سمير
11-02-2006, 04:35 PM
http://www.aawsat.com/2006/11/02/images/religion.390070.jpg
د. محمد سيد طنطاوي: النقاب مسألة تتعلق بالعادات.. والحجاب هو اللبس الساتر والوجه والكفان ليست بعورة * يقول حول بعض مفتي الفضائيات: جهلاء لا يجوز لهم الإفتاء
القاهرة: محمد خليل - الشرق الاوسط
جدد شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي، دعوته إلى ضرورة أن يعتذر بابا الفاتيكان اعتذارا صريحا عن إساءته للدين الإسلامي، مؤكدا أن الحوار مستمر بين الأزهر والفاتيكان، وأنه لا يتضمن الحوار في العقائد. وأشار شيخ الأزهر إلى أن انتشار عقدة الخوف من الإسلام في الغرب ليس له ما يبرره، لأن الإسلام في جوهره دين يدعو إلى التسامح والرحمة والإخاء الإنساني، كما أن جميع الشرائع السماوية وفي مقدمتها الإسلام تأمر كل عاقل أن يقف إلى جانب الحق والعدل، ويحارب الإرهاب والظلم أيا كان مصدره وأيا كان لونه.
وشدد شيخ الأزهر في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، على أن حرية الرأي والتعبير مكفولة في شريعة الإسلام فيما تؤيده الشرائع السماوية والفطرة الإنسانية السليمة، وأن احترام القيم الدينية وعدم الإساءة إلى الأديان أمر يجب احترامه، موضحا أن مهمة تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام والمسلمين فى أوروبا وأمريكا تقع على عاتق العلماء، وخاصة ما يتعلق بالخلط بين الجهاد في الإسلام والإرهاب الذي حاربه الإسلام.. وتطرق شيخ الأزهر إلى عدة قضايا راهنة على رأسها المواصفات الشرعية للزي الاسلامي للمرأة المسلمة والحوار بين السنة والشيعة..
وهنا نص الحديث:
* تشهد الساحة المصرية خلال هذه الأيام جدلا واسعا حول قضية النقاب، فما رأي الدين في النقاب وما هو الزي الشرعي الواجب على المرأة؟
ـ قال الله تعالى: «وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن»، فما دام القرآن الكريم قد قال ذلك فعلينا أن نقول ـ رجالا ونساء ـ سمعا وطاعة، والذي أراه أن المقصود بقوله تعالى «إلا ما ظهر منها» هو الوجه والكفان، وما دامت المرأة تلبس الملابس الساترة التى لا تظهر شيئا من جسدها سوى الوجه والكفين، فهي بذلك تكون قد لبست الملابس الشرعية، أما ما يتعلق بتغطية الوجه أو ما يسمى النقاب فهذه مسألة تتعلق بالعادات.
أزمة بابا الفاتيكان
* شغلت الأمة الإسلامية الأيام الماضية بالإساءة التي وجهها بابا الفاتيكان الى الإسلام أثناء محاضرة ألقاها بألمانيا، فما هو موقف الأزهر، خاصة أنه قد أسس منذ سنوات لجنة للحوار الإسلامي المسيحي مع الفاتيكان، وما هو السبيل لوقف هذه الإساءات التي أصبحت تتكرر بشكل دائم؟
ـ الأزهر بجميع علمائه وهيئاته، بل وكل مسلم في مصر وغيرها، أدان كلام بابا الفاتيكان عن الإسلام، وقد عقد مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر اجتماعا لبحث هذا الموضوع، وقد وصل إلى المجمع نص المحاضرة التي ألقاها بابا الفاتيكان في المانيا وبقراءة النص وجد أنه قد جاء بكلام لامبرطور بيزنطي توفي منذ مئات السنين، التقى بمسلم فارسي وتناقشا في بعض الأمور، وكان من بين ما قاله الامبرطور للمسلم: «بماذا أتى الإسلام فإنه أتى وانتشر بالسيف، والجهاد في الإسلام هو العدوان، وأن رسول الإسلام لم يأت إلا بالشر». البابا جاء بكلام الامبرطور البيزنطي ولم يأت برد المسلم، بل ولم يعلق البابا على هذا الكلام أو يصححه، والمسلمون عندما قرأوا هذا الكلام تعجبوا لماذا أتى البابا بهذه القصة، فاعتبر أن ما قاله البابا عن الإسلام على لسان الامبرطور البيزنطي كلامه هو نفسه، طالما سكت ولم يعلق عليه، وقد رددنا عليه فى حينها، وأصدرنا بيانا وقلنا له فيه إن هذا الكلام خطأ شنيع في حق الإسلام، خصوصا انك ذكرت قصة فيها إساءة للإسلام وسكت ولم تعلق، فكأنك أنت القائل، وإلا لو كنت حسن الظن بالإسلام، كنت قلت إن ما قاله الامبرطور غير صحيح في حق الاسلام، ولا أوافقه، ولذلك اعتذر، وقال إنه ما كان يظن أن يفهم كلامه بهذا الفهم.
