مجاهدون
12-07-2006, 12:45 PM
بلغ عدد المكتئبين من المصريين 30 %
القاهرة: نشوى الحوفي
«سمعت اخر نكتة» كانت عبارة شهيرة تستطيع الاصطدام بها اثناء سيرك في حياتك اليومية ولقائك بمن تعرف في مصر. فالمصريون كما قيل عنهم ابناء نكته. ولكن يبدو ان النكتة أنكرت أخيرا امومتها لهم حتى انهم صاروا يبحثون عن الضحك حتى ولو دفعوا في مقابل ذلك المال وبخاصة بعد أن بلغ عدد المكتئبين من المصريين 30 % كما قال الدكتور احمد عكاشة منذ عدة سنوات، وهو ما يعني ان ابناء النكته فقدوا 30 % من صناعها ومستقبليها، هذا اذا افترضنا ان النسبة الباقية والبالغة 70% قادرة على الضحك او الاضحاك في ظل همومها اليومية وارتفاع معدلات التضخم التي بلغت حسب آخر احصاء 11% مما اثر بشكل كبير على حياة المصريين الذين تؤكد التقارير الرسمية أن 42 % منهم يعيشون تحت خط الفقر، وهو ما يدفع بعضهم الى التساؤل: «بالله عليكم كيف نضحك؟». ويعلق الدكتور أحمد عبد الله، استشاري الطب النفسي، بقوله: «لا تصدق أبداً أن المصري العادي في الأحوال العادية يمكن أن يضحك اليوم من قلبه أو يستغرق في الضحك، وقد تندهش إذا قلت لك إن هذا من أهم أسباب انتشار المخدرات، وبخاصة الحشيش، لأنه يجعل متعاطيه «مبسوط» على حد تعبير المدمنين، أي انه ينقله الى عالم آخر بلا منغصات.
وإذا كان الحشيش او المخدرات بوجه عام هي سبيل البعض الان في مصر «للانبساط» كما يقول دكتور عبد الله، فإن شريحة أخرى من المصريين غير الراغبين في الانبساط على طريقة الحشيش يبحثون عن الضحك بطريقتهم الخاصة.
وتتعدد تلك الطرق، إلا ان من بينها الانترنت كما تقول زينب التي تعمل موظفة في احدى الهيئات الحكومية: «الانترنت وسيلتي المفضله للخروج من ضغوط الحياة اليومية، فالدخول على مواقع النكات والطرائف يجعلني أضحك من قلبي ويمنحني الفرصة لتفريغ قلبي من هموم الحياة ومتاعب الاولاد والبيت والعمل والمواصلات التي باتت إحدى منغصات حياتي الرئيسية. وقد تعودت الجلوس لمدة تتراوح بين الساعة والساعة ونصف على الانترنت بعد انتهائي من استذكار دروس الابناء في المساء، فزوجي لا يعود الى المنزل قبل الثانية صباحا لانه يعمل في وظيفتين لمواجهة اعباء الحياة. وبعد انتهائي من وصلة الضحك التي تكون غالبا على امور عادية ادخل فراشي للنوم حتى استطيع مواجهة يوم اخر من المتاعب».
الضحك عن طريق الانترنت مجانا هو وسيلة من لا يملك المال للبحث عن الضحك الا ان الذين يملكون هواتف جوالة بات من حقهم استقبال رسائل يومية على هواتفهم تتضمن نكات تضحكهم مقابل مبلغ مالي يتراوح بين العشرة والعشرين جنيها يتم تحصيله في نهاية كل شهر عن طريق فواتير الهاتف، وهي احدى الطرق التي بات المصريون يلجأون اليها للحصول على الابتسامة.
منال، معيدة بإحدى كليات جامعة القاهرة، تواجه صعوبات في حياتها الزوجية، أكدت لنا انها اشتركت في خدمة النكت عبر رسائل الجوال وتقول: «أحيانا تكون النكتة التي اتسلمها قديمة ولا معنى لها او غير قادرة على رسم مجرد الابتسامة على وجهي، ولكنني أضحك وانتزع الضحكة من داخلي لاسباب كثيرة اهمها انني بحاجة للضحك وافتش عنه بإبرة كما يقولون، كما أنني أدفع رسوما شهرية لتلك الخدمة فكيف لا أضحك! وعندما تكون النكتة طريفة اسارع بارسالها الى اصدقائي عبر هواتفهم لتوسيع نطاق الضحك.
