جليل
11-20-2006, 08:36 PM
http://www.alraialaam.com/20-11-2006/ie5/rai4.jpg
فروز رجائي فر لـ «الراي»: لو تعرضنا لهجوم أميركي فعلى دول المنطقة التي توفر قواعد للأعداء ألا تتوقع الأمن
طهران - من احمد امين
حينما بادرت السيدة فروز رجائي فر، الحاصلة على شهادة البكالوريوس في هندسة المشتقات النفطية وطالبة الدكتوراه في العلوم السياسية، هي ولفيف من المثقفين والكتاب الاصوليين الى تأسيس رابطة تكريم شهداء النهضة الاسلامية العالمية، باهداف ثقافية بحتة، لم يكن يخطر على بالها ان تكون قائدا عاما لاكثر من 50 الف استشهادي، الا ان التهديدات التي واجهتها ايران جعلت الجميع يتجهون نحو التفكير باسلوب حصري لمواجهة أي اعتداء خارجي محتمل تتعرض له بلادهم، آخذين في الاعتبار الالة العسكرية الكبيرة والمتطورة للقوى الكبرى، وقرروا دعوة من يرغب بالتطوع لتنفيذ عمليات «استشهادية» ضد العدو.
رجائي فر ترفض تسمية «الاستشهاديين» بـ «الانتحاريين» والصاق تهمة الارهاب بهم، وتقول «لماذا حينما يقوم قائد طائرة حربية بقتل المدنيين نقول انه طيار حربي، ولكن حينما يقوم شخص، في حرب غير متكافئة، بتفجير نفسه وسط الاعداء ينعت بالارهابي».
وتعتقد ان «الشارع المقدس اباح للانسان المسلم اثناء المواجهة مع المحتلين، قتل المدنيين وحتى قتل افراد عائلته اذا حاول المحتل جعلهم دروعا بشرية له».
وترى السيدة فروز ان «على دول المنطقة الا تتوقع البقاء آمنة في ما اذا قدمت تسهيلات عسكرية، من معسكرات وقواعد، للقوات الاميركية لمهاجمة المنشآت النووية الايرانية»، واعلنت استعداد افرادها لضرب المصالح الاميركية في مختلف ارجاء العالم «اذا تعرضت ايران لهجوم اميركي».
واكدت ان تعاونهم مع الفصائل الاسلامية في لبنان وفلسطين «ثقافي وسياسي»، موضحة ان القوى الاسلامية في هاتين الدولتين «ليست بحاجة للاستشهاديين الايرانيين، فلديها منهم الكثير».
وتعبر عن اعتقادها بان أي محاولة من اميركا لتطبيع العلاقات مع ايران واعادة افتتاح سفارة لها في طهران، انما تصب في المخطط الاميركي الدائم لاطاحة النظام الاسلامي، وهي تشعر بالفخر لكونها كانت من الطلبة الذين شاركوا في العام 1979 باحتلال السفارة الاميركية في طهران، وشددت انها على استعداد لاحتلال السفارة الاميركية متى ما تم افتتاحها مجددا في العاصمة الايرانية.
وتتمنى ان تتمكن يوما من زف احد ابنائها الثلاثة للاستشهاد، لكنها لا تدري ان كانت ستنجح في هذه التجربة ام لا.
هذه القضايا وغيرها تحدثت بها فروز رجائي فر لمراسل «الراي»، في اطار حوار اجراه معها في مكتبها المتواضع، الذي هو عبارة عن قبو مستطيل الشكل لا تزيد مساحته على 20 مترا مربعا، كست جدارنه صور للامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله واستشهاديين فلسطينيين.
وفي ما يلي تفاصيل الحوار:
• متى تأسس هذا المركز؟
- في نوفمبر العام 2002، وقد قام خلال السنوات الاربع الماضية بتوسعة مهامه ونشاطاته مقارنة بالمهام التي اعلن عنها حين التأسيس. والذين ساهموا في تأسيسه كانوا من الفنانيين والكتاب، وعلى أي حال كانوا من مثقفي تيار «حزب الله»، التيار الذي يسمى حاليا بالتيار الاصولي، وكان هدفنا تكريس مبادىء الثورة والاهداف التي سعى الامام الخميني لتحقيقها.
واعترضنا في شدة ابان المجلس البلدي الاول لطهران، قبل اكثر من 4 سنوات، على قراره بتغيير اسم شارع الشهيد خالد الاسلامبولي، ومن المؤسف له ان المجلس البلدي الثاني اتخذ هو الاخر قرارا بتغيير اسم هذا الشارع، استجابة لشروط مصر باعادة العلاقات مع ايران، ونحن ومن اجل التعبير عن رفضنا للقرار قمنا بتأسيس هذا المركز.
ولتكريم شهداء النهضة الاسلامية العالمية، ونحن نعتبر الشهيد خالد الاسلامبولي احد روادها، اقمنا اعتصاما امام المجلس البلدي في طهران، ومن ثم احيينا ذكراه في مقبرة «بهشت زهرا» (جنة الزهراء) واقمنا نصبا تذكاريا له كما وزعنا شعارات تجليل وتكريم له في ارجاء العاصمة.
وبعد مضي فترة قصيرة، اقمنا احتفالا لمناسبة الذكرى السنوية لفتوى قتل المرتد سلمان رشدي، كما قمنا بترتيب حفل تكريمي للشهيد مصطفى مازح الذي كان عازما على اغتيال رشدي في بريطانيا.
• من هو مصطفى مازح؟
- انه شاب تونسي مؤمن لكن ملامحه كانت ملامحا غربية، وقد نجح في النفوذ الى الفندق نفسه الذي كان يقيم فيه رشدي، لكن انفجر حزامه الناسف على حاجز امني قبل ان يتمكن من الوصول الى هذا المرتد.
• هل كان لمازح ارتباط معكم؟
- كلا، كلا حينذاك سمعنا فقط عن محاولته، وكان الامر مثيرا للدهشة بالنسبة الينا، ان يقوم شاب تونسي بتنفيذ فتوى الاعدام التي اصدرها الامام الخميني.
