المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 4000 إمرأة في بلد المقابر الجماعية



الأمازيغي
01-05-2007, 09:14 PM
قلما انتابني القلق والهلع عند قراءة كتاب حديث الصدور يستهويني عرضه وقراءته، مثلما حصل معي عند تناولي للكتاب الذي اصدره مقرر حقوق الانسان في العراق وسفير السلام العالمي الدكتور صاحب الحكيم، الذي حمل عنوان (4000 إمرأة في بلد المقابر الجماعية) باللغتين العربية والانجليزية، وصدر في لندن، في 930 صحيفة من القطع الكبير، فهو كتاب توثيقي لأربعة الاف امرأة عراقية تعرضن للاعتقال والتعذيب والاغتصاب والقتل، او تم دفنهن وهن احياء او تدمير المنازل على رؤوسهن، او قتلهن بالغازات السامة كما في حلبجة، او قتلهن بالطائرات والمدفعية الثقيلة كما في الاهوار وفي انتفاضة شعبان العام 1991، او قتل اطفالهن امامهن للضغط عليهن والاعتراف على اقرانهن او على الرجال، كما في المعتقلات.
استهلك الكتاب من المؤلف اثنتي عشر عاما، ولذلك جاء توثيقه لمنظومة المعلومات حول حال المرأة العراقية منجّما وعلى مراحل، كما جاءت فصوله الاربعة عشر متوزعة ما بين المعتقلات والسجون والمنافي والمهاجر، في زيارات عمل لولبية قام بها المؤلف لاربعة وخمسين بلدا، حمل معه وزوجته الفاضلة الناشطة في مجال حقوق الانسان الدكتورة بيان الاعرجي، هموم العراقيين يرميها على مسامع رجال القانون والسياسية ومنظمات حقوق الانسان والمحافل الحقوقية الدولية والمراجع الدينية.
ولم يكتف المؤلف بالزيارات المكوكية الحبلى بملفات ومعاناة العراقيين والتي توجت بنيله وسام السلام من قبل زعيم الفاتيكان السابق البابا يوحنا بولس السادس، وبمنحه وسام سفير السلام من قبل الاتحاد الدولي للجمعيات الدينية، فقد تبنى مشروع الاعتصام الاسبوعي بالضد من نظام صدام في ساحة الطرف الاغر وسط لندن من عصر كل سبت، وتوقف الاعتصام بعد سقوط النظام مباشرة بعد ان مضى عليه 333 اسبوعا، في بادرة لم يسبق اليها عراقي فاقت في مدياتها الانسانية عمل جل المعارضة العراقية.
وكلما انتهيت من قراءة قصة مروعة عن حال امرأة عراقية، تحولت الى اخرى، وكل قصة تجرني الى ثالثة ورابعة طواعية دون استئذان، لانها تحكي معاناة الاسرة العراقية، وتذكرني بمعاناة شقيقتي عندما اعتقلوها بعد ان زغت من بين اعين رجال الامن في العام 1980 مجتازا الدور الخلفية لحينا، وبمعاناة والدتي التي سكن رجال الامن المنزل معها لايام عدة تطبخ لهم الطعام رغما عن انفها، ولها ابن هارب وابن وابنة في المعتقل يزايد عليهما رجال النظام مقابل تسليم نفسي لدائرة الامن، ويذكرني بالصوت الجنائزي الذي سمعته عندما ادخلوني لاول مرة مديرة الامن في محافظة كربلاء في العام 1979، اذ كان أنين امرأة وهي تحت التعذيب يتناهى الى سمعي، ويقطع نياط قلبي.
وما يميز القصص الكثيرة الواردة في الكتاب انها موثقة من مصادر عدة وعلى فترات زمنية مختلفة، مثلما هي قصة الشهيدة العلوية والأديبة، الآنسة آمنة السيد حيدر الصدر (بنت الهدى)، التي اعتمد في توثيق اعدامها على شهادات عدة منها شهادة السيدة خالدة عبد القهار، أمينة سر مكتب صدام حسين الخاص، التي هربت الى ايران في منتصف الثمانينيات عبر الحدود العراقية الايرانية (ص497). والشي نفسه فعله مع الطالبة الجامعية الشهيدة ميسون غازي الأسدي (ص251) التي أمعن رجال النظام في تعذيبها ثم اعدامها ثم قيامهم في حرب نفسية لاسرتها بعد تسليم جثتها ان علقوا صورة صدام حسين في غرفة جلوس العائلة في مدينة الكاظمية ومن ثم دأبوا على طرق الباب على حين غرة بين فترة واخرى لمعاينة الصورة، ما اذا كانت لا زالت في مكانها أم لا! ونقرأ مثل هذه الميزة في قصة الشهيدة نزيهة بنت شيخ الخطباء في العراق الشيخ محمد علي اليعقوبي، التي قتلت ذبحا بالسكين تاركة وراءها ثلاث أولاد وبنتين (ص286).
