لمياء
10-22-2006, 04:39 PM
النهار اللبنانية
هاني فحص
الحلقة الثانية الاخيرة من مقالة السيد هاني فحص عن العلاقات العربية – الايرانية وعن دور الشيعة في مختلف البلاد العربية:
التصور أو هذا الاستشراف الواقعي وغير المتخيل أو المختلف والمحتكم الى التاريخ والعقيدة وأنظمة المصالح التي لا يجوز بعد، التردد في الحديث عنها وكأنها من العيوب، لا بد أن يفضي بنا، ونحن على طريق المصارحة والشفافية، الى الاتفاق على الدور الاساس والفاعل للشيعة في البلاد العربية، في تيسير التفاهمات المطلوبة. وباختصار شديد نقول إننا على أمن وأمان في ما يعود الى العقل الشيعي العامل في هذه البلاد وكذلك الى عقل الدولة والاجتماع الوطني العام، ومن دون مبالغة أو طمأنينة مفرطة من شأنها أن تحول الأمان الى قلق فعلي.
إن شيعة السعودية الذين ذاقوا حلاوة الائتلاف والاعتراف والاندماج والحوار بدل السجال والصراع والالغاء، عزيز عليهم أن يتمايزوا وان لا يصبروا ولا يأخذوا في الاعتبار إشكاليات الدولة السعودية التي تمنعها من القفز فوق الواقع الذي يؤدي القفز فوقه الى تداعيات باهظة.
وإذا ما كان شيعة المملكة قد استفزهم العدوان على لبنان كما استفز كل العرب والمسلمين، واستفزهم الصمود اللبناني ذو الصفة الشيعية الغالبية فأظهروا عاطفتهم المكنونة بشكل لا يخلو من الحدة، فإن الحكمة السعودية في التعامل مع هذه الحساسية ساعدت الشيعة على أن يعودوا الى أولوياتهم الوطنية من دون قطيعة مع مكوناتهم الوجدانية الخاصة، والتي لا تختلف الا في بعض التفاصيل عن المكونات الوجدانية العامة لدى الشعب السعودي الذي لا يمكن تلخيصه ببعض الاستثناءات المحدودة جداً.
أما شيعة الكويت فقد تأسست مسيرة اندماجهم وبشكل نهائي لا يمنع من ظهور بعض التوترات أحياناً، على معضلة الاحتلال والشراكة في مواجهته، ما كشف الغطاء عن الوطنية الكويتية العميقة والنهائية وشجع على احترامها واعتبارها مدخلاً الى شراكة حقيقية في المواطنة.
وأما شيعة مسقط وعمان فقد اختاروا طريقهم بهدوء وعمق وبشكل نهائي ومبكر، اندماجاً في الدولة وفي دورة الانتاج الاجتماعي ومن دون إلحاح على استحضار المميزات الا في حدود الحرص على الخصوصية في الاطار العماني العام في الدولة والمجتمع والعيش المشترك والمشاركة التي تتعدى حجم الشيعة عددياً الى معنى وجودهم ودورهم الذي يلقى تشجيعاً واحتضاناً، واحتراماً من الدولة والمجتمع العمانيين.
وأما شيعة دولة الامارات فإنهم اختاروا الاندماج مبكراً وكونوا لدى الدولة انطباعاً بأن هذا الخيار نهائي، وإن كانوا قد أوغلوا في الغياب عن المشهد من دون تردد في الحضور في العمق والمشاركة في الفاعليات الوطنية، فإن المطلوب منهم الآن، أو قد يكون المطلوب، هو تحويل التقارب والاندماج الذي حققوه الى حالة مشهودة ومتحركة باعتبارهم نموذجاً قابلاً للإحتذاء في اكثر من مكان، بعدما كانت حكمة المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ذات فاعلية بالغة في توحيد مكونات الدولة على أساس المواطنة غير المنقوصة.
