المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محمد آركون: ما نعانيه هو الجهل المؤسسي داخل دار الإسلام



جون
11-15-2006, 04:03 PM
يرى أن علينا تغيير الوضع المعرفي والفكري في بلداننا أولا


15/11/2006 باريس - جهاد فاضل


كيف ينظر المفكر الدكتور محمد اركون استاذ الاسلاميات في جامعة السوربون بباريس الى واقع الاسلام في فرنسا بخاصة، وفي اوروبا الغربية بعامة، وما ملاحظاته على الحركة الاسلامية الناشطة فيهما؟ وهل هناك بداية، ما يمكن تسميته بالاسلام الفرنسي او بالاسلام الاوروبي؟

في هذا الحوار يجيب الدكتور محمد اركون على هذه الاسئلة وفي اجاباته ينتقد الائمة المسلمين الذين يفدون الى اوروبا وهم غير مجهزين التجهيز المعرفي اللازم، ولأن باستطاعة المرء ان يقول في اوروبا ما يشاء، فان هؤلاء الائمة كثيرا ما يخبطون خبط عشواء في مسائل اسلامية دقيقة اذ ينسبون للاسلام ما هو براء منه.

ولا يرى محمد اركون ان باستطاعة الاسلام ان يضطلع بدور مؤثر في اوروبا اليوم، الا اذا اضطلع بهذا الدور في البلدان الاسلامية ذاتها، اي الا اذا تمكن مت تغيير الوضع الثقافي والوضع المعرفي فيها.

لا بد اولا من ان يكون في البلدان الاسلامية قاعدة قوية وتفتح تام على على جميع العلوم، وبخاصة علوم الانسان والمجتمع لان الدين يقتضي منا ان ندرسه بعمق.
وينتقد اركون في حواره وضع المثقفين العرب المعاصرين، فيقول انه خلال لقاء فكري جرى في بيروت قبل سنتين سمع منهم حول التراث والحداثة افكارا كان يسمعها قبل سنوات بعيدة، وهذا يعني اننا لم نعرف التطور الحقيقي.

وهذا هو مختصر الحوار الذي جري مع الدكتور محمد اركون في منزله بباريس:


هل هناك ما يمكن تسميته بالاسلام الفرنسي، او الاسلام الاوروبي؟ وهل سيظل هذا الاسلام غريبا في اوروبا، ام انه سيجد صلة ما بينه وبين الغربيين؟

- هذا السؤال كثيرا ما يطرح عند الباحثين، وايضا في الصحف وفي الخطاب اليومي.

في الوقت الراهن، في هذه الاوضاع التي نعيشها، لا يمكن ان نقول ان هناك اسلاما فرنسيا او اوروبيا لان المسلمين الذين هاجروا الى البلدان الاوروبية معظهم عمال، لم تسنح لهم فرص حتى يتكونوا، يتخرجوا، على مستوى التعليم الثانوي. معظمهم يجهلون اللغة الفرنسية او اللغة الالمانية ويأتون إلينا فقط لاكتساب معاشهم.

والى الآن لا نزال نعاني من هذا الوضع. ولذلك فان معظم المسلمين الذين نجدهم في المجتمعات الاوروبية لا يعتني بهم الا هؤلاء الائمة الذين يأتون من المغرب والجزائر وتونس ومصر من جميع البلدان، ويؤطرونهم بخطابهم الاسلاموي، لذلك يثيرون المشاكل التي نعرفها لانهم لا يمكنهم ان يفهموا الثقافة المدنية العصرية، خاصة في فرنسا، كما نعلم، فإن فرنسا لها فكر وتاريخ مبني على ما نسميه بالعربية العلمانية.

ليس هناك فهم لهذا التاريخ ولمعاني التفكير العلماني لانهم يستمعون فقط الى الخطاب الاسلاموي الذي يقول لهم حذار ان تكفروا مع هؤلاء الكفار. نحن نبسط طبعا بهذا القول، ولكن كثيرا ما يقدمون هذا النوع من النظرة الى المجتمع، الى الثقافة، الى الفكر.
طبعا هناك مثقفون مسلمون يعيشون هنا وايضا فيهم اقسام منهم من لا يعتني البتة بما يتعلق بالاسلام، يعيشون ويكسبون معاشهم ولا يمكنهم ان يتدخلوا في القضايا الاسلامية لانهم لم يدرسوا الاسلام، هم مثقفون ومتخصصون بالرياضيات والفيزياء وعلوم الكمبيوتر ويعيشون معيشتهم ولا يتدخلون بهذه القضايا. وهم كثيرون.

