المهدى
10-26-2006, 08:03 AM
http://www.asharqalawsat.com/2006/10/26/images/news.389080.jpg
يعيشون ذكرى وطن ويحلمون بالعودة ويسعون للحصول على الإقامة
القاهرة: محمد مصطفى وإيمان علي
«لم أفكر يوما في ترك بلادي وعائلتي وذكريات طفولتي، ولكن ما حدث لي كان أكبر من قدرتي على التحمل. كنت أنتظر كل يوم أن يفي المسؤولون بوعودهم في عودة العراق الحقيقي إلى أهله، لكن يبدو أن هذا الوعد صعب التحقيق، فقد تم اختطافي لكوني من السنة.. وقضيت 15 يوما رهينة، عوملت خلالها بشكل سيئ وتعرضت للعديد من الإهانات، ولم يفرجوا عني إلا بعد أن دفعت عائلتي فدية ضخمة. بعدها قررت مغادرة العراق بحثا عن الأمان».
هذه هي كلمات مهند محمد، وهو سني من البصرة يعيش الآن في القاهرة التي وفد إليها منذ شهرين عن طريق سورية بعد قيامه بتزوير بطاقة هوية ليستطيع الخروج من العراق. أما عماد حسين، فهو شيعي من بغداد اتخذ قراره بالهجرة من العراق لأن الأوضاع هناك لا تفرق بين شيعي وسني أو بين مدني وعسكري. ومهند وعماد هما نموذجان لآلاف العراقيين من كل المذاهب الذين باتوا من سكان بعض ضواحي القاهرة التي باتت تستقبل الفارين من عنف العراق بحثا عن الأمن والأمان.
وبرغم عدم وجود أرقام موثقة من قبل الجهات المعنية في مصر عن الأعداد الحقيقية للعراقيين بها، إلا أن التقديرات غير الرسمية تشير إلى ارتفاع أعداد العراقيين المقيمين في مصر من 800 عراقي فقط حتى عام 2003 إلى حوالي 100 ألف بعد تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية في العراق على مدى السنوات الثلاث الأخيرة.
وفي القاهرة يعيش العراقيون الذين قدموا إليها في مناطق عدة، إلا انهم وفي كل منطقة يقطنون بها يفضلون التجمع في بؤرة سكنية وكأنهم يستظلون برائحة الوطن فيما حملوه معهم من لهجات وعادات وأسلوب معيشة على اختلاف المناطق التي أتوا منها وعلى اختلاف مذاهبهم الدينية أيضا. فذا كان مهند ترك العراق بسبب مذهبه السني الذي صار موجبا للتهديد كما قال، فإن عماد حسين شيعي من بغداد اتخذ قراره بالهجرة من العراق لأن الأوضاع هناك لا تفرق بين شيعي وسني أو بين مدني وعسكري، على حد قوله، وأضاف قائلا: «لقد فقدت والدي في أحد الانفجارات. ورغم حزني إلا أنني قررت بعدها اصطحاب زوجتي وأطفالي والتوجه بهم إلى القاهرة التي اعتاد أهلها على الترحيب بكل من يفد إليهم وتركنا العراق عن طريق مطار بغداد على متن طائرة متجهة مباشرة إلى القاهرة».
ويضيف عماد «جئت إلى مصر منذ أربعة أشهر ووقع اختياري على مدينة الرحاب بطريق القاهرة السويس لإقامتي، وقمت بافتتاح مخبز سميته (المخبز العراقي)، رغم أن مهنتي الأساسية هي التصوير الفوتوغرافي. ولكن من الصعب العمل بتلك المهنة في مصر نظرا لوجود أعداد كبيرة من المصورين، لذلك قررت افتتاح مخبز لتقديم الخبز العراقي ومن أشهره خبز التنور والصمون الحجري، وهي مخبوزات حققت رواجا بين المصريين الذين يحبون تجربة كل جديد».