• منطلقات مركزكم كانت في اطار الانشطة الثقافية وتكريم ذكرى شهداء النهضة الاسلامية، لكنكم ما لبثتم ان تحولتم الى قضية الاستشهاديين؟
- الذي اثار دهشتنا في اطار تكريمنا لشهداء النهضة الاسلامية العالمية، هو قيام بعض المناضلين، ولاسيما على الساحة الفلسطينية بتنفيذ عمليات استشهادية ضد الاسرائيليين، وبالنسبة الينا، فان هذا الامر كان رائعا جدا، وكنا ننظر لهذه العمليات بانها تمثل قمة الايمان والشجاعة والبسالة، اذ يقوم شباب فلسطينيون، صبايا وصبيان، بتنفيذ عمليات استشهادية، هدفها الحاق الاذى بالاعداء من خلال تقديم ارواحهم قرابين في هذا المسار.
ونحن حينما بدأنا بتكريم هؤلاء الاستشهاديين، لفت انتباهنا وجود رؤية خاطئة حيال هؤلاء على الصعيد الدولي، واعتبار عملياتهم ارهابية، لذلك قررنا توضيح الابعاد الحقيقية للعمليات الاستشهادية، ودراسة معطياتها وافرازاتها الاجتماعية والفقهية والسياسية وحتى العسكرية، وان نوجد نظرية خاصة بمثل هذه العمليات.
• وهل كان لكم اتصال بذوي الاستشهاديين الفلسطينيين... هل قدمتم الدعم المالي لهم ام اكتفيتم بتكريم الشهداء؟
- حينما بدأنا بدراسة هذه الظاهرة، وجدنا ان جذورها ترتبط بمقاومة الشعب الايراني خلال حرب الثماني سنوات مع المحتل البعثي، وقد انتقلت هذه الظاهرة من ايران الى لبنان، واستخدم المقاومون اللبنانيون هذا النمط من العمليات لتكبيد المحتل الصهيوني الخسائر الفادحة، ومن لبنان هاجرت ثقافة الاستشهاد الى فلسطين، واثبتت نجاحها في الاراضي المحتلة. ونجحنا بالفعل في اقامة علاقات ثقافية وسياسية بعوائل الاستشهاديين والمجموعات الجهادية.
• هل تعتقدين ان من يقدم على تنفيذ عملية استشهادية بحاجة الى نظرياتكم الثقافية والسياسية، ام انه بحاجة الى دعم من شكل آخر؟
- ان الحقيقة والحق بمثابة الشمس الساطعة التي تنير العالم، لكن يبقى هناك بعض الغيوم التي تحاول اخفاء هذه الحقيقة، وايجاد امواج زائفة تعمل على منع الرأي العام من ادراك الحقيقة، وان الافراد الاستشهاديين هم اكثر الشهداء مظلومية، فهم يمتازون بقمة الايمان والشجاعة، ومعظمهم اشخاص ناجحون في حياتهم، لكن البعض، وحتى مع الاسف في اوساط المسلمين، يصف عمليات هؤلاء بانها انتحارية، ويفتون بتحريمها، في حين ان هؤلاء ليسوا بالاشخاص الذين سئموا حياتهم او يقاسون من كآبة او هم اناس يائسون او انهم يعانون من مشاكل شخصية ووصلوا الى قناعة بضرورة وضع حد لحياتهم، او انهم افراد غير مؤمنين ويعتبرون الانتحار امرا مباحا، بل هم اناس مؤمنون وان ايمانهم يحتم عليهم عدم النظر لخطوتهم على اساس انها انتحار، ويعون جيدا انهم ملزمون في عالم الاخرة اعطاء جواب على مافعلوه. ثم انهم من الاشخاص الناجحين في حياتهم، مثل السيدة التي كانت محامية وعمرها 29 عاما، وتلك الام البالغة من العمر 22 عاما، وذلك الاب الذي ترك خلفه طفلين وضحى بحياته في سبيل وطنه وشعبه، كانوا جميعا ناجحين في حياتهم، ولديهم هدف سام.
• هذه الحقائق نحن نعرفها، ارجو الرد على سؤالي، ما شكل دعمكم لهم؟
- هؤلاء ذهبوا وضحوا بحياتهم، ولدينا مقولة انه في كربلاء الامام الحسين فعل امرا حسينيا، وان السيدة زينب (بنت علي بن ابي طالب) يجب ان تؤدي دورا زينبيا، هؤلاء ذهبوا ليستشهدوا، لكنهم ذهبوا مظلومين اذ يتم وصفهم بالارهابيين، وبعض المسلمين والغربيين يعتبر عملهم انتحارا، ومجموعة اخرى تمتلك رؤية اكثر تطرفا تصف عملياتهم بالارهاب، ونحن في الواقع رأينا ان الواجب يحتم علينا ان نوضح للعالم بان عمل هؤلاء ليس ارهابا، ويجب تعريف عملياتهم في اطار قوانين الحروب، والنزاع بين قوتين، النزاع غير المتكافىء، فهل يجوز في حال اختلال ميزان القوى ان نصف الطرف الضعيف الذي لا يمتلك السلاح الكافي بانه ارهابي؟ وهل يمكن ان ننزه الطيار الذي يقصف ويقتل الابرياء من صفة الارهاب ونزعم انه مجرد طيار حربي ادى ما هو ملقى على عاتقه؟
لذلك سعينا لشرح ابعاد هذا الموضوع وتبيين حقائقه، واعتقد اننا نجحنا الى حد كبير في هذا الامر الذي تحول الى مادة جيدة للبحث والدراسة في ايران، وتبدلت نظرة العديد من الايرانيين الذين كانوا يعتبرون هذه العمليات انها انتحارية، واخذت اعداد كبيرة من مواطنينا التعبير عن رغبتها في الوصول الى هذه الدرجة من الكمال الانساني من خلال تنفيذ عمليات استشهادية اثناء المواجهة مع العدو.
• وهل تمتلكون فتاوى شرعية تبيح للافراد الاستشهاديين في مجموعاتكم قتل انفسهم؟
- ان قتل النفس من دون دليل، ان كان الانسان يقدم على قتل نفسه او قتل آخرين، امر محرم ومن الذنوب الكبيرة، وكانك بقتل نفس واحدة انما تقتل الناس جميعا، لكن هذه القضية لا تنطبق على العمليات الاستشهادية، فهذه العمليات تأتي في اطار الدفاع، وانك تلجأ الى العمليات الاستشهادية حينما يكون بلدك محتلا. وفي بلد مثل فلسطين فان له خصوصياته، لكن افترض بلدا مثل ايران يكون على وشك التعرض لهجوم من قبل قوات اجنبية، فانه لدينا جيش وحرس ثوري وقدرات عسكرية يمكنها مواجهة أي هجوم محتمل والدفاع عن البلاد، لكن قد ينجح العدو قبل ان تستكمل هذه القوات استعدادها وتتهيء للرد، في احتلال مناطق في البلاد. لذلك ان العمليات الاستشهادية ترتبط بالاحتلال، ويصبح لزاما على الشخص ان يضحي بحياته لمواجهة المحتلين.
