جمال
12-06-2006, 03:47 PM
http://www.aawsat.com/2006/12/06/images/news.395467.jpg
تقارير: 10 من أبناء الحي الهامشي نفذوا عمليات انتحارية في بغداد
تطوان: عبد الله الدامون
جامع مزواق ليس جزيرة معزولة، بل حارة كبيرة لا تبعد عن وسط مدينة تطوان (شمال المغرب) سوى بكيلومترات معدودة. إنها منطقة تشترك في الكثير من خصائصها مع مناطق مغربية أخرى تفتقر إلى الكثير وتطمح إلى القليل، بل يمكن القول انها رديفة لحي سيدي مومن الهامشي في الدار البيضاء الذي خرج منه انتحاريو يوم 16 مايو (ايار) 2003 الرهيب. «جامع مزواق» منطقة متواضعة لكنها ليست كارثية، يسود الكثير من زواياها ظلام دامس في الليل، لكن شمس الصباح تدفئ جنباتها طوال اليوم، يعاني شبابها من نسبة فقر مرتفعة، لكنهم يمضون اليوم في العمل خارج المنطقة أو في تزجية الوقت في مقاهيها الكثيرة، ونساؤها مثل كل نساء المغرب، الكثير منهن يشتغلن أو يقضين الوقت في البيت أو يتاجرن في الخضر الطازجة التي يحملنها من الحقول المجاورة ويبعنها على الأرصفة.
لكن هذه المنطقة تحولت إلى ما يشبه الجزيرة الملعونة لدى الاستخبارات الغربية، وقفز اسمها إلى الكثير من وسائل الإعلام بعد أن تخرج منها شباب توجهوا إلى العراق ونفذوا عمليات مسلحة في بغداد وغيرها.
توجد منطقة جامع مزواق، في مدخل مدينة تطوان من جهة الطريقة الرابطة مع جارتها طنجة. المرور إليها عبر الطريق الرئيسية يمر حتما عبر طريق المستشفى الإسباني ببنايته العتيقة التي لم تتغير إطلاقا منذ أن تم بناؤه قبل أزيد من ستين عاما. إنه رائحة الماضي البعيد.. أيام كانت المدينة عاصمة للحماية الإسبانية على شمال المغرب. هناك الكثير من البنايات القديمة التي لم تعد تعني للسكان غير قطع من التاريخ. لا شيء يتغير في هذه المدينة التي تكبر ببطء وأغنياؤها يفضلون الاستثمار في مدن أخرى.
آلاف المنازل تنتشر على هضاب متباعدة كساها بعض الاخضرار بعد شهور من الجفاف. سقوط الأمطار يجعل المرور من منطقة إلى أخرى مهمة مستحيلة. بين الفينة والأخرى تظهر سيارات أنيقة تحمل لوحات مرقمة في إسبانيا. الهجرة إلى إسبانيا هو منتهى الحلم في هذه المنطقة وشبابها يعتبرون عبور ضفة مضيق جبل طارق مثل العبور من الموت على الحياة. لكن الذي حدث هو أن العديد من الشباب المعدمين عبروا إلى إسبانيا فاكتشفوا الحياة التي كانوا يحلمون بها، ثم في لحظة قرروا التوجه شرقا نحو العراق. عبد الحميد، الذي كان يسوق سيارة «سياط» رمادية بلوحات إسبانية، عاد هذا العام بعد أربع سنوات قضاها في برشلونة بدون أوراق إقامة قانونية، وبعد عودته اشترى قطعة أرض في الجهة السفلى للشارع الرئيسي قرب منحدر يشرف على هضبة أخرى تمتلئ كل يوم بمنازل جديدة. يرى عبد الحميد، الذي يشرف على بناء منزل لعائلته في جامع مزواق، أن الحي توسع كثيرا خلال السنوات الخمس الأخيرة، وأنه قبل أن يغادره تركه في بؤس أكبر، وبدون ماء أو كهرباء في الكثير من مناطقه، لكنه لم يستغرب أبدا عندما سمع أن الكثير من شبابه ذهبوا إلى العراق ونفذوا تفجيرات انتحارية، «في إسبانيا تنشط شبكات كثيرة يدريها مغاربة وجزائريون وسوريون تجند شبابا للذهاب إلى العراق، لكن الكثير من الشباب يريدون أن يذهبوا إلى هناك حتى لو لم يتم تجنيدهم من أحد»، يقول عبد الحميد، وهو يتفقد خدوشا بسيطة في الزجاج الأمامي لسيارته، ويضيف «في برشلونة يوجد مئات الآلاف من المهاجرين، ومن الأكيد أن المئات منهم سيتوجهون إلى العراق أو أفغانستان، أما أن يكون أصل البعض منهم من هذه المنطقة فإن ذلك مجرد صدفة، لا يمكن أن نربط هذه المنطقة الفقيرة بازدياد التطرف، هناك أغنياء يذهبون إلى العراق وينفذون بدورهم عمليات انتحارية، كما أن هناك الكثير من المناطق والحارات تغرق في البؤس حتى أذنيها ولم يتوجه أحد من سكانها إلى العراق للقتال».