وأنهي عماد حديثه قائلا «أشتاق إلى العراق وإلى العودة إليه وأحن إلى أهلي، ولكن ما باليد حيلة أحاول في الرحاب أن أستعيض بالعراقيين الذين يعيشون فيها وجاؤا إلى مصر مثلي. فنحن نحرص على اللقاء في كل مناسبة ونجلس مع بعضنا البعض على المقهى ونشاهد القنوات العراقية في التلفزيون ونتابع أخبار الوطن لعل الخير يصيبه».
ثامر قدوني من البصرة ويقطن في القاهرة منذ مايو (ايار) 2005 قال «في البداية كان أغلب العراقيين يلجأون إلى سورية، إلا أنها أصبحت الآن مكتظة بالآلاف منهم، لذلك بدأنا في التوافد على مصر، حيث نجحت في الحصول علي الإقامة الدائمة بها من خلال مساعدة أحد معارفي من العراقيين الذين يعيشون في مصر منذ سنوات، حيث كان له عدد من الأصدقاء الذين ساعدوني. والحمد لله تم قبول ابنتي في مدرسة خاصة بمدينة السادس من أكتوبر واستثمرت أموالي في افتتاح متجر للأدوات المنزلية يدر علي دخلا معقولا كل شهر. وأمارس حياتي الآن وكأنني في جزء من وطني، حيث يسكن حولي أعداد كبيرة من العراقيين، كما انه توجد العديد من الأماكن التي تجمعنا فنتبادل الحديث عن أخبارنا وأحوالنا».
يذكر أن موجة الهجرة إلى الخارج التي يشهدها العراق الآن ليست الأولى في تاريخها. بل هي الرابعة في تاريخ العراقيين الذين باتوا لا يجدون سوي النزوح في ظل الأزمات. وحدثت الموجة الأولى عقب قيام الثورة العراقية عام 1958 وكان من أشهر اللاجئين إلى مصر الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي سكن القاهرة ضمن عدد كبير من العراقيين المنتمين إلى حزب البعث الذين فروا إليها. وبقي صدام في مصر حتى عام 1963 عندما عاد إلى العراق. أما موجة الهجرة الثانية فحدثت خلال فترة الحرب العراقية ـ الإيرانية في الفترة من 1980 – 1988 والتي عرفت بحرب الخليج الأولى. وتذكر التقارير أن إيران كانت قبلة العراقيين الذين فروا من العراق في تلك الفترة، حيث هاجر إليها حسب الإحصائيات الرسمية نحو 200 ألف عراقي من المعارضين لسياسة صدام حسين. أما موجة الهجرة الثالثة فكانت بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 وبخاصة في ظل انهيار الأوضاع الاقتصادية والسياسية في العراق بعد فرض العقوبات الدولية عليها من قبل الأمم المتحدة.
ويفضل الكثير من العراقيين المجيء إلى مصر لأسباب عديدة يفسرها ماجد حاتم صاحب مطعم «المذاق العراقي بقوله: أنت في مصر تشعر وكأنك بين أهلك وتستطيع أن تأمن على حياتك وحياة أسرتك وتجد من يدافع عنها. ببساطة لا تشعر بالغربة هنا. هذا إلى جانب حرية العقيدة حيث لا يوجد أي تهديد لمن يتبع مذهبا دون غيره من المذاهب، إلى جانب حسن استقبال ومعاشرة أهلها وإمكانية إقامة عدد من المشاريع التي توفر لنا الحياة الكريمة». وعن سبب إقامة مطعم للمأكولات العراقية قال «هذه كانت مهنتي في بغداد، إلا أن انفجارا دمر محلى فقررت أن اخرج من العراق، وعندما جئت إلى القاهرة وجدت الاخوة العراقيين متلهفين للطعام العراقي، مما شجعني على افتتاح المطعم».
وعلي الرغم من كل هذا فالإقامة في مصر بالنسبة للعراقيين لا تخلو من بعض المشكلات تأتي في مقدمتها مشروعية الإقامة وتجديدها. فالكثير من العراقيين الذين وفدوا إلى مصر دخلوها بتأشيرات سياحية لا تتجاوز مدتها الثلاثة أشهر يتعين عليهم بعدها تجديدها أو الرحيل عن مصر. هذا إلى جانب مشكلة إلحاق الأبناء بالمدارس والجامعات وإيجاد وسيلة لكسب العيش في بلد يعاني 9% من سكانه من البطالة.
