنتيجة مكملة له وهي ان الديموقراطية عندنا 'تحمي' هؤلاء وتبعد عنهم كأس المحاسبة والعقاب !
كيف ذلك ؟ هذا هو الموضوع
هناك من يعتقد ان الديموقراطية هنا تحتاج الى 'تحسينات' وتعديلات وتغيير في الآلية المتبعة ويدللون على قناعتهم تلك بان العلاقة بين المرشح والناخب قائمة على تبادل المنافع والمصالح وبالتالي سيبقى هذا النائب الممثل للشعب مرهونا بقاعدة تقديم وجبة من 'الخدمات' التي تشيع ثقافة من الفساد تعمم على باقي مؤسسات الدولة.. وفي المحصلة تكون الديموقراطية جسرا للعبور الى غايات بعيدة عن الدور المناط بها وهو القائم على التشريع واعمال الرقابة على السلطة التنفيذية ومن ثم تنشأ علاقة تبادل المنافع بين هذا النائب وذاك الوزير وتدخل حسبة التنفيعات وشراء الولاءات السياسية في دورة جديدة من المناورات والمواجهات في سوق المزايدات.
اضافة لذلك يلاحظ غياب المعلومات عن الرأي العام في مثل هذه القضايا، وهو ما من شأنه تخفيف الضغط الرقابي عن الشخص او الجهة المتورطة بالفساد، صحيح ان ديوان المحاسبة هنا يقوم بالتدقيق والمراقبة ووضع التقارير، لكنه بحكم نظامه ملزم بتقديمها الى مجلس الامة اولا، وهذا ما يشكل عائقا امام شيوع المعلومة للجمهور بيسروسهولة.
الخلاصة ان الديموقراطية ستبقى اداة صالحة لمكافحة الفساد، لكن كيف نستخدمها وتحت اي شروط، هذا هو السؤال وهو الموضوع الذي يشبه حكاية مخفر الشرطة، هو موجود لحفظ الامن لكنه لا يستطيع ان يمنع وقوع جرائم الا بقدر محدود.
الديموقراطية تنمو في جو وبيئة ملائمة لها فاذا زرعت في بيئة غير ملائمة تصبح 'مسخا' مثلما هي حال النبات المثمر اذا اخذته من بيئته وزرعته في بيئة اخرى لن يعطي ثمرا، اذا لم توفر له عناصر النجاح، او اذا اعطي جاء بثمار هزيلة.