فاطمي
12-19-2006, 09:13 AM
ظاهرة أخطر كثيرا من الزواج العرفي:
كتب أسامة الغزولي
فجرت الكاتبة صافيناز كاظم قنبلة اجتماعية عندما قالت في ندوة متلفزة عن الزواج العرفي ان خطره ودرجة انتشاره يقلان كثيرا عن خطر الطلاق العرفي ودرجة انتشاره، فما هو الطلاق العرفي؟
انه ظاهرة تجدها في مصر، كما تجدها في الشام والخليج والمغرب العربي. هو الطلاق الذي يقضي على الزواج في صمت ودون اعلان يمكن المجتمع او الدولة من تسجيله على طرفيه ومحاسبة الطرفين بناء عليه.
فحصت 'القبس' حالات لسيدات مررن بهذه التجربة وسجلت تفاصيل هذه الحالات ثم ناقشتها مع اهل الاختصاص.
اولى هذه الحالات هي حالة السيدة سناء (50 سنة) التي قالت ان زوجها يقسم بالطلاق، ليل نهار، وبشكل يجعل هذه السيدة تشعر بأنه لا يحترم رابطة الزوجية التي يعتبرها شيئا بالغ التفاهة.
وتقول السيدة سناء انه اذا طرق الباب احد المعارف لأمر عابر وفي وقت قد لا يكون مناسبا للدخول، فان الزوج قد يصر على دخوله ويقسم عليه بالطلاق ان لم يستجب لدعوة الزوج: علي الطلاق لازم تدخل.
وقد يفعل الزوج الأمر ذاته وهو يلح على ضيف لديه ان يجلس لتناول الطعام او وهو يريد التأكيد على امر من الامور، ولو كان تافها مثل الثمن الذي يطلبه لبضاعة رخيصة او لخدمة ثانوية.
وتتساءل السيدة سناء في أسى واضح: هل زواجنا لا يساوي عنده اكثر من كوب شاي؟ ألا يساوي عنده اكثر من ثمن شاحن صيني للهاتف النقال الذي يبيه لزبائنه؟
ونسأل السيدة سناء:
هل عندكما أطفال؟
- عندنا رجلان محترمان وسيدة فاضلة.
الابن الاكبر محام على اول طريق المهنة التي صنعت عظماء الرجال. وشقيقته معيدة باحدى كليات التربية. اما الابن الاصغر فهو طالب بكلية الهندسة.
وهل انت موظفة ام ربة منزل؟
- انا موظفة بدرجة مدير ادارة، ولو لم اسافر مع زوجي الى السعودية لمدة خمسة عشر عاما لكنت الان رئيس قطاع. لكن ترقيتي تأخرت لاني عشت معه في السعودية في اجازة بدون مرتب.
لا يخلو كلام السيدة سناء من رنة اسى واسف، ليس لأنها ضيعت فرصة الترقي بكل ما تعنيه من مال ونفوذ، ولكن لان هذا كان جزءا من تضحية لايبدو على الزوج انه يقدرها.
ورغم ما ضاع من السيدة سناء فوضعها الوظيفي هو مبعث طمأنينة لها فهي باقية في عملها لعشر سنوات متصلة، ان امتد بها العمر. ومكافأة نهاية الخدمة في المصلحة التي تخدم فيها هي مكافأة مجزية. وسيكون معاشها التعاقدي مناسبا لانها اشترت مافاتها من سنوات الخدمة بما دفعه زوجها، الذي لم يبخل عليها.
هي تؤكد ان زوجها يحبها، وانها راضية عن سنوات حياتها معه، لأنهنا تبادله حبا بحب. وهي تراه طيب القلب، لكنها لا تعرف كيف تفسر هذا الاستخدام غير المسؤول لكلمة الطلاق وهو امر جعلها حتى لا تدري هل هي الان زوجته، شرعا، ام ان حياتهما معا حرام في حرام. واحيانا تتساءل: هل هذا زواج ام تمثيلية؟
هي ليست خائفة من مصير مجهول يتهددها ان فقدت بيت الزوجية فالوظيفة التي تعمل بها تعطيها مكانة اجتماعية مقبولة وسندا ماليا للمستقبل. واضافة الى ذلك فلديها ميراث لا بأس به عن والدها. كما انها ليست خائفة على اطفالها الذين كبروا واصبحوا قادرين على مواصلة الحياة بغض النظر عما يمكن ان يجري بين الوالدين.
لكنها معنية بأمر اكثر اهمية من امور المعاش. هي معنية بمغزى حياتها مع رجل احبها وأحبته. اعطته حياتها واعطاها حياته. لكنه يبدو - في احيان كثيرة مستعدا لأن يلقي بهذا كله لتذروه الرياح وكأنه يلقي بأوراق لا قيمة لها في سلة المهملات.
واذا كانت مأساة السيدة سناء يمكن تلخيصها في ان زوجها يستخدم يمين الطلاق استخداما غير مسؤول فان حالة الحاجة فوزية، وهي سيدة اعمال، تمثل درجة اكثر خطورة.
تزوجت الحاجة فوزية من زميل لها في احدى شركات القطاع العام، قبل اكثر من ثلاثين عاما، كانت حياتهما الزوجية مستقرة تماما حتى عشر سنوات مضت عندما توقع تحولا يبدو أن من الصعب على الرجل العربي أن يتقبله، فقد تحولت السيدة فوزية من موظفة تحصل على راتب شهري مماثل لراتب الزوج الى سيدة أعمال تحقق للاسرة دخلا ضخما يتضاءل بجانبه ما يحصل عليه الزوج من عمل.
وهنا بدأت تظهر توترات تتصاعد سريعا، وتصل الى الذروة، ثم تهدأ، بعد أن تترك ندوبا عميقة.
تقول السيدة فوزية إن زوجها ألقى بيمين الطلاق أكثر من مرة، ومن دون مبرر لذلك، ثم عدل عن ذلك واستأنف معها حياته الزوجية.
كم مرة طلقك الزوج؟
لا أعرف بالضبط، مرات كثيرة، لم أعد أحصيها.
