المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عنـــدمــــا ينـــزل اللــــه إلى الشــــارع



فاتن
10-24-2006, 03:37 PM
أنطوان مسرة - جريدة النهار

لا يمكن حصر الايمان في الوجدان الباطني، ولا تحريض الجماهير على التعبير عنه في الشارع دون مخاطر. ان ردات الفعل في شكل متسلسل في العالم على اثر نشر رسوم كاريكاتورية في الدانمارك، وتوالي ردات الفعل على المحاضرة الجامعية للبابا بينيديكتوس السادس عشر، والتظاهرات التي تحولت اعمال شغب في لبنان يوم الاحد الاسود في 5 شباط 2006، هي التجسيد الواقعي لأديان اضحت دون ضوابط في المجال السياسي.

عندما خرج بيلاطس البنطي اثناء محاكمة يسوع ليحتكم الى الجموع ملقيا عليها مهمة البت في الحكم الذي ينبغي اتخاذه، اظهر تقاعسا عن تبيان حقيقة المشكلة، واستنكف عن صون العدالة والايمان في آن. فضلت الجموع اطلاق بارأباس الشهير بدلا من الافراج عن يسوع. وهكذا جرى حل المسألة وسط "الصخب والضجيج" و"الجموع الهائجة"، وقام بيلاطس بغسل يديه متوجها الى المحتشدين: "انا بريء من دم هذا الصدّيق، خذوه انتم وافعلوا به ما شئتم".

على هذا النحو ايضا جاءت نتائج ردات الفعل على محاضرة البابا، بالرغم من اطارها الجامعي، حول موضوع: "الايمان والعقل والعنف". ان الاستشهاد بحوار في القرن الرابع عشر بين امبراطور بيزنطيا مانيوال الثاني وأحد البحاثة الفرس، مهما يكن وصفه، لا يعبّر عن المشكلة.
وقعت احداث عنف، وجرى التحريض على الشتيمة والعنف...، وكلها أُطلقت باسم الله. هذا هو بالضبط الموضوع الذي جاءت ردات الفعل، مع الاسف، لتؤكدها.

ان ايمان الجموع، وايمان الفلاح وبائع الخبز، هو غالبا ايمان عفوي، صادق، واصيل. يُعبّر عن هذا الايمان في المناسبات الدينية الكبرى، وفي اماكن العبادة، بمظاهر وطقوس ترافق صلوات المؤمنين. لكن الغضب والتعبير عنه في الساحات العامة، وفي مناسبة حدث عام، سواء كان بسبب الاعتراض على مقال صحفي، او على رسم كاريكاتوري، او على محاضرة، هو تسييس نزاعي يلوث في الوقت نفسه الدين والسياسة. ان المسألة هنا لم تعد دينية، بل سياسية، وتندرج في اطار لعبة السلطة مولدة للعنف.


دستور لبنان والمعاناة

ما العمل؟ يمكن استخلاص امثولتين من لبنان شرط التحلي بالبراغماتية، احداهما ذات طابع دستوري والاخرى تاريخي.

1 – تشتمل الامثولة الدستورية على قاعدة العيش معا مع ما تتضمنه من احترام للآخر، وانفتاح، واعتراف متبادل، وتقدير مشترك، والثقة بقابلية الاديان على توطيد السلام، وهي امثولة لا تقتصر قيمتها على الجوانب التاريخية والثقافية والمسكونية، بل لها بالدرجة الاولى فائدة دستورية قصوى. ان مبدأ العيش معا يفرض نفسه باعتباره قاعدة مرجعية اساسية، موضوعية وملزمة. فاذا كان "احترام" جميع الطوائف و"كرامتها"، وهما المصطلحان الواردان في المادتين 9 و10 من الدستور، ملزمين للدولة، فانهما بالاولوية ملزمان للافراد والجماعات.

توضح المادة 9 من الدستور بأن: "الدولة تحترم جميع الاديان والمذاهب... على ان لا يكون في ذلك اخلال بالنظام العام". وتخضع المادة 10 "حرية التعليم" لشرط عدم "التعرض لكرامة احد الاديان او المذاهب"، وفقا لما تنص عليه بالآتي: "التعليم حر ما لم يخلّ بالنظام العام او ينافي الآداب او يتعرض لكرامة احد الاديان او المذاهب". يعني الاحترام والاعتبار ان الآخر يحمل قيمة ذاتية وهو جدير بالتقدير. اما الكرامة فهي تجسيد لتقدير معترف به. يقتضي تعميق الممارسة والاجتهاد في لبنان من اجل التوفيق الصعب، والممكن، بين مقتضيات الاحترام وحرية التعبير الدينية.

2 – الامثولة الاخرى تاريخية، وتُستخلص من التجربة اللبنانية الاليمة، والجديرة بالتذكير والتي وقعت الاحد الاسود في 5 شباط 2006، حيث قامت جموع صادقة ولكن مخترقة من عناصر محرّضة، تعتزم التظاهر في وسط العاصمة والاشرفية، تعبيرا عن احتجاجها على رسوم كاريكاتورية في الدانمارك. لولا يقظة المواطنين، وتحلي السلطات الدينية الاسلامية والمسيحية ببعد النظر والشجاعة النموذجية التي ابداها رجال دين مسلمون وقفوا لصد المحرضين، كان يمكن للأحد الاسود في 5 شباط 2006 ان يفضي الى 13 نيسان جديد (1975) وهو تاريخ اندلاع الحروب في لبنان.

بارأباس القرن الـ 21

يتعين بعد اليوم، وايا تكن المسألة، سواء كانت اقوالا غير مناسبة، او رسوما كاريكاتورية، أو برنامجا تلفزيونيا مسيئا، او محاضرة جامعية، ان لا نُنزل الله الى الشارع خشية ان يتحول الايمان الى اداة يجري استغلالها في لعبة قذرة على السلطة. هناك نوعان من الشارع في المجال الديني. ان الجموع التي سارت باندفاع الايمان وببراءة خلف يسوع عند دخوله اورشليم يوم الشعانين، هي ليست نفسها الجموع المخترقة والمسيسة، في مرحلة الالام، والتي يحتكم اليها بيلاطس لتقرر مصير يسوع.
ان تحريك الجماهير بعد اليوم بشأن حدث ديني – بمعزل عن مضمونه – وبالوقت نفسه الصمت او الموافقة الضمنية تجاه تصريحات شديدة التعصب على نمط بن لادن، دون استنكار ردة فعل رافضة، يمثل صيغة متجددة لبرأباس في القرن الحادي والعشرين.

هاشم
08-01-2007, 04:09 PM
الكل يستغل اسم الله ليبرر اعماله المشروعة وغير المشروعة

سبحان الصبور الحكيم