قيصر الركابي
10-17-2003, 04:14 AM
الشأنية: مصطلح آخر ابتُلي به الانسان المسلم ولم يُحدَّد له تعريف واضح أيضاً فصار رداءاً فضفاضاً يتلفّع به من هبّ ودبّ ممن له شأن أو ليس له شأن.
رُوّج هذا المصطلح قبال مصطلحي (الزهد) و(الترف) وصُيّر باباً لتبريرحالات (الثراء) أو (التملّك) غير المشروع أحياناً الذي وسم الحياة الخاصة لبعض (أصحاب الشأن) فرفعوه شعاراً تحت عنوان جاهز مفاده:(ليس الزهدُ ألاّتملك شيئاً وإنما ألاّ يمتلكك شيء)، وانّ هذا شأن فلان وليس شأن الآخر.
وكما هي المصطلحات الأخرى التي يُفسّرها أصحابها كما يشتهون ويرغبون يصبح هذا المصطلح أو المفهوم له رواجاً كثيراً حين ترتفع معدلاتالثراء وأسعار البيوت أو القصور أو موديلات السيارات التي يتملكها (أصحابالشأن) المذكورين، وخاصة حين يصبح من الصعب وضع سقف معيّن لما يملكون أو يكنزون.
وحين يشتد السجال بين (المترفين) و (الزاهدين) يرفع الصنف الأولحديث الزهد المذكور وعنوان (عزّ الشريعة) وآثار (النِعم) التي يحبّ الله تعالى أن يراها على عباده مشفوعةً بالآية القرآنية الكريمة: ( قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) ويروحون يتداولون قصة نبيّ اللَّه يوسف الذي كان يلبس أقبية الديباج مزرورة بالذهب ويجلس في مجالس آلفرعون - كما يزعمون - ويكتفون من حقيقة الزهد بقولهم: إنّه محصور في آية واحدة من كتاب اللَّه وهي (لكي لاتأسوا على مافاتكم ولاتفرحوا بماأتاكم) ، زاعمين إنّ الذي (لم يأسَ على الماضي ولم يفرح بالآتيفقد أخذ الزهد من طرفيه)(1).
فيما يرفع الزاهدون أقوالاً أخرى أهمها آيات المترفين في القرآن الكريم:(واذا أردنا أن نُهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوافيها فحقّ عليها القول فدمرناها تدميرا ) الاسراء: 160 و (أصحابالشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم..إنهم كانوا قبل ذلكمترفين) الواقعة:45-42 (وما أرسلنا في قرية من نذير الاّ قال مترفوها إنابما أُرسلتم به كافرون) سبأ:34.
وكذلك أقوال الإمام علي عليه السلام حول العدالة وتوزيع الثروة (2) مروّجين مقولة رائعة ومعبّرة للإمام الصادق عليه السلام تقول:
( المالُ أربعة آلاف، إثنا عشر ألف كنز، ولا يجتمع عشرون ألفاً من حلال،وصاحب الثلاثين ألفاً هالك، وليس من شيعتنا من امتلك مائة الف)(3)
ويبدو إن هذا المبنى العقلي أو الفقهي أو الأصولي في الذهن الشيعي كانسيفاً ذا حدّين أيضاً، فهو من جانب أداة لامتصاص حالات الحسد، والتطّرفومدّ العين التي تأتي من تفضيل الله تعالى بعض الناس على بعض في الرزق، كما اقتضت سنّته سبحانه في خلقه (واللّه فضّل بعضكم على بعضٍ في الرزق)النحل: 71، ولكنه استُخدم من جانبٍ آخر أداة غير كريمة لتبرير التفاوت الطبقيالمُرعب بين المسحوقين فعلاً وغيرهم ممن يزعمون الترفّع على حطام الدنيا وهم غارقون في ملذّاتها الى الآذان وكذلك بين الزاهدين فعلاً وبين المرائين والكذّابين الذين يُزهّدون الناس في الدنيا ولا يَزْهدون ويُرغّبونهم في الآخرةولا يَرْغبون.