أما شيعة البحرين، فإنهم يدركون معنى الدستور ومعنى المشاركة التي تؤهلهم للمساهمة في تطوير بلدهم وتنميته ونموهم فيه لصالحه وصالحهم، واذا ما كانت بعض التوترات، الشديدة أحياناً، تظهر من فترة لأخرى، فإنها تمثل بعض تداعيات الماضي الآيلة الى الزوال، خاصة اذا ما استطاع أهل الوعي والعقل والوطنية والواقعية من ساسة ومفكرين وعلماء في البحرين أن يسهموا في جعل المواطنة نصاباً نهائياً جامعاً للجميع من أجل الجميع. إن البحرين مكلفة دينياً ووطنياً وحضارياً بأن تنجز حزب الدولة الذي قد يكون مكوناً من عدة أحزاب، لا حزب الحكومة، ولا بمعنى أن يكون نقيضاً لهذه الحكومة أو تلك... حزب المملكة التي أتاحت لها نقلتها الدستورية أن تتراتب مؤسساتها ومسؤولياتها وأن يكون القانون فيها سقفاً للممارسة، ومرجعاً للسلوك السياسي والاداري... هذا القانون سوف يكون رافعة الدولة والمجتمع عندما يتيح للمجتمع أن يتحول من حالته الاهلية المباركة الى حالته المدنية المتطورة والضرورية على أساس ضرورة التمايز عن الدولة من اجل التكامل بها ومعها وعلى أساس الاعتراض والحوار معاً.
لقد تفتحت بصيرة البحرين دولة وشعباً على ضرورة الدولة وعلى ضرورة انفتاح فضائها الاداري والسياسي امام جميع مكوناتها مدخلاً الى رسوخ فكرة الدولة في عقل هذه المكونات... من دون داعٍ الى التسرع والقفز فوق الواقع، مع السير من دون تباطؤ أو تعجل مع الممكن لتحويله الى واقع بالحوار والتفاهم والتفهم.
هل نستطيع في النهاية أن ننصح الشيعة في البلاد العربية بالانتباه الى أن حاضرهم يختلف عن ماضيهم من حيث ظهور حيوياتهم وحجمهم المؤثر نوعاً لا كماً؟ ما يلزمهم بالقطيعة مع ذاكرة الحرمان والتهميش، خاصة وأن ذلك يتلازم مع نمو معرفي عربي يمر في الكتلة السنية العربية الوازنة، ويضعها أمام مسؤولياتها الاصلاحية والحضارية والاخلاقية... وهي أي هذه الكتلة، على المستوى الرسمي والشعبي لم تعد حريصة على تجاهل أو التقليل من أهمية الدور الشيعي وضرورة إفساح المجال أمامه للمشاركة في صنع المستقبل ومواجهة الاستحقاقات الشديدة الحساسية، والمخاطر التي تهدد الجميع بإعادة تجديد الرهن عليهم ومنع نموهم، واستلحاقهم نهائياً، ما لم يحققوا شروطهم الذاتية بالمشاركة فيما بينهم، تمهيداً للمشاركة مع العالم بأسره في أطروحة ومشروع حضاري إنساني، يدخل العرب في صميمه مع المسلمين على أساس حيوية العروبة في تمثلاتها الوطنية المختلفة وجامعها التوحيدي الاسلامي الذي يربط بين العرب من جهة وبينهم وبين العالم من جهة أخرى.
بعد هذا الكلام الذي يدعو الى تفكيك كثير من الالتباسات المحرجة بين ايران والعرب عموما وبين مكونات عدد من المجتمعات العربية شديدة الحساسية خصوصا، هل يمكننا العودة بكل الاسئلة القلقة الى السؤال العربي الايراني، اي الاسلامي والمشرقي في سياق التوتر الاسلامي الغربي الذي تزيده فرقتنا خطرا علينا وعلى الغرب وتزيده تفاهماتنا وضبط خلافاتنا خيرا علينا وعلى الغرب وأماناً لنا وله من التطرف الذي تورط في انتاجه وورطنا بنتائجه من دون ان يفقدنا القدرة على التشبث بموقع الوسطية وبالاعتدال حلا عميقا ودائما لاشكالياتنا الذاتية ومشاكلنا معه ترجيحا لحوار الحضارات او اهلها على صراعها او صراعهم فيما بينهم، وتظهيراً للمشترك الايماني الكبير بين ادياننا السموية متجسدا في التوحيد الابرهيمي الذي جمع المختلفات وألف بينها من منظور وسطي جامع لا يلغي اياً من اطرافه بأي طرف آخر برغم التشويهات الصهيونية.