يلتقط المؤلف مقرر حقوق الانسان في العراق، كل صغيرة وشاردة وواردة، يقيدها ويوثقها بقلم الخبير وبعين البصيرة والباصرة، لان ما يراه البعض صغيرا يراه المؤلف في عرف حقوق الانسان كبيرا، ولذلك ترى في اكثر ما يوثقه من قصص النساء المعذبات جزئيات لها مصداقية وذات اهمية كبرى عند منظمات حقوق الانسان، مثلما هي قصة الدكتورة سعاد خيري (ص147) وقصة الفنانة ناهدة الرماح (215)، وشهادة المؤلف نفسه الذي اودع السجن في العام 1969، حيث سمع انين ونحيب النساء المعتقلات (ص648)، وشهادة السيدة الفلسطينية ليلى محمود الطاهر التي شهدت في مؤتمر حول حقوق المرأة عقد في القاهرة في كانون الثاني/يناير العام 1993: "اني لم اسمع ولم اقرأ ولم أتعرف على وضع اكثر مأساوية من أوضاع المرأة في العراق" مؤكدة انها رأت بنفسها عند تواجدها في العراق بين عامي 1985 و1992، مقتل طالبة من كلية الآداب في بغداد على باب الكلية، حينما امتنعت عن الصعود في سيارة احد ضباط الجيش، وقاومته بضراوة بما تمليه عليها كرامتها، فما كان منه الا ان اخرج مسدسه وقتلها برصاصات عدة ثم مضى وتركها تتخبط بدمها (ص244).
واعتمد المؤلف في توثيقه الى جانب الشهادات الميدانية في الاهوار ومخيمات اللجوء والوثائق الرسمية العراقية، وضحايا حلبجة، على الكثير من الكتب والتقارير لمؤلفين غير عراقيين، مثل كتاب (يوميات بغداد) للكاتبة المصرية صافيناز كاظم التي روت جوانب عدة من معاناة المرأة العراقية في ظل حكم صدام حسين، وكتاب (سجينة في بغداد) للممرضة الانجيلزية دفني باريش، التي التقاها المؤلف في لندن في العام 1994، وقد قضت حوالي ستة اشهر نزيلة معتقل تابع للمخابرات العراقية في العام 1990، وقد روت قصصا مروعة عن اغتصاب نساء عراقيات في المعتقلات، وبمثل كتب (التقرير الدولي عن حقوق الانسان في العراق) و(ابادة الجنس في العراق عمليات الانفال ضد الاكراد) و(التقرير الدولي عن حقوق الانسان في العراق) الصادرة كلها عن منظمة مراقبة الشرق الاوسط الحقوقية ومقرها نيويورك، وكتاب (العراق: الاطفال ضحايا أبرياء للقمع السياسي) الصادر عن منظمة العفو الدولية، فضلا عن العشرات من الكتب التي ألفها عراقيون كانوا شهودا على معاناة المرأة في العراق، من قبيل (فندق السعادة .. حكايات من عراق صدام حسين) للمؤرخ الدكتور جليل العطية، و(مشكلة الحكم في العراق) للوزير الأسبق عبد الكريم الأزري، و(سنوات الجمر) للباحث علي المؤمن، و(صفحات سوداء من بعث العراق) لعبد الحميد العباسي، و(أوراق مهربة) لسليم العراقي، و(أزمة العراق رواية من الداخل) للسيد حسين بركة الشامي الذي اعدم النظام زوجته وخمسة من اخوته، و(التحرك الاسلامي في العراق) للسيد محمد مهدي الحكيم الذي اغتيل في الخرطوم في العام 1988، و(كتاب القسوة) لعامر بدر حسون، وغيرها من الكتب والملفات التي تحدثت عن معاناة وعذابات المرأة العراقية من قريب او بعيد.
وتميز الكتاب بان المؤلف لم يقتصر في توثيقه على فئة معينة من نساء العراق، كما في معظم الكتب التي صدرت من قبل المعارضة العراقية في عهد النظام السابق، فقد وثق للعراقية العربية والكردية والتركمانية والمسلمة والمسيحية والمندائية والاشورية، وتوزعت قصصه على كل محافظات العراق، وتنقل من العراق الى معسكرات التسفير في ايران ومعسكر الهجرة القسرية الى رفحاء في السعودية، والى المهاجر في سوريا والاردن واوروبا واستراليا واميركا وكل بقعة حط عراقي عليها رحال الهجرة، يتقصى معاناة النساء العراقيات.
