المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدين السياسي منذ هتلر وستالين حتى القاعدة



جمال
11-29-2006, 03:58 PM
استغلته النظم الشمولية من أجل مصلحتها


لندن: نامق كامل


كتاب «قضايا مقدسة: الدين والسياسة منذ الدكتاتوريين الأوروبيين وحتى شبكة القاعدة» لمؤلفه ميشائيل بارليف، اعتبره الكثير من النقاد كتاب تحد تاريخي. انه يتضمن قصة التسعين عاماً الماضية من عمر أوروبا، منظوراً إليها من زاوية مختلفة وغير اعتيادية: نقطة تقاطع الدين مع السياسة والثقافة مع الافكار منذ الحرب العالمية الأولى. انه يتضمن قصة الدين السياسي منذ مرحلة الحرب الأولى وحتى الآن وتشمل صعود وانهيار المعسكر الاشتراكي، ودور الكنيسة خلال عهود الاشتراكية القومية الالمانية والفاشية في ايطاليا واسبانيا والبرتغال، والمشكلة الطائفية في آيرلندا الشمالية، وحتى مرحلة التطرف الديني الحاد. ثم يلقي المؤلف نظرة شاملة على استمرارية مركزية الدين في السياسة الأوروبية وطابعه الاعلامي.


القسم الاعظم من هذا الكتاب مكرس حول الدول الشمولية التي سادت انظمتها المقيتة طيلة القرن الماضي. وكما أشار تشرشل مرة فإن هذه الانظمة لم تكن تبغي خلق بديل عن الدين وانما ايجاد دين بديل. ويرى المؤلف ان الانظمة الشمولية أسست ليس فقط على الرغبة الجامحة في السلطة وعلى رجال لا أخلاقيين، وانما ايضاً على الرغبة الشعبية في ايجاد الامان والطمأنينة.

الكثير من المتدينين الذين يعتقدون بأن قيمهم قد قوضت من قبل نظام جمهورية فايمار في المانيا، رحبوا اساسا بظهور هتلر في صورة دينية، كان هتلر بشكل متقصد وواع يضفي على خطاباته مسحة دينية، بلاغته الخطابية واستعاراته في المهرجانات اصبحت أشبه بالمواعظ الكنسية «لا استطيع ان أجرد نفسي من ايماني بالشعب». وكان الدين في يد هلتر ضربا من القوة الذكورية وكان يجب ان يكون مباركا من قبل «رهبان مجندين، ذوي لباس خاص، يرتدون القمصان البنية وعلى سواعدهم شارات الصليب المعقوف».

في رسالة الى دكتاتور المانيا ادولف هتلر عام 1926 كتب جوزيف غوبلز الذي اصبح في ما بعد وزير دعايته «لقد منحت اسماً لمعاناة جيل بأسره. ان ما تتفوه به هو سِفرُ عقيدة سياسية جديدة وسط انهيار عالم يائس وكافر. لقد صغت آلامنا في كلمات انعتاقية، وشكلت بيانات من الثقة في المعجزة القادمة».

بالنسبة للخشوع الديني قد تبدو هذه الكلمات الى حد ما تجديفية. اما بالنسبة للمتهكمين وغيرهم فهي نوع من الاستغراق في التخلف يمكن ان يتوقعه المرء من قلم غوبلز. المؤرخون خلال الستين عاما الماضية يرون مثل هذا «التسلق الديني» اكثر من مسألة زخرفة ثانوية وصرف انتباه عن الاسباب الحقيقية للظاهرة النازية التي توجد في مكان ما في قوام التاريخ الاجتماعي ـ الاقتصادي.

قبل ست سنوات، اي عام 2000، أصدر المؤلف كتابه «الرايخ الثالث» وكان الموضوع الابرز فيه ايضا الدين السياسي، حيث اوضح بان ديماغوغية النازية ـ تمجيدها للشهادة، احياء الاحتفالات وبالطبع تقديس القائد ـ لم تكن، رغم كل بهرجتها وتزويقاتها، ديماغوغية ثانوية، وانما كانت تعبيرا عن الشخصية العبادية الجوهرية للحركة التي من دونها لا تستطيع ان ترتبط بكل اولئك المريدين لها، والاستشهاد كان عنصرا اساسيا في هذه الديانات الشمولية.

