جمال
11-29-2006, 03:51 PM
كتاب فرنسي يدرس سياسات شيراك في الشرق الأوسط
أمير طاهري
في شتاء 2002 وربيع 2003، كان جاك شيراك مثل اعصار من الطاقة السياسية تركز على قضية واحدة: منع سقوط نظام صدام حسين في بغداد. واستخدم الرئيس الفرنسي كل القوى السياسية والدبلوماسية المتوفرة لديه، ودفع علاقات فرنسا مع الولايات المتحدة وبريطانيا الى الحافة، واثار انقساما في الامم المتحدة بهدف استمرار الطاغية البعثي في السلطة في العراق.
ما هي الدوافع الحقيقية وراء السياسة الفرنسية تجاه العراق في ظل صدام حسين؟ هذا هو السؤال الذي طرحه الصحافيان في صحيفة ليبراسيون اريك اشيمان وكريستوف بولتانسكي، في كتابهما الجديد الذي يدرس سياسات شيراك فيما يتعلق بالشرق الاوسط.
ربما كانت علاقات الصداقة بين شيراك وصدام حسين في السبعينات، هي واحدة من الاسباب وراء استمرار دعم الرئيس الفرنسي للنظام البعثي، حتى النهاية. وربما كان السبب الاخر هو المصالح التجارية الهائلة التي توصلت اليها فرنسا مع العراق بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الامم المتحدة بعد غزو صدام حسين للكويت في اغسطس 1990. ومن المحتمل ان صدام حسين ساهم في تمويل الحزب الديغولي الجديد الذي ينتمي اليه شيراك، بالاضافة الى عدد اخر من الاحزاب السياسية الفرنسية في اليمين واليسار لعدة سنوات.
وبالرغم من ذلك، وعلى العكس من ادعاء المؤلفين بأن شيراك كان يسعى لمصلحة شخصية في العراق، وكان يتصرف طبقا لسياسات فرنسية ثابتة تتعدى الحسابات التكتيكية. وقد اعتبر شيراك معارضته للحرب في العراق رد فعل طبيعيا لما يطلق عليه سياسة فرنسا العربية التي طورها الرئيس شارل ديغول قبل ربع قرن. ففي عام 1967 غير ديغول سياسة فرنسا الموالية لاسرائيل، التي طورتها الحكومات الاشتراكية المتعاقبة في باريس، واطلق استراتيجية جديدة تهدف الى انهاء الحرب في الجزائر والقضاء على السبب الرئيسي للكراهية تجاه فرنسا.
وفي حالة الوضع في العراق، كان لدى شيراك المزيد من الاسباب للالتزام
بالسياسة الفرنسية التقليدية. فشركة النفط الفرنسية الحكومية كانت ناشطة في العراق لعقود، واصبحت اهم جوهرة في تاج الطاقة الفرنسية بعد الجزائر. وبالمقارنة فقد اوقفت شركات النفط البريطانية والاميركية اعمالها في العراق منذ نهاية الخمسينات، بل ان القوتين «الانغلوساكسونيتين» لم تكن لديهما سفارة في بغداد حتى منتصف الثمانينات.
وينتقد اشيمان وبولتانسكي شيراك لما يعتبرانه حكمه الضعيف في شق الديمقراطيات الغربية، الا ان شيراك كان يتصرف طبقا للسياسة الفرنسية التقليدية، كما قدمتها وزارة الخارجية الفرنسية. واذا ما اخطأ شيراك، فلم يكن ذلك في محاولته استخدام الامم المتحدة لمنع سقوط صدام حسين. كان خطأه هو التفكير ان معظم العرب لا يريدون سقوط صدام حسين. والواقع انه لم يكن هناك احد تقريبا، في العالم العربي، على الاقل بالنسبة للنخبة الحاكمة على استعداد لذرف الدموع على طاغية حزب البعث.
وكان من الممكن ان تنجح مغامرة شيراك. تخيل ما الذي كان يمكن ان يحدث اذا لم تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها من الحصول على تفويض محدد من الامم المتحدة لغزو العراق، وألغيت الفكرة بأكملها؟. كان من المحتمل ان يصير شيراك بطلا بالنسبة للبعثيين في العراق ولتمكن صدام حسين من العودة كمطالب بزعامة كل العرب، ولأصبحت فرنسا القوة الوحيدة التي وقفت الى جانب المنتصر.