والسؤال الاول الذي نعنيه هو: هل ان النزاع بين ايران والعرب هو الضمانة لنهوض ايران وازدهارها وهو المدخل الصحيح الى حداثة اسلامية ايرانية موصولة بالجميل من الماضي والذي انما كان جميلا لأنه مشترك والذي اسهمت ايران فيه من قبل ان تكون شيعية، وهل هذا النزاع هو الضمانة لتجديد النهضة الاسلامية العربية على موجبات افكار وقيم عصر النهضة المعاد فهمها وفق المستجدات المعرفية والعلمية، وهل هذا النزاع عامل فعال في تحقيق الوحدة العربية او التضامن العربي ام انه سبب من اسباب تفاقم النزاعات العربية المفضية الى هيمنة اسرائيلية تمتد من طنجة الى جاكرتا؟
ان هذا السؤال المركزي يمكن تفكيكه الى عدد من الاسئلة الموصولة به. ومنها: هل هناك من شك في ان مصلحة اسرائيل هي في تفاقم واستمرار نزاعاتنا؟ واذا ما كنا نلوم بعضنا بعضا على بقاء فلسطين تحت الاحتلال فهل هذا النزاع هو طريقنا الى تحريرها؟ لا بد هنا من اعادة قراءة الحروب الصليبية على معادلة تجزئة احتلال وهزائم تجزئة الخ. وحدة نصر وتحرير وحدة الخ. بعد هذا فلنوافق على النزاع ولنصل به الى الصراع، فمن يضمن لنا ان ينتصر فريق على فريق؟ وكيف؟ وماذا يصنع الفريق المنتصر بالفريق المنهزم، اليس المنتصر الحقيقي سوف يكون طرفا آخر؟
هل التشيع والتسنن هما نصاب النزاع؟ هل يتكفل العهد الراشدي، عهد الرشد بأن يكون مرجعية لهذا الصراع؟ والا فما المرجع ومن؟ هل الخوف من ايران الآن اشد من الخوف منها في عهد الشاه الذي كان مأخذه على الامام الخميني انه يتعاون ويقبض الاموال من زعيم غير ايراني وغير شيعي؟ يعني جمال عبد الناصر! وهل الحكام العرب في نظر ايران الآن كما كانوا في نظر شاه ايران في الماضي؟ اذن فما الذي تغير؟ هل اشكاليتنا مع ايران ونزاعنا معها سببه ولاية الفقيه؟ وهي ليست اكثر من صيغة دستورية ذات تكييف فقهي خلافي لمركزية الدولة التي لها تكييفات مختلفة في دساتيرنا العربية بما هي ضرورات اجتماع لا تمنع من المطابقة بينها وبين الظروف المتغيرة بالتغيير الديموقراطي؟ وهل هناك دولة دينية في ايران بمعنى المقدس السياسي، واذا ما كان الامر كذلك فما معنى التقارب مع كوبا وفنزويلا الخ؟ واذا لم يكن كذلك وكان المعيار سياسيا وطنيا فهل شافيز وكاسترو اقرب الى ايران من غيرهما من العرب والمسلمين؟ اليس من الممكن والمطلوب والمريح للعرب والايرانيين ان يحققوا التنمية الشاملة معاً من خلال نظام المصالح المتبادلة التي تضمن للثروة العربية والخليجية اولا استثمارا آمنا ومجزيا في ايران الشاسعة وتضمن لايران ازدهارا من دون اعباء اضافية ومن دون ابتزاز او تهديد او مصادرة او ارتهان على طريقة جمهوريات الموز؟
وهل يمكن اخيرا توجيه هذا السؤال الذي قد يكون مدعاة الى تكفير او تخوين الذي يطرحه؟