وحين يجتمع التقديس والشأنية يتمّ الإجهاز على العقل بالكامل، إذْيصبح ما يقوله أو يؤوّله العالم (المقدّس) (صاحب الشأن) هو الصحيح وما يقوله غيره هو الباطل، وأنكى من ذلك لا يكتفي هذا (المقدس) بتصحيح كلامالناس، بل إلغاء حقهم في الكلام(4)، وهنا لابدّ أن ينبري أحد (المقدسين)المقدسين فعلاً من أصحاب الشأن العلمي أو الاجتماعي ليعصف بالقداسة والتقديس والشأنية غير المقدّسة ويترك صيحته وثورته وموقفه معايير صادقة لكل طلاب الحق وعشاق العدل، وإنْ كان ذلك بضريبة باهضة ربما تكلّف هؤلاءالعظماء المقدسين حياتهم أو على الأقلّ سمعتهم ووجاهتهم.(5) وقد اتُّهمبعضهم بالمروق وآخرون بالكفر والزندقة، وغيرهم بالانحراف والعمالة وغيرذلك، ولعّل ما تختزنه المؤسسة الدينية الشيعية من أسماء هؤلاء الثوّار ما يبقىغرّة على جبين الزمن، وفي مقدمتهم في عصرنا الحاضر محسن الأمين وهبةالدين الشهرستاني وكاشف الغطاء ومحمد جواد مغنية والخالصي والبلاغيوالمظفّر والشهيد الصدر الاول والشهيد الصدر الثاني والشهيد شريعتي وسماحة السيد فضل الله والباب لا زال مفتوحا لاضافة المزيد ...
وأعظم هؤلاء جميعاً هم أولئك الذين قادوا تحوّلات كبرى وتزعّمواحركات إحيائية رائدة في التأريخ الشيعي المعاصر وكان أشهر من انبرى لتهشيم هذه القداسة المزيّفة والشأنية البائرة وحاربها بالكلمة والموقف هو الإمامالخميني (قدس سره) الذي ما انفك ينددّ بأعلى صوته بمن سمّاهم علماء (الحيض والنفاس) المتطربشين، المبرقعين بالقدسية، الأفاعي الرقطاء، اللّيني الملمس،الأغبياء، المتخلفين، الذين قصموا ظهر النبي صلى الله عليه وآله والذين فيهم مرتزقة وعملاءوفيهم من هو أسوأ من شمر وأسوأ من يزيد بن معاوية(6) وغيرهم (من المعمميناللاهثين وراء بطونهم).(7)
أما الشهيد الصدر الأول، السيد محمد باقر الصدر المفكر الكبير، فقد تركهو الآخر كلماته مدوّية خالدة خلود الزمن، بحق هذه المؤسسة (المفلسة) -حسب تعبيره - وبالأحرى بعض رموزها ممن لم يسمّهم تأدباً، وراح يُنزل غضبه عليها وعليهم - (بعد أن اكّد أن جريمتها أكبر من جريمة الناس وان مسؤوليتهإ عن (الإفلاس) - اكبر من مسؤولية الناس (8) تاركاً أطروحته الكبرى حول المرجعية الصالحة أو الرشيدة قبال غير الصالحة وغير الرشيدة بالتأكيد.
وهكذا كان الشهيد الصدر الثاني السيد محمد محمد صادق الصدر، الذي جاءت كلماته أكثر جرأة وقاطعيةً من الثائرَيْن المذكورَيْن، وخاصة حين وضع النقاط على الحروف وسَمّى المسميات بأسمائها وترك دمه وثورته وكلماته وكفنه في ذمّة الساكتين أو علماء (الحوزة الساكتة) من الذين غلبتْ عليهم(الأنانية جيلاً بعد جيل) حسب تعبيراته - رضوان الله عليه - وممن أسماهم(علماء الاستخارة) و(مراجع الحقوق) الذين لا يجيدون سوى أربعة أشياءهي: إمامة الجماعة، والدرس، وجمع الحقوق، وإصدار الفتاوى، التي غالباً ما تتعلّق بالأحكام الفردية وأحكام الشكوك، ومسائل التخلّي والنجاسة والطهارة.(9)
فتصدى هذا المرجع الكبير لكل (آفات الحوزة) - حسب تعبيرات الشهيدمطهري وتحدى القداسة والشأنية معاً بعد أن تجاوز (محرّماً) قائماً بل كاد أن يكون ثابتاً في العقل الشيعي التقليدي وهو عدم جواز إقامة صلاة الجمعة فيزمان (الحاكم الجائر أو غير العادل)، واقتحَم (محرّماً) آخر في هذا العقل وهو القفز على التقيّة المكثّفة المألوفة منذ قرون، فاستعدّ للموت وارتدى كفنه ليتقحّم (محرّماً) ثالثاً ورابعاً وخامساً في العقلية التقليدية للمؤسسة الدينية وهي النزول الى الشارع مع جمهور الأمة، وتحشيد كافة طوائفها وفصائلها وأطيافها المذهبية والقومية لصالح المشروع الديني وبلهجة شعبية تعبوية لم تعرفها المرجعية التقليدية على امتداد عمرها الشريف ولم يألفها خطاب (الفتوى) الحوزوي المعروف على امتداد قرون.
