المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أربعة عوامل وثلاث مسائل وراء ظهور »طالبان«



زهير
12-14-2006, 07:56 AM
صوفيا ـ محمد خلف


ربط رئيس الحكومة البريطانية توني بلير مستقبل الأمن العالمي خلال العقود الاولى في القرن الحالي بقطعة من الصحراء سماها (جنوب أفغانستان) حيث تواجه قوات الحلف الاطلسي معارك شرسة مع طالبان التي استعادت نفوذها وقوتها خلال الأشهر الاخيرة، مصادر غربية مطلعة كانت كشفت في وقت سابق عن »ان قيادة القوات البريطانية في (ايساف) اضطرت بعد تزايد هجمات طالبان في الجنوب الى عرض هدنة وابرام اتفاق سلام مع شيوخ القبائل الموالين لـ (طالبان) في منطقة (قلعة موسى) بولاية قندهار، مشيرة إلى »أن ذلك كان في أواخر أغسطس الماضي وأن طالبان اشترطت اولا، البحث في انسحاب الاطلسي من البلاد«.

ولم تعد الدول المشاركة في »ايساف« تخفي او تخجل من ترددها في زج قواتها في عمليات حربية في المناطق الملتهبة جنوب البلاد حيث تقود »طالبان« حرب عصابات طاحنة وهذا ظهر واضحا في القمة الاطلسية في ريغا الشهر الماضي، حينما رفضت »ألمانيا وبولندا« صراحة الزج بقواتهما في عمليات مطاردة وملاحقة عناصر الحركة الاصولية.
الرئيس الباكستاني برويز مشرف من جانبه يواجه اتهامات من الاطلسي بعدم التعاون في الحرب ضد »طالبان« وهو ما رفضه بشكل قاطع مشددا في تصريح نقلته الصحف الامريكية على »استحالة تحقيق النصر على (طالبان) عبر الوسائل العسكرية وحدها في غياب اي مبادرة سياسية او حدوث تقدم في مشاريع اعادة الاعمار والتنمية وبناء المناطق التي تمثل مركزا لنشاطات الملا عمر واتباعه«.

العودة الى المعادلة

وكانت الحكومة الباكستانية قررت (العودة الى معادلة 11 سبتمبر بواسطة (الهدنة) التي عقدتها مع (طالبان) الباكستان وتضمنت »سحب قواتها من مناطق وزيرستان المتاخمة للحدود الافغانية مقابل تعهد من زعماء القبائل بوقف هجمات (طالبان) عبر الحدود«، و»عدم اعتقال العناصر الرئيسية في (القاعدة) واطلاق سراح المعتقلين«، اضافة الى »الغاء قرار اعتقال سعود ميمون »صاحب المنزل الذي عذب وقتل ودفن فيه الصحافي الامريكي دانييل بيرل« في »الوول ستريت جورنال« عام 2002 و»ابراهيم شوتو« مع اطلاق سراح السجين غلام مصطفى زعيم »القاعدة« الباكستانية والمعروف بمعرفته الواسعة بعلاقات منظمته مع المخابرات الباكستانية والمؤسسة العسكرية في البلاد.

ويعكس الوضع الافغاني في جوهره وشكله العام نتائج ودينامية الشبكات الارهابية (الجهادية) ومؤيديها في دولة فاشلة، اذ ما تزال عمليات الاعمار بطيئة ولم يحدث تغيير نوعي في مستوى حياة السكان العاديين، وهذا بحد ذاته يوفر ارضا خصبة لدعاية (طالبان) التي تستثمره لاستعادة ما فقدته من مواقع ونفوذ بمساعدة ودعم من اطراف اقليمية من اجل تقويض المشروع الامريكي ولعل تلميح الرئيس الايراني احمدي نجاد قبل ايام للتواصل مع القوى الاخرى (القاعدة) مثلا لطرد المحتلين من العراق وافغانستان يمثل بحد ذاته لوحة تعكس الحالة الحقيقية هناك في افغانستان.
ويذكر ان بريطانيا تعهدت بزيادة مساعدتها لباكستان من 446 مليون دولار الى 907 ملايين على مدى السنوات الثلاث المقبلة بشرط تخصيص جزء كبير من هذا المبلغ لمكافحة التشدد في المدارس الدينية وتطوير اجهزة الامن في البلد.


وكان نائب مدير الاستخبارات في القيادة المركزية الاميركية الجنرال نيل وايل كشف قبل ايام معدودة (ان شبانا خليجيين يسافرون الى افغانستان للمشاركة فيما يرونه جهادا) قائلا (ان طالبان) صارت تلجأ الى تنفيذ هجمات بشحنات ناسفة على خط الامدادات الرئيسي بين كابول وقندهار وانتقلت الى مرحلة العمليات الانتحارية).
وقال (ان من ينفذ هذه العمليات هم العناصر الوافدة من الشرق الاوسط) ملاحظا (ان الظاهرة الانتحارية في نشاطات (طالبان) مستنسخة تماما عن مثيلاتها في العراق والاراضي الفلسطينية) موضحا (ان عدد هذه العمليات ارتفع من 46 عملية في 2005 الى 94 هذه السنة).