بالإضافة إلى ارتفاع أسعار العقارات سواء بالإيجار أو التمليك. عبد الرحمن إبراهيم، وهو سني من تكريت وكان يعمل مهندس كهرباء بهيئة التصنيع العسكري العراقية ابان نظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، يقول «جئت إلى مصر منذ عام بسبب تردي الوضع الأمني في العراق، بالإضافة إلى التهديدات المستمرة لي ولأسرتي بسبب كوننا من المؤيدين لنظام صدام حسين.. وكانت رحلة شاقة. فقد عبرت مع أسرتي الحدود العراقية السورية وهناك رفضت السفارة المصرية منحي تأشيرة دخول مصر فاضطررت إلى اللجوء إلى إحدى شركات السياحة ودفع مبلغ كبير لإعطائي تأشيرة دخول سياحية، حيث دخلنا مصر عبر الطيران المباشر من دمشق إلى القاهرة.
وهذه زيارتي الثانية حيث جئت منذ عامين لاستطلاع السوق المصري ورأيت أن افضل مشروع يمكن إنشاؤه هو الكوفي شوب، وهو ما فعلته عند مجيئي مع أسرتي منذ عام بعد استقرارنا في مدينة السادس من أكتوبر التي افتتحت بها مقهى (دانا). إلا انني وحتى الآن لم أستطع الحصول على الإقامة النهائية من السلطات المصرية، وبالتالي لم أتمكن من قيد ابنتي الصغيرة في أي مدرسة فتخلفت عن العام الدراسي. وقد نصحني البعض بالذهاب إلى مكتب الأمم المتحدة في مصر حيث عقدوا لي مقابلة لمنحى حق اللجوء السياسي لمصر ووعدوني بحل مشكلتي وإعطائي الإقامة. أنا ما زلت انتظر».
جمال الدين محمد 53 عاما عراقي من الكاظمية حضر إلى مصر مع زوجته وأبنائه منذ شهر من خلال مكتب سفريات ساعده في الحصول على تأشيرة سياحية لدخول مصر. ويصف الحصول على هذه التأشيرة بأنه أمر بالغ الصعوبة في ظل الظروف التي يمر بها العراق حاليا، حيث يتكلف الحصول على هذه التأشيرة وحدها 2500 دولار أميركي. جمال الذي كان يعمل مهندسا بجامعة بغداد قال: «أنا شيعي لكنني حاليا أفضل إلا أنتمي لأي مذهب، فعندما تعيش في وطن تسيطر عليه الصراعات الطائفية من ناحية وينتشر فيه قطاع الطرق وأعمال السلب والنهب من ناحية أخرى، إضافة إلى بقايا نظام يحاول جاهدا التقاط أنفاسه واستعادة قواه من جديد، فمن الأفضل ان تكون بلا مذهب، لذلك قررت الحضور إلى مصر لأنها وطن بابه مفتوح واتصالها بالعالم اكثر فاعلية. المشكلة التي تواجهني الآن هو أنه لم يبق على صلاحية التأشيرة التي حصلت عليها سوى شهرين ولا أعلم هل ستمنحني السلطات إقامة دائمة أم لا».
الحصول علي حق اللجوء في أي بلد من بلدان العالم يخضع لعدد من المعايير يأتي علي رأسها ترك المواطن لبلده الأصلي بالإكراه، أو نتيجة لتعرضه للإيذاء نتيجة لهويته الدينية بما يترتب عليه وجود خطر واضح على حياته. وتقول سوزي عبد الله المتحدثة الإعلامية باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في القاهرة لـ«الشرق الأوسط» ان هناك قائمة معايير طويلة «و يتم تطبيقها على كل حالة علي حدة، بحيث نقوم من خلالها بإجراء دراسة حالة من خلال اللقاء مع المواطن نفسه حتى تتأكد ما إذا كان يعتبر لاجئا أم لا. فمن الممكن ان يترك شخصان بلدهما إلى بلد آخر لظروف متشابهة، فيعد واحد لاجئا وآخر لا تنطبق عليه المعايير وبذلك لا يتبع المفوضية ولا يحق له الانتفاع بخدماتها».
