فاتن
01-12-2007, 08:00 AM
طلال شاكر- صوت العراق
talalshaker@hotmail.com
لم أر في سلوك ألقذافي وتصرفاته مايغاير طبيعته وتفكيره وتكوينه، وهو كغيره من رموز التخلف والاستبداد، لايحكمه منطق أخلاقي لافي رؤيته ولافي سلوكه ومواقفه. وهو في المحصلة نتاج ثقافة مختلة وارث كالح ومزمن في عفونته وتهاويه، تلاقح مع واقع عربي رث وسقيم في ثقافته وحكامه، وقيمه. هذا الواقع الذي ابتلينا به وبرموزه وتكويناته البالية التي تمتد من السياسة والثقافة والتقاليد والأفكار الدينية المتحجرة الى النظم السياسية والأحزاب والشخصيات.
ومن هذا الباب، لاتجد في الواقع تبايناً حاداً بين ألقذافي وصدام فكلاهما من طينة واحدة يتشاطرون التشابه في انتمائهم الثقافي وتكوينهم الفكري والاجتماعي والجغرافي، وهو كرفيقه الفاطس صدام حسين لاتنطبق عليه قاعدة عقلانية تستخلص منها رؤية متوازنة، تطل منها نحو فهم ذلك المتحكم الجاثم على صدره شعبه الليبي منذ عقود ثقيلة، فلا قاعدة تحكمه ولا توطئة، تقدمه لتفهم ماذا يريد هذا الرجل ومن هو.... هذا ألقذافي الذي في أحسن تجلياته عبارة عن صورة ملتبسة في بانوراما عربية أكثر التباساً وتخلفاً،
فليس لك أن تحس بلونه أوطعمه، فتارة تجده قومي عربي في أقصى درجات التطرف وتارة افريقي أكثر من الأفارقة وتارة يساري وتارة يميني ومرة أسلامي، وهو بلاء ليبياً، كما كان صدام بلاء عراقياً... إن تفسير هذه النماذج المعقدة والمريضة تثير الأسى والتبرم في نفوسنا قبل الحيرة والذهول،فالغرابة تتفجر عندما تبحث وراء السر في بقاء هذه الكائنات المتخلفة كل هذا الزمن الطويل، وهي في أوج تعارضها ونشازها مع قوانين الحياة وسياقات المنطق، ومن هنا يأتي حزن ألقذافي وحميته على صدام صورة مكررة وفاقعة لتهاوي أخلاقي لايفا رق منبته، هذا المنبت الذي يرى في أرواح الضحايا وآلامهم وألام أهلهم ومحبيهم مجرد ظواهر عابرة ينبغي نزعها من الذاكرة أما الطغاة
والمستبدون فأن توقيرهم جزء من ركائز التاريخ الملفق الذي يسعى ألقذافي وأشباهه كتابته بمداد الكذب والنفاق والتزييف.
ألقذافي الذي أعلن الحداد ثلاثة أيام على صدام وتعلل بأن صدام كان أسير حرب ، كان منافقاً وكذاباً ومرائياً، فهو من أكثر الحكام الذين ناوؤا نظام صدام وبغضوه وعادوه وتأمروا عليه وأمدوا خصومه بالمال والسلاح والدعم والاحتضان،فأثناء الحرب العراقية الإيرانية أمد إيران عبر سوريا بالصواريخ البعيدة المدى لضرب بغداد،
والمعارضة العراقية تلقت منه ملايين الدولارات، وحصلت على الدعم بمختلف إشكاله وصنوفه وكانت المعارضة التي تريد إسقاط نظام صدام تعقد اجتماعاتها ولقاءاتها في طرابلس، بل كلف ألقذافي نائبه عبدالسلام جلود عام1982 بمتابعة اللقاءات والاجتماعات في دمشق بين القوى السياسية العراقية بما فيهم القوى الكردية لتقريب وجهات نظرها وهكذا كانت (جبهة جوقد)التي انبثقت بجهود ليبية ،وسرعان انفرط عقدها لاحقاً . كان ألقذافي يكره صدام ويكره نظامه، وفي الوقت
نفسه كان نظام صدام يرى في ألقذافي اشد الأعداء انحطاطاً وقذارة على حد تعبير طه الجزراي
وما أذكره من وقائع معروفاً للأكثرية ومن المتابعين، وبالتالي لم يحدث شيء يناقض هذه السياقات، حتى يستفيق ألقذافي من غفلته ليعلن ألحداد على طاغية، لايستحق إلا اللعنة والازدراء، في حين كان وبنفسه مباشرة يستحث القيادات العراقية المعارضة التي قابلها في طرابلس على توسيع كفاحها المسلح ضد صدام ونظامه وبخاصة من كردستان ، وكان ألقذافي يتمنى ويعمل من اجل إسقاط نظام صدام وتدميره ولم يكن حيادياً إزاء صدام ونظامه طيلة حكمه وحتى صدام كان مستغرباً من عداء ألقذافي وسلوكه المعادي. وإذا كان ألقذافي قد غير تكتيكاته السياسية بعد غزو الكويت، تأييداً للغزو،
