على
12-12-2006, 12:05 AM
الشيخ عبد الله بن منيع لـ «الشرق الأوسط»: إبقاء المتوفى دماغيا على الأجهزة بين الحياة الموت تعذيب
د. محمد القاوي استشاري الأعصاب: عدم استقرار الفتوى يسبب تشويشا كبيرا على دور الأطباء الإنساني في إنقاذ حياة آخرين * النجيمي مستشار المجمع الفقهي: النزاع بين الأطباء حول تقرير الوفاة الدماغية انتقل إلى الفقهاء أنفسهم
الرياض: هدى الصالح
لا يخطئ المراقب للجدل الدائر حول وضع المريض الذي اصطلح على وصفه طبيا بـ«المتوفى دماغيا»، لا يخطئ النظر على الاختلاف والتباين في مواقف علماء الدين وأهل الفتوى، حول حكم هذا الوضع.
ففتوى المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دورتيه الثامنة والتاسعة 1407 هجري، أجازت رفع الأجهزة عن المتوفى دماغيا. وأقرت «أن ثبوت حالة الوفاة الدماغية يعتبر شرعا أن الشخص قد مات وتترتب عن ذلك جميع الأحكام المقررة شرعا، وفي هذه الحالة يجوز رفع جهاز التنفس الصناعي وان كانت بعض الأعضاء كالقلب مثلا لا تزال تعمل آليا بفعل الجهاز».
بينما فتوى هيئة كبار العلماء في السعودية 1417 هجري، نصت على الآتي: «عدم جواز الحكم بموت الإنسان الموت الذي تترتب عليه أحكامه الشرعية بمجرد تقرير الأطباء أنه مات دماغيا حتى يعلم انه مات موتا لا شبهة فيه تتوقف معه حركة القلب والنفس مع ظهور الإمارات الأخرى الدالة على موته يقينا، لأن الأصل حياته فلا يعدل عنه إلا بيقين..» إلى إحجام حاد تصل نسبته 70 في المائة من قبل ذوي حالات الوفاة الدماغية للتبرع بأعضائهم وفي ظل عدم انسجام الفتوى الشرعية واتحادها حول هذه المسألة تأثر المركز السعودي لزراعة الأعضاء بهذا الرفض الكبير، فبالرغم من أن عدد حالات الوفاة الدماغية في السعودية تصل سنويا الى ما يقارب 600 إلى 800 حالة، يتم التبليغ حاليا عن 400 حالة سنويا إلى المركز السعودي لزراعة الأعضاء من أقسام العناية المركزة بمختلف مستشفيات السعودية، لا يستفاد سوى مما لا يتجاوز عدده 60 إلى 100 حالة في التبرع بأعضائهم. وفيما يتعلق بالتباين ما بين فتوى هيئة كبار العلماء ومجمع الفقه الإسلامي الذي اقر أن ثبوت حالة الوفاة الدماغية إنما يعتبر شرعا أن الشخص قد مات وتترتب عليه جميع الأحكام المقررة شرعا للوفاة.
قال الشيخ عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، أن الهيئة تتخذ مزيدا من الاحتياط، حيث لا ترى في ثبوت الأحكام الشرعية لمن تتحقق بحقه الوفاة الدماغية، حيث لا يثبت لورثته الإرث ولا يجوز تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه كما لا ينبغي لزوجته أن تقوم بعدة الوفاة سوى عقب الوفاة الشرعية التي بها تثبت الأحكام الشرعية، مشيرا إلى ان المتوفى دماغيا ليس بحي أو ميت.
وحول التبرع بأعضاء المتوفى دماغيا، أكد عدم جواز التبرع بأعضائه سوى عقب وفاته وفاتا شرعية، مشبها التبرع بأعضائه قبل ذلك «بالتمثيل في الإنسان».