ما الذي تعلمه شيراك من تلك الخبرة؟ يقول المؤلفان انه شعر بالمرارة، ليس بسبب سقوط صدام حسين، بل ان الامر الذي ازعج الرئيس الفرنسي اكثر من أي شخص اخر هو انه اكتشف ان القيادات العربية تعارض التوجه الفرنسي. فقد لام الزعماء العرب، الذين يعارضون الحرب علنا، فرنسا للدفاع عن صدام حسين. وبعد الحرب، ترجمت تلك الاتجاهات في تجميد افتراضي للعلاقات الفرنسية العربية وانخفاض كبير في المبادلات التجارية.
ويدعي اشيمان وبولتانسكي ان شيراك تعلم الدرس وحاول استعادة وضع فرنسا في الكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة، عن طريق الانضمام الى جهود واشنطن لطرد السوريين من لبنان وممارسة ضغوط جماعية على نظام الخميني في طهران فيما يتعلق ببرنامج ايران النووي المثير للجدل، كما زاد شيراك ايضا التزامات فرنسا العسكرية للحرب في افغانستان وبالتالي قلل من الضغوط على القوات المسلحة الاميركية.
وقد اثار المؤلفان عدة افتراضات مثيرة لم يطوراها تطويرا كاملا، من بينها التصور بأن الفرنسيين والعرب يشعران بـ«الاضطراب» من عالم تسيطر عليها العولمة، طبقا لتصميم وتطوير وادارة الاميركيين. وان الفرنسيين والعرب يرغبان في «الاختلاف»، بل انهما افضل من «الانغلوساكسون» ولكن يجدان صعوبة في الفرار من «الاتساق» العالمي.
ولكن ما مدى صدق مثل هذا الادعاء؟ هل يقاوم الفرنسيون حقا «الاتساق المعد في الولايات المتحدة»؟ لا توجد ابحاث كافية حول هذا الموضوع، ولكن الامثلة تشير الى عدم مصداقية ذلك. ففرنسا هي ثاني اكبر مستهلك لقطاع الافلام الاميركية بعد الولايات المتحدة نفسها، كما يوجد بها اكبر عدد من مطاعم ماكدونالد خارج الولايات المتحدة.
ولا يوجد دليل على ان العرب يشاركون هوس فرنسا بـ «التفاصيل»، بغض النظر عما يعني ذلك في الحياة العملية. وفي الاسواق التجارية المفتوحة لم يظهر العرب اهتماما خاصا لاختيار المنتجات الصناعية والفكرية الفرنسية.
ويدعي المؤلفان ان شيراك كان ينظر للقضية الفلسطينية من «منظار ياسر عرفات»، الا ان شيراك هنا ايضا يتبع سياسة طورها للمرة الاولى ديغول واتبعها بحماس فيما بعد الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، كما يجب علينا ايضا ان نتذكر رئاسة شيراك جاءت في فترة كان فيها عرفات عزيزا على الاسرائيليين ايضا. ففي النهاية كانت اسرائيل، وليس شيراك، التي اخرجت عرفات من عالم النسيان في تونس واعادته كرئيس لدولة تحت الاعداد. وتوجد نقطتان يود المرء لو امكن للمؤلفين تطويرهما:
الاولى هي تأثير وجود 7 ملايين مسلم في فرنسا على سياستها في الشرق الاوسط، وتجدر الاشارة الى ان ليس كل المسلمين في فرنسا من العرب، الا ان معظمهم يتعاطفون مع الفلسطينيين، مثلما يفضل 800 الف يهودي فرنسي اسرائيل، ومن الممكن ان شيراك وغيره من صناع القرار في فرنسا يضعون ذلك في الحساب.
والنقطة الثانية تتعلق بالتأثير الفعلي لجهود فرنسا اليائسة لحشر نفسها في القضايا «الانغلوسكسونية» كلما كان ذلك ممكنا، ويدعي بعض المحللين ان الموقف الفرنسي المعادي لأميركا قد تسبب في اضرار كبيرة للديمقراطيات الغربية وللاستقرار والسلام، ولا سيما في الشرق الاوسط، غير ان البعض يشير الى انه ليس لما يفعله شيراك تأثيرات لان فرنسا تفتقر الى السلطة التي تسمح لها بتحقيق فرق في أية قضية. وبعبارة اخرى كان شيراك يلعب دورا من الدبلوماسية الافتراضية بنفس الطريقة التي يلعب بها المرء لعبة «المونوبولي».