فهذا نابع من اختلافاته مع الإدارة الأمريكية وهي معروفة، لم يتغير ألقذافي ولم يتبدل. لكن التعاطي مع المتغيرات السياسية الجديدة التي اتبعها بعد أن استسلم بشكل مذل للغرب حددت مجمل سلوكه السياسي اللاحق، وكان قبلها يعير صدام على خنوعه وامتثاله المذل لفرق التفتيش ، وكان يردد متهكماً وهازئاً، بان فرق التفتيش لم يبق شيئاً لم تفتشه سوى ملابس ساجدة زوجة صدام، وكان دوافع التغير التي جرت وتجري قامت من منطلقات أكثر دونية وانتهازية وانحطاطاً، وواحداً من تجلياتها الفاقعة هذه حداده على صدام ،
وهو في أحسن حالاته تجاوب رخيص وكاذب مع مشاعر ملتبسة لجمهرة العرب التائهين الذين ينعون وينوحون على صدام بوصفه بطلهم، وبهذا يبث رسالة تحذيرية ومضللة عن أسير الحرب صدام كصورة يتوقعها لنفسه وهو يواجه مستقبلاً غامضاً في نهاياته الثقيلة ، بالنسبة لحكمه، وبالتالي لم يكن نبيلا ولا صاحب نخوة في حداده على صدام، وهو في هذه الحالة يتناغم مع الحكام العرب الذين رأوا في إعدام صدام في ليلة العيد استفزازاً لمشاعر المسلمين وتعدياً على قدسية العيد، وهي حجة غريبة وتعلل فارغ، وكأن القصاص العادل بمجرم كصدام يتناقض مع مكانة الأيام وقدسيتها...!
وبالمناسبة، فان الأغلبية من الحكام العرب ارتكبوا جرائمهم وانتهاكاتهم ضد شعوبهم والمعارضين لهم في أقدس الأيام وفي أقدس الأماكن عندما واجهوا تحديات تهدد كراسيهم، لكنها سياسة خلط الأوراق والنفاق السياسي والمكيال بمكيالين، وألقذافي نموذجها المتهرئ والبالي. أن إعلان الحداد على طاغية من قبل مستبد كريه مثله، هو مجلس فاتحة قائم على روح امة تحتضر كل يوم......
طلال شاكر كاتب وسياسي عراقي
talalshaker@hotmail.com
لم أر في سلوك ألقذافي وتصرفاته مايغاير طبيعته وتفكيره وتكوينه، وهو كغيره من رموز التخلف والاستبداد، لايحكمه منطق أخلاقي لافي رؤيته ولافي سلوكه ومواقفه. وهو في المحصلة نتاج ثقافة مختلة وارث كالح ومزمن في عفونته وتهاويه، تلاقح مع واقع عربي رث وسقيم في ثقافته وحكامه، وقيمه. هذا الواقع الذي ابتلينا به وبرموزه وتكويناته البالية التي تمتد من السياسة والثقافة والتقاليد والأفكار الدينية المتحجرة الى النظم السياسية والأحزاب والشخصيات.
ومن هذا الباب، لاتجد في الواقع تبايناً حاداً بين ألقذافي وصدام فكلاهما من طينة واحدة يتشاطرون التشابه في انتمائهم الثقافي وتكوينهم الفكري والاجتماعي والجغرافي، وهو كرفيقه الفاطس صدام حسين لاتنطبق عليه قاعدة عقلانية تستخلص منها رؤية متوازنة، تطل منها نحو فهم ذلك المتحكم الجاثم على صدره شعبه الليبي منذ عقود ثقيلة، فلا قاعدة تحكمه ولا توطئة، تقدمه لتفهم ماذا يريد هذا الرجل ومن هو.... هذا ألقذافي الذي في أحسن تجلياته عبارة عن صورة ملتبسة في بانوراما عربية أكثر التباساً وتخلفاً،
فليس لك أن تحس بلونه أوطعمه، فتارة تجده قومي عربي في أقصى درجات التطرف وتارة افريقي أكثر من الأفارقة وتارة يساري وتارة يميني ومرة أسلامي، وهو بلاء ليبياً، كما كان صدام بلاء عراقياً... إن تفسير هذه النماذج المعقدة والمريضة تثير الأسى والتبرم في نفوسنا قبل الحيرة والذهول،فالغرابة تتفجر عندما تبحث وراء السر في بقاء هذه الكائنات المتخلفة كل هذا الزمن الطويل، وهي في أوج تعارضها ونشازها مع قوانين الحياة وسياقات المنطق، ومن هنا يأتي حزن ألقذافي وحميته على صدام صورة مكررة وفاقعة لتهاوي أخلاقي لايفا رق منبته، هذا المنبت الذي يرى في أرواح الضحايا وآلامهم وألام أهلهم ومحبيهم مجرد ظواهر عابرة ينبغي نزعها من الذاكرة أما الطغاة
والمستبدون فأن توقيرهم جزء من ركائز التاريخ الملفق الذي يسعى ألقذافي وأشباهه كتابته بمداد الكذب والنفاق والتزييف.