وفي مسألة إزالة أجهزة الإنعاش، ذكر بن منيع أنه لا يوجد في قرار هيئة كبار العلماء ما يدل على إزالتها أو عدم إزالتها، مؤكدا انه من خلال تبادل النقاش مع أعضاء الهيئة تم التوصل انه لا ينبغي إبقاء الأجهزة عليه لما فيه من إطالة الأذى على المريض، واعتبر إبقاء الأجهزة على المتوفى دماغيا نوعا من أنواع تعذيب المريض وإبقاءه ما بين الحياة والموت مما لا يتفق مع كرامة الإنسان. من جهته، قال الدكتور محمد النجيمي مستشار مجمع الفقه الإسلامي، إن النزاع الفقهي والشرعي في مسألة إزالة الأجهزة عن المتوفى دماغيا والتبرع بأعضائه، هو خلاف كبير، لكنه ليس بحديث، مبينا أن النزاع فيما بين الأطباء أنفسهم حول تقرير الوفاة الدماغية انتقل إلى العلماء أنفسهم.
ورجح النجيمي فتوى المجمع الفقهي على فتوى هيئة كبار العلماء والتي أجازت إزالة الأجهزة عن المتوفى دماغيا بعكس الأخيرة، إذ استندت الى موافقة أغلبية أعضاء المجمع بعد استشارة أطباء مختصين.
من جهة أخرى، طالب الدكتور النجيمي الأطباء المختصين باعتماد فترة زمنية كافية لتحديد وفاة الشخص دماغيا وتمديد فترة الثلاثة أشهر إلى عام كامل، كي تمر على المريض الفصول السنوية الأربعة، إلى جانب تشكيل لجنة طبية عليا من كبار الأطباء لتقرير حالة المصاب، وان كان متوفى دماغيا أم لا؟
الدكتور محمد القاوي كبير الاستشاريين المتميز في إدارة علوم الأعصاب في مستشفى الملك فيصل التخصصي، قال إنه لا يوجد ما يسمى بموت الدماغ وموت القلب، معتبرا الوفاة هي ذاتها وإنما الاختلاف في العلامات التي نستدل بها على حدوث الوفاة.
وأوضح القاوي أن توقف القلب في السابق هو علامة الوفاة، إلا انه مع مرور الزمن ثبت أن توقف القلب علامة غير ثابتة بسبب التطور في أجهزة الإنعاش، وكثيرا ما تشهد غرف الإسعاف حالات مرضى توقف قلبهم تم إنعاشهم لاحقا ليستبدل تقرير الموت بسبب التقدم في أجهزة الإنعاش والتنفس الصناعي باستخدام علامات وظائف الدماغ. وأشار إلى أن التعريف الدقيق للموت يكمن في تعريف «نقطة اللاعودة» والذي عقب أن كان لسنوات عدة في جس النبض، أصبح حاليا «الدماغ»؛ فتلف الدماغ تلفا نهائيا لا رجعة فيه يعادل الوفاة، مؤكدا انه لم يسمع بعودة أي شخص إلى الحياة عقب تلف دماغه.
وأوضح انه لم يعد توقف نبضات القلب يعني نهاية حياة الإنسان، حيث يمكن إعادة القلب إلى النبض كما ويمكن إيقافه صناعيا أثناء إجراء الجراحات الطبية له ليتم صعقه لإعادة النبض إليه.
وفيما يتعلق باعتبار الفقهاء ظهور بعض العلامات الجسدية من خلال ما ورد ذكره في بعض النصوص الفقهية كانخساف الأنف وغور العينين، إنما هي ليست سوى تغيرات «للجسد» تحدث للجميع بعد مضي ساعات على الوفاة جراء تجفف الجثة.
وبين أن حياة الخلايا والأعضاء لا تعرف بقاء الإنسان حيا، حيث بالإمكان وضعها في مختبر طبي أو زراعتها لتستمر في الحياة، مؤكدا انه قد ينمو شعر الإنسان حتى عقب وفاته، وهذا الأمر عائد إلى حياة الخلايا.
وفيما يتعلق بزراعة الدماغ في حال توقفه، أوضح أن ذلك غير محتمل لا في المستقبل القريب المنظور أو البعيد. وفي حالة حدوثه يمكن أن يطرأ تغير على تعريف «نقطة اللا عودة» مستقبلا.