هل معنى هذا ان الطلاق وقع أكثر من ثلاث مرات؟
لا أعتبر ذلك طلاقا، إنه يغضب ويقول لي 'لست زوجتي' أو 'لست على ذمتي'. أو يطردني من بيت الزوجية. ثم يسعى بيننا الأهل والاصدقاء فتعود المياه الى مجاريها وكأن شيئا لم يحدث.
وهذا بالطبع يهز صورتكما أمام الأهل والاصدقاء؟
في المرتين الأخيرتين كانت ابنتي الكبرى المتزوجة من ضابط شرطة برتبة مقدم هي التي تدخلت، ومعها زوجها، لإصلاح ذات البين. وكان الاثنان يتعاملان معنا كأننا طفلان كبيران وكأنهما هما أبوان راشدان.
ولماذا سمحتما لهما بالتدخل؟ ألا يعد هذا اختلالا في العلاقات الاسرية؟ الابن يصلح الأب؟ البنت تنصح الأم والأب وتوجههما؟
- الحقيقة اني أردت أن أبقي خلافاتنا داخل دائرة ضيقة، بعد أن تسرب إلي شعور بأن الأهل والاصدقاء اصبحوا يتندرون بنا وبخلافاتنا المتفجرة والمتكررة.
ومن الواضح أن إدخال البنت وزوجها الى دائرة الجهود الحميدة الساعية الى انقاذ هذا الزواج المضطرب لم تؤد إلا إلى تأجيل انهياره لدورة أخرى، وليس من المستبعد أن تنتهي هذه الدورة بعد فترة تطول أو تقصر، لينفجر غضب الزوج مجددا، ويعود الى الصراخ بوجه زوجته قائلا لها: إنها لم تعد حليلته، او ليطردها من البيت، أو ليقول لها: بوضوح إنها طالق.
ومن الواضح أيضا ان هذا مجرد اختلال إضافي في علاقة أصيبت باختلال جوهري عندما أصبح دخل الزوجة أكبر من دخل الزوج. وعندما أصبح دورها كسيدة أعمال أهم وأكثر بريقا من دور الزوج القابع وراء مكتبه في غرفة ضخمة بإحدى الشركات الحكومية التي تبدو وكأنها قطعة من الستينات باقية بترابها وبملامح الشيخوخة الرمادية التي تميزها في زمن المبادرات الخاصة والشركات متعددة الجنسيات الذي تنتمي إليه زوجة لا تكف عن الحركة والسفر الى مختلف بلدان العالم.
وجدير بالذكر ان السيدة فوزية عندما طردها زوجها، آخر مرة، ذهبت للإقامة في احد الفنادق الفخمة. وعندما كان زوج ابنتها يتحدث الى حمية بشأنها قال له حموه:
لن أتركها تعود الى البيت. سأتركها في الشارع كأي كلب متشرد.
ورد عليه زوج ابنته ساخرا:
- إنها ليست في الشارع. فهي تقيم في جناح فاخر بأحد أكبر فنادق القاهرة.
وتغالب السيدة فوزية ابتسامة خبيثة وهي تقول:
لقد كان من الممكن أن تنتهي هذه الأزمة الأخيرة في وقت أقصر، بعد أن نجحت ابنتي وزوجها في تهدئة زوجي، لكني لم أكن أريد العودة الى البيت قبل ان أسافر الى تركيا لمدة عشرة ايام أنهي خلالها صفقة مهمة.
ولماذا لم تنتظري حتى تعودي الى بيتك ثم تواصلين نشاطك بعد ذلك؟ ألم تكن الأمورقابلة لبعض التأجيل؟
كانت سفرتي الى تركيا هي سبب الخلاف. ولو انتظرت فربما لم أكن سأستطيع السفر. وها أنذا أعود بعد فراق ليس الأول، ولا أظنه الأخير وإن لم يسجل في أوراق رسمية.
ما فهمناه من كلام الحاجة فوزية هو أن زوجها يعاني نوعا من الغيرة المهنية. وربما اضطربت علاقته بزوجته بعد أن تغيرت التوازنات بينهما وأصبحت هي الأقوى بلغة المال والأعمال والمناصب. فهل هذا يبرر الطرد والاشارة اليها بأنها كلب متشرد (أو كلبة شريدة)؟
تساءلنا عن التشخيص العلمي للحالة القائمة بين السيدة فوزية وزوجها، وقبل ذلك للحالة القائمة بين السيدة سناء وزوجها الذي يستسهل النطق بلفظ الطلاق بمناسبة ومن دون مناسبة.
وردت على تساؤلاتنا الدكتورة سهير عبدالمنعم التي تشغل منصب الخبير الأول بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية فبدأت بالحديث عن زوج السيدة سناء قائلة: إن الرجل الذي يستخدم لفظ الطلاق بهذه الدرجة من اللامبالاة هو رجل ضعيف الشخصية، وهو يلجأ للإثبات المتكرر لقدرته على التطليق بهدف ان يثبت رجولته.
وتضيف: ليس كل الرجال يصلحون لتكوين اسرة، ولابد من دورات تدريبية للمقبلين على الزواج من الجنسين لتعريفهم بأصول إدارة الحياة التي هم مقبلون عليها لتحجيم الغوغائية.
لكن العالم الكبير الدكتور قدري حفني يرى أن المسألة ليست نفسية بل هو أمر يجري في إطار عام من رؤية محددة للثقافة الدينية كما يراها الناس.
هو لا يقول ان هذه هي طبيعة الثقافة الدينية في تصورها للعلاقة بين الرجل والمرأة، لكنه يقول ان هذه هي رؤية الناس لها، وقد تكون رؤيتهم خاطئة. وبناء على هذه الرؤية فالرجل افضل من المرأة ومن حقه ان يطلق كما يشاء، وقتما يشاء ما دام يدفع. فالمسألة في نظر رجل كهذا هي مجرد مال. ومن حكم في ماله ما ظلم.
ويضيف: أعرف ان هذا قد لا يكون من روح الاسلام لكن هذا هو الفهم الشائع. وكمتخصص في علوم السلوك لا في العقيدة فأنا انظر الى ما يراه الناس.