* هل هذا الخطأ من بابا الفاتيكان له تأثير على العلاقة مع الفاتيكان، وخاصة مشروع الحوار الاسلامي المسيحي، الذى بدأه الأزهر منذ سنوات مع الفاتيكان، وما المخرج الحقيقي الذي للفاتيكان كي ينهي هذه الأزمة؟
ـ الحوار مع الفاتيكان مستمر، ولكن يجب على بابا الفاتيكان أن يعتذر للمسلمين اعتذارا صريحا عما قاله عن الإسلام والمسلمين والرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يعتذر البابا عما قاله اعتذارا صريحا وواضحا، فإن الأمور ستبقى كما هي، وما قاله البابا مؤخرا ليس اعتذارا، وانما تأسف بأن المسلمين لم يفهموا قصده، وأنه لم يقصد الإساءة الى الإسلام والموضوع يجب ان يتم حسمه فالبابا قال قصة نقلها عن امبرطور بيزنطي ولم يعلق عليها، ومن البديهات انك اذا لم تعلق فكأنك توافق وتؤيد ما ذكرته فيجب على بابا الفاتيكان ان يرد ردا منهجيا ودينيا وعلميا يصحح فيه خطأه، فإذا لم يعتذر صراحة فلن يكون هناك حوار معه.
* البعض يرى أن الحوار الإسلامي المسيحي لم يحقق هدفه، وأن حوار الأزهر والفاتيكان ما هو إلا ظاهرة إعلامية.. فما تقييمكم لهذا؟
ـ أرى ان الحوار نفعه أكبر وأكثر من ضرره، الحوار مع المسلم وغير المسلم من الأمور المستحبة لأن الحوار على الاقل يجعلني أتعرف على صاحبي وصاحبي يعرفني والمعرفة افضل من الجهل. وعموما فإننا نرى بالنسبة للحوار مع غير المسلمين بصفة عامة ومع الفاتيكان بصفة خاصة اتفقنا على الا يكون الحوار في العقائد، وعلى أن يكون فى إطار معين وهو نصرة المظلوم، النطق بكلمة الحق، مساعدة المحتاج، تقديم العون لمن يحتاجه، تأييد الذين ينزل عليهم شيء من البغي والظلم والعدوان، نقف الى جوارهم نمدهم بالعون والمساعدة. هذا ما اتفقنا عليه أما الحديث في العقائد فليس موضوعا للحوار وذلك لأن الحوار في العقائد جدل عقيم وأن العقائد لا تباع ولا تشترى، فالحوار في العقائد قلما يصل الى نتيجة لكننا نجعل الحوار في الأمور المتفق عليها فالحوار بين العقلاء يأتي بثمار طيبة ان شاء الله تعالى.
* رغم تأكيد علماء الاسلام على روح التسامح والمودة التي يتعامل بها الاسلام مع المخالفين له في العقيدة واحترام الاسلام لعقائد الآخرين، الا أن الهجوم على الإسلام لم يتوقف من بعض الدوائر دينية وسياسية غربية فماذا ترون لوقف هذا الهجوم؟
ـ الهجوم على الإسلام والتشكيك فيه أمر ليس جديدا ما دام هناك مسلم وغير مسلم، لأن من جهل شيئا عاداه ووظيفتنا نحن كعلماء مسلمين ان نرد على من يهاجم ديننا بالمنطق السليم والأسلوب المقنع الذى يجعل كل عاقل يرى أن شريعة الاسلام تعطى كل ذي حق حقه وأن دين الإسلام يمد يده بالسلام الى كل من يمد يده اليه بالسلام.
