بهلول
01-08-2007, 02:01 AM
إيران انتقلت من "الثورة" إلى "المذهب" واطلقت رحلة تمدد اقليمي
اعداد - محمد أبو الفضل
تزايدت وتيرة المعلومات التي اشارت الى تبني ايران خطة محكمة لنشر »المذهب الشيعي« في بعض الدول العربية ذات الاغلبية السنية . وتناثرت التقارير التي اكدت ان مصر والسودان في طليعة الدول التي ظهرت عليها ملامح التوجهات الايرانية. وجاءت المعلومات والتقارير على خلفيات سياسية وتكتيكية اكثر منها دينية ومذهبية. فقد نجحت طهران في الاقتراب من عدد معتبر من الملفات العربية ذات الاهمية الستراتيجية .
واخذ الحديث مسارات جادة من قبل مجموعة كبيرة من الدوائر السياسية . بسبب العلاقة التكاملية بين الاشارات التي بدت جلية في هذا المجال وغيره من المجالات الاخرى.
وظهوره في خضم شكاوي وتحفظات عربية متعددة مما يوصف بمخاطر التمدد الايراني . وتزامنه مع بوادر تعاطف جماعات سنية مع بعض الانجازات الشيعية - اذا جاز التعبير- كما حدث في الحرب الاسرائيلية على لبنان والدور المركزي الذي لعبه »حزب الله«, الامر الذي يضفي بعدا حيويا على اي مظاهر تشي بان هناك ترتيبات تقف وراءها ايران لنشر »المذهب الشيعي« في المنطقة .
وبرغم التلميحات المختلفة بشان استثمار الرصيد التاريخي للشيعة في مصر , الا ان النشاط الايراني لم يكن بارزا خلال السنوات الماضية, لاسباب سياسية واخري امنية. واقتصر الحديث الشيعي على مواقف فردية من بعض المواطنين الذين حاولوا لفت الانظار , ايمانا بمعتقد ديني او حبا في ضجيج اعلامى. ولم يخل الامر من خلط متعمد بين الصوفية ونقابة الاشراف التي تضم اكثر من خمسة ملايين عضو ومحبي ال البيت في مصر المحروسة وبين "المذهب الشيعى", فبدا المشهد وكان هناك " ظاهرة شيعية" جديدة في مصر تنخر في وجدانها وتهدد اركانها .
وثمة ثلاث اشارات تكشفت ملامحها في الاونة الاخيرة, اعادت الملف الشيعي الى الواجهة: الاولى- ما تردد عن عزم محمد الدريني رئيس ما يوصف بالمجلس الاعلى لرعاية ال البيت تكوين حزب شيعي باسم »غ¯دير« ودخوله (الدرينى) في مناوشات اعلامية حادة مع شيعي اخر هو الدكتور احمد راسم النفيس وتخلي شيعي ثالث يدعي صالح الورداني عن شيعيته.
والثانية- قيام صحيفة »الغ¯د« الناطقة باسم حزب الغد ( جناح ايمن نور ) بادراج اسم السيدة عائشة ام المؤمنين في قائمة اسوا عشر شخصيات في تاريخ الاسلام, مما اثار ردود افعال متباينة حول دور بعض الصحف في الترويج " للمذهب الشيعي " , عن قصد او جهل, لحساب جهات داخلية او لمصلحة اوساط داخلية.
والثالثة- كلام الشيخ يوسف القرضاوي حيال الاستفادة من التصوف "كقنطرة " للتشيع, ومن هذا المنطلق -حسب كلامه- " اخترقوا مصر في السنوات الاخيرة ".وهو ما جعل الاضواء السياسية والامنية والاعلامية تتركز على ممارسات هذا التيار المتجذر في الوجدان المصري منذ مئات السنين .
من هذه الزاوية يمكن اعادة قراءة التصريح المهم الذي ادلي به الرئيس حسني مبارك ,ضمن ثنايا حوار طويل لقناة العربية, في ابريل الماضي بشان ولاء شيعة العراق لايران.
