زوربا
01-15-2007, 04:09 PM
علي شايع
مضحكتان تناقلتهما الأخبار في تداعيات إعدام الديكتاتور؛الأولى من الهند، والثانية من مصر(فكم ذا بمصر من المضحكات)..أما الأولى فكانت عن مساكين في أقصى الهند أوردت خبرهم وكالة الإنباء العالمية رويترز، حيث التمس أهالي قرية حكومتهم لتغيير اسم قريتهم من لاهونا إلى اسم صدام!.
قلت:
يا من ترى مصائب الدهماء في لاهونا ..هوّن عليك مصيبة الأعراب
فلعلّهم سمعوا بما أنفقته ابنة الديكتاتور من مبالغ طائلة، وما تعتزمه من هبات في طريقها إلى من زمروا وطلبوا، ونفخوا أبواق الحداد.فثمة من يعد بالعطايا من أموال العراق و ذهبه الذي ضاع بريقه بين القبائل والقرى الظالم أهلها، وها هي حملات هبات السحت تضيف إلى تلك الثروة ما يؤهل لها دعايات تخلب ألباب قرى الجوع، التي وصلتها الأخبار وتسريبات العسس الصدامي عن موسم هبات جديد.
العراق المهدور عطاءً
لم يهدر حاكم ثروة بلد حَكَمَهُ مثلما أهدر صدام ثروة العراق، حتى صارت نهباً سهلاً، ومتاعاً جارياً له ولإتباع يتمتعون الآن بنعماء المغتربات مما يبذّرون فيها من أموال العراق وثرواته، كسالف عهد ديكتاتور لم تبق من قرية في أصقاع الأرض إلا وترك فيها معلما يخلده ويفتل أسمه في برية الوهم والتجبر على حساب أهل العراق، فكم من مدينة نالت هبات "القائد الضرورة" حتى وصلت عطاياها لتشمل في عام 1987 قرية في الساحل الشرقي لسريلانكا، أمر بإعادة اعمارها وبناء قرية عصرية لأهلها مع دعم جار للخدمات، يتواصل ما بقي الطاغية في عرشه. فتبرمك الديكتاتور بمبلغ طائل لا لشيء سوى منافسة رئيس دولة عربية آخر منح هبة لهذه القرية السريلانكية، في الوقت الذي كانت فيه قرى العراق تئن تحت وطأة الجوع والفقر والعوز إلى ابسط مقومات الحياة. فالثروة التي استولى على خزائنها كانت من أكبر ثروات الأرض، وتحيّر"القائد"الأهوج في طرق صرفها وإنفاقها، واستكثر خيرها على العراق وأهله ، حتى زج بهم سريعا في اتون حرب ظالمة مع إيران، وصارت الملايين تنفق لأجل أوارها الذي التهم خيرة أبناء العراق.
للطغاة حسنى الأسماء؟..
يصنّف العقلاء الديكتاتوريات التي مرّت على الأرض إلى قسمين؛حربية تسعى إلى بسط نفوذ القوة بكل الاتجاهات، وأخرى تحمل ذات التوجه الحربي ولكنها تخلد في التاريخ بمعالم وآثار وبناء هائل يشير إلى قوة وبقاء مفروض على الزمن بصمود ما تتركه. وهنا سيتذكّر الجميع سعي الطغاة للخلود في البناء الشامخ، والتحدي في البقاء، كما سعى الفراعنة قديما إلى قهر الموت والخلود بالاهرامات، وهو سعي لم يدركه من حكموا مصر لاحقا، فخلودهم تركز فقط في وضع أسمائهم على كل المعالم الحديثة، وأروع دراسة عن هذا الموضوع أجرتها مجلة "دير شبيغل" الألمانية العام الماضي عن أهم المعالم التي تحمل اسم الرئيس المصري في المدن المصرية مثلا، فوجدت إن 2600 مدرسة و400 مستشفى في مصر تحمل اسم "مبارك" والقائمة تطول لتصل إلى 52 مشروعاً إسكانياً و300 قرية و90 مركزاً بحثياً و 180 مشروعاً زراعياً، و600 قاعة كبرى للاجتماعات بالمؤسسات الحكومية و62 شارعاً ومحطة باصات.وهي ليست كلّها مما أنشئ حديثاً بفضل هذا الرئيس بل من متغيّر الأسماء لمشاريع ومعالم حملت أسماء الرؤساء السابقين.
وللحديث عن مصر مناسبة..وللشعر درّ المتنبي ، فكم ذا بمصر من المضحكات، ولكنه ضحك كالبكا ..لم تذكّرني بها الأمنيات في استدراك الحكام بوقفة مع الذات إلى ما انتهى إليه صدام، والى الزوال السريع لوهم ما تركه من أسماء وتماثيل، لم تقاوم عصف التغيير الهائل.بل ما أصبح يكتب من هرطقات عن أسماء تخلد حسناها صورة ديكتاتور رحل لم تقاوم أسمائه التي زيّن زخرفها ذات يوم كاتب عراقي مغمور استوفى تسعاً وتسعين اسماً بموازاة أسماء الله الحسنى، نالت تبريكات "القائد" المؤمن ، الذي أغدق العطاء وأجزل الهبات لكل القائلين بهذه الأسماء والمسبحين بحمدها ، وهو أمر من متدوال أدبيات الحزب، ومعروفة حكايته التي ظهر لها روافد هذه الأيام في منتديات الحوار العربي بمصر، وفي فضاء الانترنت وبعض الصحف، حتى راح المتهرطقون يربطون أسم عائلة "المجيد" التي ينتمي إليها صدام الى اسم مذكور من أسماء الله الحسنى..