وفيما يتعلق بانقسام الأطباء حول مفهوم الوفاة الدماغية ومشروعية إزالة أجهزة الإنعاش، أفاد بعدم وجود أي انقسام ما بين الأطباء، إلا أن استشارة من ليس مختصا في تقرير الوفاة الدماغية، هو ما يتسبب ببعض التشويش. وفي رد على الأصوات المطالبة بتمديد فترة إبقاء أجهزة الإنعاش على المتوفى دماغيا لمدة عام كامل عوضا عن 3 أشهر فقط، بين الدكتور محمد القاوي أن تمديد الفترة الزمنية لا يعني شيئا ولن يقدم أي فائدة للمتوفى دماغيا. واعتبر كبير الاستشاريين في إدارة علوم الأعصاب، أن عدم استقرار الفتوى في مسألة التبرع بأعضاء المتوفى دماغيا، إنما يسبب تشويشا كبيرا على دور الأطباء الإنساني في إنقاذ حياة آخرين.
من جهته، نفى الدكتور فيصل شاهين مدير عام المركز السعودي لزراعة الأعضاء، وجود أي تعارض بين عمل مركز الأعضاء في أخذ الأعضاء من المتوفين دماغيا وبين الموقف الفقهي، حيث يتضمن بروتوكول تشخيص الوفاة الدماغية بحسبه فحص وجود التنفس التلقائي لدى الشخص المتوفى دماغيا، حيث تتم مراقبة حركات التنفس خلال عشر دقائق بعد نزع أنبوب جهاز التنفس الصناعي وتطبيق الأوكسجين بنسبة 100 في المائة. وأوضح انه في حال اجتاز الشخص المتوفى دماغيا الفحص ولم يلاحظ خلال فترة المراقبة أي حركات تنفس، يحكم في هذه الحالة بوفاة الدماغ، حيث أن الموت الدماغي موت لمركز التنفس في الدماغ الذي لا يمكن تعويضه ولا استعادته متى حصل، وتم اليقين من وقوعه بهذا الفحص الذي يسمى فحص توقف التنفس النهائي. وأضاف انه من ضمن ما نص عليه البروتوكول التأكد من عدم وجود كهربائية في فحص الدماغ الكهربي أو عدم وجود تروية دموية للدماغ، مشيرا إلى أن جل الفحوصات والإجراءات تتم ضمن البروتوكول الذي يجب استكماله وتسجل البيانات في استمارة إثبات الوفاة الدماغية ليوقع عليها طبيبان استشاريان قاما بإجراء الفحوصات مع متابعة المركز السعودي لزراعة الأعضاء بطاقم المنسقين لديه، للتأكد من أن جميع الخطوات أجريت بحسب البروتوكول، والذي أعده شاهين وهو من أصعب البروتوكولات المعتمدة في العالم لتشخيص الوفاة الدماغية. وحول آلية استقبال التبرع بأعضاء المتوفى دماغيا، بيّن الدكتور فيصل شاهين أنه في حال الحصول على موافقة الأهل على التبرع، يتم نقل الشخص المتوفى إلى غرفة العمليات لنزع جهاز التنفس الصناعي عنه، وبعد توقف نبضاته يشرع الأطباء باستئصال الأعضاء، مؤكدا «انه لا يوجد تباين في إعلان الوفاة بين الموقف الشرعي والتطبيق الطبي، ولا يوجد لدى الأطباء أي تعارض مع الفقه الإسلامي، وقرار المجمعات الفقهية في التطبيق اليومي»؛ فتوقف القلب كما ذكر يتم قبل استئصال الأعضاء.
كما وقال مدير عام المركز السعودي لزراعة الأعضاء، إنه في حال لا توجد نية في أخذ الأعضاء من الشخص المتوفى لاعتراض الأهل على التبرع، فان الأطباء هنا بالخيار حسبما قرره الفقهاء من إدراج مثل هذه الحالات تحت مسمى الحالات «الميئوس منها»، وقد أجاز والحديث هنا لشاهين، الشيخ عبد العزيز بن باز (رحمه الله) ولجنة الإفتاء الدائمة التابعة لهيئة كبار العلماء بجواز نزع أجهزة التنفس الصناعي عن الحالات الميئوس منها ويكون ذلك بقرار أطباء ثقاة ولا يعتد في هذه الحالة بموافقة الأهل. وقدر الدكتور فيصل شاهين عدد حالات الوفاة الدماغية بحوالي 600 إلى 800 حالة سنويا، ناجمة عن حالات الرضوض الشديدة المختلفة. ويتم التبليغ حاليا عن 400 حالة سنويا إلى المركز السعودي لزراعة الأعضاء من أقسام العناية المركزة بمختلف مستشفيات السعودية.