وبذلك رسم هؤلاء العظماء الثلاثة وخلال عقدين من الزمان فقط أكبرمحطات التحوّلات الكبرى في العقل الشيعي ورسموا منهجاً إحيائياً رائداً فيطريقة العمل ومناهج التفكير، متجاوزين كافة أو معظم الأطُر التقليدية التيانكفأت عليها الحوزة (الساكتة) ذات المطالب الإصلاحية المحدودة، لتكون كلماتهم ومواقفهم وأطروحاتهم مشاعل نور في العقل الشيعي المتوثّب الذي ظُلم من قِبل الأصدقاء المقربين المحسوبين عليه قَبل أن يُظلم من قِبل الخصوم والأعداء والمناوئين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
1) ميزان الحكمة 167 / 2
2) ما جاع فقير الا بما مُتّع به غني، وما رأيتُ نعمة موفورة الا وبجانبها حق مضيّع و ( لو تمثّل لي الفقر رجلاً لقتلته ) وأمثال ذلك من أقوال أمير المؤمنين الخالدة، وخاصة تلكترفض بل تقتلع كل معاني الشأنية التي يتذرع بها الآخرون وأبرزها قوله (سلام اللَّه عليه): (أ أقنع من نفسي بأن يُقال عني أمير المؤمنين ولا إشاركهم مكاره الدهر وأكون لهم أسوة فيجشوبة العيش).
وقولته الإخرى : (ولو شئت لأهتديت الطريق الى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القزّ، ولكن هيهات أن يغلبنيهواي ويقودني جشعيالى تخيّر الأطعمة ولعل في الحجاز أو اليمامة من لاطمع له في القرص ولا عهد له في الشبع ) .
3) تحف العقول عن آل الرسول - الحراني ص 377.
4) راجع كتاب (الإسلام في الأسر) - الصادق النيهوم ط 2 / لندن 1993 / ص 61
5) يقول المرحوم السيد أحمد نجل الإمام الخميني في هذا السياق ما نصّه: (انّي أعتقد إنّ الذي جعل منالإمام الخميني إماماً وأدّى الى تنامي نهضته الإسلامية التأريخية، هو جهاد سماحته المتواصل ضد المتحجرين والمتظاهرين بالقداسة والمتخلفين...) راجع كتاب (آراءمواقف سماحة السيد أحمد الخميني) مؤسسة نشر تراث الإمام ط 1 / سنة 1996 ص 112. ويرى سماحة العلامة السيد فضل اللَّه : (انّ القداسة التي تُعطى لرجل الدين ليست ضرورية وليست دينية، وإن رجال الدين كغيرهم فيهم المخلص وفيهم المزيّف والمتخلّف والواعي... وانهم ليسوا معصومين وليسوا مقدّسين، فإنْ أحسنوا كان لهم موقع وأجر المحسنين، وإنْ أساءوا كان عليهم ما على المسيئين).راجع (بيّنات) كانون ثاني 2001 / ص 3-2، و(فكر وثقافة) 30 كانون أول2000 الصادرتين عن مكتب الثقافة والإعلام للسيد فضل اللَّه[.
6) راجع خطاب الامام الخميني الشهير الموجّه الى العلماء في 15 رجب 1409 ه وبياناته الكثيرة حول المؤسسة الدينية وطلبة العلوم الدينية.
7) راجع كتاب (موعد اللقاء) مؤسسة نشر تراث الامام ط 1 سنة 1996 ص 133
8) وجاء نص حديثه في خطاب (المحنة) المعروف كما يلي:
(لماذا تعيش الحوزة العلمية في هذا البلد (أي العراق) مئات السنين ثم يظهر إفلاسها في نفس البلد الذي تعيش فيه؟ واذا بأبناء هذا البلد أو بعض ابناء هذا البلد يظهرون بمظهر الأعداء والحاقدين والمتربّصين بهذه الحوزة؟ ألا تفكرون أن هذه جريمتنا قبل أن تكون جريمتهم، وإن هذه مسؤوليتنا قبل أن تكون مسؤوليتهم؟
9) راجع خطابات وكلمات هذا الثائر العظيم المدوّنة في خطبه وحواراته في الكتب التي طُبعت بعداستشهاده مباشرة ومنها كتاب (مرجعية الميدان) للأستاذ عادل رؤوف، وكتاب (اغتيال شعب) للأستاذ فائق الشيخ،.