وبقدر ما انطوي هذا الكلام على خصوصية عراقية , حمل دلالات ومعاني اقليمية دقيقة, حيث بدا التمدد الايراني يثير حفيظة كثير من الدول العربية. وعلى ذلك يمكن ايضا تفسير التصريحات الاردنية والسعودية في هذا الفضاء ازاء " الهلال الشيعي " وخلافه. ومن هنا كانت تتعطل كل محاولات تطوير العلاقات بين القاهرة وطهران. فحسب تحليل بعض الخبراء المصريين ان اي محاولات لتصفية الاجواء بين البلدين كانت تصطدم دوما بالعنصر الشيعى, بالاضافة الى عوامل اخري اقليمية ودولية. فالقاهرة تخشي من اختراق السبيكة المصرية المسماة بالصوفية التي جري رعايتها احيانا لتنحية حركات الاسلام السياسي وضرب جماعات العنف الدينى, لاسيما ان ايران انتقلت من افكار تصدير الثورة الى تصدير المذهب, ضمن ركائز توجهاتها الخارجية , مما يفرض المزيد من الحذر والتريث في اي علاقات سياسية طبيعية .
تجليات سودانية مثيرة
اذا كانت المحاولات الايرانية على الجانب المصري يتم وأدها مبكرا او التغطية عليها, حتى لا يتم تضخيمها, فانها على الجانب السوداني كانت واضحة. واخذت خلال الايام الماضية طريقها الى وسائل الاعلام. وحدثت بموجبها ضجة لاتزال بقاياها تتفاعل حتى الان على الساحة السودانية.
ففي الخامس عشر من ديسمبر الماضي اصدرت الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بيانا اكدت فيه ان السودان " ظل في مامن من مذهب الرافضة الذي اظهر اركانه سب اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.. فاذا بالشيعة الروافض يطلون علينا من خلال معرض الخرطوم الدولي للكتاب".
ودعا البيان لمحاسبة الجهات التي سمحت بدخول مثل هذه الكتب وعرضها.
وتصاعدت حدة الجدل بعد يومين من هذا البيان , عندما اكد المجلس الاعلى للتنسيق بين الجماعات الاسلامية ان " هناك مخططا كبيرا يقوده متشيعون من ورائهم تنظيمات شيعية وجهات اقليمية لنشر الفكر الشيعي في السودان".
ووصف المجلس الذي يضم عدة جماعات منها "انصار السنة المحمدية" و "الاخوان المسلمين" و"مجلس الدعوة والطائفة الختمية" مفكري الشيعة ب¯ "الزنادقة" واعلن الاتفاق على مقاومة ما اسماه "الخطر الشيعي في السودان ". واشار المجلس الى انه"رصد اعتناق قرى باكملها للفكر الشيعي وانتشار مساجد وحسينيات وزوايا وروافد اثني عشرية" في الخرطوم. وطالب المجلس بالاغلاق الفوري للمستشارية الثقافية الايرانية في السودان, واجراء تحقيق عاجل في دخول كتب المذهب الشيعي التي تسيء للصحابة والعقيدة الاسلامية .
وعلى هذا المنوال توالت الانتقادات واشار بعضها الى عمليات تجنيد تقوم بها طهران بصورة منظمة للسودانيين.
وفي هذا السياق قال ابوزيد محمد حمزة القيادي بجماعة "انصار السنة المحمدية" ان السفارة الايرانية في الخرطوم "تستقطب رجال وشباب السودان وتعلمهم المذهب الشيعى".
وحذرت الهيئة الدينية حزب الامة (هيئة شئون الانصار ) من السماح للفكر الشيعي بالعمل في السودان.وقالت "يكفي البلاد الصراع بين الصوفية والسلفيين". وازدادت الامور تعقيدا عقب تسريب معلومات اوضحت ان عملية اغتيال الصحافي السوداني محمد طه محمد احمد رئيس تحرير صحيفة "الوفاق" في السادس من سبتمبر الماضي كانت بسبب تبنيه مواقف شيعية, وهوما يعني ان المسالة اتخذت طابعا ممنهجا.