يعيشون ذكرى وطن ويحلمون بالعودة ويسعون للحصول على الإقامة
القاهرة: محمد مصطفى وإيمان علي
«لم أفكر يوما في ترك بلادي وعائلتي وذكريات طفولتي، ولكن ما حدث لي كان أكبر من قدرتي على التحمل. كنت أنتظر كل يوم أن يفي المسؤولون بوعودهم في عودة العراق الحقيقي إلى أهله، لكن يبدو أن هذا الوعد صعب التحقيق، فقد تم اختطافي لكوني من السنة.. وقضيت 15 يوما رهينة، عوملت خلالها بشكل سيئ وتعرضت للعديد من الإهانات، ولم يفرجوا عني إلا بعد أن دفعت عائلتي فدية ضخمة. بعدها قررت مغادرة العراق بحثا عن الأمان».
هذه هي كلمات مهند محمد، وهو سني من البصرة يعيش الآن في القاهرة التي وفد إليها منذ شهرين عن طريق سورية بعد قيامه بتزوير بطاقة هوية ليستطيع الخروج من العراق. أما عماد حسين، فهو شيعي من بغداد اتخذ قراره بالهجرة من العراق لأن الأوضاع هناك لا تفرق بين شيعي وسني أو بين مدني وعسكري. ومهند وعماد هما نموذجان لآلاف العراقيين من كل المذاهب الذين باتوا من سكان بعض ضواحي القاهرة التي باتت تستقبل الفارين من عنف العراق بحثا عن الأمن والأمان.
وبرغم عدم وجود أرقام موثقة من قبل الجهات المعنية في مصر عن الأعداد الحقيقية للعراقيين بها، إلا أن التقديرات غير الرسمية تشير إلى ارتفاع أعداد العراقيين المقيمين في مصر من 800 عراقي فقط حتى عام 2003 إلى حوالي 100 ألف بعد تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية في العراق على مدى السنوات الثلاث الأخيرة.
وفي القاهرة يعيش العراقيون الذين قدموا إليها في مناطق عدة، إلا انهم وفي كل منطقة يقطنون بها يفضلون التجمع في بؤرة سكنية وكأنهم يستظلون برائحة الوطن فيما حملوه معهم من لهجات وعادات وأسلوب معيشة على اختلاف المناطق التي أتوا منها وعلى اختلاف مذاهبهم الدينية أيضا. فذا كان مهند ترك العراق بسبب مذهبه السني الذي صار موجبا للتهديد كما قال، فإن عماد حسين شيعي من بغداد اتخذ قراره بالهجرة من العراق لأن الأوضاع هناك لا تفرق بين شيعي وسني أو بين مدني وعسكري، على حد قوله، وأضاف قائلا: «لقد فقدت والدي في أحد الانفجارات. ورغم حزني إلا أنني قررت بعدها اصطحاب زوجتي وأطفالي والتوجه بهم إلى القاهرة التي اعتاد أهلها على الترحيب بكل من يفد إليهم وتركنا العراق عن طريق مطار بغداد على متن طائرة متجهة مباشرة إلى القاهرة».
ويضيف عماد «جئت إلى مصر منذ أربعة أشهر ووقع اختياري على مدينة الرحاب بطريق القاهرة السويس لإقامتي، وقمت بافتتاح مخبز سميته (المخبز العراقي)، رغم أن مهنتي الأساسية هي التصوير الفوتوغرافي. ولكن من الصعب العمل بتلك المهنة في مصر نظرا لوجود أعداد كبيرة من المصورين، لذلك قررت افتتاح مخبز لتقديم الخبز العراقي ومن أشهره خبز التنور والصمون الحجري، وهي مخبوزات حققت رواجا بين المصريين الذين يحبون تجربة كل جديد».
وأنهي عماد حديثه قائلا «أشتاق إلى العراق وإلى العودة إليه وأحن إلى أهلي، ولكن ما باليد حيلة أحاول في الرحاب أن أستعيض بالعراقيين الذين يعيشون فيها وجاؤا إلى مصر مثلي. فنحن نحرص على اللقاء في كل مناسبة ونجلس مع بعضنا البعض على المقهى ونشاهد القنوات العراقية في التلفزيون ونتابع أخبار الوطن لعل الخير يصيبه».