اما وقد اختار شاه ايران تبعية عمياء لواشنطن وتل ابيب، وقد ضيع العرب فرصا ثمينة لتحقيق نمط من الصداقة مع واشنطن بعد الحرب الكونية الثانية وعندما كانت اسرائيل لا تزال مشروعا بريطانيا بامتياز لتكون لاحقا من المكونات الاساسية للتركة التي ورثتها واشنطن عن لندن بعد افول نجمها ونظرية الفراغ الاميركية، امتدادا الى عام 1956 والعدوان الثلاثي على مصر والموقف الاميركي المعروف... اما وقد حصل ذلك وأصبحت اسرائيل هي الصديق الحصري لواشنطن ووكيلها في المنطقة ثم اصبحت شريكا اصيلا بالمزاوجة بين الضغط اليهودي على الادارة الاميركية والتبدلات في حركة المصالح الاميركية وحجمها في المنطقة بعد نهاية الحرب الباردة وتحقيق احادية الاستقطاب... فان تفاهما عربياً ايرانيا في العمق، متناغماً مع احتمالات منافسة حقيقية للمركزية الاميركية تأتي من الصين والهند بعد اليابان وآسيان، ومتزامناً من تبرم وضيق اوروبي من الهيمنة الاميركية المشغولة والتي اعاقت مشروع النهوض الاوروبي على اساس الاتحاد... هذا التفاهم من شأنه أن يحل اشكالية ايران والعرب مع اميركا ويفرضهما متكافلين متضامنين على العقل والارادة الاميركية من دون ضرورة الى الدخول الايراني مع اميركا في صراع قد لا تحمد عقباه يرافقه حصار ومحاصرة اميركية للقرار العربي استقواء بضعف العرب لاستضعاف ايران ثم المزيد من استضعاف العرب باستضعافها؟ هل هذا افتراض مستحيل؟ لعله، في رأيي اقوى من السلاح النووي بل لعله الضمانة الاكيدة لحضارية المشروع النووي الايراني والعربي المهجوس به الآن، وللشراكة السلمية التنموية العربية في المجال النووي...
اليس التناغم والتفاهم العربي الايراني هو احدى الطرق الموصلة الى حال من الامن والاستقرار والنمو والازدهار والتنمية الشاملة التي تتيح تحقيق الاصلاحات المطلوبة وتجديدها بالديموقراطية من دون املاء من احد، وبالآليات الداخلية التي تضع العرب والمسلمين على طريق عالمية جديدة على اساس المشاركة المتكافئة، والتي تضع حدا لنمو المفارقات الفاضحة والتي لا تبدو على حالها من الهول الا اذا قارناها بحالة الهند التي يبلغ تعدادها مليار نسمة وثرواتها لا تعد شيئا مقابل ثرواتنا ومع ذلك فهي لا تستورد شيئا من غذائها وتصدر المعلوماتية الى الغرب وتطرد صناعاتها القطنية مثيلتها المصرية من الغرب ومعها السجاد الايراني وتطمح الى معدل متعاظم في النمو يبلغ هذا العام 11% ويرأس جمهوريتها مسلم يمثل 5/1 من سكانها ويرأس حكومتها سيخي يمثل 20/1 من السكان. في حين تتدفق الملايين من بلادنا العربية والاسلامية، ماهرة ومتخصصة ومسكينة الى اصقاع العالم مع ازدهار العمالة الآسيوية وتفاقهما لدينا لا لسبب الا لأنهم افقر منا ونحن اقدر على التبذير غير المنتج من الصرف على التنمية. هذا والارقام الفلكية عن مستورداتنا لا تزيد مساحتها على 3/1من مساحة البلاد العربية والمساحة المزروعة فيها لا تزيد على المساحة المزروعة في فرنسا. اما سوق الاسهم في فرنسا فلا تزيد عن 5/1 من مساحة سوق الاسهم الوهمية لدينا!