ولا يرى قدري حفني لهذه المسألة ارتباطا بالثراء او بالغنى. اي لا يضع لها اطارا طبقيا معينا. فالفقراء يفعلون ما يفعله الاغنياء لأن ثمن الفقيرة اقل من ثمن الغنية والكل يدفع.
المقاطعة الجسدية
لكن الطلاق غير الرسمي، الذي يسمح باستمرار الحياة الزوجية رغم استمرار اساسها الفعلي قد يأخذ اشكالا اخرى منها المقاطعة الجسدية او النفسية التي تحول الزواج الى مجرد صورة زائفة تغطي على الحقيقة البائسة التي يعيشها الزوجان، وربما يعيشها معهما اطفالهما.
وقد تحدثنا الى طبيبة بشرية كانت اكثر حرصا على اخفاء هويتها من السيدتين السابقتين، فطلبت ان نشير اليها باسم 'الدكتور س'، زوج الدكتورة يقاطعها جنسيا منذ ثلاثة اعوام. وقد كانت هذه المقاطعة ذروة ازمات وتوترات تهز علاقتهما منذ كانا في مرحلة الخطوبة!
منذ تلك المرحلة المبكرة من العلاقة والزوج يعامل 'الدكتورة س' وعائلتها باعتبارها ادنى مكانة منه ومن عائلته. ولا يتورع حتى عن توجيه الاهانات لها بحضور والديها، بل يتطاول عليهما، رغم ان المفاضلة بين المكانة الاجتماعية والمهنية ومستوى الدخل للاسرتين، اسرته واسرة زوجته، تبدو امرا صعبا للغاية، فالاسرتان تنتميان الى شريحة عليا من طبقة متوسطة صنعت نفسها بالتفوق المهني في مجالات الطب والهندسة.
وتقول الزوجة ان الانهيار الراهن لم يكن من الممكن تجنبه فقد كان مؤجلا منذ سنوات بعيدة.
وما السبب المباشر لهذه القطيعة؟
- اكتشفت ان زوجي على علاقة بفتيات ساقطات، من بنات بنات الليل.
وكيف حدث ذلك؟
- كان في سيارته وكانت معه ساقطتان، وكان هاتفه النقال ينقل الي ما يدور بينه وبينهما من امور يندى لها الجبين، دون ان يدري ان الهاتف النقال مفتوح وانه يقوم بارسال تفاصيل الفضيحة في بث مباشر الى بيت الزوجية، والى الزوجة المظلومة.
وتواصل بمرارة واضحة:
- لولا ان هذا هو صوته وهذا هو رقم هاتفه النقال لظننت انه رجل آخر، فقد كان مرحا بشكل لم اعهده فيه منذ عرفته. وكان رغم بذاءته رقيقا وعطوفا. وقد ذكرني بالاسم وذكر ابنتنا باسمها للساقطتين وتندر علينا بشكل مؤلم، ولكن بظرف وذكاء لم اعدهما فيه قط.
ولماذا قاطعك وانت الضحية؟
- لا اعرف، ولكنه بعد المواجهة التي كشفت فيها خزيه امام امه المتعجرفة هجر فراش الزوجية، نهائيا.
ولماذا لا تطلبي الطلاق؟
- لا اريد ان تتعذب ابنتي، اذا اخذها مني بحكم محكمة، لتعيش مع زوجة اب لابد انه سيعذبها كما عذبني.
المقاطعة الجدية هي حالة زوجة اخرى طلقها زوجها طلاقا بائنا، فتوقف عن المعاشرة وعن الاختلاء بها وعن الحديث اليها، لكنه ابقاها في بيت الزوجية رغم انفها، لانه لم يطلقها رسميا. انها زوجته على الورق، لكنها لا تستطيع ان تكون زوجة فعلية له او لغيره. فهو لا يطلقها رسميا حتى تتزوج بغيره ولا يردها اليه. بل يتركها مثل 'البيت الوقف'، وهو تعبير عامي مصري شائع يشار به الى مثل هذه العلاقة الغريبة التي تجبر المرأة على ان تجمد انوثتها وامومتهما بقرار انسحاب من جانب واحد.
وهل ينفق عليك؟
- انه ينفق على بيته بكل سخاء. فهو سخي من الناحية المالية، المال لا يعني شيئا بالنسبة له. هو يكسب كثيرا وينفق كثيرا.
وما سر الطلاق بينكما؟ وكيف تأزمت الامور الى هذا الحد؟
- هو متسلط ومستبد برأيه، وهو دائم التحضير لكل رأي يبدر عني، بل لكل كلمة اتفوه بها.
وهل كان كذلك دائما؟
- كان يظهر اللامبالاة بما يقول. لكنه كان مهذبا في فترة الخطوبة، وفي السنوات الاولى من الزواج، وأصبح اكثر غلظة في تعبيراته، بمرور الايام.
الدفء والقسوة
وهل هو كريم بالمال شحيح بالعواطف؟
- بالعكس ان عواطفه ورغباته كالسيل الجارف، احاطني بكل مظاهر الكرم المادي والنفسي والجسمي منذ عرفته، كان دافئا للغاية، في اول العلاقة، ومازال دافئا رغم قسوة الفاظه.
كان يحتويك ويسيطر عليك؟
- لم أكن انزعج لهذا. كان واضحا انه يريدني ان اكون طوع بنانه، ولم اعترض ابدا. كنت ابدي له رأيي في كل الامور واترك له بعد ذلك حرية التصرف.
هذه مرونة تحول دون الانهيار، بغض النظر عن تقييمنا او تقييم اي انسان لموقفك، فكيف وقع الانهيار الحاصل؟
- اراد ان يزوج الأكبر لابنة مسؤول فاسد ورد اسمه في عديد من قضايا الفساد المشهورة، واعترضت بشدة ولم اكتف هذه المرة بالتعبير عن الرأي دون اتخاذ موقف حازم.
وما هو موقف الابن؟
- كان موافقا في البداية، لان العروس جميلة، لكنه عرف انها لا تريد الزواج منه، وانها مثله توشك ان تكون ضحية صفقة بين مسؤول ورجل اعمال.
وقد تحالف الاثنان ضد أبويهما. لكن زوجي ظن اني أنا السبب وأني انا التي حرضت ابني على الرفض.