«ليس فقيرا من يمتلك القدرة على الضحك» مقولة أو حكمة لا نعرف على وجه التحديد قائلها، إلا انها تعبر الى حد كبير عن «عم زكي» المحصل في هيئة النقل العام في مصر الذي يقضي نهاره في اتوبيسات الهيئة لتحصيل ثمن التذاكر من الركاب براتب لا يتجاوز الخمسمائة جنيه يحصل عليها في نهاية كل شهر وبعد انتهاء نوبة عمله يتوجه الى مقهى «بعرة» او مقهى الكومبارس العاملين في السينما المصرية والواقعة في وسط القاهرة. «عم زكي» هو أحد نجوم المقهى على الرغم من عدم تفكيره في العمل مع المجاميع السينمائية التي اعتادت الجلوس في المقهى. وهو ما يؤكده فتحي نادل المقهى الذي يقول: «عم زكي شخصية معروفه لدى عدد كبير من الممثلين الذين يحضرون اليه لشراء احدث النكت لالقائها في أعمالهم السينمائية.
قد لا يكونوا مشهورين بشكل كبير ولكنهم معروفون لدى الجمهور. أما عم زكي نفسه الذي يقترب عمره من الخمسين فيقول: الحياة باتت صعبة ولولا بعضا من الصبر والموهبة التي منحها الله لي على استخراج النكته من عز الازمة لما استطعت ان اواصل الضحك وبخاصة هذه الايام» .
ويضيف: «في الماضي كان تعاملي مع نجوم كبار في السينما والمسرح وعلى رأسهم الفنان سمير غانم، ولكن الان الوضع اختلف، لم يعد يأتي لي نجوم معروفون لان شباب الكوميديا يذهب لشباب مثله. أما زبائني فهم من فئات مختلفة، عمال على طلبه وموظفين عادة ما يحضرون هنا بعد صلاة العشاء فيلتفون حولي ويبدأون مناغشتي بعبارة يلقيها أحدهم على الاخر بقوله: سمعت آخر نكتة، وفي العادة تكون قديمة. فأبدأ في القاء نكاتي عليهم والتي غالبا ما تكون نابعة من خلال رحلتي اليومية بين الركاب في الاتوبيس الذي اعتبره عالما آخر يضم شرائح غريبة ومتنوعة من البشر». ويروي «عم زكي» أحد المواقف الضاحكة التي اختلق منها نكتة على حد تعبيره وحدثت بين ركاب الاتوبيس، يقول:
«فوجئت في احد الايام براكب يصرخ قائلا: الحقوني يا عالم، انا اتنشلت والمحفظة كان فيها 300 جنيه. في لحظتها طلبت من السائق اغلاق بابا الأتوبيس الخلفي والامامي وطلبت من الركاب اغلاق النوافذ حتى لا يقفز النشال منها أو يلقي بالمحفظة بعد أخذ النقود. وطلبت من الركاب ان يتقوا الله وان من فعل فعلته تلك يرحم الراكب المسكين وان عليه اخراج المحفظة واعادتها له في هدوء وليس عليه إحراج نفسه، وانه من الممكن ان يلقيها على الارض بجوار صاحبها.
كل هذا وصاحب المحفظة يبكي على نقوده، وفجأة سمعت صوتا يقول: «الراجل ده نصاب، محفظته ما كانش فيها غير 20 جنيه يتامى، مش عارف عامل عليهم دوشه ليه؟ خد يا عم محفظتك» وطبعا ضحك كل الركاب رغما عنهم وفي نفس الوقت سمحت للنشال بالنزول ولكنني طلبت منه الا ارى وجهه مرة اخرى في أي أتوبيس اكون فيه.
محمد، طالب في كلية الصيدلة ولكنه اعتاد على الحضور الى مجلس «عم زكي» في مقهى «بعرة» ودفع المعلوم له على كل نكته جديدة يقولها والذي يتراوح بين خمسة وعشرة جنيهات، واذا كان مفلسا فالثمن يكون كوبا من العصير او ساندوتش فول من احد المطاعم المجاورة للمقهى، فعلى حد تعبيره «عم زكي ما بيدققش». وعندما سألناه عن نوعية النكات التي يلقيها «عم زكي» وهل جميعها تضحكه، أجاب:
«يجب ان تتخيلوا مجلس عم زكي فجميعنا جاء بحثا عنه بعدما فقدناه في حياتنا وبالتالي نكون على استعداد للضحك علي اي شيء يقوله عم زكي مهما كان بسيطا كما ان الضحك معدٍ، فاذا ضحك احدنا على نكتة ضحك معه الجميع». الدكتور خليل فاضل، استشاري الطب النفسي، يؤكد مقولة ان الضحك معد وانه استعداد نفسي ويقول: «اذا كان الانسان لا يمتلك الرغبة في الضحك أو يمر بحالة اكتئاب فلن يستطيع احد اضحاكه حتى ولو احضرنا له عادل امام وليس عم زكي. ولهذا فجلسات الاقارب والاصدقاء تتعالى فيها الضحكات حتى ولو على امور تافهة لان لديهم حالة من الاستعداد النفسي للتواصل عبر الضحك».