الحضارات، صراع أم لقاء؟
*هل ترى أن ما أفصح عنه بابا الفاتيكان من تصورخاطئ عن الإسلام يؤيد القول بأننا نعيش عصر صراع الحضارات والأديان؟ ـ الحضارات تتعاون ولا تتصادم ونحن نؤيد حوار الحضارات وليس صراعها، فالتعاون والحوار لا يأتي الا بالخير وفي الحقيقة إن من يدعو الى صدام الحضارات يضر بعلاقات التعارف والتحاور والتعايش والتعاون بين الأمم والشعوب والثقافات والأديان والحضارات، وبالتالي فإننا نقول لكل العقلاء فى العالم على اختلاف أديانهم وحضاراتهم ومذاهبهم ان الإسلام يرى في تعدد الشرائع والملل والقوميات والثقافات والحضارات سنة من سنن الله تعالى وقانونا كونيا لا تبديل له ولا تحويل، وأن التعايش والتحاور والتعارف بين الأمم والشعوب هو السبيل لبقاء هذه التعددية، والى التعاون بين أطرافها جميعا على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، فضلا عن أن تعايش الأمم والشعوب مرهون بسيادة منظومة القيم الاخلاقية والايمانية.
* البعض يرى خاصة في الغرب ان الهجوم على الاسلام والاستهزاء بالعقائد هو من قبيل حرية الرأي والتعبير فما تعليقكم؟
ـ حرية التعبير من الأمور التي دعت إليها شريعة الإسلام ومن حق كل إنسان أن يعبر عن رأيه ما دام هذا الرأي تؤيده الأديان السماوية والفطرة الإنسانية السليمة واحترام القيم الدينية أمر واجب احترامه واحترام رسل الله عز وجل أمر واجب على الجميع احترامه فأي إساءة الى أحد من الرسل والأنبياء عليهم السلام جميعا هي إساءة للإنسانية جمعاء.
الخطاب الاسلامي الحال والمآل
* هناك من يعيب على الخطاب الديني الإسلامي ويرى أنه يشوبه القصور وعدم التأثير فما رؤيتكم لما يكون عليه الخطاب الإسلامي؟
ـ الذي أراه أن الخطاب الديني لكي يكون مقنعا ومؤثرا ولكي تكون أثاره الطيبة في النفوس لا بد أن يكون زاخرا بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي من شأنها أن تدفع بالمسلم الى العمل عن اقتناع وتدبر وتفكر بالإضافة لذلك يجب أن يكون المتحدث ملما بالأحداث وأن يكون خطابه مواكبا لمقتضى الحال الواقع الذي تعيشه الأمة وأن يكون مجاريا للأحداث مؤثرا بها ومؤثرا فيها وهذا ما أرشدنا اليه ربنا سبحانه وتعالى في كتابه العزيز وما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم .
* صورة الاسلام والمسلمين عقب احداث 11 سبتمبر 2001 تعرضت للتشويه فكيف يمكن تصحيح هذه الصورة ؟
ـ مهمة تصحيح صورة الاسلام الدور الاكبر فيها يعود الى إرسال عدد أكبر من العلماء المتخصصين في الجوانب الدينية لكى يبينوا لغيرهم في أوروبا وأميركا أحكام الإسلام السمحة وتشريعاته السامية وآدابه الرفيعة مع بيان أن شريعة الإسلام تعطي كل ذي حق حقه وتحارب الإرهاب وتحافظ على النفس الإنسانية وتعتبر أن من يعتدي على نفس واحدة كأنما اعتدى على الإنسانية جميعا، ووظيفتنا نحن كأزهر أن نبين للعالم أجمع أن الإسلام ضد الإرهاب والقتل وسفك الدماء وترويع الآمنين وضد التخريب وكل ما يؤدي لإشاعة الفوضى والدمار في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية، فشريعة الإسلام تبين لنا ان النفس الإنسانية مصونة والقرآن يبين لنا أن من قتل نفسا واحدة فكأنما قتل الناس جميعا ومن تسبب في إحيائها فكأنما أحيا الناس جميعا، وعلينا أن نبين ذلك للناس جميعا في الشرق والغرب وهذا ما وجهنا اليه وطلبناه ونصحنا به أبناءنا الذين يعملون في حقل الدعوة الإسلامية في الشرق والغرب وفي كل مكان بأن يبينوا للناس سماحة الاسلام ورحمته.