وهل ابنة المسؤول تصارح اباها بموقفها؟
- هي تكتفي بالكلام مع امها التي لها نفس موقفنا ضد الابوين معا، ضد زوجي وزوجها. لكن زوجي يحملني انا تبعات كل المواقف.
وماذا تنوين فعله؟
- لا شيء، انا اعيش في بيتي ومع اطفالي وفي ظل زواج صوري ناقص.
الزواج العرفي والطلاق العرفي كلاهما حرام
الطلاق العرفي يحول الزواج إلى صورة زائفة تخفي العلاقة البائسة بين رجل وامرأة
الفهم السائد للثقافة الدينية يجعل الطلاق حقا لمن يملك أن يدفع ثمنه
عناد زوج أناني
الخبير الاول بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية الدكتورة سهير عبدالمنعم تفسر رفض الزوج للطلاق رغم ان العلاقة انتهت، او لم تقم لها قائمة من الاصل بانه عناد زوج اناني يريد ان يبرر لنفسه انه يعيش دور الضحية امام الاصدقاء او الصديقات.
ثم اشارت الى ان ازمة منتصف العمر التي ترتد بالرجل الى مراهقة ثانية بدأت تظهر بين الرجال الاصغر سنا بعد ان كانت في اجيال سابقة قاصرة على الرجال في العقد الخامس او ما بعده.
اما الدكتور قدري حفني فيعتبر ان الرجل الذي يرفض الطلاق رغم انتفاء دواعي الاستمرار في العلاقة الزوجية يتعامل مع الزوجة كشيء من املاكه ينصرف فيه كيف شاء: املاكي وانا حر فيها. عندي سيارة قديمة ولا احد يستطيع ان يجبرني على التنازل عنها.
عضو مجتمع البحوث الاسلامية الدكتور عبدالمعطي بيومي يضع الحالات التي ذكرناها في اطار شامل بقوله: هذا حرام. كل هذا حرام. الزواج العرفي والطلاق العرفي كلاهما حرام. لانه عضل للمرأة وتعطيل لها. وقد نهى الله عن ذلك اذ قال عز من قائل: 'واذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن فلا تعضلوهن ان ينكحن ازواجهن'.
ويمضي قائلا: ان واجب المرأة في حالة كهذه ان تبلغ القضاء حتى يرد لها حقوقها الشرعية. واذا انكر الزوج حقيقة الوضع فعليها ان تستعين بالشهود. وان تعذر الشهود فان القاضي سيجبره على حلف اليمين لان البينة على من ادعى.
فهل يجد رجل فاجر صعوبة في ان يحنث باليمين؟ هل زوج 'الدكتورة س' يتردد في حلف اليمين ليستر خزيه؟ هل العنين الذي يخفي العنة باعمال الوحشية يهمه امر كهذا؟ هل يدرك المنحرفون خطورة القسم باسم الاله في حضرة المحكمة؟
في النهاية يبقى امام المرأة باب الخلع، في البلاد التي تعطي المرأة حق الخلع، وحتى هذا الخيار يحتاج شجاعة قد لا تكون عند كل النساء.
الوحش العاجز
آخر حالة من حالات الطلاق العرفي التي قابلناها هي حالة مدرسة بالجامعة لم يعاشرها زوجها معاشرة جنسية منذ تزوجا. انها زوجة عذراء لم يدخل بها الزوج.
الزوج عاجز جنسيا سبق له الزواج واكتشفت الزوجة الأولى عجزه وطلبت الطلاق. ولم تتمكن من الطلاق الا بعد حكم المحكمة لانه فعل شيئا شيطانيا بهدف تعجيزها عن الطلاق، فقد فض بكارتها باصبعه ليلة الزفاف. وعندما قالت للاهل وللمحكمة انها متزوجة من رجل عقيم لم يصدقها احد، حتى تم الكشف على الزوج طبيا وثبت انه عقيم.
وبعد الطلاق اشاع الزوج عن زوجته الأولى هذه انها فقدت بكارتها قبل الزواج وانه طلقها لانه اكتشف سوء سلوكها سألنا الزوجة الثانية:
وكيف قبلت الزوجة الأولى فض بكارتها بهذه الطريقة؟
- لا اعرف كيف اقنعها بمثل هذا الأمر الوحشي.
وهل حاول اقناعك بالشيء ذاته؟
- نعم، جاءني ليلة الزفاف بزجاجة نبيذ فرنسي وسيجارة محشوة بالمخدرات، لكي تسهل عليه السيطرة علي.
وهل قبلت بهذا؟
- نعم. لم امانع. وكانت هذه اول واخر مرة اتعاطى فيها امورا كهذه. وبعد ان لعبت الخمر والمخدر برأسي بدأ هو ما كنت اظنه امرا طبيعيا يحدث بين زوج وزوجة. ثم فوجئت بانه يريد ان يفعل بي ما عرفت، بعد ذلك، انه فعله بالزوجة الأولى. ورغم اني لم اكن في كامل وعيي فإني قاومت بشدة.
وهل كان عنيفا؟
- تحول الى وحش، لكني لم امكنه مني، وقد رفسته بقوة بالغة واسقطته من فوق فراش الزوجية.
وماذا جرى بعد ذلك؟
- ظل يبكي حتى الصباح، ثم لزم الصمت وراح يرقبني بعينين كسيرتين. وقد عرفت كل ما جرى للزوجة الأولى، في صباح اليوم التالي.
وهل طلبت الطلاق؟
- هل تريدني ان اذهب للمحاكم واتعرض للفضائح التي تعرضت لها الزوجة الأولى؟
هل حاولت تسوية الأمر معه، دون اللجوء إلى المحاكم؟
- هو استبق كل شيء. قال لي انه لن يطلقني الا اذا اجبر على ذلك. قال لي ان المحاكم لن تستطيع ان تجبره على ان تفصله عني. هو بحاجة الى زوجة. مجرد حاجة نفسية واجتماعية. مجرد ديكور.
ولماذا تقبلين ان تظلي مجرد ديكور؟
- انا الان زوجة. ولو حصلت على طلاق من محكمة فساكون مطلقة، رغم اني لم اتزوج. ولست مستعدة حتى الان لمواجهة المجتمع ولمواجهة طلبتي وزملائي باعتباري مطلقة.