وبدات تجلياتها تنذر بالفتنة وتثير تساؤلات وتكهنات مختلفة, خاصة ان فتح هذا الملف في السودان ترافق مع ظهور " حسينيات " وعمامات سوداء وزوايا شيعية في الخرطوم وبعض قرى كردفان. ومع ان الحكومة اغلقت الجناح الشيعي الخاص بايران و»حزب الله« (لبنان) في اليوم الثالث للمعرض, غير ان بعض الدوائر السودانية حملتها المسئولية,لان هذه المظاهر جاءت اصلا كثمار طبيعية لما شهدته العلاقات السياسية والاقتصادية بين الخرطوم وطهران من تطورات ايجابية.
والحاصل ان التشيع المنظم بدا في السودان بعد قيام ثورة " الانقاذ" عام 1989 بقيادة حسن الترابي وعمر البشير, عبر مجموعة من الاسلاميين تاثروا بافكار على شريعتى, عندما حضر الى الخرطوم مسؤول في الحركة الرسالية , وهو تنظيم له امتداد في الجزيرة العربية وايران وسورية لتأسيس تنظيم سوداني . لكن وفقا لمعلومات واستنتاجات بعض المراقبين فان التنظيم الجديد انشق الى تيارين. واصبحت مرجعية التيار الاول الشيرازي والاخر الخميني .
ونجح الشيعة في ارسال كوادر من الشباب الى " حسينيات محمد هادي المدرسى" في سوريا والحوزات الدينية في ايران. وسمحت السلطات السودانية للشيعة بممارسة انشطتهم . لكن عندما بداوا في الاقتراب من بعض القواعد الاسلامية اتخذت الخرطوم اجراءات مشددة لتحجيم هذا النشاط. فقامت مثلا بسحب ترخيص "مركز الكوثر الثقافي " الذي كان ينشر الفكر الشيعي من خلال توزيع الكتب واقامة المعارض والندوات .
والواقع ان طهران حرصت على عدم التعامل رسميا او بصورة مباشرة مع المجموعات الشيعية او ذات الميول الشيعية في السودان: اولا- لتجنب الخلاف مع جبهة " الانقاذ " وروافدها سواء في الحكم او المعارضة بعد ذلك. فقد جاءت الجبهة الى سدة الحكم ,عبر انقلاب عسكرى,بمشروع ذي صبغة اسلامية (سنية) واضحة كانت حريصة على تثبيته وتصديره, لا تغييره وتحويره .
وثانيا- لعدم الاساءة الى العلاقات التي تطورت على المستويات السياسية والاقتصادية بين البلدين. وبدا كل طرف متمسكا بها,باعتبارها تحقق له جملة من الاهداف الكبيرة.
وثالثا- لاستثمار الطرق الصوفية في تحقيق الاغراض الايرانية, بحسبانها تربة خصبة ربما تكون صالحة لزراعتها بالفكر الشيعي على المدي البعيد .
حسابات اقليمية متقاطعة
مهما حاولت ايران اخفاء نواياها تجاه تصدير المذهب الشيعي , فان سعيها للاستفادة من الجماعات الشيعية في بعض الدول العربية لم تعد خافية. ولعل ما يحدث في العراق وما يجري في لبنان يكشف عن حقائق واضحة في هذا المجال. ويشير الى ان هناك مشروعا له مراميه السياسية التي تتعلق بحسابات ايران الاقليمية.
والسؤال الكبير الذي اصبح مطروحا بقوة يتعلق بالاسباب التي دفعت للحديث عن التوسع في انتشار المذهب الشيعي في الوقت الراهن .
