المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يُشترى من سوق النخاسة في بغداد، ثم يحكم العراق بأكمله



سلسبيل
11-14-2006, 07:07 AM
كتب:عبدالله خلف


انه داود باشا.. ولد في تفليس سنة 1767م نصرانيا، وتفليس هي عاصمة الجمهورية الكرجية السوفياتية.. جيء به الى بغداد، وبيع في اسواق النخاسة اكثر من مرة في تركيا ثم في بغداد واشتراه اكثر من واحد، اعتنق الاسلام، تدرج في سلم الرقي فتحول من خادم اجير، الى كاتب والى امين للاختام، ثم شغل منصب (دفتر دار) ثم ارتقى الى منصب «الكهية» ثم «الكتخدا» وهو اكبر منصب بعد الوالي.. كان ذكيا وحاذقا وحازما، اجاد اللغات الدارجة في العراق العربية والفارسية والتركية والكردية.. وقيل انه كتب في الفقه والشريعة وله اطلاع في التاريخ والثقافات السائدة، ولكونه في منصب «الكتخدا» فانه تزوج بابنة الوالي سليمان باشا، وبعد حين صار هو الوالي وحاكم العراق بلا منازع بعد ان تغلب على ثوار كركوك وأخضعهم، وقضى على امارة البابانيين في السليمانية،

واخمد ثورة القبائل العربية في بغداد والديلم والموصل والحلة والفرات الاوسط ثم استطاع دحر الجيوش الايرانية الغازية التي حاصرت بغداد سنة 1821 وعقد معهم صلحا وبعد ان تفشت في الجيش الايراني أوبئة قتلت منهم الكثير بمن فيهم القائد العسكري محمد علي ميرزا الذي توفي في (كرنت) اثناء عودته لبلاده.. وعاد الجيش الايراني، ثم كرر غزوه للعراق فصده داود باشا بقواته وبالاستعانة بالقبائل العربية، وتعرض الجيش الايراني الغازي للوباء مرة ثانية وهو مرض الكوليرا..

ولقد اثنى على هذا الوالي كثير من الوطنيين منهم الدكتور عبدالرحمن البزاز في كتابه (العراق من الاحتلال حتى الاستقلال) ط3 سنة 1967 بغداد في الفصل الاول وكتاب (تاريخ العراق السياسي) الجزء الثاني الخاص بالحقبة العثمانية.. عبدالرزاق الحسيني وشبهه المؤلف بمحمد علي الكبير والي مصر لانه اهتم بالعلوم والثقافة، كما اهتم بالري والزراعة، واقام الانهر والترع كنهر ابي غريب.. لقد طور داود باشا العراق إلى درجة ان الامبراطورية العثمانية اخذت تحد من تطور ولايتها العراق حتى لا تأخذ طابع الاستقلال عنها كما عمل محمد علي والي مصر.
سبعة قرون أجنبية:

منذ ان سقطت بغداد في زمن المستعصم بالله 656هـ اخر خلفاء بني العباس لم يشهد العراق حاكما عربيا يتولى زمامه..
بقي العراق فحينا يخضع للدولة الفارسية، وحينا للدولة العثمانية فيحكمه شرطي أو ضابط باسم الوالي وتكون مهمته جباية الأموال واذلال الشعب وارهاقه..

بقاء العراق سبعة قرون خاضعا للسيطرة الاجنبية ويسوسه شرطة اميون يجبون المال بالكرباج والسياط، واخذ الشعب الى حروب لا مصلحة لبلادهم فيها ويتركون دون ارجاعهم خاصة تلك الدول التي خسرتها الدولة العثمانية فالحاميات التي كانت في أوروبا الشرقية بقيت هناك وكذلك التي في مصر والسودان.

اشار الدكتور عبدالرحمن البزاز في كتابه (العراق من الاحتلال حتى الاستقلال) إلى القرون السبعة التي خضعت فيها العراق للفرس والترك والمماليك بعد سقوط بغداد بيد التتار سنة 656هـ حدثت تقلبات سياسية، وتطورات اجتماعية كبيرةوفتن داخلية عديدة ويقول د. عبدالرحمن البزاز في كتابه المشار اليه سابقا.

مع ذلك قد حافظ العراق على مركزه الممتاز الذي جعله قبلة انظار العرب والمسلمين في مختلف الاقاليم والأمصار ولم يؤثر افلات الزمام السياسي من ايدي الخلفاء وانتقال السيطرة الفعلية الى الأعاجم وانقسام الدولة إلى دويلات وطوائف رغم ازدهار العراقي العلمي وتفوقه الادبي والفني.. ومنذ ان سقط العراق في يد التتار سنة 656هـ 1258م في زمن «المستعصم بالله» اخر خلفاء بني العباس ومنذ ذلك الوقت لم يشهد العراق حاكما عربيا يقود زمامه فحينا يخضع لفارس وحينا يتبع امبراطورية ال عثمان وفترة يسوسه وال مستبد في بغداد من الموالي العتقاء كما حكمه دواود باشا بعد ان اشْتُري من سوق النخاسة.

تاريخ النشر: الثلاثاء 14/11/2006