وسبق للمؤلف ان اصدر مؤلفات اخرى قائمة على النسق نفسه من التوثيق ونظم المعلومات لعذابات الرجال وعذابات الطفل وعذابات علماء الدين في العراق، وعن ضحايا انتفاضة الشعب العراقي في العام 1991، والمؤلف في اعتقادي بما اصدره من كتب وملازم وتقارير خلال سني حكم نظام صدام حسين، وبما يمتلك من وثائق منشورة وغير منشورة، وبما اقامه من علاقات طيبة مع المنظمات الدولية لحقوق الانسان الحكومية وغير الحكومية، يشكل موسوعة كبيرة وبلا حدود عن حقوق الانسان في العراق.
شهادة: في روايته لمعاناة الشهيدة آمنة الصدر، نقل الدكتور صاحب الحكيم عن السيدة خالدة عبد القهار سكرتيرة صدام الخاصة، انه حينما جيء بالسيدة بنت الهدى الى صدام حسين رددت أمامه اية قرآنية، وقد اخبرتني المتحدثة بنفسها بعد هروبها من العراق، في لقاء صحافي اجريته معها لصالح مجلة الشهيد في طهران بحضور الزميل الاستاذ ازهر الخفاجي مدير اذاعة صوت العراق التي تبث اليوم من بغداد، ان العلوية آمنة الصدر جيء بها في حالة رثة ومزرية وكانت تردد (حسبي الله ونعم الوكيل)، وانها قتلت في المكان نفسه.
واعتقد ان السيدة خالدة عبد القهار التي تركت ايران الى احد الدول الاسكندنافية وألّفت كتاب (خفايا النظام العراقي)، تقع عليها مسؤولية الشهادة في قصة إعدام السيدة آمنة الصدر وفي غيرها من المظالم التي رأتها وهي قريبة من صدام بحكم عملها، على أنها كما اخبرتنا كانت في حينها على علاقة طيبة بنائب الرئيس العراقي المخلوع، عزة الدوري وعائلته.
إقتراح: أورد المؤلف في الصفحة (386) اسم الزميل نضير تقي عابدين من ضمن المعدومين في العام 1982، وهو في معرض الحديث عن اعدام شقيقتي السياسي العراقي الاستاذ رضا جواد تقي، وتعذيب والدتهم، وقد شاهدت اسمه في سجل مديرية تربية كربلاء مقيدا قبل اسمي لامتحانات البكالوريا للعام الدراسي 1979-1980، وذلك خلال زيارتي للعراق في شهر ايار – مايو العام الجاري 2005، ورأيت اسماء شهداء اخرين مثل الشهيد ياس خضر بن ذرب الذي شاركني في زنزانة واحدة وكان يعذب معي في قضية واحدة الى جانب طالب اخر من صفوف الرابع الاعدادي.
وهنا اقترح على وزارتي التربية والتعليم العالي، ان تقيما شواهد تذكارية لشهداء كل جامعة واعدادية ومتوسطة وابتدائية من اساتذة او طلبة، حتى يتعرف الاساتذة والطلبة الجدد على من سبقهم من ضحايا النظام البائد، وحتى لا تتكرر المعاناة من جديد في نظام عهد ما بعد التاسع من ابريل/ نيسان العام 2003، والانظمة القادمة.
منقوووول

الأمازيغي
01-05-2007, 09:41 PM
ترجمة للشهيدة امنة الصدر بنت الهدى
ولدت الشهيدة الخالدة آمنة بنت آية الله السيد حيدر الصدر (بنت الهدى) عام 1356هــ 1937م في مدينة الكاظمية، في بيت عريق في العلم والجهاد والتقوى. وكانت أصغر شقيقيها واختهما الوحيدة.
ولم يختلف حالها عن حال باقي أسرتها في مكابدة الفقر والحرمان، وتحمل الصعاب والمشاق، بروح غمرها الإيمان والقناعة بأدنى ضروريات الحياة.
لم تر بنت الهدى أباها و لا تتذكره وكأنها ولدت يتيمة، إلا أن الله عز وجل عوضها عن ذلك بأخويها المرحوم السيد إسماعيل الصدر وشهيدنا الغالي السيد الصدر ــ رضوان الله عليهم جميعاً ــ فقد أغدقا عليها حناناً ومحبة تفوق ما يتوقع اليتامى، وربّياها بما لم يربّ أب فلذة كبده.
تعلمها القراءة والكتابة
تعلمت الشهيدة بنت الهدى القراءة والكتابة في البيت على يد والدتها ــ رحمها الله ــ فكانت الأم هي المعلم الأول، وكانت والدتها تثني على ابنتها وقدرتها على التعلم و الاستيعاب والفهم، ثم استكملت مراحل تعليمها القراءة والكتابة على يد أخويها، وشمل ذلك علوم العربية في أكثر جوانبها، حتى تمكنت من كتابة الشعر في السنوات المبكرة من عمرها.