يمكن رصد مجموعة من المعطيات جعلته محل اهتمام دوائر عربية كثيرة ووضعته على طاولة بحث اجهزة متباينة. في مقدمتها, نجاح طهران في الاقتراب من او التحكم في مفاصل عدد من القضايا العربية وتمكنها من نسج علاقات متطورة مع كل من سوريا والسودان وقدرتها على تسكين بعض مناطق التوتر في علاقاتها مع دول اخري. الامر الذي اتاح لها مساحة من الحركة استثمرتها احيانا في الافلات من بعض محاولات تطويقها سياسيا وحصارها اقتصاديا.
ولعب صعود نجم الشيعة في العراق بعد احتلاله والدعم الذي تقدمه طهران والدور الذي تقوم به عموما على الساحة العراقية دورا مهما في الحديث عن طموحات ايرانية تتجاوز حدودها القريبة, لاسيما ان التطورات العراقية اتخذت مسارا طائفيا بغيضا, يتوقع بعض الخبراء ان تكون له تداعيات مخيفة على المنطقة في المستقبل .وفي ظل التزامن بين الصعود الطائفي والتمدد المذهبي خشيت جهات كثيرة من تعدد مظاهر الصدام في دول كانت بمناي عن هذا النوع من المشكلات. وهو ما يفضي الى احتمال اعادة فرز او ترسيم لبعض جوانب الخريطة الاقليمية التي تعاني من اختلالات واضحة .
وساهم دور »حزب الله« في الحرب الاخيرة على لبنان في اشاعة اجواء ايجابية حول الشيعة, تتناقض تماما مع النتائج السلبية التي ادت اليها حصيلة التطورات العراقية. لذلك فالتعاطف الشعبي ( السني ) مع »حزب الله« يعود بالاساس لمجموعة من التقديرات السياسية لا المذهبية . فتوزيع صور حسن نصرالل¯ه في عدد من الدول العربية ابان الحرب له مبررات قومية ودوافع رمزية, خاصة ان المعركة التي خاضها حزبه مع اسرائيل التي تمارس اعمالها الوحشية يوميا ضد الشعب الفلسطينى.
وبصرف النظر عن الابعاد التي حكمت المشاعر العربية, فان الجانب المذهبي اصبح حاضرا في الخلفية السياسية لاحقا. وهو ما يفسر جزءا من الارتداد السلبي الذي حدث حيال »حزب الله«, على اثر المواجهة الساخنة بين القوى اللبنانية حاليا والتضخيم الاعلامي من الظاهرة الشيعية في المنطقة .
وعموما هناك فرص عدة مواتية لنشر المذهب الشيعي تستند الى ثلاثة عوامل: الاول- تزايد الاموال التي اصبحت تضخها طهران لعدد من الجماعات السياسية في المنطقة( حركة »حماس« اعترفت بتلقي اموال ايرانية) وتوسيع نطاق دعمها للحسينيات والزوايا في بلد مثل سوريا التي بدات تستقبل حوالى نصف مليون زائر من ايران سنويا . والثانى- التضخيم المعنوي من مساجد ومزارات ال البيت في بلد مثل مصر والاهتمام بالصوفية في السودان ومصر ايضا . وهي من العوامل التي اضحت مدخلا جيدا للحديث عن المذهب الشيعي.
والثالث- صعود نجم الشيعة في المنطقة. وساهم ارتفاع مساحة الحريات في بروزهم في دول كانت تتجنب الاشارة اليهم من قريب او بعيد, حيث نجح البعض في الوصول الى البرلمان في بلدانهم.
اما التحديات فتكمن اساسا في الطموحات الايرانية الواسعة التي بدات تثير هواجس وقلق جهات عربية ودولية كثيرة. والافرازات القاتمة التي انتجتها احداث العراق وما يمكن ان تؤدي اليه من مشكلات سوف ترخي بظلالها الغامضة على وحدة الدولة العراقية ذاتها.
ناهيك عن صلابة القاعدة السنية في معظم الدول العربية, التي جاءت نتيجة صهر عوامل اجتماعية ونفسية وتاريخية معقدة.وبالتالى فالاشارات المتداولة حول اختراقات شيعية هنا او هناك جاءت في معظمها على خلفيات سياسية وامنية, لان عوامل انتشار المذهب الشيعي خارج اطره التقليدية لم تنضج بعد .