وأضاف انه يتم توثيق التشخيص بالموت الدماغي بحسب البرتوكول المعتمد في 65 في المائة من الحالات؛ أي ما يقارب 250 إلى 300 حالة يستفاد من عدد قليل كما ذكر لا يتجاوز 60 إلى 100 حالة في التبرع بالأعضاء؛ أي ما يعادل 70 في المائة من حالات الوفاة الدماغية لا يوافقون على التبرع بالأعضاء. وأوضح مدير عام المركز السعودي لزراعة الأعضاء مواجهة المركز إلحاحا كبيرا من قبل المرضى المصابين بالفشل العضوي النهائي من قلب وكبد وكلى ورئة، إلا أن المستجيبين من ذوي المتوفين قليلة وضعيفة. وأشار إلى انه بالرغم من مسيرة المركز السعودي في عمله لعشرين عاما، إلا أن التبرع ما زال غير كاف ولا يفي بالغرض، حيث أن أعداد المتبرعين لا تكفي سوى لعدد قليل من المرضى، مضيفا إلى انه يوجد حاليا على قوائم الانتظار أكثر من 8600 مريض فشل كلوي مزمن بالإضافة إلى الحاجة الماسة لعدد كبير من الأكباد والقلوب.
ودعا الدكتور فيصل شاهين المجتمع السعودي بضرورة التحرك الايجابي في سبيل التبرع بالأعضاء، الأمر الذي أجازه الفقهاء؛ وذلك أيضا في سبيل الحد من سفر عدد كبير من المرضى إلى الخارج ليتم استغلالهم من قبل سماسرة الأعضاء البشرية.
د. محمد القاوي استشاري الأعصاب: عدم استقرار الفتوى يسبب تشويشا كبيرا على دور الأطباء الإنساني في إنقاذ حياة آخرين * النجيمي مستشار المجمع الفقهي: النزاع بين الأطباء حول تقرير الوفاة الدماغية انتقل إلى الفقهاء أنفسهم
الرياض: هدى الصالح
لا يخطئ المراقب للجدل الدائر حول وضع المريض الذي اصطلح على وصفه طبيا بـ«المتوفى دماغيا»، لا يخطئ النظر على الاختلاف والتباين في مواقف علماء الدين وأهل الفتوى، حول حكم هذا الوضع.
ففتوى المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دورتيه الثامنة والتاسعة 1407 هجري، أجازت رفع الأجهزة عن المتوفى دماغيا. وأقرت «أن ثبوت حالة الوفاة الدماغية يعتبر شرعا أن الشخص قد مات وتترتب عن ذلك جميع الأحكام المقررة شرعا، وفي هذه الحالة يجوز رفع جهاز التنفس الصناعي وان كانت بعض الأعضاء كالقلب مثلا لا تزال تعمل آليا بفعل الجهاز».