سنة وشيعة.. والفتوى الجديدة
* يواجه المسلمون حاليا دعوة خطيرة من شأنها ان تشق الصف الاسلامي وهي إثارة الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة فكيف ترى قضية الخلاف بين السنة والشيعة؟
ـ قلنا مرارا إن الخلاف بين السنة والشيعة خلاف في الفروع وليس في أصول العقيدة، لأن كل من يشهد أن لا الله إلا الله محمد رسول الله فهو مسلم موحد ونحن نؤيد أي دعوة للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وللعلم هذه الدعوة أطلقها الأزهر منذ فترة طويلة وأعتقد أنه حان الوقت كي يتبناها المهتمون بشؤون المسلمين في العالم من اجل الحفاظ على وحدة المسلمين وعدم تفتتها عن طريق الدعوة الى المذهبية والطائفية وغيرها من النعرات التي يراد من ورائها تفتيت وحدة الامة.
* هناك ظاهرة في الدعوة، وهي بروز مجموعة ليسوا من علماء الدين المتخصصين يتصدون للفتوى عبر الفضائيات فما تعليقكم على هذه الظاهرة؟
ـ الجهلاء لا يجوز لهم الإفتاء في الدين، لأن هناك شروطا لكل من يتصدى للفتوى والاجتهاد لا بد أن يكون من أجل خدمة الحق وإعلاء لكلمة الله، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: من اجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد». وأقول لهؤلاء أن يتقوا الله في أنفسهم يوم أن يسألهم الله، يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.
د. محمد سيد طنطاوي: النقاب مسألة تتعلق بالعادات.. والحجاب هو اللبس الساتر والوجه والكفان ليست بعورة * يقول حول بعض مفتي الفضائيات: جهلاء لا يجوز لهم الإفتاء
القاهرة: محمد خليل - الشرق الاوسط
جدد شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي، دعوته إلى ضرورة أن يعتذر بابا الفاتيكان اعتذارا صريحا عن إساءته للدين الإسلامي، مؤكدا أن الحوار مستمر بين الأزهر والفاتيكان، وأنه لا يتضمن الحوار في العقائد. وأشار شيخ الأزهر إلى أن انتشار عقدة الخوف من الإسلام في الغرب ليس له ما يبرره، لأن الإسلام في جوهره دين يدعو إلى التسامح والرحمة والإخاء الإنساني، كما أن جميع الشرائع السماوية وفي مقدمتها الإسلام تأمر كل عاقل أن يقف إلى جانب الحق والعدل، ويحارب الإرهاب والظلم أيا كان مصدره وأيا كان لونه.
وشدد شيخ الأزهر في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، على أن حرية الرأي والتعبير مكفولة في شريعة الإسلام فيما تؤيده الشرائع السماوية والفطرة الإنسانية السليمة، وأن احترام القيم الدينية وعدم الإساءة إلى الأديان أمر يجب احترامه، موضحا أن مهمة تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام والمسلمين فى أوروبا وأمريكا تقع على عاتق العلماء، وخاصة ما يتعلق بالخلط بين الجهاد في الإسلام والإرهاب الذي حاربه الإسلام.. وتطرق شيخ الأزهر إلى عدة قضايا راهنة على رأسها المواصفات الشرعية للزي الاسلامي للمرأة المسلمة والحوار بين السنة والشيعة..