اعداد - محمد أبو الفضل
تزايدت وتيرة المعلومات التي اشارت الى تبني ايران خطة محكمة لنشر »المذهب الشيعي« في بعض الدول العربية ذات الاغلبية السنية . وتناثرت التقارير التي اكدت ان مصر والسودان في طليعة الدول التي ظهرت عليها ملامح التوجهات الايرانية. وجاءت المعلومات والتقارير على خلفيات سياسية وتكتيكية اكثر منها دينية ومذهبية. فقد نجحت طهران في الاقتراب من عدد معتبر من الملفات العربية ذات الاهمية الستراتيجية .
واخذ الحديث مسارات جادة من قبل مجموعة كبيرة من الدوائر السياسية . بسبب العلاقة التكاملية بين الاشارات التي بدت جلية في هذا المجال وغيره من المجالات الاخرى.
وظهوره في خضم شكاوي وتحفظات عربية متعددة مما يوصف بمخاطر التمدد الايراني . وتزامنه مع بوادر تعاطف جماعات سنية مع بعض الانجازات الشيعية - اذا جاز التعبير- كما حدث في الحرب الاسرائيلية على لبنان والدور المركزي الذي لعبه »حزب الله«, الامر الذي يضفي بعدا حيويا على اي مظاهر تشي بان هناك ترتيبات تقف وراءها ايران لنشر »المذهب الشيعي« في المنطقة .
وبرغم التلميحات المختلفة بشان استثمار الرصيد التاريخي للشيعة في مصر , الا ان النشاط الايراني لم يكن بارزا خلال السنوات الماضية, لاسباب سياسية واخري امنية. واقتصر الحديث الشيعي على مواقف فردية من بعض المواطنين الذين حاولوا لفت الانظار , ايمانا بمعتقد ديني او حبا في ضجيج اعلامى. ولم يخل الامر من خلط متعمد بين الصوفية ونقابة الاشراف التي تضم اكثر من خمسة ملايين عضو ومحبي ال البيت في مصر المحروسة وبين "المذهب الشيعى", فبدا المشهد وكان هناك " ظاهرة شيعية" جديدة في مصر تنخر في وجدانها وتهدد اركانها .
وثمة ثلاث اشارات تكشفت ملامحها في الاونة الاخيرة, اعادت الملف الشيعي الى الواجهة: الاولى- ما تردد عن عزم محمد الدريني رئيس ما يوصف بالمجلس الاعلى لرعاية ال البيت تكوين حزب شيعي باسم »غ¯دير« ودخوله (الدرينى) في مناوشات اعلامية حادة مع شيعي اخر هو الدكتور احمد راسم النفيس وتخلي شيعي ثالث يدعي صالح الورداني عن شيعيته.
والثانية- قيام صحيفة »الغ¯د« الناطقة باسم حزب الغد ( جناح ايمن نور ) بادراج اسم السيدة عائشة ام المؤمنين في قائمة اسوا عشر شخصيات في تاريخ الاسلام, مما اثار ردود افعال متباينة حول دور بعض الصحف في الترويج " للمذهب الشيعي " , عن قصد او جهل, لحساب جهات داخلية او لمصلحة اوساط داخلية.
والثالثة- كلام الشيخ يوسف القرضاوي حيال الاستفادة من التصوف "كقنطرة " للتشيع, ومن هذا المنطلق -حسب كلامه- " اخترقوا مصر في السنوات الاخيرة ".وهو ما جعل الاضواء السياسية والامنية والاعلامية تتركز على ممارسات هذا التيار المتجذر في الوجدان المصري منذ مئات السنين .
من هذه الزاوية يمكن اعادة قراءة التصريح المهم الذي ادلي به الرئيس حسني مبارك ,ضمن ثنايا حوار طويل لقناة العربية, في ابريل الماضي بشان ولاء شيعة العراق لايران.