• هل هناك فتاوى صريحة من مراجع التقليد؟
- نعم اصدر آية الله فاضل لنكراني فتوى صريحة في هذا الجانب، وكذلك فعل آية الله نوري همداني، ثم ان الامام الخميني الذي اشاد بالشهيد فهميدة، وقال في حقه ان قائدنا هو ذلك الطفل ذي الـ 12 عاما (الفتى محمد حسين فهميدة فجر نفسه تحت دبابة عراقية ما تسبب في عرقلة دخول رتل من الدبابات الى مدينة خرمشهر مطلع الحرب العراقية - الايرانية 1980-1988)، فانما يعني بذلك انه يؤيد مثل هذه العمليات، ولا يعتبر ما اقدم عليه الشهيد فهميدة انتحارا.
• فهميدة فجر نفسه مقابل عسكر، قوات عسكرية كلاسيكية بدأت باحتلال بلاده، لكن العمليات التي تحصل في فلسطين ودول اخرى يذهب ضحيتها على الاغلب مدنيون، اطفال ونساء وشيوخ، ليس لهم صلة بالنزاعات العسكرية؟
- هذا الامر بيّن الشارع المقدس حدوده ومعالمه، ثم اننا اوضحنا انه يتم اللجوء للعمليات الاستشهادية في فترة الاحتلال ولمواجهة المحتل، وحينذاك كان المحتل العراقي تجاوز على بلادنا بمفرده، أي لم يأت الجندي العراقي مع افراد عائلته بل اتى مع دبابته، ولو اتى مع عائلته واستقروا في هويزة (مدينة حدودية في خوزستان) فما الذي كان على الشهيد فهميدة فعله؟ هل كان يجب ان يراعي حال عائلة المحتل العراقي؟ هل يختلف شأن المحتلين بعضهم عن البعض الاخر؟ فاذا كان هذا المحتل يشعر ان الخطر محدق به وبعائلته جراء تجاوزه على بلاد الغير فعليه الجلاء او اعادة عائلته الى وطنه، اما ما هو حكم الطرف الذي اصبح الدفاع واجبا عليه؟ وان حكم الاسلام ينص على انه اذا حاول العدو أو اللص الافادة من افراد عائلته كدروع بشرية اثناء مهاجمته لبيتك، فانك ولاجل الدفاع عن عرضك ومالك، ملزم بقتل عائلته ومن ثم التفرغ لمقاتلة اللص.
ولو كان اللص محتالا، ولم يأت بعائلته، بل اتخذ عائلتك، عائلة صاحب البيت، عائلة الفرد المسلم، درعا بشريا له، من اجل القيام بسرقة بيتك، فما الذي تفعله؟ هنا الشارع يجيز لك قتل افراد عائلتك فالجنة ستكون مثواهم، ففي حال كهذه غير جائز للانسان التخلي عن عنصر الدفاع، أي انك تذعن للاستسلام لان العدو اتخذ افراد عائلتك رهائن، ويقول الشارع لاضير في ان يتعرض افراد عائلتك للقتل خلال الصراع بين الاسلام والكفر، فان مثواهم هو الجنة، لانهم استشهدوا لاجل الاسلام واثناء الدفاع عن ارض الاسلام، وفي الوقت نفسه تم قتل المحتل أو اللص أو المتجاوز، وانك تكون اديت واجبك في الدفاع.
والدفاع هو واجب على كل مسلم، هو ليس حقا بل واجب شرعي، ومن الممكن اننا نظر للدفاع في اطار القوانين الدولية على اساس انه حق، اما في الاسلام فانه وظيفة وواجب الهي مقدس، ويجب على كل مسلم الدفاع عن أي بلد اسلامي يتعرض لغزو الاعداء، والاسلام لايعترف بالحدود القومية، وحدوده هو الامة الاسلامية وليس الشعوب، وفي خطابنا الفقهي لدينا مفهومان مفهوم دار الحرب ومفهوم دار الاسلام، وهذا الخطاب يؤكد اذا هاجم دار الحرب دار الاسلام فمن واجب المسلمين الدفاع عن دار الاسلام.
• في العراق تحلل الجماعات المتطرفة قتل المدنيين خلال مواجهاتها مع المحتلين؟
- الوضع في العراق مختلف، فاذا كان احد يريد مواجهة المحتلين، فليس عليه قتل ابناء وطنه.
• انك تتحدثين عن جواز قتل افراد العائلة اثناء مواجهة المحتلين، هذا هو منطق المتطرفين و«القاعدة» في العراق؟
- حسنا، انظر، في العراق توجد نزاعات طائفية، ويتم تفخيخ مساجد المسلمين، مساجد الشيعة حينا ومساجد السنة حينا آخر، والهدف من هذه العمليات هو تعميق الهوة بين الشيعة والسنة، وهي تنفذ بارادة خارجية هدفها اشعال فتيل الازمة الطائفية بين ابناء الشعب العراقي وجعلها ازمة مستديمة، وهذه الاحداث تختلف. ولكن لو كانت هناك ارادة للتصدي للقوات الاميركية وقتل احد جنودها، من دون وجود نية مسبقة لقتل عراقي، مهما كانت قوميته او طائفته، وقام المهاجم باستعمال اسلحة من شأنها ايقاع اكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف المحتلين، وتسبب هجومه في الوقت نفسه بمقتله ومقتل احد المواطنين، فان القضية تكون مشابهة لما اشرنا اليه آنفا. ومن المؤسف اننا لا نلمس هذه الحال في العراق، وقلما نسمع بان هدف الهجوم هو القوات الاميركية.
• احد قادة «القاعدة» في العراق قال ايضا لا بأس بمقتل المدنيين، انهم يذهبون الى الجنة؟
- المشكلة التي نعاني منها في العالم الاسلامي، وحركات التحرر الاسلامية، وقضية دفاع هذه الحركات بعضها عن بعض، هو انه تم ايجاد مجموعة مثل القاعدة والطالبان، وقرر لها ان يكون خطابها خطابا دينيا، وان تختفي خلف ستار الدين وتطرح انموذجا، ليس فقط مسلمو ايران اعربوا عن رفضهم له، بل ان مسلمي العالم اجمع اعلنوا عدم القبول به، لانه بعيد كل البعد عن النظرية الاسلامية، وانا اعترف ان بعض الشباب في بعض البلدان وجراء ضعف القادة السياسيين، اخذ يعتبر القاعدة انموذجا للنضال... واقتدوا وتأسوا وتعلقوا عاطفيا بها.
