المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أين أصبح دور السيستاني اليوم في العراق؟



جبار
11-16-2006, 07:51 AM
وأين أصبح الدور السوري - السعودي - الإيراني؟

النجف - من علي مغنية


هل بدأ نفوذ المرجع الشيعي الاعلى في النجف الاشرف السيد علي السيستاني بالضعف؟ وهل تدعم المرجعية الدينية في النجف الاشرف حكومة نوري المالكي ام انها تفضل ما يحكى عن حكومة «انقاذ وطني»؟ كيف ينظر الى قوات الاحتلال وسياستها في العراق بعد نحو ثلاث سنوات من تغيير نظام صدام حسين؟ اين اصبح الدور الايراني-السوري- السعودي في العراق وكيف ينظر اليه؟ هذه هي الاسئلة المتداولة اليوم على الساحة العراقية والعالمية المترقبة للوضع في العراق والذي اصبح اساسا في معادلة استقرار الشرق الاوسط عموما او ما ينظر اليه من خلال النافذة الاميركية المتمثلة بـ «الشرق الاوسط الجديد».

دور السيستاني
اظهرت المرجعية العليا حكمتها وتريثها باتخاذ اي موقف له تأثير مباشر على الساحة العراقية. ونحدد بالمرجعية العليا وليس بمرجعية النجف الاشرف، بسبب وجود مراجع اخرى دينية ولكن بتأثير سياسي اقل في الساحة العراقية، كالسيد محمد سعيد الحكيم والشيخ محمد اسحاق الفياض والشيخ بشير النجفي، والذين يأتون في الدرجة التي تتبع السيد السيستاني ويلتزمون مواقفه السياسية من دون مناقشة بل - حسب قولهم هم بأنفسهم - انهم اوكلوا كل المواقف السياسية للمرجعية العليا المتمثلة بالسيد السيستاني، رغم بعض البيانات التي تصدر عنهم من وقت الى اخر. وكثيرا ما استعمل السياسيون والصحافيون، ونحن من ضمنهم، تعبير المرجعية للايحاء الى السيد السيستاني لدعم الموقف أو الرؤية التي يراد التعبير عنها أو ايصالها الى العالم لان عدداً قليلاً من الناس يدرك بان هناك تمايزاً بين المرجعيات.

أثبت السيد السيستاني سيطرته على الشارع العراقي - ولسنا بصدد طرح مرجعيته التي تطال عدداً كبيراً من الشيعة في العالم - اذ ارغم اميركا على القبول بالانتخابات العراقية الاولى، بعد سقوط نظام صدام، في الموعد الذي حدده وفرض كتابة الدستور، وكان المحرك الاساسي لتوحيد صفوف الاحزاب الشيعية المختلفة في الانتخابات الثانية، وبذل جهدا كبيرا في السنوات الاولى بعد سقوط النظام السابق بمنع الصدامات الطائفية التي خرجت عن السيطرة في السنة الثالثة الحالية، خصوصا بعد تفجير مرقد الامامين العسكريين في سامراء. كما دعم القوى الأمنية وألزم جميع مقلديه عدم مخالفة القانون وتألم كثيرا - حسب ما قال مصدر مقرب من المرجعية العليا لـ «لرأي العام» - لاحداث العمارة والديوانية حيث سقط عدد كبير من رجال الشرطة والحرس الوطني في اشتباكات داخلية مع مجاميع «جيش المهدي» المحسوبة على الشاب السيد مقتدى الصدر.

أما الكلام عن منافسة الصدر لنفوذ المرجع السيستاني، فهو ينبع من عدم ادراك السياسة العراقية بدقة ولغة المرجعية المتبعة في النجف الاشرف حيث تنبع الحوزة العلمية. صحيح ان للمرجعية لغتها المعقدة وان اكثر الخبراء خبرة بالمرجعية يعدون اليوم مبتدئين امام ادراك المرجعية وحساباتها، الا ان المقارنة مع السيد السيستاني - الذي انقذ الصدر وتياره و«جيش المهدي» من الفناء في منتصف 2004 بعودته من لندن اثناء معركة النجف - وموقعه المرجعي يدل عن جهل بالواقع العراقي.

