المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بنما المجرى المائي .. الذي صار دولة



زوربا
11-07-2006, 01:23 PM
http://www.aawsat.com/2006/11/03/images/hassad.390216.jpg

وضع تصميمها دو ليسبس ومات خلال إنشائها 25 ألف شخص.. ومن أجلها فصل الأميركيون بنما عن كولومبيا


واشنطن: منير الماوري

تعهد رئيس جمهورية بنما مارتين توريخوس، بعد فوزه في انتخابات الرئاسة في بنما في مايو (أيار) 2004 بالعمل على تحصيل خمسة مليارات دولار لتوسيع قناة بنما وتشجيع التبادل التجاري الحر مع الولايات المتحدة، وقال يومها «لو كان أبي هنا اليوم فمن المؤكد أنه سيفخر بالانجاز الذي حققناه».

الرئيس البنمي الآن بصدد تنفيذ ما كان يطمح إليه والده الذي ينظر اليه في بنما باعتباره الرجل الذي أعاد قناة بنما إلى أهلها من أيدي الأميركيين. هذا الرئيس المنتخب ديمقراطيا والطامح لتوسيع قناة بنما، من أجل توسيع دور بلاده العالمي هو نجل الدكتاتور السابق عمر توريخوس الذي قاد مفاوضات مضنية مع الأميركيين لاستعادة القناة بعد عشرات السنين من الهيمنة عليها منذ ما قبل حفرها حتى ما قبل التوسيع. وكانت الحملة الانتخابية للرئيس الحالي قد طغت عليها مسألة تطوير قناة بنما التي تشكل واحدا من أهم الموارد الاقتصادية للبلاد.

وتجمع كافة المصادر والمراجع التاريخية على أن دولة بنما تعود قصة نشوئها إلى نشوء القناة نفسها، وهي عمليا مرتبطة عضويا بها حيث أن تأسيس الدولة نفسها كان فكرة أميركية لإنشاء القناة، بعد أن عارض الكولومبيون التي كانت بنما جزءا من أرضها طموح الأميركيين في الربط بين المحيطين الأطلسي والهادي في أضيق نقطة لتسهيل خطوط الملاحة وتقليل المسافة لانتقال السفن من شرق أميركا إلى غربها أو العكس.

وتعود فكرة القناة إلى القرن التاسع عشر بعد أن نجح الفرنسيون في الأعوام بين 1859 و 1869 في حفر قناة السويس التي ربطت بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر لتختصر مسافة التاريخ بين قارتين وعالمين، حيث بدأ الفرنسيون الاتجاه غربا يدرسون وسيلة مماثلة لربط مياه المحيط الأطلسي بمياه المحيط الهادي عبر أقرب نقطة تفصل بينهما في أراضي دولة لم تكن موجودة في ذلك الوقت بل كانت أراضيها مجرد مقاطعة من أراضي ما كان يعرف بكولومبيا الكبرى نسبة لكريستوفر كولومبوس مكتشف الأميركيتين، لكن الفرنسيين فشلوا في حفر القناة بسبب صعوبات هندسية واقتصادية متعددة أهمها اختلاف المد بين المحيطين. وبدأت القصة عندما أبرمت كولومبيا عام 1878 مع مغامر فرنسي يدعى لوسيو نابليون بونابرت وايز، اتفاقا يعطيه الحق في شقّ قناة عبر بنما. وبدوره باع هذا الحق إلى شركة فرنسية برئاسة فرديناند ماري دو لسيبس الذي سبق أن أشرف على شق قناة السويس، كما اشترت الشركة الفرنسية أيضاً حق السيطرة على سكة حديد بنما، وبدأت الشركة الحفر عام 1882م. وكانت الخطة حفر القناة على مستوى سطح البحر لتربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ. وقام دو لسيبس ومساعدوه بتخطيط الجزء الأكبر من المشروع بكل حرص، كما نفذوا جزءاً منه بشكل فعّال، لكن المهندسين الفرنسيين كانوا يفتقرون إلى المعدات الملائمة لإنجاز مثل هذه الأعمال الضخمة من الحفر. علاوة على ذلك لم يكن العلماء على دراية كافية بكيفية محاربة الأمراض الوبائية الاستوائية التي أصابت العمال. وفي عام 1889 أعلنت شركة دو لسيبس إفلاسها بعد أن حفرت نحو 58 مليون متر مكعب من الأتربة وأزاحتها. وفي عام 1894 انتقلت ملكية شركة دو لسيبس وحق امتيازها إلى شركة فرنسية ثانية، هي شركة قناة بنما الجديدة. إلا أن الشركة الجديدة لم تبذل إلا جهوداً ضعيفة للاستمرار في الحفر؛ حيث كان همها المحافظة على حق الامتياز إلى أن يتوفر من يشتري هذا الحق.