وضع الإسلام سيتغير

اما الذين درسوا الاسلام والفكر الاسلامي، وتعرفوا على الثقافة الاسلامية، فهم ايضا قلائل، الى الآن هم قلائل جدا، وبما ان معظم المسلمين مؤطرون كما قلت بهؤلاء الائمة الذين يميلون الى الاسلاموية اكثر من الثقافة، فإنه لا يمكنهم ان يساهموا في تحسين الوضع الثقافي، والوضع المعرفي للجالية الاسلامية في البلدان الاوروبية. وهذا اشهد به انا بنفسي. يمكن ان القي محاضرة لا في الجامعة، بل في اطار العمل في فرنسا او في المانيا، ولكن لا يمكنهم ان يتابعوا مثلا شرحا تاريخيا، او عرضا تاريخيا للفكر الاسلامي. ولهذا اظن ان وضع الاسلام في اوروبا سيتغير طبعا، ولكنه سيأخذ وقتا طويلا.

ولكن بالاضافة الى هؤلاء العمال الذين يؤلفون غالبية هؤلاء المهاجرين من اقطار الشمال الافريقي، في غالبيتهم، هناك مسلمون تفرنسوا، نالوا الجنسية الفرنسية لدرجة ان بعضهم تبوأ مراكز عالية في الدولة، لدرجة ان الحكومة الفرنسية الحالية تضم وزراء منهم.

- نعم يوجد، ولكن قلائل. وفي مجلس النواب لا يوجد نائب واحد منهم الى الآن. في هولندا نجد اربعة او خمسة نواب. واظن انه يوجد في انكلترا ايضا نواب مسلمون. ولكن في فرنسا، ولأسباب عديدة، الى الآن لا يوجد نائب واحد في مجلس النواب. يوجد طبعا عمال وموظفون في البلديات، في مستويات مختلفة.

وهذا ايضا مشكل بالنسبة الى اندماج المسلمين في المجتمعات الاوروبية. ولكن هنالك نوعا من الرفض والتباعد من طرف المسلمين، وايضا الشيء نفسه من طرف المواطنين الاوروبيين لأنهم يتحذرون جدا من الاختلاط بالمسلمين لعدم الاحتكاك وعدم التفاهم. واظن انه سيقتضي وقت طويل ليتغير الوضع. ولكن اؤمن انه في السنوات الخمس او العشر المقبلة، قد يكون الاسلام متأصلا في المجتمعات الاوروبية بشرط ان يستعمل المسلمون اللغات ويتمكنوا من اللغة العربية ومن الفكر الاسلامي. من دون هذا، لن يكون الاسلام الفرنسي والالماني والسويدي.

هذا يتعلق بنظري بما سيجري في البلدان الاسلامية ذاتها لأن الوضع الثقافي والفكري في البلدان الاسلامية ضعيف جدا كما نعرف. ولذلك لا يمكن للمسلمين الذين يعيشون الآن ان يعتمدوا وان يستمدوا ما يجري في بلدانهم ويستوردوه. هذا ايضا عامل مهم في وضع الاسلام والمسلمين في البلدان الاوروبية. مثلا دول اسلامية تبعث ائمة لتأطير المسلمين هنا وهم جاهلون كيف تأخذ الدولة هذه المسؤولية، تبعث الى البلدان الاجنبية اناسا لا يمكنهم ان يملكوا القيم الاسلامية ويعلموا اشياء معقولة بالنسبة للاسلام؟

مشاكل الجالية
في الماضي كانت الخارجية المصرية ترسل الشيخ امين الخولي الاسلامي المجدد كملحق ديني في سفارتها ببرلين او بروما. وكانت ايران ترسل محمد خاتمي، وهو مجدد اسلامي ايضا، ليرعى شؤون الايرانيين المسلمين في المانيا؟