وهنا نص الحديث:
* تشهد الساحة المصرية خلال هذه الأيام جدلا واسعا حول قضية النقاب، فما رأي الدين في النقاب وما هو الزي الشرعي الواجب على المرأة؟
ـ قال الله تعالى: «وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن»، فما دام القرآن الكريم قد قال ذلك فعلينا أن نقول ـ رجالا ونساء ـ سمعا وطاعة، والذي أراه أن المقصود بقوله تعالى «إلا ما ظهر منها» هو الوجه والكفان، وما دامت المرأة تلبس الملابس الساترة التى لا تظهر شيئا من جسدها سوى الوجه والكفين، فهي بذلك تكون قد لبست الملابس الشرعية، أما ما يتعلق بتغطية الوجه أو ما يسمى النقاب فهذه مسألة تتعلق بالعادات.
أزمة بابا الفاتيكان
* شغلت الأمة الإسلامية الأيام الماضية بالإساءة التي وجهها بابا الفاتيكان الى الإسلام أثناء محاضرة ألقاها بألمانيا، فما هو موقف الأزهر، خاصة أنه قد أسس منذ سنوات لجنة للحوار الإسلامي المسيحي مع الفاتيكان، وما هو السبيل لوقف هذه الإساءات التي أصبحت تتكرر بشكل دائم؟
ـ الأزهر بجميع علمائه وهيئاته، بل وكل مسلم في مصر وغيرها، أدان كلام بابا الفاتيكان عن الإسلام، وقد عقد مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر اجتماعا لبحث هذا الموضوع، وقد وصل إلى المجمع نص المحاضرة التي ألقاها بابا الفاتيكان في المانيا وبقراءة النص وجد أنه قد جاء بكلام لامبرطور بيزنطي توفي منذ مئات السنين، التقى بمسلم فارسي وتناقشا في بعض الأمور، وكان من بين ما قاله الامبرطور للمسلم: «بماذا أتى الإسلام فإنه أتى وانتشر بالسيف، والجهاد في الإسلام هو العدوان، وأن رسول الإسلام لم يأت إلا بالشر». البابا جاء بكلام الامبرطور البيزنطي ولم يأت برد المسلم، بل ولم يعلق البابا على هذا الكلام أو يصححه، والمسلمون عندما قرأوا هذا الكلام تعجبوا لماذا أتى البابا بهذه القصة، فاعتبر أن ما قاله البابا عن الإسلام على لسان الامبرطور البيزنطي كلامه هو نفسه، طالما سكت ولم يعلق عليه، وقد رددنا عليه فى حينها، وأصدرنا بيانا وقلنا له فيه إن هذا الكلام خطأ شنيع في حق الإسلام، خصوصا انك ذكرت قصة فيها إساءة للإسلام وسكت ولم تعلق، فكأنك أنت القائل، وإلا لو كنت حسن الظن بالإسلام، كنت قلت إن ما قاله الامبرطور غير صحيح في حق الاسلام، ولا أوافقه، ولذلك اعتذر، وقال إنه ما كان يظن أن يفهم كلامه بهذا الفهم.
* هل هذا الخطأ من بابا الفاتيكان له تأثير على العلاقة مع الفاتيكان، وخاصة مشروع الحوار الاسلامي المسيحي، الذى بدأه الأزهر منذ سنوات مع الفاتيكان، وما المخرج الحقيقي الذي للفاتيكان كي ينهي هذه الأزمة؟
ـ الحوار مع الفاتيكان مستمر، ولكن يجب على بابا الفاتيكان أن يعتذر للمسلمين اعتذارا صريحا عما قاله عن الإسلام والمسلمين والرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يعتذر البابا عما قاله اعتذارا صريحا وواضحا، فإن الأمور ستبقى كما هي، وما قاله البابا مؤخرا ليس اعتذارا، وانما تأسف بأن المسلمين لم يفهموا قصده، وأنه لم يقصد الإساءة الى الإسلام والموضوع يجب ان يتم حسمه فالبابا قال قصة نقلها عن امبرطور بيزنطي ولم يعلق عليها، ومن البديهات انك اذا لم تعلق فكأنك توافق وتؤيد ما ذكرته فيجب على بابا الفاتيكان ان يرد ردا منهجيا ودينيا وعلميا يصحح فيه خطأه، فإذا لم يعتذر صراحة فلن يكون هناك حوار معه.