اما كيف كان واقع الامر؟ الواقع ان «القاعدة» لم تدخل في صلب القضايا التي تعتبر من مصاديق خدمة العالم الاسلامي، وانما ولجت في القضايا المثيرة للفتن، ومع ما لديهم من خطاب ديني فليس من المستبعد قيامهم بأي شيء مع ما لديهم من سلوكياتهم الخاصة في ظل الشعار الديني، لكن هذا ليس معيارا ان نتنازل نحن عن الحق (قتل المدنيين خلال المواجهة مع المحتلين) لكون انسانا باطلا يعلن هو الاخر تمسكه بهذا الحق للتمويه على باطله، وربما تنطق القاعدة بهذا الحق، لكنه ليس كلامها انما هو كلام الاسلام، وهم احيانا ينطقون بكلام الاسلام لكن فعالهم بعيدة كل البعد عن الاسلام.
ومن نماذج فعالهم المغايرة للدين، اثارة النزاعات الطائفية بين السنة والشيعة، والتدخل في قضايا لا تعنيهم، ومن خلال مطالعاتي لاحظت ان السيد الظواهري كان يعمل في افغانستان في اطار مواجهة الاحتلال الروسي، ومن ثم زعموا ان العدو الرئيس هو اميركا واعلنوا الحرب عليها، وحين ايقنوا انهم لم يستطيعوا تحقيق شيء، بدأوا مرحلة جديدة وهي مرحلة الحرب على الشيعة، وتأكيدهم على عدم السماح للشيعة بالحكم في العراق.
وفي الحقيقة ان هذا المسير تم تحديد خاتمته منذ البداية، وهو الانحراف عن الاسلام، واننا لو نظرنا لخريطة العالم الاسلامي لرأينا ان في العديد من البلدان هناك سنة وهناك شيعة، والطائفتان تعيشان جنبا الى جنب من دون مشاكل وحساسيات، ومن يحاول اثارة الفتنة بين الطائفتين انما يعمل في واقع الامر على مماهاة السياسات الاميركية في المنطقة، هذه السياسات التي تعتمد عنصر اثارة الفتن والنزاعات بين بلدان وشعوب المنطقة، في حين اننا بصفتنا فصيل فاعل في الجانب الجهادي نتطلع دوما للنهضة الاسلامية العالمية والوحدة بين السنة والشيعة.
• انك تعتبرين ما تقوم به «القاعدة» من قتل للمدنيين عملا خاطئا، وما تقومون انتم به من قتل عملا مشروعا، لكم استنباطكم الفقهي ولهم استنباطهم؟ وكنموذج على فهمهم الديني، اسرد لك هذه القصة: وقف رجل من دولة عربية مجاورة للعراق في صبيحة احد ايام الصيف الماضي امام مرقد الامام علي بن ابي طالب في مدينة النجف وقد تزنر بمواد شديدة الانفجار وخاطب الامام بالقول: بعد لحظات سارسل شيعتك الى جهنم، فيما ساتناول انا الغداء على مائدة رسول الله، وقام بتفجير نفسه وقتل واصاب اكثر من 50 مواطنا. هو ايضا لديه رؤية دينية يعتقد بصوابها ويقتل نفسه من اجلها؟
- ان القوى الحاكمة حاولت دائما استغلال الجهل في المجتمعات لتثبيت مواقعها والوصول لاهدافها، والا كيف يمكن تفسير اعتقاد مسلم ما بان النبي الاكرم سيستقبله اذا ما قتل مسلما آخر، انها الجهالة بعينها، ولو كان هذا الشخص مثقفا او قارئا للقرآن ويدرك ان الذين مع الرسول هم اشداء على الكفار رحماء بينهم، لما تجرأ وولج في قضية التفرقة بين السنة والشيعة، لان احكام القرآن تصدق على كل الازمنة، وفي الواقع ان ما يحصل هو استغلال اعداء الاسلام لبعض المسلمين ممن تتسم شخصيته بالبساطة وشحة المعرفة، والا فانك يجب ان تكون على ثقة بان ذلك الشاب ليس له أي ذنب حينما ينطق بما اشرت اليه، وانما هو لديه قائد قال له انك حينما تقتل الشيعة فان لك كذا من الاجر والثواب، في حين لو قرأ كتاب «ثم اهتديت» للسيد التونسي محمد التيجاني السماوي، وكيف انه انقلب الى المذهب الشيعي، لتبين له ان رؤيته للشيعة هي رؤية خاطئة.
لذلك يمكن القول ان بعضا من اسباب انتصار السلطويين يتحمل مسؤوليته اناس بسطاء حرموا من تحصيل المعرفة الدينية والثقافية الصحيحة، وهذا ليس بالامر المستغرب، اذ على مدار التاريخ تم استغلال الدين كاداة، وخلال فترة الثورة الاسلامية في ايران كان الشيوعيون يرددون شعار «الدين افيون الشعوب»، وكانوا يرون بام اعينهم الشعارات الدينية التي يرددها ابناء الشعب، لكنهم مع ذلك كانوا يصرون على اتهام الدين بانه افيون الشعوب، وانا لا اعرف أي افيون هذا الذي يدفع الفرد الى التضحية بحياته، والشيوعيون كانوا متمسكين بشعارهم لانهم عرفوا كيف انه تم استغلال الدين على مدى التاريخ.
والذي انوي تأكيده، ان استغلال الدين وجهل المجتمعات وابقاء هذه المجتمعات فقيرة ثقافيا، يكون من افرازاتها هو ذلك الفرد الذي تحدثت انت في شأنه، اما نحن فاننا مجموعة من المثقفين والكتاب والنخب الفكرية في التيار الاصولي، والجميع بعد مطالعاتهم الواسعة توصلوا الى نتيجة واحدة وهي ان الواجب الديني والسبيل الوحيد لمواجهة المحتل في حال اخفاق القوات المسلحة للبلد في مواجهة الالة العسكرية للمحتل، يحتم عليهم سلب الامان من الاعداء وجعلهم لا يذوقون طعم الراحة، ومما لا شك فيه لايوجد ضمير حي في العالم يرفض فكرة الدفاع.