الحلقة الأولى - معنى التفاهمات العربية - الإيرانية
http://www.annaharonline.com/htd/KADAYA061020-1.HTM
هاني فحص
الحلقة الثانية الاخيرة من مقالة السيد هاني فحص عن العلاقات العربية – الايرانية وعن دور الشيعة في مختلف البلاد العربية:
التصور أو هذا الاستشراف الواقعي وغير المتخيل أو المختلف والمحتكم الى التاريخ والعقيدة وأنظمة المصالح التي لا يجوز بعد، التردد في الحديث عنها وكأنها من العيوب، لا بد أن يفضي بنا، ونحن على طريق المصارحة والشفافية، الى الاتفاق على الدور الاساس والفاعل للشيعة في البلاد العربية، في تيسير التفاهمات المطلوبة. وباختصار شديد نقول إننا على أمن وأمان في ما يعود الى العقل الشيعي العامل في هذه البلاد وكذلك الى عقل الدولة والاجتماع الوطني العام، ومن دون مبالغة أو طمأنينة مفرطة من شأنها أن تحول الأمان الى قلق فعلي.
إن شيعة السعودية الذين ذاقوا حلاوة الائتلاف والاعتراف والاندماج والحوار بدل السجال والصراع والالغاء، عزيز عليهم أن يتمايزوا وان لا يصبروا ولا يأخذوا في الاعتبار إشكاليات الدولة السعودية التي تمنعها من القفز فوق الواقع الذي يؤدي القفز فوقه الى تداعيات باهظة.
وإذا ما كان شيعة المملكة قد استفزهم العدوان على لبنان كما استفز كل العرب والمسلمين، واستفزهم الصمود اللبناني ذو الصفة الشيعية الغالبية فأظهروا عاطفتهم المكنونة بشكل لا يخلو من الحدة، فإن الحكمة السعودية في التعامل مع هذه الحساسية ساعدت الشيعة على أن يعودوا الى أولوياتهم الوطنية من دون قطيعة مع مكوناتهم الوجدانية الخاصة، والتي لا تختلف الا في بعض التفاصيل عن المكونات الوجدانية العامة لدى الشعب السعودي الذي لا يمكن تلخيصه ببعض الاستثناءات المحدودة جداً.
أما شيعة الكويت فقد تأسست مسيرة اندماجهم وبشكل نهائي لا يمنع من ظهور بعض التوترات أحياناً، على معضلة الاحتلال والشراكة في مواجهته، ما كشف الغطاء عن الوطنية الكويتية العميقة والنهائية وشجع على احترامها واعتبارها مدخلاً الى شراكة حقيقية في المواطنة.
وأما شيعة مسقط وعمان فقد اختاروا طريقهم بهدوء وعمق وبشكل نهائي ومبكر، اندماجاً في الدولة وفي دورة الانتاج الاجتماعي ومن دون إلحاح على استحضار المميزات الا في حدود الحرص على الخصوصية في الاطار العماني العام في الدولة والمجتمع والعيش المشترك والمشاركة التي تتعدى حجم الشيعة عددياً الى معنى وجودهم ودورهم الذي يلقى تشجيعاً واحتضاناً، واحتراماً من الدولة والمجتمع العمانيين.
وأما شيعة دولة الامارات فإنهم اختاروا الاندماج مبكراً وكونوا لدى الدولة انطباعاً بأن هذا الخيار نهائي، وإن كانوا قد أوغلوا في الغياب عن المشهد من دون تردد في الحضور في العمق والمشاركة في الفاعليات الوطنية، فإن المطلوب منهم الآن، أو قد يكون المطلوب، هو تحويل التقارب والاندماج الذي حققوه الى حالة مشهودة ومتحركة باعتبارهم نموذجاً قابلاً للإحتذاء في اكثر من مكان، بعدما كانت حكمة المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ذات فاعلية بالغة في توحيد مكونات الدولة على أساس المواطنة غير المنقوصة.