وبقدر ما انطوي هذا الكلام على خصوصية عراقية , حمل دلالات ومعاني اقليمية دقيقة, حيث بدا التمدد الايراني يثير حفيظة كثير من الدول العربية. وعلى ذلك يمكن ايضا تفسير التصريحات الاردنية والسعودية في هذا الفضاء ازاء " الهلال الشيعي " وخلافه. ومن هنا كانت تتعطل كل محاولات تطوير العلاقات بين القاهرة وطهران. فحسب تحليل بعض الخبراء المصريين ان اي محاولات لتصفية الاجواء بين البلدين كانت تصطدم دوما بالعنصر الشيعى, بالاضافة الى عوامل اخري اقليمية ودولية. فالقاهرة تخشي من اختراق السبيكة المصرية المسماة بالصوفية التي جري رعايتها احيانا لتنحية حركات الاسلام السياسي وضرب جماعات العنف الدينى, لاسيما ان ايران انتقلت من افكار تصدير الثورة الى تصدير المذهب, ضمن ركائز توجهاتها الخارجية , مما يفرض المزيد من الحذر والتريث في اي علاقات سياسية طبيعية .
تجليات سودانية مثيرة
اذا كانت المحاولات الايرانية على الجانب المصري يتم وأدها مبكرا او التغطية عليها, حتى لا يتم تضخيمها, فانها على الجانب السوداني كانت واضحة. واخذت خلال الايام الماضية طريقها الى وسائل الاعلام. وحدثت بموجبها ضجة لاتزال بقاياها تتفاعل حتى الان على الساحة السودانية.
ففي الخامس عشر من ديسمبر الماضي اصدرت الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بيانا اكدت فيه ان السودان " ظل في مامن من مذهب الرافضة الذي اظهر اركانه سب اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.. فاذا بالشيعة الروافض يطلون علينا من خلال معرض الخرطوم الدولي للكتاب".
ودعا البيان لمحاسبة الجهات التي سمحت بدخول مثل هذه الكتب وعرضها.
وتصاعدت حدة الجدل بعد يومين من هذا البيان , عندما اكد المجلس الاعلى للتنسيق بين الجماعات الاسلامية ان " هناك مخططا كبيرا يقوده متشيعون من ورائهم تنظيمات شيعية وجهات اقليمية لنشر الفكر الشيعي في السودان".
ووصف المجلس الذي يضم عدة جماعات منها "انصار السنة المحمدية" و "الاخوان المسلمين" و"مجلس الدعوة والطائفة الختمية" مفكري الشيعة ب¯ "الزنادقة" واعلن الاتفاق على مقاومة ما اسماه "الخطر الشيعي في السودان ". واشار المجلس الى انه"رصد اعتناق قرى باكملها للفكر الشيعي وانتشار مساجد وحسينيات وزوايا وروافد اثني عشرية" في الخرطوم. وطالب المجلس بالاغلاق الفوري للمستشارية الثقافية الايرانية في السودان, واجراء تحقيق عاجل في دخول كتب المذهب الشيعي التي تسيء للصحابة والعقيدة الاسلامية .
وعلى هذا المنوال توالت الانتقادات واشار بعضها الى عمليات تجنيد تقوم بها طهران بصورة منظمة للسودانيين.
وفي هذا السياق قال ابوزيد محمد حمزة القيادي بجماعة "انصار السنة المحمدية" ان السفارة الايرانية في الخرطوم "تستقطب رجال وشباب السودان وتعلمهم المذهب الشيعى".
وحذرت الهيئة الدينية حزب الامة (هيئة شئون الانصار ) من السماح للفكر الشيعي بالعمل في السودان.وقالت "يكفي البلاد الصراع بين الصوفية والسلفيين". وازدادت الامور تعقيدا عقب تسريب معلومات اوضحت ان عملية اغتيال الصحافي السوداني محمد طه محمد احمد رئيس تحرير صحيفة "الوفاق" في السادس من سبتمبر الماضي كانت بسبب تبنيه مواقف شيعية, وهوما يعني ان المسالة اتخذت طابعا ممنهجا.