بينما فتوى هيئة كبار العلماء في السعودية 1417 هجري، نصت على الآتي: «عدم جواز الحكم بموت الإنسان الموت الذي تترتب عليه أحكامه الشرعية بمجرد تقرير الأطباء أنه مات دماغيا حتى يعلم انه مات موتا لا شبهة فيه تتوقف معه حركة القلب والنفس مع ظهور الإمارات الأخرى الدالة على موته يقينا، لأن الأصل حياته فلا يعدل عنه إلا بيقين..» إلى إحجام حاد تصل نسبته 70 في المائة من قبل ذوي حالات الوفاة الدماغية للتبرع بأعضائهم وفي ظل عدم انسجام الفتوى الشرعية واتحادها حول هذه المسألة تأثر المركز السعودي لزراعة الأعضاء بهذا الرفض الكبير، فبالرغم من أن عدد حالات الوفاة الدماغية في السعودية تصل سنويا الى ما يقارب 600 إلى 800 حالة، يتم التبليغ حاليا عن 400 حالة سنويا إلى المركز السعودي لزراعة الأعضاء من أقسام العناية المركزة بمختلف مستشفيات السعودية، لا يستفاد سوى مما لا يتجاوز عدده 60 إلى 100 حالة في التبرع بأعضائهم. وفيما يتعلق بالتباين ما بين فتوى هيئة كبار العلماء ومجمع الفقه الإسلامي الذي اقر أن ثبوت حالة الوفاة الدماغية إنما يعتبر شرعا أن الشخص قد مات وتترتب عليه جميع الأحكام المقررة شرعا للوفاة.
قال الشيخ عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، أن الهيئة تتخذ مزيدا من الاحتياط، حيث لا ترى في ثبوت الأحكام الشرعية لمن تتحقق بحقه الوفاة الدماغية، حيث لا يثبت لورثته الإرث ولا يجوز تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه كما لا ينبغي لزوجته أن تقوم بعدة الوفاة سوى عقب الوفاة الشرعية التي بها تثبت الأحكام الشرعية، مشيرا إلى ان المتوفى دماغيا ليس بحي أو ميت.
وحول التبرع بأعضاء المتوفى دماغيا، أكد عدم جواز التبرع بأعضائه سوى عقب وفاته وفاتا شرعية، مشبها التبرع بأعضائه قبل ذلك «بالتمثيل في الإنسان».
وفي مسألة إزالة أجهزة الإنعاش، ذكر بن منيع أنه لا يوجد في قرار هيئة كبار العلماء ما يدل على إزالتها أو عدم إزالتها، مؤكدا انه من خلال تبادل النقاش مع أعضاء الهيئة تم التوصل انه لا ينبغي إبقاء الأجهزة عليه لما فيه من إطالة الأذى على المريض، واعتبر إبقاء الأجهزة على المتوفى دماغيا نوعا من أنواع تعذيب المريض وإبقاءه ما بين الحياة والموت مما لا يتفق مع كرامة الإنسان. من جهته، قال الدكتور محمد النجيمي مستشار مجمع الفقه الإسلامي، إن النزاع الفقهي والشرعي في مسألة إزالة الأجهزة عن المتوفى دماغيا والتبرع بأعضائه، هو خلاف كبير، لكنه ليس بحديث، مبينا أن النزاع فيما بين الأطباء أنفسهم حول تقرير الوفاة الدماغية انتقل إلى العلماء أنفسهم.
ورجح النجيمي فتوى المجمع الفقهي على فتوى هيئة كبار العلماء والتي أجازت إزالة الأجهزة عن المتوفى دماغيا بعكس الأخيرة، إذ استندت الى موافقة أغلبية أعضاء المجمع بعد استشارة أطباء مختصين.
من جهة أخرى، طالب الدكتور النجيمي الأطباء المختصين باعتماد فترة زمنية كافية لتحديد وفاة الشخص دماغيا وتمديد فترة الثلاثة أشهر إلى عام كامل، كي تمر على المريض الفصول السنوية الأربعة، إلى جانب تشكيل لجنة طبية عليا من كبار الأطباء لتقرير حالة المصاب، وان كان متوفى دماغيا أم لا؟
الدكتور محمد القاوي كبير الاستشاريين المتميز في إدارة علوم الأعصاب في مستشفى الملك فيصل التخصصي، قال إنه لا يوجد ما يسمى بموت الدماغ وموت القلب، معتبرا الوفاة هي ذاتها وإنما الاختلاف في العلامات التي نستدل بها على حدوث الوفاة.