ألقذافي الذي أعلن الحداد ثلاثة أيام على صدام وتعلل بأن صدام كان أسير حرب ، كان منافقاً وكذاباً ومرائياً، فهو من أكثر الحكام الذين ناوؤا نظام صدام وبغضوه وعادوه وتأمروا عليه وأمدوا خصومه بالمال والسلاح والدعم والاحتضان،فأثناء الحرب العراقية الإيرانية أمد إيران عبر سوريا بالصواريخ البعيدة المدى لضرب بغداد،
والمعارضة العراقية تلقت منه ملايين الدولارات، وحصلت على الدعم بمختلف إشكاله وصنوفه وكانت المعارضة التي تريد إسقاط نظام صدام تعقد اجتماعاتها ولقاءاتها في طرابلس، بل كلف ألقذافي نائبه عبدالسلام جلود عام1982 بمتابعة اللقاءات والاجتماعات في دمشق بين القوى السياسية العراقية بما فيهم القوى الكردية لتقريب وجهات نظرها وهكذا كانت (جبهة جوقد)التي انبثقت بجهود ليبية ،وسرعان انفرط عقدها لاحقاً . كان ألقذافي يكره صدام ويكره نظامه، وفي الوقت
نفسه كان نظام صدام يرى في ألقذافي اشد الأعداء انحطاطاً وقذارة على حد تعبير طه الجزراي
وما أذكره من وقائع معروفاً للأكثرية ومن المتابعين، وبالتالي لم يحدث شيء يناقض هذه السياقات، حتى يستفيق ألقذافي من غفلته ليعلن ألحداد على طاغية، لايستحق إلا اللعنة والازدراء، في حين كان وبنفسه مباشرة يستحث القيادات العراقية المعارضة التي قابلها في طرابلس على توسيع كفاحها المسلح ضد صدام ونظامه وبخاصة من كردستان ، وكان ألقذافي يتمنى ويعمل من اجل إسقاط نظام صدام وتدميره ولم يكن حيادياً إزاء صدام ونظامه طيلة حكمه وحتى صدام كان مستغرباً من عداء ألقذافي وسلوكه المعادي. وإذا كان ألقذافي قد غير تكتيكاته السياسية بعد غزو الكويت، تأييداً للغزو،
فهذا نابع من اختلافاته مع الإدارة الأمريكية وهي معروفة، لم يتغير ألقذافي ولم يتبدل. لكن التعاطي مع المتغيرات السياسية الجديدة التي اتبعها بعد أن استسلم بشكل مذل للغرب حددت مجمل سلوكه السياسي اللاحق، وكان قبلها يعير صدام على خنوعه وامتثاله المذل لفرق التفتيش ، وكان يردد متهكماً وهازئاً، بان فرق التفتيش لم يبق شيئاً لم تفتشه سوى ملابس ساجدة زوجة صدام، وكان دوافع التغير التي جرت وتجري قامت من منطلقات أكثر دونية وانتهازية وانحطاطاً، وواحداً من تجلياتها الفاقعة هذه حداده على صدام ،
وهو في أحسن حالاته تجاوب رخيص وكاذب مع مشاعر ملتبسة لجمهرة العرب التائهين الذين ينعون وينوحون على صدام بوصفه بطلهم، وبهذا يبث رسالة تحذيرية ومضللة عن أسير الحرب صدام كصورة يتوقعها لنفسه وهو يواجه مستقبلاً غامضاً في نهاياته الثقيلة ، بالنسبة لحكمه، وبالتالي لم يكن نبيلا ولا صاحب نخوة في حداده على صدام، وهو في هذه الحالة يتناغم مع الحكام العرب الذين رأوا في إعدام صدام في ليلة العيد استفزازاً لمشاعر المسلمين وتعدياً على قدسية العيد، وهي حجة غريبة وتعلل فارغ، وكأن القصاص العادل بمجرم كصدام يتناقض مع مكانة الأيام وقدسيتها...!
وبالمناسبة، فان الأغلبية من الحكام العرب ارتكبوا جرائمهم وانتهاكاتهم ضد شعوبهم والمعارضين لهم في أقدس الأيام وفي أقدس الأماكن عندما واجهوا تحديات تهدد كراسيهم، لكنها سياسة خلط الأوراق والنفاق السياسي والمكيال بمكيالين، وألقذافي نموذجها المتهرئ والبالي. أن إعلان الحداد على طاغية من قبل مستبد كريه مثله، هو مجلس فاتحة قائم على روح امة تحتضر كل يوم......
طلال شاكر كاتب وسياسي عراقي