وكانت الشهيدة بنت الهدى ــ رحمها الله ــ حريصة على تثقيف نفسها ثقافة إسلامية رفيعة، سواء في مراحل حياتها الأولى أو فترة ما قبل الاستشهاد.
فتمكنت من توسيع أفق ثقافتها توسعاً شاملاً متعدد الأبعاد، وكتاباتها في مجلة الأضواء في تلك الفترة (1966) تعكس لنا جوانب من تلك الأبعاد، ذلك أن مجلة الأضواء التي كانت تصدرها جماعة العلماء في النجف الأشرف لم تكن منبراً إلا للنتاجات المتميزة فقط، وكانت بنت الهدى ــ رحمها الله ــ من أبرز من كتب فيها بل كانت الرائدة الأولى في الكتابة و التأليف.
واذا لاحظنا الكتابات الإسلامية التي تستهدف المرأة المسلمة ثقافياً وتربوياً فسوف نجد فراغاً كبيراً ليس من اليسير ملؤه، إذ لا توجد كاتبات ولا كتابات إسلامية موجهة للمرأة تعالج مشاكلها الدينية والإجتماعية وتنهض بها ثقافياً وسياسياً، وتخلق فيها حالة من الوعي لما يجري حولها يحصنها من الانحراف والضلال، من ملاحظة تلك الأمور يمكن أن ندرك أهمية الوعي الذي امتازت به الشهيدة بنت الهدى والذي جعلها تقدم على خطوة جريئة ورائدة في مجال الكتابة الموجهة والهادفة لتثقيف المرأة المسلمة بما يضمن لها كرامتها ويحصنها من الانحراف والضياع.
سلوكها داخل الأسرة
من الأمور التي يجب أن تعرف عن بنت الهدى سلوكها داخل البيت والأسرة، لأنها كانت نمودجاً قل نظيره في ما سطرته من خلق رفيع خلال معايشة طويلة مع والدتها وأخيها وابنة عمها أم جعفر حفظها الله، وللحق كانت السيدة أم جعفر نمودجاً ضم الخصال الحميدة والخلق الرفيع في جانب، والتقوى والورع في جانب آخر، وكيف لا تكون كذلك وهى قرينة سيدنا الشهيد الصدر ــ رضوان الله عليه ــ وسليلة العلماء الأبرار.
كان على الشهيدة بنت الهدى أن تقوم بعدة مهام في بيت أخيها، وهي:
1 ــ المهام والوظائف التي تقوم بها تجاه السيد الشهيد الصدر، أو ما قد يكلفها به في مجالات متعددة، من تدريس أو إقامة ندوات، أو إشراف مباشر على مدارس دينية أو غير ذلك.
2 ــ دورها في استقبال الضيوف من النساء، والاهتمام بتلبية حاجاتهن الفقهية والفكرية، والمساهمة في حل مشاكلهن العائلية والزوجية.
3 ــ دورها في تربية بنات السيد الشهيد تربية لائقة وصحيحة.
4 ــ دورها في خدمة والدتها المعظمة ــ رحمها الله ــ فقد كانت بحاجة إلى المزيد من العناية والاهتمام بسبب كبر العمر ولما تعاني من أمراض متعددة.
5 ــ دورها في القيام ببعض شؤون البيت بالمساهمة مع أم جعفر حفظها الله.
دور الشهيدة الثقافي والتبليغي
كان للشهيدة ــ رحمها الله ــ عدة أدوار رئيسية على صعيد الجهاد الثقافي والتربوي والتبليغي، نستعرضها هنا باختصار..
أولاً: مدارس الزهراء (عليها السلام)
تعتبر السيدة الشهيدة بنت الهدى من المؤسسين أو المساهين في إنشاء مدارس الزهراء (ع) في بغداد والكاظمية والنجف ــ وكان ذلك في عام 1967م ــ ولم يكن الهدف منها سد حاجة المجتمع من المدارس الإبتدائية والثانوية فإن المدارس الحكومية كانت كافية لاستيعاب كل ما هو موجود من طالبات، وإنما كانت هناك ضرورات اقتضت إنشاء هذه المدارس، منها مواجهة الثقافات المادية التي تدعو إلى الفساد والانحراف والتردي الأخلاقي، ومنها السعي لنشر الثقافة الإسلامية الصحيحة والوعي الذي يجب أن ترقى إليه المرأة.
إن مما لا شك فيه إن (المدارس) من أفضل الأساليب التي يمكن من خلالها تربية الأجيال وتثقيفهم، وهي الأسلوب الذي يناسب العصر ويلبي متطلباته.