وأوضح القاوي أن توقف القلب في السابق هو علامة الوفاة، إلا انه مع مرور الزمن ثبت أن توقف القلب علامة غير ثابتة بسبب التطور في أجهزة الإنعاش، وكثيرا ما تشهد غرف الإسعاف حالات مرضى توقف قلبهم تم إنعاشهم لاحقا ليستبدل تقرير الموت بسبب التقدم في أجهزة الإنعاش والتنفس الصناعي باستخدام علامات وظائف الدماغ. وأشار إلى أن التعريف الدقيق للموت يكمن في تعريف «نقطة اللاعودة» والذي عقب أن كان لسنوات عدة في جس النبض، أصبح حاليا «الدماغ»؛ فتلف الدماغ تلفا نهائيا لا رجعة فيه يعادل الوفاة، مؤكدا انه لم يسمع بعودة أي شخص إلى الحياة عقب تلف دماغه.
وأوضح انه لم يعد توقف نبضات القلب يعني نهاية حياة الإنسان، حيث يمكن إعادة القلب إلى النبض كما ويمكن إيقافه صناعيا أثناء إجراء الجراحات الطبية له ليتم صعقه لإعادة النبض إليه.
وفيما يتعلق باعتبار الفقهاء ظهور بعض العلامات الجسدية من خلال ما ورد ذكره في بعض النصوص الفقهية كانخساف الأنف وغور العينين، إنما هي ليست سوى تغيرات «للجسد» تحدث للجميع بعد مضي ساعات على الوفاة جراء تجفف الجثة.
وبين أن حياة الخلايا والأعضاء لا تعرف بقاء الإنسان حيا، حيث بالإمكان وضعها في مختبر طبي أو زراعتها لتستمر في الحياة، مؤكدا انه قد ينمو شعر الإنسان حتى عقب وفاته، وهذا الأمر عائد إلى حياة الخلايا.
وفيما يتعلق بزراعة الدماغ في حال توقفه، أوضح أن ذلك غير محتمل لا في المستقبل القريب المنظور أو البعيد. وفي حالة حدوثه يمكن أن يطرأ تغير على تعريف «نقطة اللا عودة» مستقبلا.
وفيما يتعلق بانقسام الأطباء حول مفهوم الوفاة الدماغية ومشروعية إزالة أجهزة الإنعاش، أفاد بعدم وجود أي انقسام ما بين الأطباء، إلا أن استشارة من ليس مختصا في تقرير الوفاة الدماغية، هو ما يتسبب ببعض التشويش. وفي رد على الأصوات المطالبة بتمديد فترة إبقاء أجهزة الإنعاش على المتوفى دماغيا لمدة عام كامل عوضا عن 3 أشهر فقط، بين الدكتور محمد القاوي أن تمديد الفترة الزمنية لا يعني شيئا ولن يقدم أي فائدة للمتوفى دماغيا. واعتبر كبير الاستشاريين في إدارة علوم الأعصاب، أن عدم استقرار الفتوى في مسألة التبرع بأعضاء المتوفى دماغيا، إنما يسبب تشويشا كبيرا على دور الأطباء الإنساني في إنقاذ حياة آخرين.
من جهته، نفى الدكتور فيصل شاهين مدير عام المركز السعودي لزراعة الأعضاء، وجود أي تعارض بين عمل مركز الأعضاء في أخذ الأعضاء من المتوفين دماغيا وبين الموقف الفقهي، حيث يتضمن بروتوكول تشخيص الوفاة الدماغية بحسبه فحص وجود التنفس التلقائي لدى الشخص المتوفى دماغيا، حيث تتم مراقبة حركات التنفس خلال عشر دقائق بعد نزع أنبوب جهاز التنفس الصناعي وتطبيق الأوكسجين بنسبة 100 في المائة. وأوضح انه في حال اجتاز الشخص المتوفى دماغيا الفحص ولم يلاحظ خلال فترة المراقبة أي حركات تنفس، يحكم في هذه الحالة بوفاة الدماغ، حيث أن الموت الدماغي موت لمركز التنفس في الدماغ الذي لا يمكن تعويضه ولا استعادته متى حصل، وتم اليقين من وقوعه بهذا الفحص الذي يسمى فحص توقف التنفس النهائي. وأضاف انه من ضمن ما نص عليه البروتوكول التأكد من