هل نام كتـّاب مصر عن ثعالبها؟!
وإنه لحزن موصول أيضا لأبي الطيب المتنبي في تحذير قديم إلى كلّ كتاب مصر أن لا يناموا نوم نواطيرها عن الثعالب، فها هي شرور الكتابة تأخذ عناوين بارزة في صحف مصر ومجلاتها، محرّضةً على العنف في العراق، وداعية إلى الانتقام "إعدام صدام ينتظر الانتقام"..والانتقام في عنوان المجلة الرئيس- والتي تحوي لقاءً مع الرئيس!- نداء موجّه إلى الإرهاب من أجل المزيد من الدم العراقي..
صحف ومجلات لا زالت تمجّد الطغاة وتتغنى بأسماء ما أنزل المنجز الإنساني بها من سلطان، فكلها إلى زوال، وكلها سيتناثر في الهواء الطلق منذ هوى تمثال فردوس"القائد الضرورة" إلى الوحل، ومنذ أثخن"أبو تحسين" صورته بالضرب، زاهداً بما تهافت عليه الجمع؛ من جمع ونهب.ومنادياً بكلمات سيبقى لها واسع الصدى في الضمائر الحيّة:..لو تدرون هذا إشسوه بالعراق..هذا دمّر العراق..قتل أولادنا..حطم بلدنا"..
وحده، من يتذكّر وجه ذلك المعلم البغدادي ممتشقا نعله..وحده، من يتذكر صورة الطاغية الممزقة.. سيعتبر عن مصير كلّ الطغاة، وعن لحظة مشابهة، هي لحظة إعدامهم الحقيقي على يد الشعب، وليست لحظة الإعدام الأخيرة الملطّخة بأدران سياسات شتى.
لحظة الحساب الشعبي تلك هي اللحظة الوطنية التي لن يغني عنها ما كسبت قرى أنجزها الطاغية لصحفيين وإعلاميين في كلّ العالم، وبسيارات ورواتب دائمة، ولن يغني عنها زيف أسماء القرى الظالم أهلها.
مضحكتان تناقلتهما الأخبار في تداعيات إعدام الديكتاتور؛الأولى من الهند، والثانية من مصر(فكم ذا بمصر من المضحكات)..أما الأولى فكانت عن مساكين في أقصى الهند أوردت خبرهم وكالة الإنباء العالمية رويترز، حيث التمس أهالي قرية حكومتهم لتغيير اسم قريتهم من لاهونا إلى اسم صدام!.
قلت:
يا من ترى مصائب الدهماء في لاهونا ..هوّن عليك مصيبة الأعراب
فلعلّهم سمعوا بما أنفقته ابنة الديكتاتور من مبالغ طائلة، وما تعتزمه من هبات في طريقها إلى من زمروا وطلبوا، ونفخوا أبواق الحداد.فثمة من يعد بالعطايا من أموال العراق و ذهبه الذي ضاع بريقه بين القبائل والقرى الظالم أهلها، وها هي حملات هبات السحت تضيف إلى تلك الثروة ما يؤهل لها دعايات تخلب ألباب قرى الجوع، التي وصلتها الأخبار وتسريبات العسس الصدامي عن موسم هبات جديد.
العراق المهدور عطاءً
لم يهدر حاكم ثروة بلد حَكَمَهُ مثلما أهدر صدام ثروة العراق، حتى صارت نهباً سهلاً، ومتاعاً جارياً له ولإتباع يتمتعون الآن بنعماء المغتربات مما يبذّرون فيها من أموال العراق وثرواته، كسالف عهد ديكتاتور لم تبق من قرية في أصقاع الأرض إلا وترك فيها معلما يخلده ويفتل أسمه في برية الوهم والتجبر على حساب أهل العراق، فكم من مدينة نالت هبات "القائد الضرورة" حتى وصلت عطاياها لتشمل في عام 1987 قرية في الساحل الشرقي لسريلانكا، أمر بإعادة اعمارها وبناء قرية عصرية لأهلها مع دعم جار للخدمات، يتواصل ما بقي الطاغية في عرشه. فتبرمك الديكتاتور بمبلغ طائل لا لشيء سوى منافسة رئيس دولة عربية آخر منح هبة لهذه القرية السريلانكية، في الوقت الذي كانت فيه قرى العراق تئن تحت وطأة الجوع والفقر والعوز إلى ابسط مقومات الحياة. فالثروة التي استولى على خزائنها كانت من أكبر ثروات الأرض، وتحيّر"القائد"الأهوج في طرق صرفها وإنفاقها، واستكثر خيرها على العراق وأهله ، حتى زج بهم سريعا في اتون حرب ظالمة مع إيران، وصارت الملايين تنفق لأجل أوارها الذي التهم خيرة أبناء العراق.