فالسيد الصدر يعاني اليوم من انقسام حاد داخل تياره السياسي ومن شرذمة مجاميع «جيش المهدي» والتي اصبح بعض منها يأتمر مباشرة اما بسياسات خارجية او بعمليات اجرامية وارهابية لا تقل سوءا عن عمليات ارهاب التكفيريين السنة، وان من يمثل مقتدى في البرلمان (وعددهم 30 نائبا) وفي الحكومة (وعددهم 5 وزراء)، منهم من يلتقي بممثلي اميركا وبريطانيا في المنطقة الخضراء في بغداد، بينما لا يملك السيستاني اي ميليشيا ولا نائب ولا وزير يمثله - مع الاقرار بان لا أحد يخالفه عندما يبدي رأياً او يتخذ قرارا - وان عدم لقائه اي مسؤول اميركي او بريطاني لا يعود سببه كون هؤلاء كافرين او غير مسلمين، كما تعتقد الادارة الاميركية، بل يعود لسبب سياسي محض وان المرجعية العليا - حسب ماصرحت لـ «الرأي العام» مصادر مقربة منها - لا تريد ان تعطي اي شرعية للاحتلال.

فقد التقى السيستاني في السابق شخصيات مسيحية كثيرة، منها ممثل الامين العام للامم المتحدة سيرجيو دي ميلو وغسان سلامة ووفود اخرى من الكلدان والصابئة. وقالت مصادر مقربة من المرجعية العليا ان عددا كبيرا من الوزراء والشخصيات التي تمثل قوات الاحتلال لم تترك وسيلة الا واستعملتها عبر موفدين او عبر وسطاء عراقيين من بريطانيا واميركا واسبانيا وغيرها من الدول لفتح الحوار او لقاء السيد او من يمثله شخصيا لكن من دون جدوى لان موقفه لن يتغير ما دامت هناك قوات احتلال تمثلهم على ارض عراقية.

ويستمد السيستاني قوته من الحوزة العلمية ومن الشارع العراقي والاسلامي المؤيد له وهذا ما يدفعه الى الشعور بعبء المسؤولية والإمعان في التفكير والتريث في كل خطوة يتخذها، وهو يدرك ان في استطاعته تحريك مئات آلاف العراقيين في اتجاه يختاره، وهو الجالس على فراش متواضع في غرفة خالية من اي اثاث في منزله الواقع في «فرع» - اي زقاق – ضيق متفرع من شارع الرسول (صلى الله عليه وسلم) حيث يستقبل يوميا العامة كما يستقبل ايضا الشخصيات والوزراء ورؤساء الوزراء.

المرجعية وموقفها من حكومة المالكي
تدعم المرجعية، المالكي والذي، برأيها، يحاول الخروج من الفخاخ السابقة التي اوجدتها قيادة الحاكم الاميركي السابق بول بريمر اولا ورئيس الوزراء السابق اياد علاوي ثانيا واخرها حكومة ابراهيم الجعفري. وتدرك المرجعية ان عدداً لا يستهان به من اعضاء الحكومة يعمل لمصلحته الشخصية اولا والحزبية ثانيا والمذهبية ثالثا وما تبقى- اذا بقي شيء - للعراق عامة.

ويقول المرجع الشيعي الشيخ بشير النجفي، ان «الفساد الاداري فاق التحمل، فلا تنجز المعاملات ولا التعيينات الا ضمن المستلزمات الحزبية والفئوية وضمن المقاصد الشخصية».
والقرار الذي اتخذه رئيس الوزراء بتغيير على الاقل من 5 الى 10 وزراء، وبالاخص وزراء التيار الصدرى، تصب في هذا الاتجاه لانه يعمل لمحاولة منع انهيار الحكومة وازدياد نقمة الشعب عليها والحد من الفساد الاداري.

وتقول المصادر المقربة من المرجعية العليا، ان «السيد السيستاني يعتقد بان الدولة يجب ان تمارس دورها وتتحمل كل مسؤوليتها وانه لن يبدي رأياً في ادارة الدولة لان مهمة ادارة الدولة تقع على اعضائها وليس على المرجعيات الدينية». وتضيف ان «المرجعية تراقب كل شيء بدقة وانها لن تقبل بأي خلل تقوم به الحكومة اذا ما ثبت ذلك اذا كان يهدد مصالح العراق وعندها سيكون لها موقف واضح ومعلن».

ويقول المراقبون ان الشعب العراقي فقد الامل بحكومته من جهة توفير الامن وتقديم الخدمات العامة وان هجرة العراقيين اليوم الى خارج مناطق الصراع والى الخارج فاق نسبة الهجرة التي حصلت ايام حكم صدام. ويضيفون ان على المرجعية اتخاذ مبادرة ضرورية لجمع الشمل على الاقل داخل الحكومة ودفعها للعمل بنفس وطني بعيدا عن المحاصصة الشخصية او الحزبية وان ايجاد «ضابط ايقاع مرجعي» اصبح اساسيا وان هذه الخطوة لن تساهم بإلقاء تبعية اداء الحكومة على المرجعية، لكنها ستساعد التنسيق بين اصحاب السلطة في ما بينهم.