لقد استحصلت الموافقة على إنشاء هذه المدارس واعتمدت نفس المواد الدراسية في المدارس الحكومية، سواء في الابتدائية أو الثانوية، لكي لا يعيق ذلك الطالبات من مواصلة دراستهن بعد إنهاء الدراسة في مدارس الزهراء (ع)، وأضيف إلى ذلك عدة مواد منها دروس في العقيدة والتربية الإسلامية بشكل مكثف ورصين.
ولقد امتدحت الأخت وجيهة الصيدلي وهي مديرة لمدارس الزهراء (ع) السيدة الشهيدة في مقال لها في (المنبر، العدد 24، ص 8) حيث لعبت دور المشرف والموجه لهذه المدارس حيث كانت تأتي ثلاثة أيام في الأسبوع فيما كانت الأيام الأخرى تقضيها في مراكز التعليم في النجف الأشرف... ولقد أثمرت جهود الشهيدة بنت الهدى فكان نتاجاً طيباً مباركاً رغم قلة الامكانات، ورغم المضايقات الأمنية والسياسية والإجتماعية حيث تقول السيدة وجيهة في نفس المقال: ومن المفرح أن أرى هنا في بريطانيا ــ وكذلك في الخليج ــ مجموعة من خريجات مدارس الزهراء، وأنا مسرورة لأنهن حققن أمل الشهيدة ــ كم كانت تتمنى أن ترى الزهور اليانعة في المدرسة أمهات رساليات وزوجات مجاهدات ــ جهاد المرأة حسن تبعلها، بل تأكد وتحقق ما عملت من أجله بل وضحت بنفسها الزكية. لقد أصبحت الزهور اليانعة موضع افتخار وشاهد عيان على تجربتها في مدارس الزهراء (عليها السلام) الأهلية...
ثانياً: التدريس وإقامة الندوات
كان للسيدة الشهيدة بنت الهدى ــ رحمها الله ــ منهج واسع في المجال التثقيفي، ويعتبر التدريس من أهم فقراته.
والمشكلة التي كانت تعترض الطريق طبيعة الكتب الحوزوية التي لم تكتب للتدريس والمفتقرة إلى منهجية واضحة تعين الطالب على استيعابها وفهمها، إضافة إلى الطباعة السيئة والكتابة المتشابكة وهو ما يصطلح عليه بــ (الطباعة الحجرية).
إلا أن الشهيدة بنت الهدى استطاعت أن تتغلب على تلك المشاكل بقربها من أخويها المرحوم السيد إسماعيل الصدر، وشهيدنا الخالد السيد الصدر ــ قدس الله سرهما ــ فاستطاعت أن تتجاوز كل تلك المشاكل بجدارة، وتمكنت من الإحاطة بالمواد العلمية الحوزوية ــ الفقهية والأصولية خاصة ــ مما مكنها من التدريس بكفائة عالية.
وكان الهدف الحقيقي من إقامتها لحلقات التدريس في البيت ليس فقط تثقيف طالباتها وإنما إعدادهن لتحمل المسؤولية في المستقبل لممارسة نفس الدور، وخلق طاقات علمية نسائية قادرة على إيجاد حوزات علمية نسائية تتحمل دوراً كبيراً في نشر الثقافة الإسلامية من مصادرها النقية الصحيحة
وإلى جانب التدريس نظمت الشهيدة ندوات ثقافية دينية عامة تطرح فيها الأفكار الإسلامية بأساليب تنسجم مع متطلبات العصر ومقتضياته، وقد نالت ندواتها نجاحاً منقطع النضير، وإقبالاً من مختلف الطبقات النسوية.
كما كانت تأمل في إعادة النظر في الاحتفالات التي تقام في مناسبات الزواج بحيث تنسجم مع الأخلاق والآداب الإسلامية وتكون مناسبة جيدة لفهم حقيقة الزواج في الإسلام وأهدافه وما يجب أن يكون عليه الزوج وكذلك الزوجة من أخلاق عالية وانسجام كامل وعدم اهتمام بالأمور المادية بشكل يحافظ على طابع السرور والفرح الذي تتسم به تلك المناسبات،.
ثالثا: الكتابة والتأليف
تعتبر الشهيدة بنت الهدى الرائدة الأولى في الكتابة والتأليف واستعمال الأسلوب القصصي في إيصال الأفكار أو التوجيهات. وأقول إنها (رائدة) لأننا لم نعهد في النجف ــ بالرغم من أنها تضم الحوزة العلمية والمرجعية الدينية ــ كاتبة إسلامية سبقت الشهيدة بنت الهدى في هذا المجال.