ثامر قدوني من البصرة ويقطن في القاهرة منذ مايو (ايار) 2005 قال «في البداية كان أغلب العراقيين يلجأون إلى سورية، إلا أنها أصبحت الآن مكتظة بالآلاف منهم، لذلك بدأنا في التوافد على مصر، حيث نجحت في الحصول علي الإقامة الدائمة بها من خلال مساعدة أحد معارفي من العراقيين الذين يعيشون في مصر منذ سنوات، حيث كان له عدد من الأصدقاء الذين ساعدوني. والحمد لله تم قبول ابنتي في مدرسة خاصة بمدينة السادس من أكتوبر واستثمرت أموالي في افتتاح متجر للأدوات المنزلية يدر علي دخلا معقولا كل شهر. وأمارس حياتي الآن وكأنني في جزء من وطني، حيث يسكن حولي أعداد كبيرة من العراقيين، كما انه توجد العديد من الأماكن التي تجمعنا فنتبادل الحديث عن أخبارنا وأحوالنا».
يذكر أن موجة الهجرة إلى الخارج التي يشهدها العراق الآن ليست الأولى في تاريخها. بل هي الرابعة في تاريخ العراقيين الذين باتوا لا يجدون سوي النزوح في ظل الأزمات. وحدثت الموجة الأولى عقب قيام الثورة العراقية عام 1958 وكان من أشهر اللاجئين إلى مصر الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي سكن القاهرة ضمن عدد كبير من العراقيين المنتمين إلى حزب البعث الذين فروا إليها. وبقي صدام في مصر حتى عام 1963 عندما عاد إلى العراق. أما موجة الهجرة الثانية فحدثت خلال فترة الحرب العراقية ـ الإيرانية في الفترة من 1980 – 1988 والتي عرفت بحرب الخليج الأولى. وتذكر التقارير أن إيران كانت قبلة العراقيين الذين فروا من العراق في تلك الفترة، حيث هاجر إليها حسب الإحصائيات الرسمية نحو 200 ألف عراقي من المعارضين لسياسة صدام حسين. أما موجة الهجرة الثالثة فكانت بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 وبخاصة في ظل انهيار الأوضاع الاقتصادية والسياسية في العراق بعد فرض العقوبات الدولية عليها من قبل الأمم المتحدة.
ويفضل الكثير من العراقيين المجيء إلى مصر لأسباب عديدة يفسرها ماجد حاتم صاحب مطعم «المذاق العراقي بقوله: أنت في مصر تشعر وكأنك بين أهلك وتستطيع أن تأمن على حياتك وحياة أسرتك وتجد من يدافع عنها. ببساطة لا تشعر بالغربة هنا. هذا إلى جانب حرية العقيدة حيث لا يوجد أي تهديد لمن يتبع مذهبا دون غيره من المذاهب، إلى جانب حسن استقبال ومعاشرة أهلها وإمكانية إقامة عدد من المشاريع التي توفر لنا الحياة الكريمة». وعن سبب إقامة مطعم للمأكولات العراقية قال «هذه كانت مهنتي في بغداد، إلا أن انفجارا دمر محلى فقررت أن اخرج من العراق، وعندما جئت إلى القاهرة وجدت الاخوة العراقيين متلهفين للطعام العراقي، مما شجعني على افتتاح المطعم».
وعلي الرغم من كل هذا فالإقامة في مصر بالنسبة للعراقيين لا تخلو من بعض المشكلات تأتي في مقدمتها مشروعية الإقامة وتجديدها. فالكثير من العراقيين الذين وفدوا إلى مصر دخلوها بتأشيرات سياحية لا تتجاوز مدتها الثلاثة أشهر يتعين عليهم بعدها تجديدها أو الرحيل عن مصر. هذا إلى جانب مشكلة إلحاق الأبناء بالمدارس والجامعات وإيجاد وسيلة لكسب العيش في بلد يعاني 9% من سكانه من البطالة.