أما شيعة البحرين، فإنهم يدركون معنى الدستور ومعنى المشاركة التي تؤهلهم للمساهمة في تطوير بلدهم وتنميته ونموهم فيه لصالحه وصالحهم، واذا ما كانت بعض التوترات، الشديدة أحياناً، تظهر من فترة لأخرى، فإنها تمثل بعض تداعيات الماضي الآيلة الى الزوال، خاصة اذا ما استطاع أهل الوعي والعقل والوطنية والواقعية من ساسة ومفكرين وعلماء في البحرين أن يسهموا في جعل المواطنة نصاباً نهائياً جامعاً للجميع من أجل الجميع. إن البحرين مكلفة دينياً ووطنياً وحضارياً بأن تنجز حزب الدولة الذي قد يكون مكوناً من عدة أحزاب، لا حزب الحكومة، ولا بمعنى أن يكون نقيضاً لهذه الحكومة أو تلك... حزب المملكة التي أتاحت لها نقلتها الدستورية أن تتراتب مؤسساتها ومسؤولياتها وأن يكون القانون فيها سقفاً للممارسة، ومرجعاً للسلوك السياسي والاداري... هذا القانون سوف يكون رافعة الدولة والمجتمع عندما يتيح للمجتمع أن يتحول من حالته الاهلية المباركة الى حالته المدنية المتطورة والضرورية على أساس ضرورة التمايز عن الدولة من اجل التكامل بها ومعها وعلى أساس الاعتراض والحوار معاً.
لقد تفتحت بصيرة البحرين دولة وشعباً على ضرورة الدولة وعلى ضرورة انفتاح فضائها الاداري والسياسي امام جميع مكوناتها مدخلاً الى رسوخ فكرة الدولة في عقل هذه المكونات... من دون داعٍ الى التسرع والقفز فوق الواقع، مع السير من دون تباطؤ أو تعجل مع الممكن لتحويله الى واقع بالحوار والتفاهم والتفهم.
هل نستطيع في النهاية أن ننصح الشيعة في البلاد العربية بالانتباه الى أن حاضرهم يختلف عن ماضيهم من حيث ظهور حيوياتهم وحجمهم المؤثر نوعاً لا كماً؟ ما يلزمهم بالقطيعة مع ذاكرة الحرمان والتهميش، خاصة وأن ذلك يتلازم مع نمو معرفي عربي يمر في الكتلة السنية العربية الوازنة، ويضعها أمام مسؤولياتها الاصلاحية والحضارية والاخلاقية... وهي أي هذه الكتلة، على المستوى الرسمي والشعبي لم تعد حريصة على تجاهل أو التقليل من أهمية الدور الشيعي وضرورة إفساح المجال أمامه للمشاركة في صنع المستقبل ومواجهة الاستحقاقات الشديدة الحساسية، والمخاطر التي تهدد الجميع بإعادة تجديد الرهن عليهم ومنع نموهم، واستلحاقهم نهائياً، ما لم يحققوا شروطهم الذاتية بالمشاركة فيما بينهم، تمهيداً للمشاركة مع العالم بأسره في أطروحة ومشروع حضاري إنساني، يدخل العرب في صميمه مع المسلمين على أساس حيوية العروبة في تمثلاتها الوطنية المختلفة وجامعها التوحيدي الاسلامي الذي يربط بين العرب من جهة وبينهم وبين العالم من جهة أخرى.
بعد هذا الكلام الذي يدعو الى تفكيك كثير من الالتباسات المحرجة بين ايران والعرب عموما وبين مكونات عدد من المجتمعات العربية شديدة الحساسية خصوصا، هل يمكننا العودة بكل الاسئلة القلقة الى السؤال العربي الايراني، اي الاسلامي والمشرقي في سياق التوتر الاسلامي الغربي الذي تزيده فرقتنا خطرا علينا وعلى الغرب وتزيده تفاهماتنا وضبط خلافاتنا خيرا علينا وعلى الغرب وأماناً لنا وله من التطرف الذي تورط في انتاجه وورطنا بنتائجه من دون ان يفقدنا القدرة على التشبث بموقع الوسطية وبالاعتدال حلا عميقا ودائما لاشكالياتنا الذاتية ومشاكلنا معه ترجيحا لحوار الحضارات او اهلها على صراعها او صراعهم فيما بينهم، وتظهيراً للمشترك الايماني الكبير بين ادياننا السموية متجسدا في التوحيد الابرهيمي الذي جمع المختلفات وألف بينها من منظور وسطي جامع لا يلغي اياً من اطرافه بأي طرف آخر برغم التشويهات الصهيونية.