وهي مع ذلك كانت متواضعة بسيطة لم تستهدف الشهرة والظهور، وما يؤيد هذه الحقيقة إن الشهيدة السعيدة آمنة الصدر اختارت اسماً لها هو ما نعرفه بها (بنت الهدى) تجنباً للشهرة والرياء وحب الذات، ولم يكن هناك ضير في كتابة اسمها الحقيقي لا شرعاً ولا عرفاً. كما لم يكن ذلك بسبب الظروف الأمنية لأن (جهاز مراقبة المطبوعات) في العراق لا يتعرف إلا بالاسم الحقيقي لإصدار إجازة الطبع، والسبب فقط هو نكرانها لذاتها وعزوفها عن الشهرة. ولقد بدأت الشهيدة كما قلنا سابقاً الكتابة في مجلة الأضواء التي تصدرها جماعة العلماء، وكذلك في مجلة الإيمان التي أصدرها المرحوم الشيخ موسى اليعقوبي.
وقد تميزت فيما كتبت، فنجد كتاباتها تحمل روحاً جديدة وفكراً واضحاً وسلاسة وعذوبة ومعالجات لمشاكل معاصرة، وابتعدت كل البعد عن مظاهر الاستعراضات الفارغة التي تستهدف إبراز الشخصية وحب الظهور.
مؤلفات الشهيدة بنت الهدى:
1 ــ الفيلة تنتصر.
2 ــ الخالة الضائعة.
3 ــ امراتان ورجل.
4 ــ صراع.
5 ــ لقاء في المستشفى.
6 ــ مذكرات الحج.
7 ــ ليتني كنت أعلم.
8 ــ بطولات المرأة المسلمة.
9 ــ كلمة ودعوة.
10 ــ الباحثة عن الحقيقة.
11 ــ المرأة مع النبي.
ولها مؤلفات أخرى مخطوطة صادرتها السلطة الحاكمة في العراق عند مصادرتها لمحتويات بيت السيد الصدر ــ رضوان الله عليه ــ بعد استشهاده وقد يكون بعضها محفوظاً.
رابعا: رحلاتها للحج
وكان قلب الشهيدة بنت الهدى ــ رحمها الله ــ يهوي البيت الحرام والمشاهد المشرفة في تلك الديار المقدسة، كانت إذا حانت أيام الحج تأخذها حالة من الشوق عجيبة وفرحة غامرة تملأ جوانحها فتراها مشدودة بصدق إلى الله عز وجل وكأنها تريد أن تستذكر بسرعة أيام الإسلام الأولى في مهده الطاهر وتعيش مع المسلمات في عصر الرسالة أعباء حمل الرسالة، وتستمد العزم والتصميم منهن.
فكانت الشهيدة تذهب إلى الحج كمرشدة دينية في إحدى "الحملات" التي تذهب إلى الحج من بغداد أو الكاظمية، تعلم النساء مسائل الحج وأحكامه فكانت من الناحية الفقهية محيطة بفتاوى العديد من المراجع، وكانت تجيب كل حاجّة على وفق من تقلد من المجتهدين، وقد يحدث أن تقع مسائل نادرة وغير موجودة في الرسائل العملية للفقهاء وفي هذا الفرض كانت تتصل هاتفياً بالسيد الشهيد الصدر ــ رحمه الله ــ لتتلقى منه الحكم الشرعي. وإلى جانب ذلك كانت تسعى إلى التعرف على أوضاع المسلمين في مختلف أنحاء العالم، وتنشر الثقافة الإسلامية الصحيحة بما يناسب الأوضاع حينها.
خامساً: دور الرابط بين المرجع والمراجعات
كان للسيدة الشهيدة دور كبير في الربط بين سيدنا الشهيد وبين القطاعات النسائية، فكانت تنقل بأمانة ما يعرض للنساء من مسائل فقهية قد يترددن بسبب الحياء من توجيهها إلى السيد الصدر مباشرة، تعينها في ذلك بعض الأحيان السيدة الطاهرة أم جعفر ــ حفظها الله ــ بحسب المناسبة وطبيعة الموضوع.
ولم يكن هذا فقط، فقد كانت مهتمة بكل القضايا التي تشغل الساحة ومنها القضايا السياسية والثقافية، وأخصها بالذات خطوات الحزب الحاكم وحكومة البعث للسيطرة على المجتمع النسوي من خلال أطروحات وقنوات أعدتها كاتحاد النساء والطلائع والفتوة والجمعيات النسائية وأمثالها، وكان أهم تلك القضايا هو مسألة الانتماء لحزب البعث كشرط فرضته السلطة للقبول في المؤسسات والجامعات أو التوظيف الحكومي.