بالإضافة إلى ارتفاع أسعار العقارات سواء بالإيجار أو التمليك. عبد الرحمن إبراهيم، وهو سني من تكريت وكان يعمل مهندس كهرباء بهيئة التصنيع العسكري العراقية ابان نظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، يقول «جئت إلى مصر منذ عام بسبب تردي الوضع الأمني في العراق، بالإضافة إلى التهديدات المستمرة لي ولأسرتي بسبب كوننا من المؤيدين لنظام صدام حسين.. وكانت رحلة شاقة. فقد عبرت مع أسرتي الحدود العراقية السورية وهناك رفضت السفارة المصرية منحي تأشيرة دخول مصر فاضطررت إلى اللجوء إلى إحدى شركات السياحة ودفع مبلغ كبير لإعطائي تأشيرة دخول سياحية، حيث دخلنا مصر عبر الطيران المباشر من دمشق إلى القاهرة.
وهذه زيارتي الثانية حيث جئت منذ عامين لاستطلاع السوق المصري ورأيت أن افضل مشروع يمكن إنشاؤه هو الكوفي شوب، وهو ما فعلته عند مجيئي مع أسرتي منذ عام بعد استقرارنا في مدينة السادس من أكتوبر التي افتتحت بها مقهى (دانا). إلا انني وحتى الآن لم أستطع الحصول على الإقامة النهائية من السلطات المصرية، وبالتالي لم أتمكن من قيد ابنتي الصغيرة في أي مدرسة فتخلفت عن العام الدراسي. وقد نصحني البعض بالذهاب إلى مكتب الأمم المتحدة في مصر حيث عقدوا لي مقابلة لمنحى حق اللجوء السياسي لمصر ووعدوني بحل مشكلتي وإعطائي الإقامة. أنا ما زلت انتظر».
جمال الدين محمد 53 عاما عراقي من الكاظمية حضر إلى مصر مع زوجته وأبنائه منذ شهر من خلال مكتب سفريات ساعده في الحصول على تأشيرة سياحية لدخول مصر. ويصف الحصول على هذه التأشيرة بأنه أمر بالغ الصعوبة في ظل الظروف التي يمر بها العراق حاليا، حيث يتكلف الحصول على هذه التأشيرة وحدها 2500 دولار أميركي. جمال الذي كان يعمل مهندسا بجامعة بغداد قال: «أنا شيعي لكنني حاليا أفضل إلا أنتمي لأي مذهب، فعندما تعيش في وطن تسيطر عليه الصراعات الطائفية من ناحية وينتشر فيه قطاع الطرق وأعمال السلب والنهب من ناحية أخرى، إضافة إلى بقايا نظام يحاول جاهدا التقاط أنفاسه واستعادة قواه من جديد، فمن الأفضل ان تكون بلا مذهب، لذلك قررت الحضور إلى مصر لأنها وطن بابه مفتوح واتصالها بالعالم اكثر فاعلية. المشكلة التي تواجهني الآن هو أنه لم يبق على صلاحية التأشيرة التي حصلت عليها سوى شهرين ولا أعلم هل ستمنحني السلطات إقامة دائمة أم لا».
الحصول علي حق اللجوء في أي بلد من بلدان العالم يخضع لعدد من المعايير يأتي علي رأسها ترك المواطن لبلده الأصلي بالإكراه، أو نتيجة لتعرضه للإيذاء نتيجة لهويته الدينية بما يترتب عليه وجود خطر واضح على حياته. وتقول سوزي عبد الله المتحدثة الإعلامية باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في القاهرة لـ«الشرق الأوسط» ان هناك قائمة معايير طويلة «و يتم تطبيقها على كل حالة علي حدة، بحيث نقوم من خلالها بإجراء دراسة حالة من خلال اللقاء مع المواطن نفسه حتى تتأكد ما إذا كان يعتبر لاجئا أم لا. فمن الممكن ان يترك شخصان بلدهما إلى بلد آخر لظروف متشابهة، فيعد واحد لاجئا وآخر لا تنطبق عليه المعايير وبذلك لا يتبع المفوضية ولا يحق له الانتفاع بخدماتها».