المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لا يا آية الله.. للمرجعية مسؤوليتها



جون
11-15-2006, 03:47 PM
الشرق الاوسط اللندنية

رشيد الخيون

أصدر مكتب آية الله بشير حسين النجفي، وهو أحد المراجع الشيعية الأربعة، بياناً بالنجف، ردّ فيه على مَنْ يُحمل المرجعية مسؤولية ما حصل من تدهور مريع، حيث القتل اليومي، والفساد الإداري والمالي، الذي لم تسلم منه مفوضية الانتخابات ولا مؤسسة النزاهة نفسها. وقيل لسوء الأحوال ضحك مَنْ اتُّهم بسرقة ثلاثة ملايين دولار، ذلك لتفاهة ما سرق! وبيان النجفي ليس الأول بل نوهت المرجعية أكثر من مرة، عن طريق خطبائها، أنها غير مسؤولة عما يجري، وهي بهذا تُذكرنا بمنزلة الملوك في العديد من الأنظمة الملكية «مصونون غير مسؤولين». لِمَ لا، فهم في التقليد الشيعي نواب الأئمة، ولهم حق في العصمة، ذلك حسب تصورات فئة من العلماء.

ليس لنا نفي مظلومية شيعية عبر العصور، وتكريسها في العهد العثماني. يقابلها مظلومية سُنّية في العهد العهد الصفوي، وسط نزاعات دموية بين العهدين. ولا يخفى أيضا وجود نزعة طائفية في العهد الملكي (1921 ـ 1958)، وعلى وجه الخصوص بعد وفاة الملك فيصل الأول (1933)، فالرجل أتى باتفاق وجهاء الطائفتين، وفي مقدمة الوفد، الذي ذهب لعرض التاج العراقي عليه، هو الوجيه الشيعي الشيخ محمد رضا الشبيبي (ت 1965). لكن ليس لأحد توجيه التهمة إلى عهد عبد الكريم قاسم (1958 ـ 1963) أنه كان طائفياً. قال السياسي عبد اللطيف الشواف: «لم يكن لأي من عناصر النسب والعشيرة والمذهب... أي تأثير على قراراته السياسية، التي كانت تستهدف تطوير المجتمع العراقي كله بالتساوي».(عبد الكريم قاسم وآخرون). ومع ذلك شنت عليه المرجعية الدينية الشيعية حربا شعواء، سواء كانت النجفية، الممثلة بالسيد محسن الحكيم (ت 1970)، أو الكاظمية الممثلة بالشيخ محمد مهدي الخالصي (ت 1963). وإذا كانت الحجة أنه قرب الحزب الشيوعي العراقي، فبعد تسعة أشهر من 14 تموز أُبعد هذا الحزب، وتحول إلى حزب سري!

واختلفت المرجعية الشيعية حول عهد عبد السلام عارف (اغتيل 1966): اعتبرته النجف طائفيا، بينما اعتبرته الكاظمية أفضل العهود. مع أن مصطلح الشعوبية ظهر أول ما ظهر رسميا على لسانه. وحاول الخالصيون تفنيد إشاعة تفكيره بتشييد ضريح لمعاوية بن أبي سفيان (ت 60 هـ)، أو قوله لأهل البصرة: «أنتم لستم أشباه الرجال»، تعريضاً منه بخطبة الإمام علي بن أبي طالب المشهورة في أهل البصرة (نهج البلاغة). خلفه أخوه عبد الرحمن عارف، وكان بعيدا كل البعد عن الطائفية. كذلك ليس لأحد اعتبار العهد البعثي بفرعيه شباط 1963 أو تموز 1968 أنه طائفي خارج المؤثر السياسي.

لتضع المرجعية كل هذا التاريخ، الذي لم يُعدم من وجود وزراء شيعة في العصر العباسي ورؤساء وزراء ووزراء في العهد الملكي ومسؤولين خطرين في العهد البعثي، وراء ظهرها، وعليها التعامل بما بعد التاسع من أبريل 2003 . لأن التعامل بسياق مظلومية شيعية، تظهر نفسها أنها مسبب دائم في العزل الطائفي، وراغبة في محاصرة الدولة المفترض أنها متحررة من الطائفية. لقد انقلب الحال، وباتت الطائفة الأخرى تتحدث، على لسان وجهائها، عن مظلومية في ظل التهديد بأكثرية شيعية، وتدخل المرجعية في مفاصل الدولة، عبر وكلائها السياسيين، وهو شكل من أشكال ولاية فقهية. وبما أن المنحى الطائفي أخذ طريقه إلى المواجهة العلنية، فلا بد من ظهور مظلومية واستحواذ، بعد أن كان تدخل المرجعية في الانتخابات والدستور هو تأطير حقوق طائفة لا حقوق وطن. هذه هي مسؤولية المرجعية التي يجب أن تتحملها، وتتحمل كل ما ترتب عليها، من تدهور سياسي وأمني، وإدامة وتعميق ما تركه النظام السابق من فِرقة بين أهل العراق.