- نعم. كانوا مثقفين. والآن هناك عدد كبير من المسلمين المهاجرين يحتاجون الى ذلك. يطالبون ببناء الجوامع، ويطالبون بتعليم ديني في المدارس، وانشاء مدارس. ولكن حتى اذا انشئت مدرسة، مثلا، فمن يدرس في هذه المدرسة؟ الاساتذة الذين يدرسون لم يتكونوا تكوينا علميا لتدريس علم التفسير مثلا على طريقة ومناهج تاريخية وانسانية عصرية، لأنهم لم يتكونوا على هذه الطريقة. ولذلك يعطون وجها سلبيا للمجتمع. وايضا عندما يكون هناك جمعيات تطلب انشاء مدرسة، لا بد من ان تطلب من الدولة رخصة في ذلك. فالدولة تتحذر لأنهم اذا فتحوا مدرسة ودرسوا الجهل المؤسس، فهذا خطر على المجتمع، وخطر على الجالية، وخطر على الاسلام كدين.

هذه المشاكل نعاني منها الى الان ومع الاسف لا الدولة ولا الجالية الاسلامية، وبخاصة المثقفون كما ثبت، ليست لهم قدرة حتى يساهموا في تحسين هذا الوضع.
هؤلاء المسلمون الذين يعيشون في فرنسا، اعتقدوا ان قسما منهم يحمل الجنسية الفرنسية، وقسما اخر هم بمنزلة ايد عاملة اجنبية.

- نعم اخذ الجنسية له شروط وشروط صعبة في كثير من الاحيان. وايضا هناك من لا يريد ان يأخذ الجنسية لانه يعتبر الجنسية نوعا من الخروج من الأمة ومن دار الاسلام... يوجد هذا الى الان. ولكن طبعا القوانين التي توجد في المجتمعات الاوروبية تفرض عليهم ان يثبتوا الجنسية لانه لا يمكنهم فعلا ان يجدوا فرصا للعمل، اما اذا كانوا فرنسيين او المانيين، فهذه الصعوبة ترفع.

وكم عدد هؤلاء المسلمين في فرنسا الشرعيين وغير الشرعيين؟
- يقال ان عددهم هو بحدود خمسة ملايين ولكني اظن انهم اكثر من هذا لان هناك من لم يصرح انه موجود.

ولكن على صعيد وجود الاسلام في فرنسا واوروبا، هل تعتقد ان الظروف ستفرض الفصل بين العبادات والفرائض بين الروحي والزمني؟

- هذا يتعلق بتقدمنا في الفكر وبقبولنا للفكر الحديث. انه امر متعلق بالفكر والثقافة. لا يتعلق بالاسلام. هذا حدث في المسيحية. والمسيحية ايضا كانت معارضة للحداثة، ومعارضة لجميع ما نراه اليوم في النظم السياسية وفي التشريع. الكنيسة عارضت ورفضت زمنا طويلا، وفرض عليها ذلك بالقوة السياسية، لولا القوة السياسية وانتصار الطبقة البورجوازية على الطبقة الاكليروسية، لكانت المسيحية كما نرى الاسلام الان. ولكن الطبقة البورجوازية في اوروبا كانت قوية وهي التي فرضت هذا سياسيا وعن طريق العنف السياسي والاجتماعي، وليس على قاعدة الارادة والقبول.

جهل داخلي
ولكن هناك مفكرين اسلاميين يرون انه من المستحيل فصل الدين عن الدولة، او الزمني عن الروحي؟

- لانهم يرون ما نعاني منه اليوم من الجهل داخل دار الاسلام هناك جهل، وجهل مؤسسي. الدولة هي التي تفرض نوعا من التدريس للتاريخ عامة، ولجميع ما يتعلق بالاسلام كدين خاصة، وهذا نعرفه ونشاهده. الطلبة الذين يأتون لي الى السوربون، وتكوتوا في المغرب او الجزائر او مصر، ليس لهم تكوين في ما نسميه علوم الانسان والمجتمع التي تقدمت وتغيرت تغيرا جذريا بالنسبة الى ما كانت عليه المعرفة العلمية في هذه العلوم في الستينات والسبعينات.

هناك تطور هائل في طرق التفكير وطرق التحليل وطرق البحث والمناهج. ونحن لا نستفيد من هذه التغيرات، من هذه الثورات المعرفية الابستمولوجية، كما نسميها نحن لا نسمع بماهية الابستمولوجية. الاسم طبعا يكرر.. ولكن ما يدل عليه الاسم والتقيد بالمنهاج الابستمولوجي، التحليلي، النقدي، العلمي، هذا لا يزال غائبا.