كتب أسامة الغزولي
فجرت الكاتبة صافيناز كاظم قنبلة اجتماعية عندما قالت في ندوة متلفزة عن الزواج العرفي ان خطره ودرجة انتشاره يقلان كثيرا عن خطر الطلاق العرفي ودرجة انتشاره، فما هو الطلاق العرفي؟
انه ظاهرة تجدها في مصر، كما تجدها في الشام والخليج والمغرب العربي. هو الطلاق الذي يقضي على الزواج في صمت ودون اعلان يمكن المجتمع او الدولة من تسجيله على طرفيه ومحاسبة الطرفين بناء عليه.
فحصت 'القبس' حالات لسيدات مررن بهذه التجربة وسجلت تفاصيل هذه الحالات ثم ناقشتها مع اهل الاختصاص.
اولى هذه الحالات هي حالة السيدة سناء (50 سنة) التي قالت ان زوجها يقسم بالطلاق، ليل نهار، وبشكل يجعل هذه السيدة تشعر بأنه لا يحترم رابطة الزوجية التي يعتبرها شيئا بالغ التفاهة.
وتقول السيدة سناء انه اذا طرق الباب احد المعارف لأمر عابر وفي وقت قد لا يكون مناسبا للدخول، فان الزوج قد يصر على دخوله ويقسم عليه بالطلاق ان لم يستجب لدعوة الزوج: علي الطلاق لازم تدخل.
وقد يفعل الزوج الأمر ذاته وهو يلح على ضيف لديه ان يجلس لتناول الطعام او وهو يريد التأكيد على امر من الامور، ولو كان تافها مثل الثمن الذي يطلبه لبضاعة رخيصة او لخدمة ثانوية.
وتتساءل السيدة سناء في أسى واضح: هل زواجنا لا يساوي عنده اكثر من كوب شاي؟ ألا يساوي عنده اكثر من ثمن شاحن صيني للهاتف النقال الذي يبيه لزبائنه؟
ونسأل السيدة سناء:
هل عندكما أطفال؟
- عندنا رجلان محترمان وسيدة فاضلة.
الابن الاكبر محام على اول طريق المهنة التي صنعت عظماء الرجال. وشقيقته معيدة باحدى كليات التربية. اما الابن الاصغر فهو طالب بكلية الهندسة.
وهل انت موظفة ام ربة منزل؟
- انا موظفة بدرجة مدير ادارة، ولو لم اسافر مع زوجي الى السعودية لمدة خمسة عشر عاما لكنت الان رئيس قطاع. لكن ترقيتي تأخرت لاني عشت معه في السعودية في اجازة بدون مرتب.
لا يخلو كلام السيدة سناء من رنة اسى واسف، ليس لأنها ضيعت فرصة الترقي بكل ما تعنيه من مال ونفوذ، ولكن لان هذا كان جزءا من تضحية لايبدو على الزوج انه يقدرها.
ورغم ما ضاع من السيدة سناء فوضعها الوظيفي هو مبعث طمأنينة لها فهي باقية في عملها لعشر سنوات متصلة، ان امتد بها العمر. ومكافأة نهاية الخدمة في المصلحة التي تخدم فيها هي مكافأة مجزية. وسيكون معاشها التعاقدي مناسبا لانها اشترت مافاتها من سنوات الخدمة بما دفعه زوجها، الذي لم يبخل عليها.
هي تؤكد ان زوجها يحبها، وانها راضية عن سنوات حياتها معه، لأنهنا تبادله حبا بحب. وهي تراه طيب القلب، لكنها لا تعرف كيف تفسر هذا الاستخدام غير المسؤول لكلمة الطلاق وهو امر جعلها حتى لا تدري هل هي الان زوجته، شرعا، ام ان حياتهما معا حرام في حرام. واحيانا تتساءل: هل هذا زواج ام تمثيلية؟
هي ليست خائفة من مصير مجهول يتهددها ان فقدت بيت الزوجية فالوظيفة التي تعمل بها تعطيها مكانة اجتماعية مقبولة وسندا ماليا للمستقبل. واضافة الى ذلك فلديها ميراث لا بأس به عن والدها. كما انها ليست خائفة على اطفالها الذين كبروا واصبحوا قادرين على مواصلة الحياة بغض النظر عما يمكن ان يجري بين الوالدين.
لكنها معنية بأمر اكثر اهمية من امور المعاش. هي معنية بمغزى حياتها مع رجل احبها وأحبته. اعطته حياتها واعطاها حياته. لكنه يبدو - في احيان كثيرة مستعدا لأن يلقي بهذا كله لتذروه الرياح وكأنه يلقي بأوراق لا قيمة لها في سلة المهملات.
واذا كانت مأساة السيدة سناء يمكن تلخيصها في ان زوجها يستخدم يمين الطلاق استخداما غير مسؤول فان حالة الحاجة فوزية، وهي سيدة اعمال، تمثل درجة اكثر خطورة.
تزوجت الحاجة فوزية من زميل لها في احدى شركات القطاع العام، قبل اكثر من ثلاثين عاما، كانت حياتهما الزوجية مستقرة تماما حتى عشر سنوات مضت عندما توقع تحولا يبدو أن من الصعب على الرجل العربي أن يتقبله، فقد تحولت السيدة فوزية من موظفة تحصل على راتب شهري مماثل لراتب الزوج الى سيدة أعمال تحقق للاسرة دخلا ضخما يتضاءل بجانبه ما يحصل عليه الزوج من عمل.
وهنا بدأت تظهر توترات تتصاعد سريعا، وتصل الى الذروة، ثم تهدأ، بعد أن تترك ندوبا عميقة.
تقول السيدة فوزية إن زوجها ألقى بيمين الطلاق أكثر من مرة، ومن دون مبرر لذلك، ثم عدل عن ذلك واستأنف معها حياته الزوجية.
كم مرة طلقك الزوج؟
لا أعرف بالضبط، مرات كثيرة، لم أعد أحصيها.