لكن الصدفة لم تصنع شابا واحدا أو شابين خرج من جامع مزواق وذهب إلى العراق، حيث تشير أجهزة الاستخبارات الغربية الى أن هناك حوالي عشرة من شباب هذا الحي نفذوا عمليات انتحارية في بغداد والنواحي، ويعتقدون أن المزيد يوجدون في قاعة الانتظار. كما أن هذا الحي نفسه كان ينتمي إليه خمسة شباب من بين سبعة لقوا حتفهم في أبريل (نيسان) 2004، في إحدى عمارات مدينة «ليغانيس» الإسبانية، وهم جمال احميدان، وعبد النبي كونجا، ورفعت أسريح، والأخوان محمد ورشيد أقشرا. وتقول السلطات الإسبانية إن تلك المجموعة «انتحرت» عبر تفجير العبوات التي كانت بحوزتها بعد أن حاصرتها قوات الأمن، غير أن سبب ذلك «الانتحار الجماعي» بقي موضوع شكوك.
وعلى الرغم من أن أغلبية المشاركين في تفجيرات قطارات مدريد في 11 مارس (آذار) 2004 كانوا من «جامع مزواق»، إلا أن هذه المنطقة لم تقفز بشكل جدي إلى الواجهة، إلا بعد أن توصلت مصالح الاستخبارات المغربية أخيرا بمعلومات تفيد بأن عددا من الانتحاريين المغاربة عبروا إلى داخل العراق، وأن بعضهم نفذوا عملياتهم، فيما ينتظر آخرون سواء داخل العراق أو على حدود بلدان مجاورة ينتظرون العبور.
لكن حي «جامع مزواق» يضم أزيد من 50 ألف ساكن، وهم خليط من السكان الأصليين لمدينة تطوان ومجموعات من النازحين من القرى المجاورة ومن الذين قدموا من قرى بعيدة من منطقة الريف، لذلك فإن وجود سبعة أو عشرة شباب من المنطقة ذهبوا إلى العراق، سواء انطلاقا من المغرب أو انطلاقا من إسبانيا، لا يثير الكثير من شهية الكلام لدى السكان. ويقول عبد الفتاح، وهو صاحب متجر بقالة قريبا من زقاق بوجمعة، إن أغلب سكان الحي لا يعرفون أسماء عبد المنعم أمقشار العمراني، الذي قاد سيارة مليئة بالمتفجرات قبل أشهر وفجرها وهو بداخلها في منطقة بعقوبة. «نحن نسمع أخبار التفجيرات اليومية في العراق، ولا يمكن أن يخطر ببالنا أن يكون من نفذ بعضها هم شباب من «جامع مزواق» لأننا دائما نعتقد أن من ينفذون تلك التفجيرات هم أناس من بلدان عربية بعيدة»، يقول عبد الفتاح.
وعلى الرغم من أن سكان المنطقة كانوا قبل بضعة أسابيع يجهلون كل شيء عن شبابهم «المجاهدين» في العراق، أو «الانتحاريين» هناك، كل يسميهم حسب وجهة نظره، إلا أنه عندما جاء أفراد من الأمن المغربي إلى منزل أمقشار العمراني طالبين من أسرته وثائق عبد المنعم، فإن الحديث بدأ يتناسل عن شبكة «جامع مزواق» التي دفعت هذا الحي المنسي إلى الواجهة الإعلامية، وهو الحي الذي تصنفه الحكومة المغربية رسميا ضمن الأحياء الفقيرة في المغرب التي تحتاج إلى الكثير من المساعدات، مثله مثل آلاف المناطق الأخرى في البلاد.
كان عبد المنعم متزوجا وأبا لطفلة، لكن هذا لم يمنعه من أن يرسم لنفسه طريقا بدأه حين ترك لحية خفيفة على وجهه، لكنها لم تكن كافية لكي تنبئ أسرته وأصدقاءه بما كان يخطط له.