فروز رجائي فر لـ «الراي»: لو تعرضنا لهجوم أميركي فعلى دول المنطقة التي توفر قواعد للأعداء ألا تتوقع الأمن
طهران - من احمد امين
حينما بادرت السيدة فروز رجائي فر، الحاصلة على شهادة البكالوريوس في هندسة المشتقات النفطية وطالبة الدكتوراه في العلوم السياسية، هي ولفيف من المثقفين والكتاب الاصوليين الى تأسيس رابطة تكريم شهداء النهضة الاسلامية العالمية، باهداف ثقافية بحتة، لم يكن يخطر على بالها ان تكون قائدا عاما لاكثر من 50 الف استشهادي، الا ان التهديدات التي واجهتها ايران جعلت الجميع يتجهون نحو التفكير باسلوب حصري لمواجهة أي اعتداء خارجي محتمل تتعرض له بلادهم، آخذين في الاعتبار الالة العسكرية الكبيرة والمتطورة للقوى الكبرى، وقرروا دعوة من يرغب بالتطوع لتنفيذ عمليات «استشهادية» ضد العدو.
رجائي فر ترفض تسمية «الاستشهاديين» بـ «الانتحاريين» والصاق تهمة الارهاب بهم، وتقول «لماذا حينما يقوم قائد طائرة حربية بقتل المدنيين نقول انه طيار حربي، ولكن حينما يقوم شخص، في حرب غير متكافئة، بتفجير نفسه وسط الاعداء ينعت بالارهابي».
وتعتقد ان «الشارع المقدس اباح للانسان المسلم اثناء المواجهة مع المحتلين، قتل المدنيين وحتى قتل افراد عائلته اذا حاول المحتل جعلهم دروعا بشرية له».
وترى السيدة فروز ان «على دول المنطقة الا تتوقع البقاء آمنة في ما اذا قدمت تسهيلات عسكرية، من معسكرات وقواعد، للقوات الاميركية لمهاجمة المنشآت النووية الايرانية»، واعلنت استعداد افرادها لضرب المصالح الاميركية في مختلف ارجاء العالم «اذا تعرضت ايران لهجوم اميركي».
واكدت ان تعاونهم مع الفصائل الاسلامية في لبنان وفلسطين «ثقافي وسياسي»، موضحة ان القوى الاسلامية في هاتين الدولتين «ليست بحاجة للاستشهاديين الايرانيين، فلديها منهم الكثير».
وتعبر عن اعتقادها بان أي محاولة من اميركا لتطبيع العلاقات مع ايران واعادة افتتاح سفارة لها في طهران، انما تصب في المخطط الاميركي الدائم لاطاحة النظام الاسلامي، وهي تشعر بالفخر لكونها كانت من الطلبة الذين شاركوا في العام 1979 باحتلال السفارة الاميركية في طهران، وشددت انها على استعداد لاحتلال السفارة الاميركية متى ما تم افتتاحها مجددا في العاصمة الايرانية.
وتتمنى ان تتمكن يوما من زف احد ابنائها الثلاثة للاستشهاد، لكنها لا تدري ان كانت ستنجح في هذه التجربة ام لا.
هذه القضايا وغيرها تحدثت بها فروز رجائي فر لمراسل «الراي»، في اطار حوار اجراه معها في مكتبها المتواضع، الذي هو عبارة عن قبو مستطيل الشكل لا تزيد مساحته على 20 مترا مربعا، كست جدارنه صور للامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله واستشهاديين فلسطينيين.
وفي ما يلي تفاصيل الحوار:
• متى تأسس هذا المركز؟
- في نوفمبر العام 2002، وقد قام خلال السنوات الاربع الماضية بتوسعة مهامه ونشاطاته مقارنة بالمهام التي اعلن عنها حين التأسيس. والذين ساهموا في تأسيسه كانوا من الفنانيين والكتاب، وعلى أي حال كانوا من مثقفي تيار «حزب الله»، التيار الذي يسمى حاليا بالتيار الاصولي، وكان هدفنا تكريس مبادىء الثورة والاهداف التي سعى الامام الخميني لتحقيقها.
واعترضنا في شدة ابان المجلس البلدي الاول لطهران، قبل اكثر من 4 سنوات، على قراره بتغيير اسم شارع الشهيد خالد الاسلامبولي، ومن المؤسف له ان المجلس البلدي الثاني اتخذ هو الاخر قرارا بتغيير اسم هذا الشارع، استجابة لشروط مصر باعادة العلاقات مع ايران، ونحن ومن اجل التعبير عن رفضنا للقرار قمنا بتأسيس هذا المركز.
ولتكريم شهداء النهضة الاسلامية العالمية، ونحن نعتبر الشهيد خالد الاسلامبولي احد روادها، اقمنا اعتصاما امام المجلس البلدي في طهران، ومن ثم احيينا ذكراه في مقبرة «بهشت زهرا» (جنة الزهراء) واقمنا نصبا تذكاريا له كما وزعنا شعارات تجليل وتكريم له في ارجاء العاصمة.
وبعد مضي فترة قصيرة، اقمنا احتفالا لمناسبة الذكرى السنوية لفتوى قتل المرتد سلمان رشدي، كما قمنا بترتيب حفل تكريمي للشهيد مصطفى مازح الذي كان عازما على اغتيال رشدي في بريطانيا.
• من هو مصطفى مازح؟
- انه شاب تونسي مؤمن لكن ملامحه كانت ملامحا غربية، وقد نجح في النفوذ الى الفندق نفسه الذي كان يقيم فيه رشدي، لكن انفجر حزامه الناسف على حاجز امني قبل ان يتمكن من الوصول الى هذا المرتد.
• هل كان لمازح ارتباط معكم؟
- كلا، كلا حينذاك سمعنا فقط عن محاولته، وكان الامر مثيرا للدهشة بالنسبة الينا، ان يقوم شاب تونسي بتنفيذ فتوى الاعدام التي اصدرها الامام الخميني.