هل معنى هذا ان الطلاق وقع أكثر من ثلاث مرات؟
لا أعتبر ذلك طلاقا، إنه يغضب ويقول لي 'لست زوجتي' أو 'لست على ذمتي'. أو يطردني من بيت الزوجية. ثم يسعى بيننا الأهل والاصدقاء فتعود المياه الى مجاريها وكأن شيئا لم يحدث.
وهذا بالطبع يهز صورتكما أمام الأهل والاصدقاء؟
في المرتين الأخيرتين كانت ابنتي الكبرى المتزوجة من ضابط شرطة برتبة مقدم هي التي تدخلت، ومعها زوجها، لإصلاح ذات البين. وكان الاثنان يتعاملان معنا كأننا طفلان كبيران وكأنهما هما أبوان راشدان.
ولماذا سمحتما لهما بالتدخل؟ ألا يعد هذا اختلالا في العلاقات الاسرية؟ الابن يصلح الأب؟ البنت تنصح الأم والأب وتوجههما؟
- الحقيقة اني أردت أن أبقي خلافاتنا داخل دائرة ضيقة، بعد أن تسرب إلي شعور بأن الأهل والاصدقاء اصبحوا يتندرون بنا وبخلافاتنا المتفجرة والمتكررة.
ومن الواضح أن إدخال البنت وزوجها الى دائرة الجهود الحميدة الساعية الى انقاذ هذا الزواج المضطرب لم تؤد إلا إلى تأجيل انهياره لدورة أخرى، وليس من المستبعد أن تنتهي هذه الدورة بعد فترة تطول أو تقصر، لينفجر غضب الزوج مجددا، ويعود الى الصراخ بوجه زوجته قائلا لها: إنها لم تعد حليلته، او ليطردها من البيت، أو ليقول لها: بوضوح إنها طالق.
ومن الواضح أيضا ان هذا مجرد اختلال إضافي في علاقة أصيبت باختلال جوهري عندما أصبح دخل الزوجة أكبر من دخل الزوج. وعندما أصبح دورها كسيدة أعمال أهم وأكثر بريقا من دور الزوج القابع وراء مكتبه في غرفة ضخمة بإحدى الشركات الحكومية التي تبدو وكأنها قطعة من الستينات باقية بترابها وبملامح الشيخوخة الرمادية التي تميزها في زمن المبادرات الخاصة والشركات متعددة الجنسيات الذي تنتمي إليه زوجة لا تكف عن الحركة والسفر الى مختلف بلدان العالم.
وجدير بالذكر ان السيدة فوزية عندما طردها زوجها، آخر مرة، ذهبت للإقامة في احد الفنادق الفخمة. وعندما كان زوج ابنتها يتحدث الى حمية بشأنها قال له حموه:
لن أتركها تعود الى البيت. سأتركها في الشارع كأي كلب متشرد.
ورد عليه زوج ابنته ساخرا:
- إنها ليست في الشارع. فهي تقيم في جناح فاخر بأحد أكبر فنادق القاهرة.
وتغالب السيدة فوزية ابتسامة خبيثة وهي تقول:
لقد كان من الممكن أن تنتهي هذه الأزمة الأخيرة في وقت أقصر، بعد أن نجحت ابنتي وزوجها في تهدئة زوجي، لكني لم أكن أريد العودة الى البيت قبل ان أسافر الى تركيا لمدة عشرة ايام أنهي خلالها صفقة مهمة.
ولماذا لم تنتظري حتى تعودي الى بيتك ثم تواصلين نشاطك بعد ذلك؟ ألم تكن الأمورقابلة لبعض التأجيل؟
كانت سفرتي الى تركيا هي سبب الخلاف. ولو انتظرت فربما لم أكن سأستطيع السفر. وها أنذا أعود بعد فراق ليس الأول، ولا أظنه الأخير وإن لم يسجل في أوراق رسمية.
ما فهمناه من كلام الحاجة فوزية هو أن زوجها يعاني نوعا من الغيرة المهنية. وربما اضطربت علاقته بزوجته بعد أن تغيرت التوازنات بينهما وأصبحت هي الأقوى بلغة المال والأعمال والمناصب. فهل هذا يبرر الطرد والاشارة اليها بأنها كلب متشرد (أو كلبة شريدة)؟
تساءلنا عن التشخيص العلمي للحالة القائمة بين السيدة فوزية وزوجها، وقبل ذلك للحالة القائمة بين السيدة سناء وزوجها الذي يستسهل النطق بلفظ الطلاق بمناسبة ومن دون مناسبة.
وردت على تساؤلاتنا الدكتورة سهير عبدالمنعم التي تشغل منصب الخبير الأول بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية فبدأت بالحديث عن زوج السيدة سناء قائلة: إن الرجل الذي يستخدم لفظ الطلاق بهذه الدرجة من اللامبالاة هو رجل ضعيف الشخصية، وهو يلجأ للإثبات المتكرر لقدرته على التطليق بهدف ان يثبت رجولته.
وتضيف: ليس كل الرجال يصلحون لتكوين اسرة، ولابد من دورات تدريبية للمقبلين على الزواج من الجنسين لتعريفهم بأصول إدارة الحياة التي هم مقبلون عليها لتحجيم الغوغائية.
لكن العالم الكبير الدكتور قدري حفني يرى أن المسألة ليست نفسية بل هو أمر يجري في إطار عام من رؤية محددة للثقافة الدينية كما يراها الناس.
هو لا يقول ان هذه هي طبيعة الثقافة الدينية في تصورها للعلاقة بين الرجل والمرأة، لكنه يقول ان هذه هي رؤية الناس لها، وقد تكون رؤيتهم خاطئة. وبناء على هذه الرؤية فالرجل افضل من المرأة ومن حقه ان يطلق كما يشاء، وقتما يشاء ما دام يدفع. فالمسألة في نظر رجل كهذا هي مجرد مال. ومن حكم في ماله ما ظلم.
ويضيف: أعرف ان هذا قد لا يكون من روح الاسلام لكن هذا هو الفهم الشائع. وكمتخصص في علوم السلوك لا في العقيدة فأنا انظر الى ما يراه الناس.
ولا يرى قدري حفني لهذه المسألة ارتباطا بالثراء او بالغنى. اي لا يضع لها اطارا طبقيا معينا. فالفقراء يفعلون ما يفعله الاغنياء لأن ثمن الفقيرة اقل من ثمن الغنية والكل يدفع.