إن هذه المشكلة كانت من الهموم الثابتة في قاموس الشهيدة بنت الهدى فهي تعرف معنى انتماء المرأة لحزب البعث وما يتبعه من التزامات ومظاهر تسخط الله تعالى، وتعرف كذلك ما تعنيه استقالة الموظفة المسلمة المؤمنة التي ترفض الانتماء لحزب البعث، وما يسببه لها من مشاكل مادية ومحاسبة أمنية، إذ إن عدم الانتماء يعتبر جريمة كبيرة، فلا حياد، فإما معي وإما ضدي، وهذه هي لغة السلطة الحاكمة في العراق وأسلوبها.
وكان للسيدة عدد من المؤمنات ممن كن قد انتمين إلى حزب البعث انتماء صورياً في زمن لم يكن يعرفن إن الانتماء حرام، فكن ينقلن للشهيدة تفاصيل ما يجري في الحزب من مخططات ومؤامرات يحوكها ضد المرأة العراقية والمتدينات منهن على الخصوص، وكانت الشهيدة تنقل ذلك للسيد الشهيد بدقة.
وبهذا الصدد تقول السيدة وجيهة في نفس مقالها السابق عن أمثال هذا النشاط ما يلي:
"يخطئ من يقول أو يظن أن الشهيدة اقتصر عملها على التوجه التربوي والاجتماعي بل كانت تعمل في المجال السياسي بشكل واع ودقيق لظروفها والمرحلة التي تعيشها، حيث كانت تتحرك ضمن رؤية واضحة المعالم؛ فكانت تقوم بشرح الموقف السياسي المطلوب آنذاك لجميع من يعمل معها وتعبئة النساء على مقاومة النظام ومخططاته وأساليبه التي تدعو وتضغط على النساء عموماً بالانخراط لحزب البعث، وبالتالي التخلي عن القيم والمفاهيم الإسلامية. وساهمت في تربية المرأة على الورع عن محارم الله تعالى، وفي تكوين الروح الجهادية ضد أعداء الإسلام..."
وكانت السيدة الشهيدة تستمد رؤيتها السياسية النهائية من السيد الصدر نفسه، وكانت في أحيان كثيرة تناقش المواضيع والأحداث معه بصراحة ووضوح، وكان ــ رحمه الله ــ يستمع إليها بدقة ويحترم وجهات نظرها.
شريكة المسيرة والمصير
إذا كان لأحد أن يعتز بمشاركته لسيدنا الشهيد الصدر ــ رضوان الله عليه ــ في مسيرته الجهادية فلا يعدو ذلك الشهيدة بنت الهدى رحمها الله. لقد كتب لها ذلك، وكانت أهلاً له......
شاركته اليتم والفقر والحرمان في مراحل الطفولة الأولى، وشاركته ما كابد من هموم ومشاكل ليس بمقدور كل أحد استيعابها، وشاركته الصراع المرير مع سلطة جبارة عاتية كفرت بكل القيم والموازين فوقفت معه في صف المواجهة الأول في انتفاضة رجب عام 1979م، وشاركته شرف الاستشهاد في غرف الأمن العامة في بغداد، وشاركته قبره الشريف في النجف الأشرف.
إذ لها كل الحق ــ للأمانة التاريخية ــ أن تعتبر شريكة السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه.
بدأت مسيرة المواجهة الجهادية للسيدة الشهيدة منذ الاعتقال الأول للسيد ــ رضوان الله عليه ــ عام 1971م (1392) هــ.
ثم جاءت انتفاضة صفر عام 1977م (1397)هــ فتعرض السيد الشهيد للاعتقال، وكانت تلك الأيام من الأيام العصيبة في تاريخ النجف حيث عم الخوف والرعب كل مكان، وكانت حشود السلطة في كل مكان تعتقل كل من يقع في قبضتها. أما بنت الهدى فكانت البطلة التي وقفت دون خوف في رباطة جأش وشجاعة غريبة حتى عاد السيد الشهيد ــ رضوان الله عليه ــ من بغداد.
عندما خرج السيد مع مدير أمن النجف خرجت معه وسبقتهما إلى حيث تقف السيارة وخطبت في الجموع منددة بجلاوزة النظام وما يفعلونه صارخة ومرحبة بالموت إذا كان في سبيل الله.
وفي صباح يوم السابع عشر من رجب 1399هــ (1979)م، تم الاعتقال للشهيد فقامت الشهيدة بنت الهدى بالذهاب إلى حرم الإمام أمير المؤمنين بالنجف الأشرف ونادت بأعلى صوتها:
"الظليمة الظليمة يا جداه يا أمير المؤمنين لقد اعتقلوا ولدك الصدر.. يا جداه يا أمير المؤمنين، إني أشكوا إلى الله وإليك ما يجري علينا من ظلم واضطهاد"
ثم خاطبت الحاضرين فقالت:
"أيها الشرفاء المؤمنون، هل تسكتون وقد اعتقل مرجعكم، هل تسكتون وإمامكم يسجن ويعذب؟ ماذا ستقولون إذاً لجدي أمير المؤمنين إن سألكم عن سكوتكم وتخاذلكم ؟ اخرجوا وتظاهروا واحتجوا.."
