المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ورفع الشيطان قناعه(مقال قديم)



الدكتور عادل رضا
10-26-2006, 10:12 AM
إن الموقف يعطينا حقيقة الإنسان على المستوى الفردي، وعلى المستوى العام في مستوى الأحزاب والتنظيمات والدول، فالموقف، هو حركة تمت بناء على قناعة فكرية ترجمت الى حركة، وتلك الحركة، سجلت الموقف، وهذا الأخير يتم بناء عليه وعلى أساسه الحساب التحليلي للفكر المنتج للحركة المؤدية الى الموقف المتخذ·


بمعنى آخر نحن نستطيع معرفة العقلية والذهنية التي تواجهنا بناء على الحركة والمواقف التي نواجهها في حياتنا·


إذن فلنحلل ولنفكر في موقف الولايات المتحدة الأمريكية، في مؤتمر دوربان المنعقد في جنوب إفريقيا لمناهضة العنصرية، لنعرف بذلك الذهنية والعقلية والفكر الذي تتحرك عليهما في حركتها السياسية في العالم، وفي طبيعة تعاملها مع الآخرين·


لننظر الى موقفها من رفض الاعتذار لبلدان القارة الإفريقية عن سنوات الرق والعبودية التي صنعتها وخلقتها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا نحو الأفارقة، ورفض الاعتذار، يترتب عليه بطبيعة الحال عدم الموافقة على دفع التعويضات المستحقة للأفارقة من الغرب، والعكس صحيح·



إن هذا الموقف الأمريكي والأوروبي، يكشف لنا استمرار وجود العقلية الاستعمارية لدى الغرب نحو الأفارقة، ويعطينا الدليل على عدم ذهاب تلك الذهنية الغربية التي تستحقر الآخر، من غير الغربيين، والتي تصر على منطق التعامل من منطلق السادة نحو العبيد، والتي تعطي معنى الإنسانية وقيمها الى الإنسان الغربي، أما بقية البشرية، فهم عبيد وخدم وبشر غير كاملي الأهلية، أفضل ما يستطيع أن يفعلوه وما يجب أن يؤدوه، هو أن يكونوا مقلدين ومستهلكين لإنتاجات الحضارة الغربية·


وإلا فما معنى هذا الرفض الغربي للاعتذار، مع مسألة العبودية التي لا يختلف عليها اثنان في مخالفتها لأبسط حقوق الإنسان؟؟ وعلينا أن نلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية، سعت في الماضي القريب· على أخذ الاعتذار من ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، على جرائم وهمية وكاذبة، ادعى الصهاينة زورا، أن ألمانيا الهتلرية في زمن الحرب فعلتها باليهود·


فلماذا هذا التناقض بين الموقفين؟ السعي الى الحصول على اعتذار من كذبة لم تحصل، لضمان حصول الكيان الصهيوني على تعويضات مالية لا يستحقها، ولضمان استمرار استثمار الآلة الإعلامية الصهيونية لمسألة مذابح اليهود الكاذبة والمضخمة لاستدرار العطف الغربي الرسمي والشعبي، مما يخلق عند الغرب عقدة الظلم الوهمي على اليهود·


إذن لأن هذا الاعتذار يصب في مصلحة ومنفعة الصهاينة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تطالب به، وفي مسألة العبودية والاسترقاق الغربي للأفارقة، وهي مسألة حقيقية صادقة، لها من المآسي والجرائم على البشر الكثير··· الكثير، وتبعاتها ونتائجها مستمرة حتى وقتنا الحالي·
إن هذا الاعتذار، لأنه لا يصب في مصلحة أمريكا، ولأنه يخالف الذهنية والعقلية الاستعمارية التي تتحرك بهما في العالم، بناء وتأسيسا على فكر رأسمالي إمبريالي يتحالف مع الحركة الماسونية العالمية الخادمة لأطماع الصهيونية العالمية، وكل ذلك يصب في مصلحة إسرائيل العنصرية، واستمرار وجودها على الخريطة كدولة تتحرك في خط خدمة مصالح الغرب الاستعماري، في منع الوحدة العربية والإسلامية، لقتل ولخنق أي منطلق ينطلق منه الشرقيون نحو إعادة أمجاد حضارتهم السابقة·



إن هذا المنع وهذه الرغبة في قتل وخنق المنطلق، هو ما يخلق ويصنع التداخل والتشابك المصلحي بين شياطين العالم المعاصر:



الإمبريالية الرأسمالية، والحركة الماسونية، وإسرائيل، وهو ما يصنع ويخلق التناقض والتعاكس، بين موقف رافض للاعتذار هنا، وموقف مطالب به هناك·
إنها المصلحة وتشابك المنافع، تلك الأشياء الخالية من أي رادع أخلاقي، والمفرغة من أي حركة من الضمير·


فأي ضمير وأي أخلاق، وأي عقل، لا يقولون بعنصرية الصهيونية كتنظيم وفكر، فإذا كان القائل الذي يقول: إنه شعب الله المختار، وأن بقية البشرية هم خدم وعبيد لهذا الشعب، بناء على تميز ورقي العنصر اليهودي كقومية ترتبط بالدم·


إذا كان من يقول ذلك، ليس عنصريا، فمن العنصري يا ترى في نظر وفكر الولايات المتحدة الأمريكية؟ التي انسحب وفدها الرسمي احتجاجا على وضع بند في البيان الختامي يعتبر الصهيونية حركة عنصرية· من العنصري؟ هل هو محمد الدرة، أو إيمان حجو؟؟ هل هم شهداء قانا ودير ياسين، أم هم ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا، و···· و···· و ··· والقائمة طويلة ولا تنتهي، لأنها مستمرة ومتواصلة، باستمرار وجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة، وتواصل الدعم الأمريكي لهذا الكيان الغاصب·

هل الشيطان رفع قناعه؟


نعم، وفي الكثير من المرات على مدى تاريخ صراعنا مع الاستعمار والصهيونية، ولكن في دوربان رفع القناع عن الشيطان بشكل كشف بشاعته وقبحه أكبر من ذي قبل، ففي دوربان وقف الضمير الإنساني العالمي في جهة، ووقفت الولايات المتحدة ومن معها في جهة، وفي تلك اللحظة رفع الشيطان العالمي قناعه وكشف للآخرين عن وجهه، وما أقبحه من وجه·


الدكتور عادل رضا