مقاتل
12-17-2006, 03:01 PM
ثلث البشرية يحصلون على كميات غير كافية من اليود
أستانة (كازاخستان): دونالد ماكنيل *
تأكدت فالنتينا سيريوكوفا ان رسالتها حققت فحواها عندما سمعت ان تلميذا وصف زميلا له بالغباء. وصاح عليه «هل تعاني من نقص اليود؟».
وشعرت سيفروكوفا رئيسة الاتحاد العام للجمعيات الخيرية في كازاخستان بالسعادة. فهي تعني ان السنوات التي قضتها تحاول فيها زيادة وعي الناس بأن الملح المحتوي على نسبة من اليود يمنع إلحاق اضرار بدماغ الاطفال قد حققت نتيجة. واذا ما اثمرت الحملة فسيمكن الحفاظ على مقياس الذكاء في كازاخستان.
وفي الواقع فإن كازاخستان اصبحت مثالا على امكانية تحقيق دولة ضخمة نامية، مثل هذه الدولة الواقعة في اسيا الوسطى، نجاحا في مجال الصحة العامة. ففي عام 1999، كانت نسبة البيوت التي تستخدم الملح المحتوي على اليود 29 في المائة فقط. وقد بلغت النسبة الان 94 في المائة. ومن المتوقع، ان تعلم الامم المتحدة في العام القادم ان كازاخستان خالية من اضطرابات نقص اليود.
ولم يكن هذا التحول بسيطا. فقد كان على الحملة مواجهة شكوك واسعة النطاق بخصوص اليود، المنتشرة بكثرة في عديد من الأماكن، بالرغم من ان وضع يود في الملح ربما يكون ابسط وارخص الاجراءات الصحية في العالم. فكل طن من الملح يحتاج الى اوقيتين من يودات البوتاسيوم، التي يصل ثمنها الى 1.15 دولار.
وعلى المستوى العالمي تبين ان ملياري نسمة (ثلث البشرية) يحصلون على كميات غير كافية من اليود، بما في ذلك مئات الملايين في الهند والصين. وقد كشفت الدراسات ان نقص اليود هو السبب الرئيسي لمنع التخلف العقلي. بل ان النقص المعتدل ولا سيما في النساء الحوامل والرضع، يخفض مقياس الذكاء بنسبة تتراوح بين 10 الى 15 في المائة.
وتجدر الاشارة الى ان مظاهر نقص اليود ـ تضخم الغدة الدرقية والعته والتقزم ـ تؤثر على عدد محدود من الاشخاص، ولا سيما في القرى الجبلية. ولكن 16 في المائة من سكان العالم يعانون من تضخم معتدل للغدة الدرقية. وقد طالب مؤتمر قمة الطفولة الذي عقد في عام 1990 بالقضاء على نقص اليود بحلول عام 2000، ويقود الحملة البروفسور جاك لينغ رئيس المجلس الدولي للتحكم في امراض نقص اليود، وهي لجنة مكونة من 350 عالما تشكلت عام 1985، وهي الحملة التي تشارك فيها اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي ووكالات المساعدات الاجنبية في كندا واستراليا وهولندا والولايات المتحدة وعدد اخر من الدول.
وقد حققت اللجنة، بعيدا عن الانظار، نجاحا كبيرا: كانت نسبة البيوت التي تستخدم الملح المضاف اليه اليود لا تزيد عن 25 في المائة عام 1990. اما الان فقد ارتفعت النسبة الى 66 في المائة.
الا ان الجهود بدأت تتقلص مع التركيز على امراض اخرى مثل الايدز وانفلونزا الطيور.
وفي عديد من دول العالم، مثل اليابان، يحصل الناس على اليود من الاطعمة البحرية والخضروات التي تنمو في الاراضي الغنية باليود او الحيوانات التي تأكل حشائش تنمو في مثل تلك الاراضي. ولكن حتى الدول الثرية، بما في ذلك الولايات المتحدة واوروبا، تحتاج الى دعم ذلك بالملح الذي يحتوي على اليود.
المشكلة ليست في توفير اليود نفسه فيمكن رشه على الطعام، ولكن المشكلة هي العلاقات العامة.
ففي بعض الدول، تنتشر شائعات على ان نشر استخدام اليود يعتبر محاولة حكومية لتسميم واحد من الاشياء الحيوية. وفي بعض الدول الاخرى تصر جماعات الحريات المدنية على الحق في اختيار ملح نقي. وقائمة الشائعات لا تنتهي فاليود مسؤول عن الايدز وانتشار السكر والعجز الجنسي.