رُوّج هذا المصطلح قبال مصطلحي (الزهد) و(الترف) وصُيّر باباً لتبريرحالات (الثراء) أو (التملّك) غير المشروع أحياناً الذي وسم الحياة الخاصة لبعض (أصحاب الشأن) فرفعوه شعاراً تحت عنوان جاهز مفاده:(ليس الزهدُ ألاّتملك شيئاً وإنما ألاّ يمتلكك شيء)، وانّ هذا شأن فلان وليس شأن الآخر.
وكما هي المصطلحات الأخرى التي يُفسّرها أصحابها كما يشتهون ويرغبون يصبح هذا المصطلح أو المفهوم له رواجاً كثيراً حين ترتفع معدلاتالثراء وأسعار البيوت أو القصور أو موديلات السيارات التي يتملكها (أصحابالشأن) المذكورين، وخاصة حين يصبح من الصعب وضع سقف معيّن لما يملكون أو يكنزون.
وحين يشتد السجال بين (المترفين) و (الزاهدين) يرفع الصنف الأولحديث الزهد المذكور وعنوان (عزّ الشريعة) وآثار (النِعم) التي يحبّ الله تعالى أن يراها على عباده مشفوعةً بالآية القرآنية الكريمة: ( قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) ويروحون يتداولون قصة نبيّ اللَّه يوسف الذي كان يلبس أقبية الديباج مزرورة بالذهب ويجلس في مجالس آلفرعون - كما يزعمون - ويكتفون من حقيقة الزهد بقولهم: إنّه محصور في آية واحدة من كتاب اللَّه وهي (لكي لاتأسوا على مافاتكم ولاتفرحوا بماأتاكم) ، زاعمين إنّ الذي (لم يأسَ على الماضي ولم يفرح بالآتيفقد أخذ الزهد من طرفيه)(1).
فيما يرفع الزاهدون أقوالاً أخرى أهمها آيات المترفين في القرآن الكريم:(واذا أردنا أن نُهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوافيها فحقّ عليها القول فدمرناها تدميرا ) الاسراء: 160 و (أصحابالشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم..إنهم كانوا قبل ذلكمترفين) الواقعة:45-42 (وما أرسلنا في قرية من نذير الاّ قال مترفوها إنابما أُرسلتم به كافرون) سبأ:34.
وكذلك أقوال الإمام علي عليه السلام حول العدالة وتوزيع الثروة (2) مروّجين مقولة رائعة ومعبّرة للإمام الصادق عليه السلام تقول:
( المالُ أربعة آلاف، إثنا عشر ألف كنز، ولا يجتمع عشرون ألفاً من حلال،وصاحب الثلاثين ألفاً هالك، وليس من شيعتنا من امتلك مائة الف)(3)
ويبدو إن هذا المبنى العقلي أو الفقهي أو الأصولي في الذهن الشيعي كانسيفاً ذا حدّين أيضاً، فهو من جانب أداة لامتصاص حالات الحسد، والتطّرفومدّ العين التي تأتي من تفضيل الله تعالى بعض الناس على بعض في الرزق، كما اقتضت سنّته سبحانه في خلقه (واللّه فضّل بعضكم على بعضٍ في الرزق)النحل: 71، ولكنه استُخدم من جانبٍ آخر أداة غير كريمة لتبرير التفاوت الطبقيالمُرعب بين المسحوقين فعلاً وغيرهم ممن يزعمون الترفّع على حطام الدنيا وهم غارقون في ملذّاتها الى الآذان وكذلك بين الزاهدين فعلاً وبين المرائين والكذّابين الذين يُزهّدون الناس في الدنيا ولا يَزْهدون ويُرغّبونهم في الآخرةولا يَرْغبون.