وبدات تجلياتها تنذر بالفتنة وتثير تساؤلات وتكهنات مختلفة, خاصة ان فتح هذا الملف في السودان ترافق مع ظهور " حسينيات " وعمامات سوداء وزوايا شيعية في الخرطوم وبعض قرى كردفان. ومع ان الحكومة اغلقت الجناح الشيعي الخاص بايران و»حزب الله« (لبنان) في اليوم الثالث للمعرض, غير ان بعض الدوائر السودانية حملتها المسئولية,لان هذه المظاهر جاءت اصلا كثمار طبيعية لما شهدته العلاقات السياسية والاقتصادية بين الخرطوم وطهران من تطورات ايجابية.
والحاصل ان التشيع المنظم بدا في السودان بعد قيام ثورة " الانقاذ" عام 1989 بقيادة حسن الترابي وعمر البشير, عبر مجموعة من الاسلاميين تاثروا بافكار على شريعتى, عندما حضر الى الخرطوم مسؤول في الحركة الرسالية , وهو تنظيم له امتداد في الجزيرة العربية وايران وسورية لتأسيس تنظيم سوداني . لكن وفقا لمعلومات واستنتاجات بعض المراقبين فان التنظيم الجديد انشق الى تيارين. واصبحت مرجعية التيار الاول الشيرازي والاخر الخميني .
ونجح الشيعة في ارسال كوادر من الشباب الى " حسينيات محمد هادي المدرسى" في سوريا والحوزات الدينية في ايران. وسمحت السلطات السودانية للشيعة بممارسة انشطتهم . لكن عندما بداوا في الاقتراب من بعض القواعد الاسلامية اتخذت الخرطوم اجراءات مشددة لتحجيم هذا النشاط. فقامت مثلا بسحب ترخيص "مركز الكوثر الثقافي " الذي كان ينشر الفكر الشيعي من خلال توزيع الكتب واقامة المعارض والندوات .
والواقع ان طهران حرصت على عدم التعامل رسميا او بصورة مباشرة مع المجموعات الشيعية او ذات الميول الشيعية في السودان: اولا- لتجنب الخلاف مع جبهة " الانقاذ " وروافدها سواء في الحكم او المعارضة بعد ذلك. فقد جاءت الجبهة الى سدة الحكم ,عبر انقلاب عسكرى,بمشروع ذي صبغة اسلامية (سنية) واضحة كانت حريصة على تثبيته وتصديره, لا تغييره وتحويره .
وثانيا- لعدم الاساءة الى العلاقات التي تطورت على المستويات السياسية والاقتصادية بين البلدين. وبدا كل طرف متمسكا بها,باعتبارها تحقق له جملة من الاهداف الكبيرة.
وثالثا- لاستثمار الطرق الصوفية في تحقيق الاغراض الايرانية, بحسبانها تربة خصبة ربما تكون صالحة لزراعتها بالفكر الشيعي على المدي البعيد .
حسابات اقليمية متقاطعة
مهما حاولت ايران اخفاء نواياها تجاه تصدير المذهب الشيعي , فان سعيها للاستفادة من الجماعات الشيعية في بعض الدول العربية لم تعد خافية. ولعل ما يحدث في العراق وما يجري في لبنان يكشف عن حقائق واضحة في هذا المجال. ويشير الى ان هناك مشروعا له مراميه السياسية التي تتعلق بحسابات ايران الاقليمية.
والسؤال الكبير الذي اصبح مطروحا بقوة يتعلق بالاسباب التي دفعت للحديث عن التوسع في انتشار المذهب الشيعي في الوقت الراهن .
يمكن رصد مجموعة من المعطيات جعلته محل اهتمام دوائر عربية كثيرة ووضعته على طاولة بحث اجهزة متباينة. في مقدمتها, نجاح طهران في الاقتراب من او التحكم في مفاصل عدد من القضايا العربية وتمكنها من نسج علاقات متطورة مع كل من سوريا والسودان وقدرتها على تسكين بعض مناطق التوتر في علاقاتها مع دول اخري. الامر الذي اتاح لها مساحة من الحركة استثمرتها احيانا في الافلات من بعض محاولات تطويقها سياسيا وحصارها اقتصاديا.