تقارير: 10 من أبناء الحي الهامشي نفذوا عمليات انتحارية في بغداد
تطوان: عبد الله الدامون
جامع مزواق ليس جزيرة معزولة، بل حارة كبيرة لا تبعد عن وسط مدينة تطوان (شمال المغرب) سوى بكيلومترات معدودة. إنها منطقة تشترك في الكثير من خصائصها مع مناطق مغربية أخرى تفتقر إلى الكثير وتطمح إلى القليل، بل يمكن القول انها رديفة لحي سيدي مومن الهامشي في الدار البيضاء الذي خرج منه انتحاريو يوم 16 مايو (ايار) 2003 الرهيب. «جامع مزواق» منطقة متواضعة لكنها ليست كارثية، يسود الكثير من زواياها ظلام دامس في الليل، لكن شمس الصباح تدفئ جنباتها طوال اليوم، يعاني شبابها من نسبة فقر مرتفعة، لكنهم يمضون اليوم في العمل خارج المنطقة أو في تزجية الوقت في مقاهيها الكثيرة، ونساؤها مثل كل نساء المغرب، الكثير منهن يشتغلن أو يقضين الوقت في البيت أو يتاجرن في الخضر الطازجة التي يحملنها من الحقول المجاورة ويبعنها على الأرصفة.
لكن هذه المنطقة تحولت إلى ما يشبه الجزيرة الملعونة لدى الاستخبارات الغربية، وقفز اسمها إلى الكثير من وسائل الإعلام بعد أن تخرج منها شباب توجهوا إلى العراق ونفذوا عمليات مسلحة في بغداد وغيرها.
توجد منطقة جامع مزواق، في مدخل مدينة تطوان من جهة الطريقة الرابطة مع جارتها طنجة. المرور إليها عبر الطريق الرئيسية يمر حتما عبر طريق المستشفى الإسباني ببنايته العتيقة التي لم تتغير إطلاقا منذ أن تم بناؤه قبل أزيد من ستين عاما. إنه رائحة الماضي البعيد.. أيام كانت المدينة عاصمة للحماية الإسبانية على شمال المغرب. هناك الكثير من البنايات القديمة التي لم تعد تعني للسكان غير قطع من التاريخ. لا شيء يتغير في هذه المدينة التي تكبر ببطء وأغنياؤها يفضلون الاستثمار في مدن أخرى.
آلاف المنازل تنتشر على هضاب متباعدة كساها بعض الاخضرار بعد شهور من الجفاف. سقوط الأمطار يجعل المرور من منطقة إلى أخرى مهمة مستحيلة. بين الفينة والأخرى تظهر سيارات أنيقة تحمل لوحات مرقمة في إسبانيا. الهجرة إلى إسبانيا هو منتهى الحلم في هذه المنطقة وشبابها يعتبرون عبور ضفة مضيق جبل طارق مثل العبور من الموت على الحياة. لكن الذي حدث هو أن العديد من الشباب المعدمين عبروا إلى إسبانيا فاكتشفوا الحياة التي كانوا يحلمون بها، ثم في لحظة قرروا التوجه شرقا نحو العراق. عبد الحميد، الذي كان يسوق سيارة «سياط» رمادية بلوحات إسبانية، عاد هذا العام بعد أربع سنوات قضاها في برشلونة بدون أوراق إقامة قانونية، وبعد عودته اشترى قطعة أرض في الجهة السفلى للشارع الرئيسي قرب منحدر يشرف على هضبة أخرى تمتلئ كل يوم بمنازل جديدة. يرى عبد الحميد، الذي يشرف على بناء منزل لعائلته في جامع مزواق، أن الحي توسع كثيرا خلال السنوات الخمس الأخيرة، وأنه قبل أن يغادره تركه في بؤس أكبر، وبدون ماء أو كهرباء في الكثير من مناطقه، لكنه لم يستغرب أبدا عندما سمع أن الكثير من شبابه ذهبوا إلى العراق ونفذوا تفجيرات انتحارية، «في إسبانيا تنشط شبكات كثيرة يدريها مغاربة وجزائريون وسوريون تجند شبابا للذهاب إلى العراق، لكن الكثير من الشباب يريدون أن يذهبوا إلى هناك حتى لو لم يتم تجنيدهم من أحد»، يقول عبد الحميد، وهو يتفقد خدوشا بسيطة في الزجاج الأمامي لسيارته، ويضيف «في برشلونة يوجد مئات الآلاف من المهاجرين، ومن الأكيد أن المئات منهم سيتوجهون إلى العراق أو أفغانستان، أما أن يكون أصل البعض منهم من هذه المنطقة فإن ذلك مجرد صدفة، لا يمكن أن نربط هذه المنطقة الفقيرة بازدياد التطرف، هناك أغنياء يذهبون إلى العراق وينفذون بدورهم عمليات انتحارية، كما أن هناك الكثير من المناطق والحارات تغرق في البؤس حتى أذنيها ولم يتوجه أحد من سكانها إلى العراق للقتال».