القاهرة: نشوى الحوفي
«سمعت اخر نكتة» كانت عبارة شهيرة تستطيع الاصطدام بها اثناء سيرك في حياتك اليومية ولقائك بمن تعرف في مصر. فالمصريون كما قيل عنهم ابناء نكته. ولكن يبدو ان النكتة أنكرت أخيرا امومتها لهم حتى انهم صاروا يبحثون عن الضحك حتى ولو دفعوا في مقابل ذلك المال وبخاصة بعد أن بلغ عدد المكتئبين من المصريين 30 % كما قال الدكتور احمد عكاشة منذ عدة سنوات، وهو ما يعني ان ابناء النكته فقدوا 30 % من صناعها ومستقبليها، هذا اذا افترضنا ان النسبة الباقية والبالغة 70% قادرة على الضحك او الاضحاك في ظل همومها اليومية وارتفاع معدلات التضخم التي بلغت حسب آخر احصاء 11% مما اثر بشكل كبير على حياة المصريين الذين تؤكد التقارير الرسمية أن 42 % منهم يعيشون تحت خط الفقر، وهو ما يدفع بعضهم الى التساؤل: «بالله عليكم كيف نضحك؟». ويعلق الدكتور أحمد عبد الله، استشاري الطب النفسي، بقوله: «لا تصدق أبداً أن المصري العادي في الأحوال العادية يمكن أن يضحك اليوم من قلبه أو يستغرق في الضحك، وقد تندهش إذا قلت لك إن هذا من أهم أسباب انتشار المخدرات، وبخاصة الحشيش، لأنه يجعل متعاطيه «مبسوط» على حد تعبير المدمنين، أي انه ينقله الى عالم آخر بلا منغصات.
وإذا كان الحشيش او المخدرات بوجه عام هي سبيل البعض الان في مصر «للانبساط» كما يقول دكتور عبد الله، فإن شريحة أخرى من المصريين غير الراغبين في الانبساط على طريقة الحشيش يبحثون عن الضحك بطريقتهم الخاصة.
وتتعدد تلك الطرق، إلا ان من بينها الانترنت كما تقول زينب التي تعمل موظفة في احدى الهيئات الحكومية: «الانترنت وسيلتي المفضله للخروج من ضغوط الحياة اليومية، فالدخول على مواقع النكات والطرائف يجعلني أضحك من قلبي ويمنحني الفرصة لتفريغ قلبي من هموم الحياة ومتاعب الاولاد والبيت والعمل والمواصلات التي باتت إحدى منغصات حياتي الرئيسية. وقد تعودت الجلوس لمدة تتراوح بين الساعة والساعة ونصف على الانترنت بعد انتهائي من استذكار دروس الابناء في المساء، فزوجي لا يعود الى المنزل قبل الثانية صباحا لانه يعمل في وظيفتين لمواجهة اعباء الحياة. وبعد انتهائي من وصلة الضحك التي تكون غالبا على امور عادية ادخل فراشي للنوم حتى استطيع مواجهة يوم اخر من المتاعب».
الضحك عن طريق الانترنت مجانا هو وسيلة من لا يملك المال للبحث عن الضحك الا ان الذين يملكون هواتف جوالة بات من حقهم استقبال رسائل يومية على هواتفهم تتضمن نكات تضحكهم مقابل مبلغ مالي يتراوح بين العشرة والعشرين جنيها يتم تحصيله في نهاية كل شهر عن طريق فواتير الهاتف، وهي احدى الطرق التي بات المصريون يلجأون اليها للحصول على الابتسامة.
منال، معيدة بإحدى كليات جامعة القاهرة، تواجه صعوبات في حياتها الزوجية، أكدت لنا انها اشتركت في خدمة النكت عبر رسائل الجوال وتقول: «أحيانا تكون النكتة التي اتسلمها قديمة ولا معنى لها او غير قادرة على رسم مجرد الابتسامة على وجهي، ولكنني أضحك وانتزع الضحكة من داخلي لاسباب كثيرة اهمها انني بحاجة للضحك وافتش عنه بإبرة كما يقولون، كما أنني أدفع رسوما شهرية لتلك الخدمة فكيف لا أضحك! وعندما تكون النكتة طريفة اسارع بارسالها الى اصدقائي عبر هواتفهم لتوسيع نطاق الضحك.