أمير طاهري
في شتاء 2002 وربيع 2003، كان جاك شيراك مثل اعصار من الطاقة السياسية تركز على قضية واحدة: منع سقوط نظام صدام حسين في بغداد. واستخدم الرئيس الفرنسي كل القوى السياسية والدبلوماسية المتوفرة لديه، ودفع علاقات فرنسا مع الولايات المتحدة وبريطانيا الى الحافة، واثار انقساما في الامم المتحدة بهدف استمرار الطاغية البعثي في السلطة في العراق.
ما هي الدوافع الحقيقية وراء السياسة الفرنسية تجاه العراق في ظل صدام حسين؟ هذا هو السؤال الذي طرحه الصحافيان في صحيفة ليبراسيون اريك اشيمان وكريستوف بولتانسكي، في كتابهما الجديد الذي يدرس سياسات شيراك فيما يتعلق بالشرق الاوسط.
ربما كانت علاقات الصداقة بين شيراك وصدام حسين في السبعينات، هي واحدة من الاسباب وراء استمرار دعم الرئيس الفرنسي للنظام البعثي، حتى النهاية. وربما كان السبب الاخر هو المصالح التجارية الهائلة التي توصلت اليها فرنسا مع العراق بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الامم المتحدة بعد غزو صدام حسين للكويت في اغسطس 1990. ومن المحتمل ان صدام حسين ساهم في تمويل الحزب الديغولي الجديد الذي ينتمي اليه شيراك، بالاضافة الى عدد اخر من الاحزاب السياسية الفرنسية في اليمين واليسار لعدة سنوات.
وبالرغم من ذلك، وعلى العكس من ادعاء المؤلفين بأن شيراك كان يسعى لمصلحة شخصية في العراق، وكان يتصرف طبقا لسياسات فرنسية ثابتة تتعدى الحسابات التكتيكية. وقد اعتبر شيراك معارضته للحرب في العراق رد فعل طبيعيا لما يطلق عليه سياسة فرنسا العربية التي طورها الرئيس شارل ديغول قبل ربع قرن. ففي عام 1967 غير ديغول سياسة فرنسا الموالية لاسرائيل، التي طورتها الحكومات الاشتراكية المتعاقبة في باريس، واطلق استراتيجية جديدة تهدف الى انهاء الحرب في الجزائر والقضاء على السبب الرئيسي للكراهية تجاه فرنسا.
وفي حالة الوضع في العراق، كان لدى شيراك المزيد من الاسباب للالتزام
بالسياسة الفرنسية التقليدية. فشركة النفط الفرنسية الحكومية كانت ناشطة في العراق لعقود، واصبحت اهم جوهرة في تاج الطاقة الفرنسية بعد الجزائر. وبالمقارنة فقد اوقفت شركات النفط البريطانية والاميركية اعمالها في العراق منذ نهاية الخمسينات، بل ان القوتين «الانغلوساكسونيتين» لم تكن لديهما سفارة في بغداد حتى منتصف الثمانينات.
وينتقد اشيمان وبولتانسكي شيراك لما يعتبرانه حكمه الضعيف في شق الديمقراطيات الغربية، الا ان شيراك كان يتصرف طبقا للسياسة الفرنسية التقليدية، كما قدمتها وزارة الخارجية الفرنسية. واذا ما اخطأ شيراك، فلم يكن ذلك في محاولته استخدام الامم المتحدة لمنع سقوط صدام حسين. كان خطأه هو التفكير ان معظم العرب لا يريدون سقوط صدام حسين. والواقع انه لم يكن هناك احد تقريبا، في العالم العربي، على الاقل بالنسبة للنخبة الحاكمة على استعداد لذرف الدموع على طاغية حزب البعث.
وكان من الممكن ان تنجح مغامرة شيراك. تخيل ما الذي كان يمكن ان يحدث اذا لم تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها من الحصول على تفويض محدد من الامم المتحدة لغزو العراق، وألغيت الفكرة بأكملها؟. كان من المحتمل ان يصير شيراك بطلا بالنسبة للبعثيين في العراق ولتمكن صدام حسين من العودة كمطالب بزعامة كل العرب، ولأصبحت فرنسا القوة الوحيدة التي وقفت الى جانب المنتصر.