وحتى في التدريس في الجامعة. هناك طبعا بعض الاساتذة الذين يحاولون ان يعربوا هذا. ولكن الامر قليل قليل بالنسبة الى الثورة المعرفية التي يحتاج اليها الفكر الاسلامي اليوم. وخاصة اذا اخذنا في الاعتبار ضغط الخطاب الايديولوجي على جميع المجتمعات، على جميع المواطنين حتى المثقفين منهم.

اقتراح حول الحجاب
الاوروبيون مذعورون من ظاهرة هذا الاسلام الاصولي طبعا؟
- طبعا لانهم لا يمكنهم ابدا ان يفهموا كيف ان المرأة تعطى لها جميع فرص الحرية وترفضها لتبقى كما كانت في القرون الوسطى. مع ان المرأة المسلمة عالمة ان هناك نساء مسلمات يكافحن للتحرر من قضايا عدة منها الحجاب، ومع ذلك فهم عندما يعيشون هنا، يأخذون الحجاب كنوع من الرفض والمطالبة بهوية اسلامية حتى لا يختلطوا بهؤلاء الكفار. وهم يعيشون هناك، واولادهم يعيشون هنا، هناك تناقضات.

اعرف انكم كنتم في اللجنة التي الفتها الحكومة الفرنسية لمعالجة وضع الحجاب؟

- نعم، انتهت هذه اللجنة الى اقتراح اخذ بعين الاعتبار هذا الوضع الثقافي، الذي لا يساعد الجالية الاسلامية على ان تستفيد من الثقافة التي يستفيد منها جميع المواطنين في المجتمع، لانهم كما ذكرت عمال ويجب عليهم ان يبدأوا بتعلم اللغة ودراسة العلوم الاجتماعية والانسانية، وهذا صعب طبعا بالنسبة لهم.

وهذا الشيخ المزياني الذي حرض على ضرب النساء؟
- هذا الشيخ قال اشياء في خطبته لا تقال حتى في بلداننا، وهنا كأنهم يغتنمون فرصة الحرية الديموقراطية ليقولوا اشياء ضد العقل، وضد العقل السليم، فانا ماسمعت اماما في بلداننا يقول ما قاله هذا الامام امام الجمهور.

وما الذي قاله بالضبط؟

- قال ان القرآن يقول ان من الواجب على الرجل ان يضرب امرأته اذا لم تطعه، وقال انه يجب ان يضربها على الرجلين وعلى الكتف، ولا يضربها على الوجه حتى لا يشوه وجهها.

اشياء لا تتصور، والناس يسمعون وطبعا وسائل الاعلام تتطرق الى هذا لتشويه الصورة وتشويه كل ما يتعلق بالاسلام.
ولكن هذا الامام عاد الى فرنسا بعد ان طرد؟
- نعم، في الشرع الديموقراطي هناك قانون والدول تحترم القانون والدستور.

وهل هو فرنسي"

- هو فرنسي.

دور جديد للإسلام
اي دور تندبه للاسلام في اوروبا الجديدة ما هو الدور الذي يتعين على الاسلام ان يضطلع به بالنسبة لقيام شراكة عربية اوروبية؟ واي دور مستقبلي للاسلام في اوروبا بنظركم.

- لا يمكن للاسلام ان يساهم في انتاج تاريخ عصري في المجتمعات الغربية بصورة عامة الا اذا بدأ يغير الوضع الثقافي والوضع المعرفي في البلدان العربية والاسلامية، وما دمنا في الوضع الذي تعاني منه مجتمعاتنا على صعيد عدم تطور الانظمة التربوية في مجتمعاتنا لتبلغ المستوى المطلوب فان الاسلام لن يتمكن من ان يلعب الدور المنشود في المجتمعات الاوروبية.

علينا ان نجد في البلدان الاسلامية قاعدة قوية وتفتحا تاما على جميع العلوم، وبخاصة علوم الانسان والمجتمع لان الدين يدعونا ان ندرسه بعمق، لا يجوز ان يبقى تصورنا للماضي تصورا ميثولوجيا، نحن نعيش على تصور ميثولوجي للماضي، وهذا التصور ندرسه لاولادنا ايضا.

من هنا ينبغي ان نبدأ علينا ان نغير الوضع المعرفي والفكري في بلداننا اولا، وان ندرس ماضينا دراسة عصرية علمية.