المقاطعة الجسدية
لكن الطلاق غير الرسمي، الذي يسمح باستمرار الحياة الزوجية رغم استمرار اساسها الفعلي قد يأخذ اشكالا اخرى منها المقاطعة الجسدية او النفسية التي تحول الزواج الى مجرد صورة زائفة تغطي على الحقيقة البائسة التي يعيشها الزوجان، وربما يعيشها معهما اطفالهما.
وقد تحدثنا الى طبيبة بشرية كانت اكثر حرصا على اخفاء هويتها من السيدتين السابقتين، فطلبت ان نشير اليها باسم 'الدكتور س'، زوج الدكتورة يقاطعها جنسيا منذ ثلاثة اعوام. وقد كانت هذه المقاطعة ذروة ازمات وتوترات تهز علاقتهما منذ كانا في مرحلة الخطوبة!
منذ تلك المرحلة المبكرة من العلاقة والزوج يعامل 'الدكتورة س' وعائلتها باعتبارها ادنى مكانة منه ومن عائلته. ولا يتورع حتى عن توجيه الاهانات لها بحضور والديها، بل يتطاول عليهما، رغم ان المفاضلة بين المكانة الاجتماعية والمهنية ومستوى الدخل للاسرتين، اسرته واسرة زوجته، تبدو امرا صعبا للغاية، فالاسرتان تنتميان الى شريحة عليا من طبقة متوسطة صنعت نفسها بالتفوق المهني في مجالات الطب والهندسة.
وتقول الزوجة ان الانهيار الراهن لم يكن من الممكن تجنبه فقد كان مؤجلا منذ سنوات بعيدة.
وما السبب المباشر لهذه القطيعة؟
- اكتشفت ان زوجي على علاقة بفتيات ساقطات، من بنات بنات الليل.
وكيف حدث ذلك؟
- كان في سيارته وكانت معه ساقطتان، وكان هاتفه النقال ينقل الي ما يدور بينه وبينهما من امور يندى لها الجبين، دون ان يدري ان الهاتف النقال مفتوح وانه يقوم بارسال تفاصيل الفضيحة في بث مباشر الى بيت الزوجية، والى الزوجة المظلومة.
وتواصل بمرارة واضحة:
- لولا ان هذا هو صوته وهذا هو رقم هاتفه النقال لظننت انه رجل آخر، فقد كان مرحا بشكل لم اعهده فيه منذ عرفته. وكان رغم بذاءته رقيقا وعطوفا. وقد ذكرني بالاسم وذكر ابنتنا باسمها للساقطتين وتندر علينا بشكل مؤلم، ولكن بظرف وذكاء لم اعدهما فيه قط.
ولماذا قاطعك وانت الضحية؟
- لا اعرف، ولكنه بعد المواجهة التي كشفت فيها خزيه امام امه المتعجرفة هجر فراش الزوجية، نهائيا.
ولماذا لا تطلبي الطلاق؟
- لا اريد ان تتعذب ابنتي، اذا اخذها مني بحكم محكمة، لتعيش مع زوجة اب لابد انه سيعذبها كما عذبني.
المقاطعة الجدية هي حالة زوجة اخرى طلقها زوجها طلاقا بائنا، فتوقف عن المعاشرة وعن الاختلاء بها وعن الحديث اليها، لكنه ابقاها في بيت الزوجية رغم انفها، لانه لم يطلقها رسميا. انها زوجته على الورق، لكنها لا تستطيع ان تكون زوجة فعلية له او لغيره. فهو لا يطلقها رسميا حتى تتزوج بغيره ولا يردها اليه. بل يتركها مثل 'البيت الوقف'، وهو تعبير عامي مصري شائع يشار به الى مثل هذه العلاقة الغريبة التي تجبر المرأة على ان تجمد انوثتها وامومتهما بقرار انسحاب من جانب واحد.
وهل ينفق عليك؟
- انه ينفق على بيته بكل سخاء. فهو سخي من الناحية المالية، المال لا يعني شيئا بالنسبة له. هو يكسب كثيرا وينفق كثيرا.
وما سر الطلاق بينكما؟ وكيف تأزمت الامور الى هذا الحد؟
- هو متسلط ومستبد برأيه، وهو دائم التحضير لكل رأي يبدر عني، بل لكل كلمة اتفوه بها.
وهل كان كذلك دائما؟
- كان يظهر اللامبالاة بما يقول. لكنه كان مهذبا في فترة الخطوبة، وفي السنوات الاولى من الزواج، وأصبح اكثر غلظة في تعبيراته، بمرور الايام.
الدفء والقسوة
وهل هو كريم بالمال شحيح بالعواطف؟
- بالعكس ان عواطفه ورغباته كالسيل الجارف، احاطني بكل مظاهر الكرم المادي والنفسي والجسمي منذ عرفته، كان دافئا للغاية، في اول العلاقة، ومازال دافئا رغم قسوة الفاظه.
كان يحتويك ويسيطر عليك؟
- لم أكن انزعج لهذا. كان واضحا انه يريدني ان اكون طوع بنانه، ولم اعترض ابدا. كنت ابدي له رأيي في كل الامور واترك له بعد ذلك حرية التصرف.
هذه مرونة تحول دون الانهيار، بغض النظر عن تقييمنا او تقييم اي انسان لموقفك، فكيف وقع الانهيار الحاصل؟
- اراد ان يزوج الأكبر لابنة مسؤول فاسد ورد اسمه في عديد من قضايا الفساد المشهورة، واعترضت بشدة ولم اكتف هذه المرة بالتعبير عن الرأي دون اتخاذ موقف حازم.
وما هو موقف الابن؟
- كان موافقا في البداية، لان العروس جميلة، لكنه عرف انها لا تريد الزواج منه، وانها مثله توشك ان تكون ضحية صفقة بين مسؤول ورجل اعمال.
وقد تحالف الاثنان ضد أبويهما. لكن زوجي ظن اني أنا السبب وأني انا التي حرضت ابني على الرفض.