ما الذي تعلمه شيراك من تلك الخبرة؟ يقول المؤلفان انه شعر بالمرارة، ليس بسبب سقوط صدام حسين، بل ان الامر الذي ازعج الرئيس الفرنسي اكثر من أي شخص اخر هو انه اكتشف ان القيادات العربية تعارض التوجه الفرنسي. فقد لام الزعماء العرب، الذين يعارضون الحرب علنا، فرنسا للدفاع عن صدام حسين. وبعد الحرب، ترجمت تلك الاتجاهات في تجميد افتراضي للعلاقات الفرنسية العربية وانخفاض كبير في المبادلات التجارية.
ويدعي اشيمان وبولتانسكي ان شيراك تعلم الدرس وحاول استعادة وضع فرنسا في الكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة، عن طريق الانضمام الى جهود واشنطن لطرد السوريين من لبنان وممارسة ضغوط جماعية على نظام الخميني في طهران فيما يتعلق ببرنامج ايران النووي المثير للجدل، كما زاد شيراك ايضا التزامات فرنسا العسكرية للحرب في افغانستان وبالتالي قلل من الضغوط على القوات المسلحة الاميركية.
وقد اثار المؤلفان عدة افتراضات مثيرة لم يطوراها تطويرا كاملا، من بينها التصور بأن الفرنسيين والعرب يشعران بـ«الاضطراب» من عالم تسيطر عليها العولمة، طبقا لتصميم وتطوير وادارة الاميركيين. وان الفرنسيين والعرب يرغبان في «الاختلاف»، بل انهما افضل من «الانغلوساكسون» ولكن يجدان صعوبة في الفرار من «الاتساق» العالمي.
ولكن ما مدى صدق مثل هذا الادعاء؟ هل يقاوم الفرنسيون حقا «الاتساق المعد في الولايات المتحدة»؟ لا توجد ابحاث كافية حول هذا الموضوع، ولكن الامثلة تشير الى عدم مصداقية ذلك. ففرنسا هي ثاني اكبر مستهلك لقطاع الافلام الاميركية بعد الولايات المتحدة نفسها، كما يوجد بها اكبر عدد من مطاعم ماكدونالد خارج الولايات المتحدة.
ولا يوجد دليل على ان العرب يشاركون هوس فرنسا بـ «التفاصيل»، بغض النظر عما يعني ذلك في الحياة العملية. وفي الاسواق التجارية المفتوحة لم يظهر العرب اهتماما خاصا لاختيار المنتجات الصناعية والفكرية الفرنسية.
ويدعي المؤلفان ان شيراك كان ينظر للقضية الفلسطينية من «منظار ياسر عرفات»، الا ان شيراك هنا ايضا يتبع سياسة طورها للمرة الاولى ديغول واتبعها بحماس فيما بعد الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، كما يجب علينا ايضا ان نتذكر رئاسة شيراك جاءت في فترة كان فيها عرفات عزيزا على الاسرائيليين ايضا. ففي النهاية كانت اسرائيل، وليس شيراك، التي اخرجت عرفات من عالم النسيان في تونس واعادته كرئيس لدولة تحت الاعداد. وتوجد نقطتان يود المرء لو امكن للمؤلفين تطويرهما:
الاولى هي تأثير وجود 7 ملايين مسلم في فرنسا على سياستها في الشرق الاوسط، وتجدر الاشارة الى ان ليس كل المسلمين في فرنسا من العرب، الا ان معظمهم يتعاطفون مع الفلسطينيين، مثلما يفضل 800 الف يهودي فرنسي اسرائيل، ومن الممكن ان شيراك وغيره من صناع القرار في فرنسا يضعون ذلك في الحساب.
والنقطة الثانية تتعلق بالتأثير الفعلي لجهود فرنسا اليائسة لحشر نفسها في القضايا «الانغلوسكسونية» كلما كان ذلك ممكنا، ويدعي بعض المحللين ان الموقف الفرنسي المعادي لأميركا قد تسبب في اضرار كبيرة للديمقراطيات الغربية وللاستقرار والسلام، ولا سيما في الشرق الاوسط، غير ان البعض يشير الى انه ليس لما يفعله شيراك تأثيرات لان فرنسا تفتقر الى السلطة التي تسمح لها بتحقيق فرق في أية قضية. وبعبارة اخرى كان شيراك يلعب دورا من الدبلوماسية الافتراضية بنفس الطريقة التي يلعب بها المرء لعبة «المونوبولي».