• منطلقات مركزكم كانت في اطار الانشطة الثقافية وتكريم ذكرى شهداء النهضة الاسلامية، لكنكم ما لبثتم ان تحولتم الى قضية الاستشهاديين؟
- الذي اثار دهشتنا في اطار تكريمنا لشهداء النهضة الاسلامية العالمية، هو قيام بعض المناضلين، ولاسيما على الساحة الفلسطينية بتنفيذ عمليات استشهادية ضد الاسرائيليين، وبالنسبة الينا، فان هذا الامر كان رائعا جدا، وكنا ننظر لهذه العمليات بانها تمثل قمة الايمان والشجاعة والبسالة، اذ يقوم شباب فلسطينيون، صبايا وصبيان، بتنفيذ عمليات استشهادية، هدفها الحاق الاذى بالاعداء من خلال تقديم ارواحهم قرابين في هذا المسار.
ونحن حينما بدأنا بتكريم هؤلاء الاستشهاديين، لفت انتباهنا وجود رؤية خاطئة حيال هؤلاء على الصعيد الدولي، واعتبار عملياتهم ارهابية، لذلك قررنا توضيح الابعاد الحقيقية للعمليات الاستشهادية، ودراسة معطياتها وافرازاتها الاجتماعية والفقهية والسياسية وحتى العسكرية، وان نوجد نظرية خاصة بمثل هذه العمليات.
• وهل كان لكم اتصال بذوي الاستشهاديين الفلسطينيين... هل قدمتم الدعم المالي لهم ام اكتفيتم بتكريم الشهداء؟
- حينما بدأنا بدراسة هذه الظاهرة، وجدنا ان جذورها ترتبط بمقاومة الشعب الايراني خلال حرب الثماني سنوات مع المحتل البعثي، وقد انتقلت هذه الظاهرة من ايران الى لبنان، واستخدم المقاومون اللبنانيون هذا النمط من العمليات لتكبيد المحتل الصهيوني الخسائر الفادحة، ومن لبنان هاجرت ثقافة الاستشهاد الى فلسطين، واثبتت نجاحها في الاراضي المحتلة. ونجحنا بالفعل في اقامة علاقات ثقافية وسياسية بعوائل الاستشهاديين والمجموعات الجهادية.
• هل تعتقدين ان من يقدم على تنفيذ عملية استشهادية بحاجة الى نظرياتكم الثقافية والسياسية، ام انه بحاجة الى دعم من شكل آخر؟
- ان الحقيقة والحق بمثابة الشمس الساطعة التي تنير العالم، لكن يبقى هناك بعض الغيوم التي تحاول اخفاء هذه الحقيقة، وايجاد امواج زائفة تعمل على منع الرأي العام من ادراك الحقيقة، وان الافراد الاستشهاديين هم اكثر الشهداء مظلومية، فهم يمتازون بقمة الايمان والشجاعة، ومعظمهم اشخاص ناجحون في حياتهم، لكن البعض، وحتى مع الاسف في اوساط المسلمين، يصف عمليات هؤلاء بانها انتحارية، ويفتون بتحريمها، في حين ان هؤلاء ليسوا بالاشخاص الذين سئموا حياتهم او يقاسون من كآبة او هم اناس يائسون او انهم يعانون من مشاكل شخصية ووصلوا الى قناعة بضرورة وضع حد لحياتهم، او انهم افراد غير مؤمنين ويعتبرون الانتحار امرا مباحا، بل هم اناس مؤمنون وان ايمانهم يحتم عليهم عدم النظر لخطوتهم على اساس انها انتحار، ويعون جيدا انهم ملزمون في عالم الاخرة اعطاء جواب على مافعلوه. ثم انهم من الاشخاص الناجحين في حياتهم، مثل السيدة التي كانت محامية وعمرها 29 عاما، وتلك الام البالغة من العمر 22 عاما، وذلك الاب الذي ترك خلفه طفلين وضحى بحياته في سبيل وطنه وشعبه، كانوا جميعا ناجحين في حياتهم، ولديهم هدف سام.
• هذه الحقائق نحن نعرفها، ارجو الرد على سؤالي، ما شكل دعمكم لهم؟
- هؤلاء ذهبوا وضحوا بحياتهم، ولدينا مقولة انه في كربلاء الامام الحسين فعل امرا حسينيا، وان السيدة زينب (بنت علي بن ابي طالب) يجب ان تؤدي دورا زينبيا، هؤلاء ذهبوا ليستشهدوا، لكنهم ذهبوا مظلومين اذ يتم وصفهم بالارهابيين، وبعض المسلمين والغربيين يعتبر عملهم انتحارا، ومجموعة اخرى تمتلك رؤية اكثر تطرفا تصف عملياتهم بالارهاب، ونحن في الواقع رأينا ان الواجب يحتم علينا ان نوضح للعالم بان عمل هؤلاء ليس ارهابا، ويجب تعريف عملياتهم في اطار قوانين الحروب، والنزاع بين قوتين، النزاع غير المتكافىء، فهل يجوز في حال اختلال ميزان القوى ان نصف الطرف الضعيف الذي لا يمتلك السلاح الكافي بانه ارهابي؟ وهل يمكن ان ننزه الطيار الذي يقصف ويقتل الابرياء من صفة الارهاب ونزعم انه مجرد طيار حربي ادى ما هو ملقى على عاتقه؟
لذلك سعينا لشرح ابعاد هذا الموضوع وتبيين حقائقه، واعتقد اننا نجحنا الى حد كبير في هذا الامر الذي تحول الى مادة جيدة للبحث والدراسة في ايران، وتبدلت نظرة العديد من الايرانيين الذين كانوا يعتبرون هذه العمليات انها انتحارية، واخذت اعداد كبيرة من مواطنينا التعبير عن رغبتها في الوصول الى هذه الدرجة من الكمال الانساني من خلال تنفيذ عمليات استشهادية اثناء المواجهة مع العدو.
• وهل تمتلكون فتاوى شرعية تبيح للافراد الاستشهاديين في مجموعاتكم قتل انفسهم؟
- ان قتل النفس من دون دليل، ان كان الانسان يقدم على قتل نفسه او قتل آخرين، امر محرم ومن الذنوب الكبيرة، وكانك بقتل نفس واحدة انما تقتل الناس جميعا، لكن هذه القضية لا تنطبق على العمليات الاستشهادية، فهذه العمليات تأتي في اطار الدفاع، وانك تلجأ الى العمليات الاستشهادية حينما يكون بلدك محتلا. وفي بلد مثل فلسطين فان له خصوصياته، لكن افترض بلدا مثل ايران يكون على وشك التعرض لهجوم من قبل قوات اجنبية، فانه لدينا جيش وحرس ثوري وقدرات عسكرية يمكنها مواجهة أي هجوم محتمل والدفاع عن البلاد، لكن قد ينجح العدو قبل ان تستكمل هذه القوات استعدادها وتتهيء للرد، في احتلال مناطق في البلاد. لذلك ان العمليات الاستشهادية ترتبط بالاحتلال، ويصبح لزاما على الشخص ان يضحي بحياته لمواجهة المحتلين.