يا له من خطاب يدل على شجاعتها وقوتها وعدم خوفها من النظام الحاكم وأتباعه.
وبعد لحظات نظمت تظاهرة انطلقت من حرم الإمام علي (ع) ساهمت فيها المرأة مع الرجل، وأدت إلى إجبار السلطة على الافراج عن السيد الشهيد الصدر.
وكان من أثر هذه التظاهرة أن أفرج عن السيد بعد ساعات قليلة من اعتقاله.
شهادتها ودفنها
الاجرام والوحشية.. القسوة والارهاب.. صفات وخصائص النظام العفلقي الحاكم في العراق، لم يتورع النظام من استعمال كل وسائل الارهاب في معالجة مشاكله مع الشعب العراقي أو مع الدول المجاورة للعراق.
هل يمكن لحاكم يعيش في بلد الحضارات وفي القرن العشرين أن ينهج نهجاً قمعياً لفرض سيطرته على الشعب ؟
نعم هذا ما فعله صدام مع جيرانه من البلدان حينما قصف المدن الإيرانية بالصواريخ وقتل المدنيين فيها، وكذلك عندما قصف حلبجة بالغازات السامة "وحلبجة مدينة عراقية لا اسرائيلية". ثم هجومه على الكويت آخر ضحية لهذا الطاغية، فما جرى لشعبها من قتل وتعذيب وانتهاكات للقيم والأخلاق وحتى لأبسط المبادئ الإنسانية لا يمكن أن يصدق لولا الوثائق الدامغة التي لا تقبل الشك.
وبقيت مأساة العراق في جانبها الأعظم غير موثقة، وهي مأساة لا نظير لها في تاريخ البشرية.
لقد قام المجرم التكريتي بقتل السيد الصدر وأخته بنت الهدى ــ رضوان الله عليهما ــ بنفسه؛ فهو الذي أطلق النار عللقد كانت حليمة عاقلة تقابل الإساءة يهما بعد أن شارك في تعذيبهما.
يتحدث صاحب كتاب الشهيدة بنت الهدى كيف روت له ثلاثة مصادر كيفية حدوث المأساة كما يرويها أحد قوات الأمن ممن كان حاضراً في غرفة الاعدام، قال:
"احضروا السيد الصدر إلى مديرية الأمن العامة فقاموا بتقييده بالحديد، ثم جاء المجرم صدام التكريتي، فقال باللهجة العامية: (ولك محمد باقر تريد تسوي حكومة)، ثم أخذ يهشم رأسه ووجهه بسوط بلاستيكي صلب.
فقال له السيد الصدر: (أنا تارك الحكومات لكم). وحدث جدال بينهما عن هذا الموضوع وعن علاقته بالثورة الإسلامية في إيران، مما أثار المجرم صدام فأمر جلاوزته بتعذيب السيد الصدر تعذيباً قاسياً. ثم أمر بجلب الشهيدة بنت الهدى ــ ويبدو أنها كانت قد عذبت في غرفة أخرى ــ جاءوا بها فاقدة الوعي يجرونها جراً، فلما رأها السيد استشاط غضباً ورقّ لحالها ووضعها. فقال لصدام: إذا كنت رجلاً ففك قيودي. فأخذ المجرم سوطاً وأخذ يضرب العلوية الشهيدة وهي لا تشعر بشيء. ثم أمر بقطع ثدييها مما جعل السيد في حالة من الغضب، فقال للمجرم صدام (لو كنت رجلاً فجابهني وجهاً لوجه ودع أختي، ولكنك جبان وأنت بين حمايتك)، فغضب المجرم وأخرج مسدسه فأطلق النار عليه ثم على أخته الشهيدة وخرج كالمجنون يسب ويشتم".
وفي مساء يوم التاسع من نيسان عام 1980 م وفي حدود الساعة التاسعة أو العاشرة مساءً، قطعت السلطة التيار الكهربائي عن مدينة النجف الأشرف. وفي ظلام الليل الدامس تسللت مجموعة من قوات الأمن إلى دار المرحوم الحجة السيد محمد صادق الصدر ــ رحمه الله ــ فطلبوا منه الحضور إلى بناية محافظة النجف، وهناك سلّموه جنازة السيد الشهيد وأخته الطاهرة بنت الهدى، وحذروه من الإخبار عن شهادة بنت الهدى، ثم أخذوه إلى مقبرة وادي السلام ووارهما الثرى.
فانا لله وانا اليه راجعون