وحين يجتمع التقديس والشأنية يتمّ الإجهاز على العقل بالكامل، إذْيصبح ما يقوله أو يؤوّله العالم (المقدّس) (صاحب الشأن) هو الصحيح وما يقوله غيره هو الباطل، وأنكى من ذلك لا يكتفي هذا (المقدس) بتصحيح كلامالناس، بل إلغاء حقهم في الكلام(4)، وهنا لابدّ أن ينبري أحد (المقدسين)المقدسين فعلاً من أصحاب الشأن العلمي أو الاجتماعي ليعصف بالقداسة والتقديس والشأنية غير المقدّسة ويترك صيحته وثورته وموقفه معايير صادقة لكل طلاب الحق وعشاق العدل، وإنْ كان ذلك بضريبة باهضة ربما تكلّف هؤلاءالعظماء المقدسين حياتهم أو على الأقلّ سمعتهم ووجاهتهم.(5) وقد اتُّهمبعضهم بالمروق وآخرون بالكفر والزندقة، وغيرهم بالانحراف والعمالة وغيرذلك، ولعّل ما تختزنه المؤسسة الدينية الشيعية من أسماء هؤلاء الثوّار ما يبقىغرّة على جبين الزمن، وفي مقدمتهم في عصرنا الحاضر محسن الأمين وهبةالدين الشهرستاني وكاشف الغطاء ومحمد جواد مغنية والخالصي والبلاغيوالمظفّر والشهيد الصدر الاول والشهيد الصدر الثاني والشهيد شريعتي وسماحة السيد فضل الله والباب لا زال مفتوحا لاضافة المزيد ...
وأعظم هؤلاء جميعاً هم أولئك الذين قادوا تحوّلات كبرى وتزعّمواحركات إحيائية رائدة في التأريخ الشيعي المعاصر وكان أشهر من انبرى لتهشيم هذه القداسة المزيّفة والشأنية البائرة وحاربها بالكلمة والموقف هو الإمامالخميني (قدس سره) الذي ما انفك ينددّ بأعلى صوته بمن سمّاهم علماء (الحيض والنفاس) المتطربشين، المبرقعين بالقدسية، الأفاعي الرقطاء، اللّيني الملمس،الأغبياء، المتخلفين، الذين قصموا ظهر النبي صلى الله عليه وآله والذين فيهم مرتزقة وعملاءوفيهم من هو أسوأ من شمر وأسوأ من يزيد بن معاوية(6) وغيرهم (من المعمميناللاهثين وراء بطونهم).(7)
أما الشهيد الصدر الأول، السيد محمد باقر الصدر المفكر الكبير، فقد تركهو الآخر كلماته مدوّية خالدة خلود الزمن، بحق هذه المؤسسة (المفلسة) -حسب تعبيره - وبالأحرى بعض رموزها ممن لم يسمّهم تأدباً، وراح يُنزل غضبه عليها وعليهم - (بعد أن اكّد أن جريمتها أكبر من جريمة الناس وان مسؤوليتهإ عن (الإفلاس) - اكبر من مسؤولية الناس (8) تاركاً أطروحته الكبرى حول المرجعية الصالحة أو الرشيدة قبال غير الصالحة وغير الرشيدة بالتأكيد.
وهكذا كان الشهيد الصدر الثاني السيد محمد محمد صادق الصدر، الذي جاءت كلماته أكثر جرأة وقاطعيةً من الثائرَيْن المذكورَيْن، وخاصة حين وضع النقاط على الحروف وسَمّى المسميات بأسمائها وترك دمه وثورته وكلماته وكفنه في ذمّة الساكتين أو علماء (الحوزة الساكتة) من الذين غلبتْ عليهم(الأنانية جيلاً بعد جيل) حسب تعبيراته - رضوان الله عليه - وممن أسماهم(علماء الاستخارة) و(مراجع الحقوق) الذين لا يجيدون سوى أربعة أشياءهي: إمامة الجماعة، والدرس، وجمع الحقوق، وإصدار الفتاوى، التي غالباً ما تتعلّق بالأحكام الفردية وأحكام الشكوك، ومسائل التخلّي والنجاسة والطهارة.(9)
فتصدى هذا المرجع الكبير لكل (آفات الحوزة) - حسب تعبيرات الشهيدمطهري وتحدى القداسة والشأنية معاً بعد أن تجاوز (محرّماً) قائماً بل كاد أن يكون ثابتاً في العقل الشيعي التقليدي وهو عدم جواز إقامة صلاة الجمعة فيزمان (الحاكم الجائر أو غير العادل)، واقتحَم (محرّماً) آخر في هذا العقل وهو القفز على التقيّة المكثّفة المألوفة منذ قرون، فاستعدّ للموت وارتدى كفنه ليتقحّم (محرّماً) ثالثاً ورابعاً وخامساً في العقلية التقليدية للمؤسسة الدينية وهي النزول الى الشارع مع جمهور الأمة، وتحشيد كافة طوائفها وفصائلها وأطيافها المذهبية والقومية لصالح المشروع الديني وبلهجة شعبية تعبوية لم تعرفها المرجعية التقليدية على امتداد عمرها الشريف ولم يألفها خطاب (الفتوى) الحوزوي المعروف على امتداد قرون.