عدم وجود كهربائية في فحص الدماغ الكهربي أو عدم وجود تروية دموية للدماغ، مشيرا إلى أن جل الفحوصات والإجراءات تتم ضمن البروتوكول الذي يجب استكماله وتسجل البيانات في استمارة إثبات الوفاة الدماغية ليوقع عليها طبيبان استشاريان قاما بإجراء الفحوصات مع متابعة المركز السعودي لزراعة الأعضاء بطاقم المنسقين لديه، للتأكد من أن جميع الخطوات أجريت بحسب البروتوكول، والذي أعده شاهين وهو من أصعب البروتوكولات المعتمدة في العالم لتشخيص الوفاة الدماغية. وحول آلية استقبال التبرع بأعضاء المتوفى دماغيا، بيّن الدكتور فيصل شاهين أنه في حال الحصول على موافقة الأهل على التبرع، يتم نقل الشخص المتوفى إلى غرفة العمليات لنزع جهاز التنفس الصناعي عنه، وبعد توقف نبضاته يشرع الأطباء باستئصال الأعضاء، مؤكدا «انه لا يوجد تباين في إعلان الوفاة بين الموقف الشرعي والتطبيق الطبي، ولا يوجد لدى الأطباء أي تعارض مع الفقه الإسلامي، وقرار المجمعات الفقهية في التطبيق اليومي»؛ فتوقف القلب كما ذكر يتم قبل استئصال الأعضاء.
كما وقال مدير عام المركز السعودي لزراعة الأعضاء، إنه في حال لا توجد نية في أخذ الأعضاء من الشخص المتوفى لاعتراض الأهل على التبرع، فان الأطباء هنا بالخيار حسبما قرره الفقهاء من إدراج مثل هذه الحالات تحت مسمى الحالات «الميئوس منها»، وقد أجاز والحديث هنا لشاهين، الشيخ عبد العزيز بن باز (رحمه الله) ولجنة الإفتاء الدائمة التابعة لهيئة كبار العلماء بجواز نزع أجهزة التنفس الصناعي عن الحالات الميئوس منها ويكون ذلك بقرار أطباء ثقاة ولا يعتد في هذه الحالة بموافقة الأهل. وقدر الدكتور فيصل شاهين عدد حالات الوفاة الدماغية بحوالي 600 إلى 800 حالة سنويا، ناجمة عن حالات الرضوض الشديدة المختلفة. ويتم التبليغ حاليا عن 400 حالة سنويا إلى المركز السعودي لزراعة الأعضاء من أقسام العناية المركزة بمختلف مستشفيات السعودية.
وأضاف انه يتم توثيق التشخيص بالموت الدماغي بحسب البرتوكول المعتمد في 65 في المائة من الحالات؛ أي ما يقارب 250 إلى 300 حالة يستفاد من عدد قليل كما ذكر لا يتجاوز 60 إلى 100 حالة في التبرع بالأعضاء؛ أي ما يعادل 70 في المائة من حالات الوفاة الدماغية لا يوافقون على التبرع بالأعضاء. وأوضح مدير عام المركز السعودي لزراعة الأعضاء مواجهة المركز إلحاحا كبيرا من قبل المرضى المصابين بالفشل العضوي النهائي من قلب وكبد وكلى ورئة، إلا أن المستجيبين من ذوي المتوفين قليلة وضعيفة. وأشار إلى انه بالرغم من مسيرة المركز السعودي في عمله لعشرين عاما، إلا أن التبرع ما زال غير كاف ولا يفي بالغرض، حيث أن أعداد المتبرعين لا تكفي سوى لعدد قليل من المرضى، مضيفا إلى انه يوجد حاليا على قوائم الانتظار أكثر من 8600 مريض فشل كلوي مزمن بالإضافة إلى الحاجة الماسة لعدد كبير من الأكباد والقلوب.
ودعا الدكتور فيصل شاهين المجتمع السعودي بضرورة التحرك الايجابي في سبيل التبرع بالأعضاء، الأمر الذي أجازه الفقهاء؛ وذلك أيضا في سبيل الحد من سفر عدد كبير من المرضى إلى الخارج ليتم استغلالهم من قبل سماسرة الأعضاء البشرية.