فمن المعروف ان النازية ضمت الى صفوفها مجموعة من رجال الدين مثل هورست وسل، وهو ابن قس ومن المحاربين القدماء. مجّدته النازية رغم انه قتل في شجار من أجل مومس عادية. بعد ذلك الكتاب لم يباشر بارليف العمل على انجاز مجلدين ضخمين يتناولان دراسة كل ظاهرة الدين السياسي منذ أواخر القرن الثامن عشر وحتى الوقت الراهن. المجلد الأول «السلطات الدنيوية» الذي نشر العام الماضي يتحدث عن جملة من الأمثلة الرهيبة والمتنوعة ابتداء من روبسبير واليعاقبة في الثورة الفرنسة وانتهاء بالمتطرفين الروس أواخر القرن التاسع عشر. اما المجلد الثاني «قضايا مقدسة..» أو بالأحرى الكتاب الثالث للمؤلف ضمن ما يمكن تسميته بالثلاثية، فإن الدين السياسي يشكل العمود الفقري للكتاب، وموضوعه يمتد من الحرب العالمية الأولى وحتى الآن، ومعظمه يدور حول المسيحية ومواقفها من السلطات المقدسة، أي الدول الشمولية.

يرى المؤلف في هذا الصدد يشير الكاتب الى هتلر وستالين ويقول إنهما كانا في مبادرة ستراتيجية مع الكنائس المسيحية. استغلاها حيثما كانت تناسب اهدافهما، وأهملاها واضطهداها حينما كانت تشكل منافسا لهما في المرجعية والسلطة. يكرس الكاتب حوالي ثلث صفحات الكتاب ليظهر بأن الكنيسة الرومانية الكاثوليكية لعبت دورا حيويا في معارضة هتلر وسياساته خلال حقبة الرايخ الثالث، ويوضح بأن الهيئة الكاثوليكية وقفت بشكل أفضل في وجه الديكتاتورية مما فعلت الكثير من الكنائس البروتستانتية «ربما تكون طبيعة الكنيسة الكاثوليكية التي تتخطى الحدود القومية تسمح لها بمجابهة، او على الاقل الوقوف، بوجه الطغاة ـ فيما فشلت في ذلك الكنائس البروتستانتية القومية».

واستغرق الأمر مضي فترة من الزمن حتى تنازلت الكنيسة الكاثوليكية عن بعض خصائصها إزاء شكل الحكومات وذلك لصالح الديمقراطية. وبسبب موقفها من الشيوعية واعتبارها «التهديد الاكبر للحضارة الأوروبية» قررت ان الديمقراطية وحدها التي تستطيع ان ترعى الانضباط الذاتي والاعتدال وتوفير بعض الضمانات للسيطرة على الحكومة من قبل الشعب.

وحينما يدرس الوقت الراهن لا يخفي المؤلف ميشائيل بارليف نفوره من التطور الاجتماعي الحاصل في بريطانيا منذ الستينات ويفصح عنه بشكل واضح وصريح «نزعات تبدو جريئة في زمن يخفي الحقيقة القذرة»، ملخصاً عصراً اُختصر بمغني البيتلر جون لينون.

ويرى المؤلف ان نقطة التقاطع بين الدين والسياسة تتخذ معاني متعددة بالنسبة لكثير من الناس منذ الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) 2001. فهو يعتبر المتطرفين الاسلاميين من بعض الوجوه حالة خاصة لم يسبق لها مثيل. وفي اعتبارات اخرى يراهم نسخة للحركات التي نشأت في المجتمعات الغربية الحديثة. ولفهم استيعاب هذه الحالة بشكل افضل يرى ان من المناسب ان يراجع المرء الكتابات الأدبية لكونراد وولف ودويستويفسكي.