• هل هناك فتاوى صريحة من مراجع التقليد؟
- نعم اصدر آية الله فاضل لنكراني فتوى صريحة في هذا الجانب، وكذلك فعل آية الله نوري همداني، ثم ان الامام الخميني الذي اشاد بالشهيد فهميدة، وقال في حقه ان قائدنا هو ذلك الطفل ذي الـ 12 عاما (الفتى محمد حسين فهميدة فجر نفسه تحت دبابة عراقية ما تسبب في عرقلة دخول رتل من الدبابات الى مدينة خرمشهر مطلع الحرب العراقية - الايرانية 1980-1988)، فانما يعني بذلك انه يؤيد مثل هذه العمليات، ولا يعتبر ما اقدم عليه الشهيد فهميدة انتحارا.
• فهميدة فجر نفسه مقابل عسكر، قوات عسكرية كلاسيكية بدأت باحتلال بلاده، لكن العمليات التي تحصل في فلسطين ودول اخرى يذهب ضحيتها على الاغلب مدنيون، اطفال ونساء وشيوخ، ليس لهم صلة بالنزاعات العسكرية؟
- هذا الامر بيّن الشارع المقدس حدوده ومعالمه، ثم اننا اوضحنا انه يتم اللجوء للعمليات الاستشهادية في فترة الاحتلال ولمواجهة المحتل، وحينذاك كان المحتل العراقي تجاوز على بلادنا بمفرده، أي لم يأت الجندي العراقي مع افراد عائلته بل اتى مع دبابته، ولو اتى مع عائلته واستقروا في هويزة (مدينة حدودية في خوزستان) فما الذي كان على الشهيد فهميدة فعله؟ هل كان يجب ان يراعي حال عائلة المحتل العراقي؟ هل يختلف شأن المحتلين بعضهم عن البعض الاخر؟ فاذا كان هذا المحتل يشعر ان الخطر محدق به وبعائلته جراء تجاوزه على بلاد الغير فعليه الجلاء او اعادة عائلته الى وطنه، اما ما هو حكم الطرف الذي اصبح الدفاع واجبا عليه؟ وان حكم الاسلام ينص على انه اذا حاول العدو أو اللص الافادة من افراد عائلته كدروع بشرية اثناء مهاجمته لبيتك، فانك ولاجل الدفاع عن عرضك ومالك، ملزم بقتل عائلته ومن ثم التفرغ لمقاتلة اللص.
ولو كان اللص محتالا، ولم يأت بعائلته، بل اتخذ عائلتك، عائلة صاحب البيت، عائلة الفرد المسلم، درعا بشريا له، من اجل القيام بسرقة بيتك، فما الذي تفعله؟ هنا الشارع يجيز لك قتل افراد عائلتك فالجنة ستكون مثواهم، ففي حال كهذه غير جائز للانسان التخلي عن عنصر الدفاع، أي انك تذعن للاستسلام لان العدو اتخذ افراد عائلتك رهائن، ويقول الشارع لاضير في ان يتعرض افراد عائلتك للقتل خلال الصراع بين الاسلام والكفر، فان مثواهم هو الجنة، لانهم استشهدوا لاجل الاسلام واثناء الدفاع عن ارض الاسلام، وفي الوقت نفسه تم قتل المحتل أو اللص أو المتجاوز، وانك تكون اديت واجبك في الدفاع.
والدفاع هو واجب على كل مسلم، هو ليس حقا بل واجب شرعي، ومن الممكن اننا نظر للدفاع في اطار القوانين الدولية على اساس انه حق، اما في الاسلام فانه وظيفة وواجب الهي مقدس، ويجب على كل مسلم الدفاع عن أي بلد اسلامي يتعرض لغزو الاعداء، والاسلام لايعترف بالحدود القومية، وحدوده هو الامة الاسلامية وليس الشعوب، وفي خطابنا الفقهي لدينا مفهومان مفهوم دار الحرب ومفهوم دار الاسلام، وهذا الخطاب يؤكد اذا هاجم دار الحرب دار الاسلام فمن واجب المسلمين الدفاع عن دار الاسلام.
• في العراق تحلل الجماعات المتطرفة قتل المدنيين خلال مواجهاتها مع المحتلين؟
- الوضع في العراق مختلف، فاذا كان احد يريد مواجهة المحتلين، فليس عليه قتل ابناء وطنه.
• انك تتحدثين عن جواز قتل افراد العائلة اثناء مواجهة المحتلين، هذا هو منطق المتطرفين و«القاعدة» في العراق؟
- حسنا، انظر، في العراق توجد نزاعات طائفية، ويتم تفخيخ مساجد المسلمين، مساجد الشيعة حينا ومساجد السنة حينا آخر، والهدف من هذه العمليات هو تعميق الهوة بين الشيعة والسنة، وهي تنفذ بارادة خارجية هدفها اشعال فتيل الازمة الطائفية بين ابناء الشعب العراقي وجعلها ازمة مستديمة، وهذه الاحداث تختلف. ولكن لو كانت هناك ارادة للتصدي للقوات الاميركية وقتل احد جنودها، من دون وجود نية مسبقة لقتل عراقي، مهما كانت قوميته او طائفته، وقام المهاجم باستعمال اسلحة من شأنها ايقاع اكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف المحتلين، وتسبب هجومه في الوقت نفسه بمقتله ومقتل احد المواطنين، فان القضية تكون مشابهة لما اشرنا اليه آنفا. ومن المؤسف اننا لا نلمس هذه الحال في العراق، وقلما نسمع بان هدف الهجوم هو القوات الاميركية.
• احد قادة «القاعدة» في العراق قال ايضا لا بأس بمقتل المدنيين، انهم يذهبون الى الجنة؟
- المشكلة التي نعاني منها في العالم الاسلامي، وحركات التحرر الاسلامية، وقضية دفاع هذه الحركات بعضها عن بعض، هو انه تم ايجاد مجموعة مثل القاعدة والطالبان، وقرر لها ان يكون خطابها خطابا دينيا، وان تختفي خلف ستار الدين وتطرح انموذجا، ليس فقط مسلمو ايران اعربوا عن رفضهم له، بل ان مسلمي العالم اجمع اعلنوا عدم القبول به، لانه بعيد كل البعد عن النظرية الاسلامية، وانا اعترف ان بعض الشباب في بعض البلدان وجراء ضعف القادة السياسيين، اخذ يعتبر القاعدة انموذجا للنضال... واقتدوا وتأسوا وتعلقوا عاطفيا بها.