ولا شك ان تبني (طالبان) لما يمكن تسميته (البعد الانتحاري) يهدف الى (اثارة الرعب والخوف والفوضى في نفوس المدنيين) و(تقويض الثقة وزعزعتها بالحكومة والقوات الامنية الوطنية) و(منع واعاقة عمليات التنمية والاعمار لكي لا تدور الماكنة الاقتصادية في البلاد).

عوامل ومسائل

ومع اتمام السنة السادسة على تحرير افغانستان من (طالبان) نشهد تنافسا في العناوين الصحافية في وصف (انبعاث طالبان) حيث (التنامي التدريجي لنفوذها) وهو ما عزاه الباحث والمحلل (بول روجرز) الى (اربعة عوامل) و(ثلاث مسائل مهمة) هي اولا (ان الولايات المتحدة اطاحت بـ (طالبان) بسهولة توفرت بفعل القصف الجوي وتحالف الشمال) غير (ان هذه السهولة والطابع الخاطف للحرب اتاح لـ (طالبان) الذوبان في مدنهم وقراهم على جانبي الحدود مع الباكستان محتفظين باسلحتهم وعتادهم وبالتالي صعوبة العثور عليهم وكشفهم) وثانيا (عجز القوات الاطلسية في توفير الادوات الامنية اللازمة التي تتطلبها حكومة كرزاي، مما انعكس سلبا على عمليات البناء وبقيت الحكومة المركزية غائبة مقابل سيطرة امراء الحرب والميليشيات وعصابات الجريمة المنظمة وهي كلها مرتبطة بطرق امدادات (الافيون) وتوزيعه.

وثالثا (تزايد مشاعر العداء لامريكا في اوساط قطاعات واسعة من السكان لاسيما تلك التي تعرضت مدنها وبلدانها لضربات جوية لم تحسن التمييز غالبا، مقابل عدم جدية وتردد مشرف في مواجهة الحركات الاصولية في الباكستان التي تتزايد قوة ونفوذا، واخيرا (تسبب انتعاش زراعة الافيون وتجارتها في توفير موارد دخل اضافية لـ (طالبان) اذ شهد العام الماضي على سبيل المثال (توسعا غير مسبوق في تصنيع الافيون وتحويله الى كوكايين ومورفين)، (وتشير الارقام الى انه (بينما صدر قبل عشرة اعوام %75 من الانتاج على شكل افيون خام وتم صنع الربع المتبقي في البلاد على شكل هرويين وافيون انقلبت المعادلة كليا العام الجاري).

ويرى روجرز (ان المسائل الثلاث الملحة) هي اولا : الوضع العراقي الذي رفد افغانستان على عكس ما كانت عليه الوجهة ببضع مئات من المجاهدين الشبان بعضهم افغان قاتلوا في العراق قبل ان يعودوا مع اسلحتهم وخبراتهم، والثانية (احتدام حملات تطويع المقاتلين ـ بالاستفادة في التردي العام كما في عوائد الافيون) فيما ترتبط الثالثة بالقيادة التي لم تحل مطاردة الملا عمر دون توحدها في يديه وانتقاله ومن ثم الى تعيين قائد عسكري واحد هو (الملا جلال الدين حقاني) الذي كان في اوائل التسعينات احد القادة العسكريين لـ (المجاهدين) قبل ان يتحول الى طالبان).

مصاعب

وتوقف الاكاديمي المتابع لشؤون العالم الاسلامي عند بعض المصاعب التي تواجهها الولايات المتحدة في افغانستان مشيرا الى ان (تعاون ضباط الاستخبارات العسكرية sis مع طالبان) التي ومنذ التسعينات تحصل على الدعم لكي تكون بمثابة (الاحتياطي الاستراتيجي لباكستان في نزاعها يوما ما في المستقبل مع الهند وايران).

الوضع المتأزم في افغانستان يحتاج الى عدة اجراءات سريعةوفعالة وهي اولا (ان يوجد الرئيس كرزاي ادارة فعالة وذات صدقية بعيدا عن الفساد والمحسوبية اللتين تطبعان سلطة الاتحاد) و(ان يقوم الاطلسي باستثمار المزيد من الاموال في اعادة البناء والاعمار والأمن) و(ضمان الحدود مع الباكستان بدفع المزيد من القوات الاقليمية المذودة بالاسلحة والتقنيات المتطورة) و(الشروع في مفاوضات لترسيم هذه الحدود مع الباكستان على نحو دقيق لانه مركز النزاع مع افغانستان منذ عام 1947).

يقول الجنرال كارل ايكنبري قائد القوات الامريكية في افغانستان (اروني اين ينتهي الطرف وانا سأريكم اين يبدأ اتباع طالبان) فيما قال المحلل الامريكي جيم هوغلاند (مكافحة التمرد في افغانستان على المدى البعيد ستقدم مؤشرا على نتيجة الصراع الاوسع ضد التطرف الجهادي).