وبذلك رسم هؤلاء العظماء الثلاثة وخلال عقدين من الزمان فقط أكبرمحطات التحوّلات الكبرى في العقل الشيعي ورسموا منهجاً إحيائياً رائداً فيطريقة العمل ومناهج التفكير، متجاوزين كافة أو معظم الأطُر التقليدية التيانكفأت عليها الحوزة (الساكتة) ذات المطالب الإصلاحية المحدودة، لتكون كلماتهم ومواقفهم وأطروحاتهم مشاعل نور في العقل الشيعي المتوثّب الذي ظُلم من قِبل الأصدقاء المقربين المحسوبين عليه قَبل أن يُظلم من قِبل الخصوم والأعداء والمناوئين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
1) ميزان الحكمة 167 / 2
2) ما جاع فقير الا بما مُتّع به غني، وما رأيتُ نعمة موفورة الا وبجانبها حق مضيّع و ( لو تمثّل لي الفقر رجلاً لقتلته ) وأمثال ذلك من أقوال أمير المؤمنين الخالدة، وخاصة تلكترفض بل تقتلع كل معاني الشأنية التي يتذرع بها الآخرون وأبرزها قوله (سلام اللَّه عليه): (أ أقنع من نفسي بأن يُقال عني أمير المؤمنين ولا إشاركهم مكاره الدهر وأكون لهم أسوة فيجشوبة العيش).
وقولته الإخرى : (ولو شئت لأهتديت الطريق الى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القزّ، ولكن هيهات أن يغلبنيهواي ويقودني جشعيالى تخيّر الأطعمة ولعل في الحجاز أو اليمامة من لاطمع له في القرص ولا عهد له في الشبع ) .
3) تحف العقول عن آل الرسول - الحراني ص 377.
4) راجع كتاب (الإسلام في الأسر) - الصادق النيهوم ط 2 / لندن 1993 / ص 61
5) يقول المرحوم السيد أحمد نجل الإمام الخميني في هذا السياق ما نصّه: (انّي أعتقد إنّ الذي جعل منالإمام الخميني إماماً وأدّى الى تنامي نهضته الإسلامية التأريخية، هو جهاد سماحته المتواصل ضد المتحجرين والمتظاهرين بالقداسة والمتخلفين...) راجع كتاب (آراءمواقف سماحة السيد أحمد الخميني) مؤسسة نشر تراث الإمام ط 1 / سنة 1996 ص 112. ويرى سماحة العلامة السيد فضل اللَّه : (انّ القداسة التي تُعطى لرجل الدين ليست ضرورية وليست دينية، وإن رجال الدين كغيرهم فيهم المخلص وفيهم المزيّف والمتخلّف والواعي... وانهم ليسوا معصومين وليسوا مقدّسين، فإنْ أحسنوا كان لهم موقع وأجر المحسنين، وإنْ أساءوا كان عليهم ما على المسيئين).راجع (بيّنات) كانون ثاني 2001 / ص 3-2، و(فكر وثقافة) 30 كانون أول2000 الصادرتين عن مكتب الثقافة والإعلام للسيد فضل اللَّه[.
6) راجع خطاب الامام الخميني الشهير الموجّه الى العلماء في 15 رجب 1409 ه وبياناته الكثيرة حول المؤسسة الدينية وطلبة العلوم الدينية.
7) راجع كتاب (موعد اللقاء) مؤسسة نشر تراث الامام ط 1 سنة 1996 ص 133
8) وجاء نص حديثه في خطاب (المحنة) المعروف كما يلي:
(لماذا تعيش الحوزة العلمية في هذا البلد (أي العراق) مئات السنين ثم يظهر إفلاسها في نفس البلد الذي تعيش فيه؟ واذا بأبناء هذا البلد أو بعض ابناء هذا البلد يظهرون بمظهر الأعداء والحاقدين والمتربّصين بهذه الحوزة؟ ألا تفكرون أن هذه جريمتنا قبل أن تكون جريمتهم، وإن هذه مسؤوليتنا قبل أن تكون مسؤوليتهم؟
9) راجع خطابات وكلمات هذا الثائر العظيم المدوّنة في خطبه وحواراته في الكتب التي طُبعت بعداستشهاده مباشرة ومنها كتاب (مرجعية الميدان) للأستاذ عادل رؤوف، وكتاب (اغتيال شعب) للأستاذ فائق الشيخ،.