للطغاة حسنى الأسماء؟..
يصنّف العقلاء الديكتاتوريات التي مرّت على الأرض إلى قسمين؛حربية تسعى إلى بسط نفوذ القوة بكل الاتجاهات، وأخرى تحمل ذات التوجه الحربي ولكنها تخلد في التاريخ بمعالم وآثار وبناء هائل يشير إلى قوة وبقاء مفروض على الزمن بصمود ما تتركه. وهنا سيتذكّر الجميع سعي الطغاة للخلود في البناء الشامخ، والتحدي في البقاء، كما سعى الفراعنة قديما إلى قهر الموت والخلود بالاهرامات، وهو سعي لم يدركه من حكموا مصر لاحقا، فخلودهم تركز فقط في وضع أسمائهم على كل المعالم الحديثة، وأروع دراسة عن هذا الموضوع أجرتها مجلة "دير شبيغل" الألمانية العام الماضي عن أهم المعالم التي تحمل اسم الرئيس المصري في المدن المصرية مثلا، فوجدت إن 2600 مدرسة و400 مستشفى في مصر تحمل اسم "مبارك" والقائمة تطول لتصل إلى 52 مشروعاً إسكانياً و300 قرية و90 مركزاً بحثياً و 180 مشروعاً زراعياً، و600 قاعة كبرى للاجتماعات بالمؤسسات الحكومية و62 شارعاً ومحطة باصات.وهي ليست كلّها مما أنشئ حديثاً بفضل هذا الرئيس بل من متغيّر الأسماء لمشاريع ومعالم حملت أسماء الرؤساء السابقين.
وللحديث عن مصر مناسبة..وللشعر درّ المتنبي ، فكم ذا بمصر من المضحكات، ولكنه ضحك كالبكا ..لم تذكّرني بها الأمنيات في استدراك الحكام بوقفة مع الذات إلى ما انتهى إليه صدام، والى الزوال السريع لوهم ما تركه من أسماء وتماثيل، لم تقاوم عصف التغيير الهائل.بل ما أصبح يكتب من هرطقات عن أسماء تخلد حسناها صورة ديكتاتور رحل لم تقاوم أسمائه التي زيّن زخرفها ذات يوم كاتب عراقي مغمور استوفى تسعاً وتسعين اسماً بموازاة أسماء الله الحسنى، نالت تبريكات "القائد" المؤمن ، الذي أغدق العطاء وأجزل الهبات لكل القائلين بهذه الأسماء والمسبحين بحمدها ، وهو أمر من متدوال أدبيات الحزب، ومعروفة حكايته التي ظهر لها روافد هذه الأيام في منتديات الحوار العربي بمصر، وفي فضاء الانترنت وبعض الصحف، حتى راح المتهرطقون يربطون أسم عائلة "المجيد" التي ينتمي إليها صدام الى اسم مذكور من أسماء الله الحسنى..
هل نام كتـّاب مصر عن ثعالبها؟!
وإنه لحزن موصول أيضا لأبي الطيب المتنبي في تحذير قديم إلى كلّ كتاب مصر أن لا يناموا نوم نواطيرها عن الثعالب، فها هي شرور الكتابة تأخذ عناوين بارزة في صحف مصر ومجلاتها، محرّضةً على العنف في العراق، وداعية إلى الانتقام "إعدام صدام ينتظر الانتقام"..والانتقام في عنوان المجلة الرئيس- والتي تحوي لقاءً مع الرئيس!- نداء موجّه إلى الإرهاب من أجل المزيد من الدم العراقي..
صحف ومجلات لا زالت تمجّد الطغاة وتتغنى بأسماء ما أنزل المنجز الإنساني بها من سلطان، فكلها إلى زوال، وكلها سيتناثر في الهواء الطلق منذ هوى تمثال فردوس"القائد الضرورة" إلى الوحل، ومنذ أثخن"أبو تحسين" صورته بالضرب، زاهداً بما تهافت عليه الجمع؛ من جمع ونهب.ومنادياً بكلمات سيبقى لها واسع الصدى في الضمائر الحيّة:..لو تدرون هذا إشسوه بالعراق..هذا دمّر العراق..قتل أولادنا..حطم بلدنا"..
وحده، من يتذكّر وجه ذلك المعلم البغدادي ممتشقا نعله..وحده، من يتذكر صورة الطاغية الممزقة.. سيعتبر عن مصير كلّ الطغاة، وعن لحظة مشابهة، هي لحظة إعدامهم الحقيقي على يد الشعب، وليست لحظة الإعدام الأخيرة الملطّخة بأدران سياسات شتى.
لحظة الحساب الشعبي تلك هي اللحظة الوطنية التي لن يغني عنها ما كسبت قرى أنجزها الطاغية لصحفيين وإعلاميين في كلّ العالم، وبسيارات ورواتب دائمة، ولن يغني عنها زيف أسماء القرى الظالم أهلها.