اما كيف كان واقع الامر؟ الواقع ان «القاعدة» لم تدخل في صلب القضايا التي تعتبر من مصاديق خدمة العالم الاسلامي، وانما ولجت في القضايا المثيرة للفتن، ومع ما لديهم من خطاب ديني فليس من المستبعد قيامهم بأي شيء مع ما لديهم من سلوكياتهم الخاصة في ظل الشعار الديني، لكن هذا ليس معيارا ان نتنازل نحن عن الحق (قتل المدنيين خلال المواجهة مع المحتلين) لكون انسانا باطلا يعلن هو الاخر تمسكه بهذا الحق للتمويه على باطله، وربما تنطق القاعدة بهذا الحق، لكنه ليس كلامها انما هو كلام الاسلام، وهم احيانا ينطقون بكلام الاسلام لكن فعالهم بعيدة كل البعد عن الاسلام.
ومن نماذج فعالهم المغايرة للدين، اثارة النزاعات الطائفية بين السنة والشيعة، والتدخل في قضايا لا تعنيهم، ومن خلال مطالعاتي لاحظت ان السيد الظواهري كان يعمل في افغانستان في اطار مواجهة الاحتلال الروسي، ومن ثم زعموا ان العدو الرئيس هو اميركا واعلنوا الحرب عليها، وحين ايقنوا انهم لم يستطيعوا تحقيق شيء، بدأوا مرحلة جديدة وهي مرحلة الحرب على الشيعة، وتأكيدهم على عدم السماح للشيعة بالحكم في العراق.
وفي الحقيقة ان هذا المسير تم تحديد خاتمته منذ البداية، وهو الانحراف عن الاسلام، واننا لو نظرنا لخريطة العالم الاسلامي لرأينا ان في العديد من البلدان هناك سنة وهناك شيعة، والطائفتان تعيشان جنبا الى جنب من دون مشاكل وحساسيات، ومن يحاول اثارة الفتنة بين الطائفتين انما يعمل في واقع الامر على مماهاة السياسات الاميركية في المنطقة، هذه السياسات التي تعتمد عنصر اثارة الفتن والنزاعات بين بلدان وشعوب المنطقة، في حين اننا بصفتنا فصيل فاعل في الجانب الجهادي نتطلع دوما للنهضة الاسلامية العالمية والوحدة بين السنة والشيعة.
• انك تعتبرين ما تقوم به «القاعدة» من قتل للمدنيين عملا خاطئا، وما تقومون انتم به من قتل عملا مشروعا، لكم استنباطكم الفقهي ولهم استنباطهم؟ وكنموذج على فهمهم الديني، اسرد لك هذه القصة: وقف رجل من دولة عربية مجاورة للعراق في صبيحة احد ايام الصيف الماضي امام مرقد الامام علي بن ابي طالب في مدينة النجف وقد تزنر بمواد شديدة الانفجار وخاطب الامام بالقول: بعد لحظات سارسل شيعتك الى جهنم، فيما ساتناول انا الغداء على مائدة رسول الله، وقام بتفجير نفسه وقتل واصاب اكثر من 50 مواطنا. هو ايضا لديه رؤية دينية يعتقد بصوابها ويقتل نفسه من اجلها؟
- ان القوى الحاكمة حاولت دائما استغلال الجهل في المجتمعات لتثبيت مواقعها والوصول لاهدافها، والا كيف يمكن تفسير اعتقاد مسلم ما بان النبي الاكرم سيستقبله اذا ما قتل مسلما آخر، انها الجهالة بعينها، ولو كان هذا الشخص مثقفا او قارئا للقرآن ويدرك ان الذين مع الرسول هم اشداء على الكفار رحماء بينهم، لما تجرأ وولج في قضية التفرقة بين السنة والشيعة، لان احكام القرآن تصدق على كل الازمنة، وفي الواقع ان ما يحصل هو استغلال اعداء الاسلام لبعض المسلمين ممن تتسم شخصيته بالبساطة وشحة المعرفة، والا فانك يجب ان تكون على ثقة بان ذلك الشاب ليس له أي ذنب حينما ينطق بما اشرت اليه، وانما هو لديه قائد قال له انك حينما تقتل الشيعة فان لك كذا من الاجر والثواب، في حين لو قرأ كتاب «ثم اهتديت» للسيد التونسي محمد التيجاني السماوي، وكيف انه انقلب الى المذهب الشيعي، لتبين له ان رؤيته للشيعة هي رؤية خاطئة.
لذلك يمكن القول ان بعضا من اسباب انتصار السلطويين يتحمل مسؤوليته اناس بسطاء حرموا من تحصيل المعرفة الدينية والثقافية الصحيحة، وهذا ليس بالامر المستغرب، اذ على مدار التاريخ تم استغلال الدين كاداة، وخلال فترة الثورة الاسلامية في ايران كان الشيوعيون يرددون شعار «الدين افيون الشعوب»، وكانوا يرون بام اعينهم الشعارات الدينية التي يرددها ابناء الشعب، لكنهم مع ذلك كانوا يصرون على اتهام الدين بانه افيون الشعوب، وانا لا اعرف أي افيون هذا الذي يدفع الفرد الى التضحية بحياته، والشيوعيون كانوا متمسكين بشعارهم لانهم عرفوا كيف انه تم استغلال الدين على مدى التاريخ.
والذي انوي تأكيده، ان استغلال الدين وجهل المجتمعات وابقاء هذه المجتمعات فقيرة ثقافيا، يكون من افرازاتها هو ذلك الفرد الذي تحدثت انت في شأنه، اما نحن فاننا مجموعة من المثقفين والكتاب والنخب الفكرية في التيار الاصولي، والجميع بعد مطالعاتهم الواسعة توصلوا الى نتيجة واحدة وهي ان الواجب الديني والسبيل الوحيد لمواجهة المحتل في حال اخفاق القوات المسلحة للبلد في مواجهة الالة العسكرية للمحتل، يحتم عليهم سلب الامان من الاعداء وجعلهم لا يذوقون طعم الراحة، ومما لا شك فيه لايوجد ضمير حي في العالم يرفض فكرة الدفاع.