لكن الصدفة لم تصنع شابا واحدا أو شابين خرج من جامع مزواق وذهب إلى العراق، حيث تشير أجهزة الاستخبارات الغربية الى أن هناك حوالي عشرة من شباب هذا الحي نفذوا عمليات انتحارية في بغداد والنواحي، ويعتقدون أن المزيد يوجدون في قاعة الانتظار. كما أن هذا الحي نفسه كان ينتمي إليه خمسة شباب من بين سبعة لقوا حتفهم في أبريل (نيسان) 2004، في إحدى عمارات مدينة «ليغانيس» الإسبانية، وهم جمال احميدان، وعبد النبي كونجا، ورفعت أسريح، والأخوان محمد ورشيد أقشرا. وتقول السلطات الإسبانية إن تلك المجموعة «انتحرت» عبر تفجير العبوات التي كانت بحوزتها بعد أن حاصرتها قوات الأمن، غير أن سبب ذلك «الانتحار الجماعي» بقي موضوع شكوك.
وعلى الرغم من أن أغلبية المشاركين في تفجيرات قطارات مدريد في 11 مارس (آذار) 2004 كانوا من «جامع مزواق»، إلا أن هذه المنطقة لم تقفز بشكل جدي إلى الواجهة، إلا بعد أن توصلت مصالح الاستخبارات المغربية أخيرا بمعلومات تفيد بأن عددا من الانتحاريين المغاربة عبروا إلى داخل العراق، وأن بعضهم نفذوا عملياتهم، فيما ينتظر آخرون سواء داخل العراق أو على حدود بلدان مجاورة ينتظرون العبور.
لكن حي «جامع مزواق» يضم أزيد من 50 ألف ساكن، وهم خليط من السكان الأصليين لمدينة تطوان ومجموعات من النازحين من القرى المجاورة ومن الذين قدموا من قرى بعيدة من منطقة الريف، لذلك فإن وجود سبعة أو عشرة شباب من المنطقة ذهبوا إلى العراق، سواء انطلاقا من المغرب أو انطلاقا من إسبانيا، لا يثير الكثير من شهية الكلام لدى السكان. ويقول عبد الفتاح، وهو صاحب متجر بقالة قريبا من زقاق بوجمعة، إن أغلب سكان الحي لا يعرفون أسماء عبد المنعم أمقشار العمراني، الذي قاد سيارة مليئة بالمتفجرات قبل أشهر وفجرها وهو بداخلها في منطقة بعقوبة. «نحن نسمع أخبار التفجيرات اليومية في العراق، ولا يمكن أن يخطر ببالنا أن يكون من نفذ بعضها هم شباب من «جامع مزواق» لأننا دائما نعتقد أن من ينفذون تلك التفجيرات هم أناس من بلدان عربية بعيدة»، يقول عبد الفتاح.
وعلى الرغم من أن سكان المنطقة كانوا قبل بضعة أسابيع يجهلون كل شيء عن شبابهم «المجاهدين» في العراق، أو «الانتحاريين» هناك، كل يسميهم حسب وجهة نظره، إلا أنه عندما جاء أفراد من الأمن المغربي إلى منزل أمقشار العمراني طالبين من أسرته وثائق عبد المنعم، فإن الحديث بدأ يتناسل عن شبكة «جامع مزواق» التي دفعت هذا الحي المنسي إلى الواجهة الإعلامية، وهو الحي الذي تصنفه الحكومة المغربية رسميا ضمن الأحياء الفقيرة في المغرب التي تحتاج إلى الكثير من المساعدات، مثله مثل آلاف المناطق الأخرى في البلاد.
كان عبد المنعم متزوجا وأبا لطفلة، لكن هذا لم يمنعه من أن يرسم لنفسه طريقا بدأه حين ترك لحية خفيفة على وجهه، لكنها لم تكن كافية لكي تنبئ أسرته وأصدقاءه بما كان يخطط له.