وفي تلك الأثناء كانت الولايات المتحدة قوة إقليمية ناشئة تراقب ما يجري وتنتظر اللحظة المناسبة للتدخل فانتهز الأميركيون انكسار الشركة الفرنسية التي تولت مشروع الحفر وانقضوا عليها لشرائها لكن كولومبيا رفضت تسليم الأمر للأميركيين فلجأ الأميركيون إلى تحريض السياسيين البنميين على الانفصال عن كولومبيا وهو ما حدث بالفعل في الخامس من نوفمبر 1903 فكانت القناة التي لم تولد بعد سببا في ولادة دولة. وعندما تحركت القوات الكولومبية إلى بنما لمنع الانفصال كانت القوات الأميركية جاهزة لحماية بنما ومنعت كولومبيا من التقدم، واعترفت الولايات المتحدة رسميا بجمهورية بنما المعلنة ولحقتها في الاعتراف فرنسا وبريطانيا ودول أخرى.

وبادر الحكام الجدد لبنما من جانبهم بمكافأة الأميركيين على موقفهم بتوقيع اتفاق مشابه للاتفاق الفاشل مع فرنسا حيث منحوا الولايات المتحدة حق إدارة القناة المفترضة المحيطة بها لمدة مائة عام وتم استكمال حفر وبناء القناة عام 1914. وشرعت بنما والولايات المتحدة في عام 1971 بمفاوضات لعقد معاهدة جديدة تحل محل معاهدة 1903 بخصوص القناة. وفي عام 1977، بعد صعود الرئيس جيمي كارتر إلى الحكم وقعت الدولتان معاهدتين جديدتين ضمنت إحداهما انتقال السلطات التشريعية الإقليمية على القناة إلى حكومة بنما عام 1979، كما ضمنت هذه المعاهدة أيضاً أن تتولى بنما السيطرة على عمليات تشغيل القناة في 31 من ديسمبر من عام 1999. أما المعاهدة الثانية فقد منحت الولايات المتحدة الحق في الدفاع عن حياد القناة. وقد أبدى عدد كبير من الأميركيين معارضتهم للتخلي عن حق السيطرة على القناة والمنطقة التابعة لها؛ حيث عدُّوها جزءاً من أملاك الولايات المتحدة، إلا أن أميركيين آخرين استحسنوا ما ورد في المعاهدتين، وهؤلاء أخذوا في اعتبارهم، أن مواصلة سيطرة الولايات المتحدة، قد يلحق الضرر بالعلاقات مع دول أميركا الجنوبية. ووافق الناخبون البنميون على الاتفاقيتين عام 1977، ووافق عليهما مجلس الشيوخ الأميركي عام 1978، ومن ثم أصبحتا نافذتي المفعول عام 1979. وفي 14 ديسمبر 1999، دشنت رئيسة بنما مايريا موسكوزو احتفالات عودة القناة لبنما. ويعد المؤرخون هذه القناة من أعظم الإنجازات الهندسية في العالم حيث تمكن الأميركيون بشقهم لهذه القناة من تقصير مسافة رحلة السفن ما بين مدينة نيويورك وسان فرانسيسكو إلى أقل من 8370 كم. في حين أنه في الفترة التي سبقت شق هذه القناة، كان على السفن التي تقوم بمثل تلك الرحلة، أن تبحر حول أميركا الجنوبية قاطعة نحو 20900 كم. وبلغت تكلفت القناة 380 مليون دولار أميركي تقريباً بأسعار تلك الأيام حيث عمل آلاف العمال في هذه القناة لأكثر من عشر سنوات مستخدمين مجارف البحار وآلات رفع الأتربة، ليشقوا طريقهم عبر الغابات والتلال والمستنقعات علاوة على كفاحهم للتغلب على مشكلة الأمراض المدارية مثل الملاريا والحمى الصفراء. ولم يتم افتتاح قناة بنما في 15 أغسطس (آب) عام 1914، إلا بعد أن مات 25 ألف عامل نتيجة الحمى الصفراء والملاريا أثناء حفرهم القناة بوسائل بدائية.

وتمتد قناة بنما مسافة 64 كم ابتداءً من خليج ليمون على المحيط الأطلسي إلى خليج بنما على المحيط الهادئ، وتختلف قناة بنما عن قناة السويس في كونها تتألف من ثلاثة أطقم من حجرات يتم ملؤها بالماء أو إفراغها من الماء لتعمل على رفع السفن وخفضها من مستوى إلى آخر. وقد بنيت تلك الأحواض بشكل مزدوج يتيح للسفن الصغيرة المرور في الاتجاهين في آن واحد. ويعتبر تصميم القناة أحد المشاكل الأساسية فيها، حيث أن اللجوء إلى أسلوب الأحواض والإقفال جاء بسبب اختلاف الارتفاعات بين المحيط الأطلسي والهادئ، مما يجبر السفن على المرور بشكل منفرد، الأمر الذي يرفع التكلفة ويزيد من ساعات الانتظار. ويبلغ طول الحوض المستخدم 300 متر، وعرضه 34 مترا، وبعمق 20 مترا. تحدد أبعاد الأحواض حجم السفن التي بوسعها استخدام القناة. فعلى سبيل المثال لا تتمكن ناقلات النفط التجارية العملاقة أو حاملات الطائرات العملاقة التابعة للأسطول الأميركي من المرور بهذه القناة. ومن هنا جاءت فكرة توسيع القناة.