لقد أوصل علماء الدين، الممثلون في المرجعية على مدى التاريخ، الأتباع إلى العجز عن التفكير، فهناك مُقلَّد (بفتح اللام) مسؤول، عن حركات وصفنات المُقلِد (بكسر اللام). وبطبيعة الحال شمل هذا التقليد الموقف السياسي، مثلما حصل في الانتخابات العراقية، وكتابة الدستور. ولا أُشكل هنا على الانحدار البلداني للمراجع الدينية، إنما كل مَنْ استوطن النجف وانتسب لمدرستها نجفي، وهذا هو لقب الشيخ بشير. وبالتالي تفيض نجفيته إلى عراقيته، ولا يهم لديَّ إن كان الشيخ باكستاني أو هندي أو عراقي. أليس مفتي القدس أمين الحسيني (ت 1974)، وساطع الحصري (1967)، وزيد حيدر، وشبلي العيسمي وغيرهم، كانوا من جنسيات أخرى؟ مع ذلك كان لهم فعلهم في السياسة العراقية. وإذا تفهم أحقية الأخيرين ضمن الصلة القومية، فالطرف الآخر يضع الصلة الدينية والمذهبية هي الأولى بعد صلات الوطن.

لقد سمعت المرجعية استشارات مَنْ أردوا للحالة العراقية أن تكون طائفية، تحت غطاء حقوق الشيعة، وقد باركت تشكيل الائتلاف الموحد، بقراءة قاصرة لوضع العراق، وهو كيان طائفي لا يقبل الشك. أما عبارة أنه يجمع كل العراقيين فهذه مغالطة، فالتركماني والكوري الفيلي دخلا فيه لأنهما شيعيان حسب. وبعد تشكيل هذا الكيان، أصرت المرجعية على الإسراع في الانتخابات، بنصيحة المستشارين، بعد تمزيق المجتمع بين لوائح طائفية وقومية. بعدها بثت المرجعية وكلاءها لشد أزر الائتلاف. وهنا تضاعف التحشيد، وبالتأكيد سيكون مقابل تحشيد الطائفة الأخرى، فتقدم أهل السُنَّة بجبهة التوافق، وهذا ما زاد من ضعضعة الوحدة الوطنية، والمواجهة أصبحت بين شيعة وسُنَّة، لا مواجهة برامج سياسية.

هنا لا بد من تذكر إلحاح السياسيين، من الأحزاب الدينية، على مرجعية آية الله محسن الحكيم في تحويلها إلى حزب سياسي، حتى وصفوها بالمرجعية المترددة. لكن بعد تجربة تركت ظلالها السلبية على السياسة العراقية، اكتفت بإصلاح ديني، وانتظار صاحب الزمان، وهو الأصلح للحفاظ على بيضة الدين والمذهب وبلد مثل العراق. وبلا تفكير بما سيؤول إليه الحال أُريد من مرجعية أبي القاسم الخوئي (ت 1992) رفع راية النضال السياسي، وهو يعلم أنها مرجعية دينية لا حزب يتعرض للانشقاق، وتعصف به أنانية المصالح. وها هم ما زالوا يصفون مرجعية الخوئي بالساكتة، أو المتخاذلة. وإذا كانت مرجعية الحكيم مترددة ومرجعية الخوئي متخاذلة، كما وصفهما شطار التحزب الطائفي، فماذا فعلت تلك الأحزاب والمنظمات للعراق؟ وهي تقود الشارع، ودفة السلطة لثلاث سنوات ويزيد وبتأييد المرجعية؟ أرى، أن من حق المكتوين بهذه السياسة، والقلقين على بلادهم ودمائهم، أن يتمنوا على المرجعية، إعلان مسؤوليتها عن مباركة كل كيان قام على قسمة طائفية، وشره في سرقة الأموال، وفساد الأحوال، وما دام متسربلا عباءتها.

r_alkhayoun@hotmail.com