الا ان الدكتور جيرالد بورو العميد السابق لكلية الطب في جامعة ييل ونائب رئيس مجلس اليود يقول «يمكنك جعل سكان العالم اكثر ذكاء مقابل 5 سنتات».
في التسعينات، عندما بدأت العملة لنشر اليود، كانت اكبر تركيزا للدول التي يعاني سكانها من امراض نقص المناعة وهي جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق وهي دول داخلية (لا تطل على بحار).
وقد انهارت اقتصادات كل تلك الدول ـ كازاخستان وتركمنستان وطاجيكستان واوزبكستان وقرغيستان ـ بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وكانت نسبة مستخدمي اليود في تلك الدول لا تزيد على 28 في المائة.
وفي عام 1996 فتحت منظمة اليونيسف اول مكتب لها في كازاخستان واجرت احصائية لأكثر من 5 آلاف مسكن. ووجدت ان 10 في المائة من الاطفال يعانون من توقف النمو. وفي تركمنستان، حل الرئيس سابارمورات نيزوف ـ وهو ديكتاتور تحمل كل الساعات الكبيرة صورته وغير اسماء الاسبوع لتحمل اسماء اسرته ـ المشكلة بإعلان الملح العادي غير قانوني عام 1996 وامر المحلات بتقديم 11 رطلا من الملح المحتوي على اليود سنويا لكل مواطن على حساب الدولة.
واليوم في وسط كازاخستان تطل سلسلة جبلية صغيرة على ارال وهي مدينة صناعية متهالكة كانت واقعة على ما يعرف ببحر الارال، وهي بحيرة مالحة انكمشت علي مدى السنوات بسبب مشروعات الري التي بدأت في عهد ستالين وسحبت المياه التي كانت تصب فيها. واذا ما اقتربت كثيرا لمشاهدة تلك السلسلة من الجبال يتبين لك انها جبال من الملح ـ مخزون شركة ارال توز. ويجري استخراج الملح هنا منذ قرون طويلة. ويتم نقل الملح لمسافة 11 ميلا حيث يجري غسله وطحنه. وقبل أن يصل الملح الى غرفة التعبئة يجري رشه باليود.
وقد قدمت اليونيسيف الخزان وجهاز الرش الذي يصل ثمنه الى 15 الف دولار هدية الى المصنع.
خدمة «نيويورك تايمز» خاص بـ «الشرق الاوسط»
أستانة (كازاخستان): دونالد ماكنيل *
تأكدت فالنتينا سيريوكوفا ان رسالتها حققت فحواها عندما سمعت ان تلميذا وصف زميلا له بالغباء. وصاح عليه «هل تعاني من نقص اليود؟».
وشعرت سيفروكوفا رئيسة الاتحاد العام للجمعيات الخيرية في كازاخستان بالسعادة. فهي تعني ان السنوات التي قضتها تحاول فيها زيادة وعي الناس بأن الملح المحتوي على نسبة من اليود يمنع إلحاق اضرار بدماغ الاطفال قد حققت نتيجة. واذا ما اثمرت الحملة فسيمكن الحفاظ على مقياس الذكاء في كازاخستان.
وفي الواقع فإن كازاخستان اصبحت مثالا على امكانية تحقيق دولة ضخمة نامية، مثل هذه الدولة الواقعة في اسيا الوسطى، نجاحا في مجال الصحة العامة. ففي عام 1999، كانت نسبة البيوت التي تستخدم الملح المحتوي على اليود 29 في المائة فقط. وقد بلغت النسبة الان 94 في المائة. ومن المتوقع، ان تعلم الامم المتحدة في العام القادم ان كازاخستان خالية من اضطرابات نقص اليود.
ولم يكن هذا التحول بسيطا. فقد كان على الحملة مواجهة شكوك واسعة النطاق بخصوص اليود، المنتشرة بكثرة في عديد من الأماكن، بالرغم من ان وضع يود في الملح ربما يكون ابسط وارخص الاجراءات الصحية في العالم. فكل طن من الملح يحتاج الى اوقيتين من يودات البوتاسيوم، التي يصل ثمنها الى 1.15 دولار.
وعلى المستوى العالمي تبين ان ملياري نسمة (ثلث البشرية) يحصلون على كميات غير كافية من اليود، بما في ذلك مئات الملايين في الهند والصين. وقد كشفت الدراسات ان نقص اليود هو السبب الرئيسي لمنع التخلف العقلي. بل ان النقص المعتدل ولا سيما في النساء الحوامل والرضع، يخفض مقياس الذكاء بنسبة تتراوح بين 10 الى 15 في المائة.