ويتابع المراقبون ان للمرجعية قوة اكثر بكثير مما تتخيله او تتوقعه وان الشعب لا يلقي بلومه على مرجعيته بسبب دفعها له على المشاركة بالانتخابات النيابية ولا بسبب اداء الحكومة اليوم بل جل ما يطلب هو تحقيق الامن اولا.

وتلقي المرجعية العليا في النجف مسؤولية التدهور الامني على عاتق قوات الاحتلال لانها «هي التي تملك قرارالملف الامني بيدها».

اما المرجع النجفي فهو يلقي اللوم على قوات الاحتلال الاميركية مباشرة ويؤكد على محاولتها تقديم تنازلات لحزب البعث المنحل، ويقول ان «الآليات الحكومية لم تستطع لحد الآن تأسيس خطط متكاملة واضحة مدروسة لادارة السياسة الداخلية أو الخارجية، ربما يكون قسم منها ناشئاً من وجود المحتل ولتدخلاته السافرة والمفضوحة في مصادرة القرارات وسعيه في ابقاء البلد تضربه أمواج من الارهاب واللااستقرار رغبة منه لإجبار الحكومة على تقديم التنازلات للجهات التي فقدت المناصب التي كانت تستخدم لنهب خيرات العراق من الحزب المنحل وغيرها ليبقى العراق خاضعاً لما يبغيه المحتل المستكبر. وبفقدان الأمن لم يتمكن أفراد الشرطة أو الجيش والحرس الوطني من فعل شيء يذكر، فهناك الاغتيالات في العاصمة وكأنها مجزرة لذبح البشر والقوى المسؤولة عن هذا تكّثر الحواجز والمفارز كأنها تريد أن تقنع الناس بأنها تفعل شيئاً اذ المعلوم أن الارهابي أو المجرم لن يمر عبر الحواجز الا اذا اضطر ولا توجد مدينة خالية من هذه الحوادث وقوى الأمن مخترقة من قبل الارهابيين والتكفيريين، وللمحتل دور كبير في الانفلات الأمني فما لم يتسلم العراقيون المخلصون الملف الأمني بالكامل لن يشم الشعب المظلوم رائحة الامن والسلامة».

وتضيف مصادر المرجعية العليا، انها «داعمة لرئيس الوزراء نوري المالكي ولا تحبذ اي حكومة انقاذ وطني غير منتخبة وستقف ضد اي انقلاب مدني او عسكري بل تتمنى ان تصب هذه الجهود لإزالة الحواجز امام رئيس الوزراء ودعمه لاجراء مصالحة وطنية والنهوض بالبلاد وايصالها الى بر الامان».

الدور الايراني - السوري - السعودي
ترى المرجعية العليا في النجف، ان «دول الجوار لها الدور الاساسي والذي لا يستغنى عنه لحل القضية العراقية خصوصا السعودية وايران وسورية والتي تمثل كل دولة منها مصالح واضحة المعالم على الارض من جهة الدعم الذي يحظى به المقاتلون من هذا المذهب او ذلك ومن هذا الفكر العقائدي او التكفيري».

وتدعم الجمهورية الاسلامية في ايران جزءا من «جيش المهدي»، كما ان لديها علاقات سياسية واقتصادية مع «المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق» و«حزب الدعوة»، وبالتالي فانها تتمتع بنفوذ لايستهان به في بلاد الرافدين, اما بالنسبة لسورية فهي - وكما يقول بعض المصادر الامنية - توفر الملاذ والامن لبعض رموز التيار التكفيري ورموز النظام السابق، وان حكومة دمشق ليست مستعدة لاغلاق حدودها مع العراق ومنع الذهاب والاياب اليه نزولا عند رغبة الولايات المتحدة التي لا توفر فرصة لزعزعة حكم الرئيس بشار الاسد.

اما عن السعودية، فتضيف هذه المصادر، ان «مؤتمر مكة كان ليكون اكثر فعالية لو ان علماء الدين السعوديين وقعوا عليه لان لا خلاف اصلا بين علماء الدين العراقيين من سنة وشيعة وهم الذين وقعوا دون غيرهم على الوثيقة، كما ان السعودية ستشرع ببناء جدار يكلفها مئات الملايين من الدولارات».

وتقول المصادر المقربة ان «من الضروري ان يصار الى تخاطب جدي بين علماء السعودية وعلماء الشيعة في العراق لتبادل وجهات النظر وازالة العوائق وشرح المواقف وتذليل المخاوف التي دائما تنجم عن عدم التواصل او الفهم الخاطئ بين الطرفين ومن هنا فقط يبدأ الحل للأزمة المستعصية في العراق».