* البعض يرى أن الحوار الإسلامي المسيحي لم يحقق هدفه، وأن حوار الأزهر والفاتيكان ما هو إلا ظاهرة إعلامية.. فما تقييمكم لهذا؟
ـ أرى ان الحوار نفعه أكبر وأكثر من ضرره، الحوار مع المسلم وغير المسلم من الأمور المستحبة لأن الحوار على الاقل يجعلني أتعرف على صاحبي وصاحبي يعرفني والمعرفة افضل من الجهل. وعموما فإننا نرى بالنسبة للحوار مع غير المسلمين بصفة عامة ومع الفاتيكان بصفة خاصة اتفقنا على الا يكون الحوار في العقائد، وعلى أن يكون فى إطار معين وهو نصرة المظلوم، النطق بكلمة الحق، مساعدة المحتاج، تقديم العون لمن يحتاجه، تأييد الذين ينزل عليهم شيء من البغي والظلم والعدوان، نقف الى جوارهم نمدهم بالعون والمساعدة. هذا ما اتفقنا عليه أما الحديث في العقائد فليس موضوعا للحوار وذلك لأن الحوار في العقائد جدل عقيم وأن العقائد لا تباع ولا تشترى، فالحوار في العقائد قلما يصل الى نتيجة لكننا نجعل الحوار في الأمور المتفق عليها فالحوار بين العقلاء يأتي بثمار طيبة ان شاء الله تعالى.
* رغم تأكيد علماء الاسلام على روح التسامح والمودة التي يتعامل بها الاسلام مع المخالفين له في العقيدة واحترام الاسلام لعقائد الآخرين، الا أن الهجوم على الإسلام لم يتوقف من بعض الدوائر دينية وسياسية غربية فماذا ترون لوقف هذا الهجوم؟
ـ الهجوم على الإسلام والتشكيك فيه أمر ليس جديدا ما دام هناك مسلم وغير مسلم، لأن من جهل شيئا عاداه ووظيفتنا نحن كعلماء مسلمين ان نرد على من يهاجم ديننا بالمنطق السليم والأسلوب المقنع الذى يجعل كل عاقل يرى أن شريعة الاسلام تعطى كل ذي حق حقه وأن دين الإسلام يمد يده بالسلام الى كل من يمد يده اليه بالسلام.
الحضارات، صراع أم لقاء؟
*هل ترى أن ما أفصح عنه بابا الفاتيكان من تصورخاطئ عن الإسلام يؤيد القول بأننا نعيش عصر صراع الحضارات والأديان؟ ـ الحضارات تتعاون ولا تتصادم ونحن نؤيد حوار الحضارات وليس صراعها، فالتعاون والحوار لا يأتي الا بالخير وفي الحقيقة إن من يدعو الى صدام الحضارات يضر بعلاقات التعارف والتحاور والتعايش والتعاون بين الأمم والشعوب والثقافات والأديان والحضارات، وبالتالي فإننا نقول لكل العقلاء فى العالم على اختلاف أديانهم وحضاراتهم ومذاهبهم ان الإسلام يرى في تعدد الشرائع والملل والقوميات والثقافات والحضارات سنة من سنن الله تعالى وقانونا كونيا لا تبديل له ولا تحويل، وأن التعايش والتحاور والتعارف بين الأمم والشعوب هو السبيل لبقاء هذه التعددية، والى التعاون بين أطرافها جميعا على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، فضلا عن أن تعايش الأمم والشعوب مرهون بسيادة منظومة القيم الاخلاقية والايمانية.
* البعض يرى خاصة في الغرب ان الهجوم على الاسلام والاستهزاء بالعقائد هو من قبيل حرية الرأي والتعبير فما تعليقكم؟
ـ حرية التعبير من الأمور التي دعت إليها شريعة الإسلام ومن حق كل إنسان أن يعبر عن رأيه ما دام هذا الرأي تؤيده الأديان السماوية والفطرة الإنسانية السليمة واحترام القيم الدينية أمر واجب احترامه واحترام رسل الله عز وجل أمر واجب على الجميع احترامه فأي إساءة الى أحد من الرسل والأنبياء عليهم السلام جميعا هي إساءة للإنسانية جمعاء.