ولعب صعود نجم الشيعة في العراق بعد احتلاله والدعم الذي تقدمه طهران والدور الذي تقوم به عموما على الساحة العراقية دورا مهما في الحديث عن طموحات ايرانية تتجاوز حدودها القريبة, لاسيما ان التطورات العراقية اتخذت مسارا طائفيا بغيضا, يتوقع بعض الخبراء ان تكون له تداعيات مخيفة على المنطقة في المستقبل .وفي ظل التزامن بين الصعود الطائفي والتمدد المذهبي خشيت جهات كثيرة من تعدد مظاهر الصدام في دول كانت بمناي عن هذا النوع من المشكلات. وهو ما يفضي الى احتمال اعادة فرز او ترسيم لبعض جوانب الخريطة الاقليمية التي تعاني من اختلالات واضحة .
وساهم دور »حزب الله« في الحرب الاخيرة على لبنان في اشاعة اجواء ايجابية حول الشيعة, تتناقض تماما مع النتائج السلبية التي ادت اليها حصيلة التطورات العراقية. لذلك فالتعاطف الشعبي ( السني ) مع »حزب الله« يعود بالاساس لمجموعة من التقديرات السياسية لا المذهبية . فتوزيع صور حسن نصرالل¯ه في عدد من الدول العربية ابان الحرب له مبررات قومية ودوافع رمزية, خاصة ان المعركة التي خاضها حزبه مع اسرائيل التي تمارس اعمالها الوحشية يوميا ضد الشعب الفلسطينى.
وبصرف النظر عن الابعاد التي حكمت المشاعر العربية, فان الجانب المذهبي اصبح حاضرا في الخلفية السياسية لاحقا. وهو ما يفسر جزءا من الارتداد السلبي الذي حدث حيال »حزب الله«, على اثر المواجهة الساخنة بين القوى اللبنانية حاليا والتضخيم الاعلامي من الظاهرة الشيعية في المنطقة .
وعموما هناك فرص عدة مواتية لنشر المذهب الشيعي تستند الى ثلاثة عوامل: الاول- تزايد الاموال التي اصبحت تضخها طهران لعدد من الجماعات السياسية في المنطقة( حركة »حماس« اعترفت بتلقي اموال ايرانية) وتوسيع نطاق دعمها للحسينيات والزوايا في بلد مثل سوريا التي بدات تستقبل حوالى نصف مليون زائر من ايران سنويا . والثانى- التضخيم المعنوي من مساجد ومزارات ال البيت في بلد مثل مصر والاهتمام بالصوفية في السودان ومصر ايضا . وهي من العوامل التي اضحت مدخلا جيدا للحديث عن المذهب الشيعي.
والثالث- صعود نجم الشيعة في المنطقة. وساهم ارتفاع مساحة الحريات في بروزهم في دول كانت تتجنب الاشارة اليهم من قريب او بعيد, حيث نجح البعض في الوصول الى البرلمان في بلدانهم.
اما التحديات فتكمن اساسا في الطموحات الايرانية الواسعة التي بدات تثير هواجس وقلق جهات عربية ودولية كثيرة. والافرازات القاتمة التي انتجتها احداث العراق وما يمكن ان تؤدي اليه من مشكلات سوف ترخي بظلالها الغامضة على وحدة الدولة العراقية ذاتها.
ناهيك عن صلابة القاعدة السنية في معظم الدول العربية, التي جاءت نتيجة صهر عوامل اجتماعية ونفسية وتاريخية معقدة.وبالتالى فالاشارات المتداولة حول اختراقات شيعية هنا او هناك جاءت في معظمها على خلفيات سياسية وامنية, لان عوامل انتشار المذهب الشيعي خارج اطره التقليدية لم تنضج بعد .