وفي هذا الصدد وافق سكان بنما بأغلبية كبيرة على استفتاء أجري مؤخرا أقروا فيه خططا ينظر لها على أنها طموحة لتوسعة قناة بنما بهدف زيادة حركة الملاحة البحرية بها. ويقول بعض الخبراء إن الأمر إذا ما تم النظر إليه بتمعن فإنه يجب ألا يوصف بأنه مجرد توسعة بل إقامة قناة جديدة أو مسار ثالث إلى جوار المسارين الموجودين أصلا يسمح للناقلات الحديثة والكبيرة جدا بالمرور من القناة. وتريد الحكومة البنمية والشركة التي تتولى ادارة القناة من خطط التوسعة أن تضاعف حركة الملاحة في القناة ولكنها في الوقت ذاته سوف تتكلف أكثر من خمسة مليارات دولار، ولهذا وجد مشروع التوسيع معارضين له مثلما كان له مؤيدون. ويقول معارضو تلك الخطط إن تكاليف التوسعة سوف تغرق بنما بالمزيد من الديون. ويتوقع المسؤولون أن يبلغ عائد القناة بعد التوسعة 6 مليارات دولار في السنة، وهو رقم كبير مقارنة بعائدها الحالي الذي يبلغ 1.4 مليار دولار سنوياً. ومن المتوقع ان يغطي العائد من مرور الناقلات جزءا من مصروفات التوسعة الا انه في الوقت ذاته سيتعين على الحكومة البنمية ايضا ان تقترض ما يقارب 3 مليارات دولار لإتمام المشروع. ومن الجوانب الإيجابية للتوسعة أن البدء فيها سيخلق بالضرورة الآلاف من فرص العمل في مجال البناء ومجالات أخرى عديدة. وفي المقابل يقول المعارضون انه من الافضل ان تنفق اموال التوسعة على الفقراء من الشعب البنمي والتي تشير الارقام الى ان نسبتهم تبلغ 60 في المائة. وعبر مسؤولون في هيئة إدارة القناة عن نيتهم الشروع في تنفيذ الخطة التي أقرها الشعب البنمي في فترة تمتد على مدى ثماني سنوات، وتقوم على شق مسار ثالث في القناة يخصص لسفن الشحن العملاقة، وناقلات النفط وتوسعة المسارين الحاليين. كما عبر المسؤولون في بنما عن عزمهم البدء بالمشروع في أقرب وقت ممكن بسبب شعورهم بخسائر القناة المتزايدة، مع لجوء السفن العملاقة إلى تغيير خط سيرها البحري بسبب عجزها عن المرور في القناة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأسوشييتد برس. ويخشى المسؤولون في بنما تحول جزء من نشاط القناة إلى قناة السويس البحرية، التي تقصدها حالياً السفن العملاقة المتنقلة بين السواحل الغربية للولايات المتحدة وبين قارة آسيا، كما تثير خطط نيكاراغوا المجاورة لفتح قناة مماثلة مشاعر باقتراب تحديات تجارية كبيرة. يشار إلى أن 5 في المائة من التجارة البحرية العالمية تمر عبر قناة بنما، أغلبها سفن من الولايات المتحدة، حيث تعبر يومياً ما بين 25 و37 سفينة بين المحيطين، لكنها تضطر إلى إضاعة الكثير من الوقت في انتظار دورها. يشار إلى أن الحمولة القصوى للسفن القادرة حالياً على عبور القناة يصل إلى 4 آلاف حاوية، فيما أصبح 27 في المائة من أسطول التجارة العالمي مكّون من سفن تحمل 8 آلاف حاوية فما فوق، ويتوقع مع حلول العام 2011 أن تعجز 37 في المائة من سفن العالم عن عبور قناة بنما إذا لم يتم توسيعها. ومن المقرر ان تبدأ أعمال التوسيع أواخر العام 2007 على ان تنتهي في 2014 اي بعد مائة عام تقريبا من افتتاح القناة. وتعبر القناة سنويا 14 الف سفينة و280 مليون طن من البضائع، تشكل خمسة بالمئة من حجم التجارة البحرية العالمية. واهم الطرق البحرية التي تستخدم قناة بنما هي تلك التي تربط بين آسيا والسواحل الشرقية للولايات المتحدة، واوربا والسواحل الغربية للولايات المتحدة وكندا، والسواحل الشرقية للولايات المتحدة بالسواحل الغربية لاميركا اللاتينية وتقدر الرسوم التي تُجبى من السفن التجارية بناء على حيز حمولتها. ويبلغ متوسط رسوم السفن التي تمخر عباب المحيط بما يقدر بمبلغ 28,000 دولار أميركي، أما السفن الحربية فتدفع رسوماً تتفاوت حسب أوزانها.