وهل ابنة المسؤول تصارح اباها بموقفها؟
- هي تكتفي بالكلام مع امها التي لها نفس موقفنا ضد الابوين معا، ضد زوجي وزوجها. لكن زوجي يحملني انا تبعات كل المواقف.
وماذا تنوين فعله؟
- لا شيء، انا اعيش في بيتي ومع اطفالي وفي ظل زواج صوري ناقص.
الزواج العرفي والطلاق العرفي كلاهما حرام
الطلاق العرفي يحول الزواج إلى صورة زائفة تخفي العلاقة البائسة بين رجل وامرأة
الفهم السائد للثقافة الدينية يجعل الطلاق حقا لمن يملك أن يدفع ثمنه
عناد زوج أناني
الخبير الاول بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية الدكتورة سهير عبدالمنعم تفسر رفض الزوج للطلاق رغم ان العلاقة انتهت، او لم تقم لها قائمة من الاصل بانه عناد زوج اناني يريد ان يبرر لنفسه انه يعيش دور الضحية امام الاصدقاء او الصديقات.
ثم اشارت الى ان ازمة منتصف العمر التي ترتد بالرجل الى مراهقة ثانية بدأت تظهر بين الرجال الاصغر سنا بعد ان كانت في اجيال سابقة قاصرة على الرجال في العقد الخامس او ما بعده.
اما الدكتور قدري حفني فيعتبر ان الرجل الذي يرفض الطلاق رغم انتفاء دواعي الاستمرار في العلاقة الزوجية يتعامل مع الزوجة كشيء من املاكه ينصرف فيه كيف شاء: املاكي وانا حر فيها. عندي سيارة قديمة ولا احد يستطيع ان يجبرني على التنازل عنها.
عضو مجتمع البحوث الاسلامية الدكتور عبدالمعطي بيومي يضع الحالات التي ذكرناها في اطار شامل بقوله: هذا حرام. كل هذا حرام. الزواج العرفي والطلاق العرفي كلاهما حرام. لانه عضل للمرأة وتعطيل لها. وقد نهى الله عن ذلك اذ قال عز من قائل: 'واذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن فلا تعضلوهن ان ينكحن ازواجهن'.
ويمضي قائلا: ان واجب المرأة في حالة كهذه ان تبلغ القضاء حتى يرد لها حقوقها الشرعية. واذا انكر الزوج حقيقة الوضع فعليها ان تستعين بالشهود. وان تعذر الشهود فان القاضي سيجبره على حلف اليمين لان البينة على من ادعى.
فهل يجد رجل فاجر صعوبة في ان يحنث باليمين؟ هل زوج 'الدكتورة س' يتردد في حلف اليمين ليستر خزيه؟ هل العنين الذي يخفي العنة باعمال الوحشية يهمه امر كهذا؟ هل يدرك المنحرفون خطورة القسم باسم الاله في حضرة المحكمة؟
في النهاية يبقى امام المرأة باب الخلع، في البلاد التي تعطي المرأة حق الخلع، وحتى هذا الخيار يحتاج شجاعة قد لا تكون عند كل النساء.
الوحش العاجز
آخر حالة من حالات الطلاق العرفي التي قابلناها هي حالة مدرسة بالجامعة لم يعاشرها زوجها معاشرة جنسية منذ تزوجا. انها زوجة عذراء لم يدخل بها الزوج.
الزوج عاجز جنسيا سبق له الزواج واكتشفت الزوجة الأولى عجزه وطلبت الطلاق. ولم تتمكن من الطلاق الا بعد حكم المحكمة لانه فعل شيئا شيطانيا بهدف تعجيزها عن الطلاق، فقد فض بكارتها باصبعه ليلة الزفاف. وعندما قالت للاهل وللمحكمة انها متزوجة من رجل عقيم لم يصدقها احد، حتى تم الكشف على الزوج طبيا وثبت انه عقيم.
وبعد الطلاق اشاع الزوج عن زوجته الأولى هذه انها فقدت بكارتها قبل الزواج وانه طلقها لانه اكتشف سوء سلوكها سألنا الزوجة الثانية:
وكيف قبلت الزوجة الأولى فض بكارتها بهذه الطريقة؟
- لا اعرف كيف اقنعها بمثل هذا الأمر الوحشي.
وهل حاول اقناعك بالشيء ذاته؟
- نعم، جاءني ليلة الزفاف بزجاجة نبيذ فرنسي وسيجارة محشوة بالمخدرات، لكي تسهل عليه السيطرة علي.
وهل قبلت بهذا؟
- نعم. لم امانع. وكانت هذه اول واخر مرة اتعاطى فيها امورا كهذه. وبعد ان لعبت الخمر والمخدر برأسي بدأ هو ما كنت اظنه امرا طبيعيا يحدث بين زوج وزوجة. ثم فوجئت بانه يريد ان يفعل بي ما عرفت، بعد ذلك، انه فعله بالزوجة الأولى. ورغم اني لم اكن في كامل وعيي فإني قاومت بشدة.
وهل كان عنيفا؟
- تحول الى وحش، لكني لم امكنه مني، وقد رفسته بقوة بالغة واسقطته من فوق فراش الزوجية.
وماذا جرى بعد ذلك؟
- ظل يبكي حتى الصباح، ثم لزم الصمت وراح يرقبني بعينين كسيرتين. وقد عرفت كل ما جرى للزوجة الأولى، في صباح اليوم التالي.
وهل طلبت الطلاق؟
- هل تريدني ان اذهب للمحاكم واتعرض للفضائح التي تعرضت لها الزوجة الأولى؟
هل حاولت تسوية الأمر معه، دون اللجوء إلى المحاكم؟
- هو استبق كل شيء. قال لي انه لن يطلقني الا اذا اجبر على ذلك. قال لي ان المحاكم لن تستطيع ان تجبره على ان تفصله عني. هو بحاجة الى زوجة. مجرد حاجة نفسية واجتماعية. مجرد ديكور.
ولماذا تقبلين ان تظلي مجرد ديكور؟
- انا الان زوجة. ولو حصلت على طلاق من محكمة فساكون مطلقة، رغم اني لم اتزوج. ولست مستعدة حتى الان لمواجهة المجتمع ولمواجهة طلبتي وزملائي باعتباري مطلقة.