«ليس فقيرا من يمتلك القدرة على الضحك» مقولة أو حكمة لا نعرف على وجه التحديد قائلها، إلا انها تعبر الى حد كبير عن «عم زكي» المحصل في هيئة النقل العام في مصر الذي يقضي نهاره في اتوبيسات الهيئة لتحصيل ثمن التذاكر من الركاب براتب لا يتجاوز الخمسمائة جنيه يحصل عليها في نهاية كل شهر وبعد انتهاء نوبة عمله يتوجه الى مقهى «بعرة» او مقهى الكومبارس العاملين في السينما المصرية والواقعة في وسط القاهرة. «عم زكي» هو أحد نجوم المقهى على الرغم من عدم تفكيره في العمل مع المجاميع السينمائية التي اعتادت الجلوس في المقهى. وهو ما يؤكده فتحي نادل المقهى الذي يقول: «عم زكي شخصية معروفه لدى عدد كبير من الممثلين الذين يحضرون اليه لشراء احدث النكت لالقائها في أعمالهم السينمائية.
قد لا يكونوا مشهورين بشكل كبير ولكنهم معروفون لدى الجمهور. أما عم زكي نفسه الذي يقترب عمره من الخمسين فيقول: الحياة باتت صعبة ولولا بعضا من الصبر والموهبة التي منحها الله لي على استخراج النكته من عز الازمة لما استطعت ان اواصل الضحك وبخاصة هذه الايام» .
ويضيف: «في الماضي كان تعاملي مع نجوم كبار في السينما والمسرح وعلى رأسهم الفنان سمير غانم، ولكن الان الوضع اختلف، لم يعد يأتي لي نجوم معروفون لان شباب الكوميديا يذهب لشباب مثله. أما زبائني فهم من فئات مختلفة، عمال على طلبه وموظفين عادة ما يحضرون هنا بعد صلاة العشاء فيلتفون حولي ويبدأون مناغشتي بعبارة يلقيها أحدهم على الاخر بقوله: سمعت آخر نكتة، وفي العادة تكون قديمة. فأبدأ في القاء نكاتي عليهم والتي غالبا ما تكون نابعة من خلال رحلتي اليومية بين الركاب في الاتوبيس الذي اعتبره عالما آخر يضم شرائح غريبة ومتنوعة من البشر». ويروي «عم زكي» أحد المواقف الضاحكة التي اختلق منها نكتة على حد تعبيره وحدثت بين ركاب الاتوبيس، يقول:
«فوجئت في احد الايام براكب يصرخ قائلا: الحقوني يا عالم، انا اتنشلت والمحفظة كان فيها 300 جنيه. في لحظتها طلبت من السائق اغلاق بابا الأتوبيس الخلفي والامامي وطلبت من الركاب اغلاق النوافذ حتى لا يقفز النشال منها أو يلقي بالمحفظة بعد أخذ النقود. وطلبت من الركاب ان يتقوا الله وان من فعل فعلته تلك يرحم الراكب المسكين وان عليه اخراج المحفظة واعادتها له في هدوء وليس عليه إحراج نفسه، وانه من الممكن ان يلقيها على الارض بجوار صاحبها.
كل هذا وصاحب المحفظة يبكي على نقوده، وفجأة سمعت صوتا يقول: «الراجل ده نصاب، محفظته ما كانش فيها غير 20 جنيه يتامى، مش عارف عامل عليهم دوشه ليه؟ خد يا عم محفظتك» وطبعا ضحك كل الركاب رغما عنهم وفي نفس الوقت سمحت للنشال بالنزول ولكنني طلبت منه الا ارى وجهه مرة اخرى في أي أتوبيس اكون فيه.
محمد، طالب في كلية الصيدلة ولكنه اعتاد على الحضور الى مجلس «عم زكي» في مقهى «بعرة» ودفع المعلوم له على كل نكته جديدة يقولها والذي يتراوح بين خمسة وعشرة جنيهات، واذا كان مفلسا فالثمن يكون كوبا من العصير او ساندوتش فول من احد المطاعم المجاورة للمقهى، فعلى حد تعبيره «عم زكي ما بيدققش». وعندما سألناه عن نوعية النكات التي يلقيها «عم زكي» وهل جميعها تضحكه، أجاب:
«يجب ان تتخيلوا مجلس عم زكي فجميعنا جاء بحثا عنه بعدما فقدناه في حياتنا وبالتالي نكون على استعداد للضحك علي اي شيء يقوله عم زكي مهما كان بسيطا كما ان الضحك معدٍ، فاذا ضحك احدنا على نكتة ضحك معه الجميع». الدكتور خليل فاضل، استشاري الطب النفسي، يؤكد مقولة ان الضحك معد وانه استعداد نفسي ويقول: «اذا كان الانسان لا يمتلك الرغبة في الضحك أو يمر بحالة اكتئاب فلن يستطيع احد اضحاكه حتى ولو احضرنا له عادل امام وليس عم زكي. ولهذا فجلسات الاقارب والاصدقاء تتعالى فيها الضحكات حتى ولو على امور تافهة لان لديهم حالة من الاستعداد النفسي للتواصل عبر الضحك».