وتجدر الاشارة الى ان مظاهر نقص اليود ـ تضخم الغدة الدرقية والعته والتقزم ـ تؤثر على عدد محدود من الاشخاص، ولا سيما في القرى الجبلية. ولكن 16 في المائة من سكان العالم يعانون من تضخم معتدل للغدة الدرقية. وقد طالب مؤتمر قمة الطفولة الذي عقد في عام 1990 بالقضاء على نقص اليود بحلول عام 2000، ويقود الحملة البروفسور جاك لينغ رئيس المجلس الدولي للتحكم في امراض نقص اليود، وهي لجنة مكونة من 350 عالما تشكلت عام 1985، وهي الحملة التي تشارك فيها اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي ووكالات المساعدات الاجنبية في كندا واستراليا وهولندا والولايات المتحدة وعدد اخر من الدول.
وقد حققت اللجنة، بعيدا عن الانظار، نجاحا كبيرا: كانت نسبة البيوت التي تستخدم الملح المضاف اليه اليود لا تزيد عن 25 في المائة عام 1990. اما الان فقد ارتفعت النسبة الى 66 في المائة.
الا ان الجهود بدأت تتقلص مع التركيز على امراض اخرى مثل الايدز وانفلونزا الطيور.
وفي عديد من دول العالم، مثل اليابان، يحصل الناس على اليود من الاطعمة البحرية والخضروات التي تنمو في الاراضي الغنية باليود او الحيوانات التي تأكل حشائش تنمو في مثل تلك الاراضي. ولكن حتى الدول الثرية، بما في ذلك الولايات المتحدة واوروبا، تحتاج الى دعم ذلك بالملح الذي يحتوي على اليود.
المشكلة ليست في توفير اليود نفسه فيمكن رشه على الطعام، ولكن المشكلة هي العلاقات العامة.
ففي بعض الدول، تنتشر شائعات على ان نشر استخدام اليود يعتبر محاولة حكومية لتسميم واحد من الاشياء الحيوية. وفي بعض الدول الاخرى تصر جماعات الحريات المدنية على الحق في اختيار ملح نقي. وقائمة الشائعات لا تنتهي فاليود مسؤول عن الايدز وانتشار السكر والعجز الجنسي.
الا ان الدكتور جيرالد بورو العميد السابق لكلية الطب في جامعة ييل ونائب رئيس مجلس اليود يقول «يمكنك جعل سكان العالم اكثر ذكاء مقابل 5 سنتات».
في التسعينات، عندما بدأت العملة لنشر اليود، كانت اكبر تركيزا للدول التي يعاني سكانها من امراض نقص المناعة وهي جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق وهي دول داخلية (لا تطل على بحار).
وقد انهارت اقتصادات كل تلك الدول ـ كازاخستان وتركمنستان وطاجيكستان واوزبكستان وقرغيستان ـ بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وكانت نسبة مستخدمي اليود في تلك الدول لا تزيد على 28 في المائة.
وفي عام 1996 فتحت منظمة اليونيسف اول مكتب لها في كازاخستان واجرت احصائية لأكثر من 5 آلاف مسكن. ووجدت ان 10 في المائة من الاطفال يعانون من توقف النمو. وفي تركمنستان، حل الرئيس سابارمورات نيزوف ـ وهو ديكتاتور تحمل كل الساعات الكبيرة صورته وغير اسماء الاسبوع لتحمل اسماء اسرته ـ المشكلة بإعلان الملح العادي غير قانوني عام 1996 وامر المحلات بتقديم 11 رطلا من الملح المحتوي على اليود سنويا لكل مواطن على حساب الدولة.
واليوم في وسط كازاخستان تطل سلسلة جبلية صغيرة على ارال وهي مدينة صناعية متهالكة كانت واقعة على ما يعرف ببحر الارال، وهي بحيرة مالحة انكمشت علي مدى السنوات بسبب مشروعات الري التي بدأت في عهد ستالين وسحبت المياه التي كانت تصب فيها. واذا ما اقتربت كثيرا لمشاهدة تلك السلسلة من الجبال يتبين لك انها جبال من الملح ـ مخزون شركة ارال توز. ويجري استخراج الملح هنا منذ قرون طويلة. ويتم نقل الملح لمسافة 11 ميلا حيث يجري غسله وطحنه. وقبل أن يصل الملح الى غرفة التعبئة يجري رشه باليود.
وقد قدمت اليونيسيف الخزان وجهاز الرش الذي يصل ثمنه الى 15 الف دولار هدية الى المصنع.
خدمة «نيويورك تايمز» خاص بـ «الشرق الاوسط»