الخطاب الاسلامي الحال والمآل
* هناك من يعيب على الخطاب الديني الإسلامي ويرى أنه يشوبه القصور وعدم التأثير فما رؤيتكم لما يكون عليه الخطاب الإسلامي؟
ـ الذي أراه أن الخطاب الديني لكي يكون مقنعا ومؤثرا ولكي تكون أثاره الطيبة في النفوس لا بد أن يكون زاخرا بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي من شأنها أن تدفع بالمسلم الى العمل عن اقتناع وتدبر وتفكر بالإضافة لذلك يجب أن يكون المتحدث ملما بالأحداث وأن يكون خطابه مواكبا لمقتضى الحال الواقع الذي تعيشه الأمة وأن يكون مجاريا للأحداث مؤثرا بها ومؤثرا فيها وهذا ما أرشدنا اليه ربنا سبحانه وتعالى في كتابه العزيز وما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم .
* صورة الاسلام والمسلمين عقب احداث 11 سبتمبر 2001 تعرضت للتشويه فكيف يمكن تصحيح هذه الصورة ؟
ـ مهمة تصحيح صورة الاسلام الدور الاكبر فيها يعود الى إرسال عدد أكبر من العلماء المتخصصين في الجوانب الدينية لكى يبينوا لغيرهم في أوروبا وأميركا أحكام الإسلام السمحة وتشريعاته السامية وآدابه الرفيعة مع بيان أن شريعة الإسلام تعطي كل ذي حق حقه وتحارب الإرهاب وتحافظ على النفس الإنسانية وتعتبر أن من يعتدي على نفس واحدة كأنما اعتدى على الإنسانية جميعا، ووظيفتنا نحن كأزهر أن نبين للعالم أجمع أن الإسلام ضد الإرهاب والقتل وسفك الدماء وترويع الآمنين وضد التخريب وكل ما يؤدي لإشاعة الفوضى والدمار في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية، فشريعة الإسلام تبين لنا ان النفس الإنسانية مصونة والقرآن يبين لنا أن من قتل نفسا واحدة فكأنما قتل الناس جميعا ومن تسبب في إحيائها فكأنما أحيا الناس جميعا، وعلينا أن نبين ذلك للناس جميعا في الشرق والغرب وهذا ما وجهنا اليه وطلبناه ونصحنا به أبناءنا الذين يعملون في حقل الدعوة الإسلامية في الشرق والغرب وفي كل مكان بأن يبينوا للناس سماحة الاسلام ورحمته.
سنة وشيعة.. والفتوى الجديدة
* يواجه المسلمون حاليا دعوة خطيرة من شأنها ان تشق الصف الاسلامي وهي إثارة الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة فكيف ترى قضية الخلاف بين السنة والشيعة؟
ـ قلنا مرارا إن الخلاف بين السنة والشيعة خلاف في الفروع وليس في أصول العقيدة، لأن كل من يشهد أن لا الله إلا الله محمد رسول الله فهو مسلم موحد ونحن نؤيد أي دعوة للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وللعلم هذه الدعوة أطلقها الأزهر منذ فترة طويلة وأعتقد أنه حان الوقت كي يتبناها المهتمون بشؤون المسلمين في العالم من اجل الحفاظ على وحدة المسلمين وعدم تفتتها عن طريق الدعوة الى المذهبية والطائفية وغيرها من النعرات التي يراد من ورائها تفتيت وحدة الامة.
* هناك ظاهرة في الدعوة، وهي بروز مجموعة ليسوا من علماء الدين المتخصصين يتصدون للفتوى عبر الفضائيات فما تعليقكم على هذه الظاهرة؟
ـ الجهلاء لا يجوز لهم الإفتاء في الدين، لأن هناك شروطا لكل من يتصدى للفتوى والاجتهاد لا بد أن يكون من أجل خدمة الحق وإعلاء لكلمة الله، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: من اجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد». وأقول لهؤلاء أن يتقوا الله في أنفسهم يوم أن يسألهم الله، يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.