والسؤال الاول الذي نعنيه هو: هل ان النزاع بين ايران والعرب هو الضمانة لنهوض ايران وازدهارها وهو المدخل الصحيح الى حداثة اسلامية ايرانية موصولة بالجميل من الماضي والذي انما كان جميلا لأنه مشترك والذي اسهمت ايران فيه من قبل ان تكون شيعية، وهل هذا النزاع هو الضمانة لتجديد النهضة الاسلامية العربية على موجبات افكار وقيم عصر النهضة المعاد فهمها وفق المستجدات المعرفية والعلمية، وهل هذا النزاع عامل فعال في تحقيق الوحدة العربية او التضامن العربي ام انه سبب من اسباب تفاقم النزاعات العربية المفضية الى هيمنة اسرائيلية تمتد من طنجة الى جاكرتا؟
ان هذا السؤال المركزي يمكن تفكيكه الى عدد من الاسئلة الموصولة به. ومنها: هل هناك من شك في ان مصلحة اسرائيل هي في تفاقم واستمرار نزاعاتنا؟ واذا ما كنا نلوم بعضنا بعضا على بقاء فلسطين تحت الاحتلال فهل هذا النزاع هو طريقنا الى تحريرها؟ لا بد هنا من اعادة قراءة الحروب الصليبية على معادلة تجزئة احتلال وهزائم تجزئة الخ. وحدة نصر وتحرير وحدة الخ. بعد هذا فلنوافق على النزاع ولنصل به الى الصراع، فمن يضمن لنا ان ينتصر فريق على فريق؟ وكيف؟ وماذا يصنع الفريق المنتصر بالفريق المنهزم، اليس المنتصر الحقيقي سوف يكون طرفا آخر؟
هل التشيع والتسنن هما نصاب النزاع؟ هل يتكفل العهد الراشدي، عهد الرشد بأن يكون مرجعية لهذا الصراع؟ والا فما المرجع ومن؟ هل الخوف من ايران الآن اشد من الخوف منها في عهد الشاه الذي كان مأخذه على الامام الخميني انه يتعاون ويقبض الاموال من زعيم غير ايراني وغير شيعي؟ يعني جمال عبد الناصر! وهل الحكام العرب في نظر ايران الآن كما كانوا في نظر شاه ايران في الماضي؟ اذن فما الذي تغير؟ هل اشكاليتنا مع ايران ونزاعنا معها سببه ولاية الفقيه؟ وهي ليست اكثر من صيغة دستورية ذات تكييف فقهي خلافي لمركزية الدولة التي لها تكييفات مختلفة في دساتيرنا العربية بما هي ضرورات اجتماع لا تمنع من المطابقة بينها وبين الظروف المتغيرة بالتغيير الديموقراطي؟ وهل هناك دولة دينية في ايران بمعنى المقدس السياسي، واذا ما كان الامر كذلك فما معنى التقارب مع كوبا وفنزويلا الخ؟ واذا لم يكن كذلك وكان المعيار سياسيا وطنيا فهل شافيز وكاسترو اقرب الى ايران من غيرهما من العرب والمسلمين؟ اليس من الممكن والمطلوب والمريح للعرب والايرانيين ان يحققوا التنمية الشاملة معاً من خلال نظام المصالح المتبادلة التي تضمن للثروة العربية والخليجية اولا استثمارا آمنا ومجزيا في ايران الشاسعة وتضمن لايران ازدهارا من دون اعباء اضافية ومن دون ابتزاز او تهديد او مصادرة او ارتهان على طريقة جمهوريات الموز؟
وهل يمكن اخيرا توجيه هذا السؤال الذي قد يكون مدعاة الى تكفير او تخوين الذي يطرحه؟
اما وقد اختار شاه ايران تبعية عمياء لواشنطن وتل ابيب، وقد ضيع العرب فرصا ثمينة لتحقيق نمط من الصداقة مع واشنطن بعد الحرب الكونية الثانية وعندما كانت اسرائيل لا تزال مشروعا بريطانيا بامتياز لتكون لاحقا من المكونات الاساسية للتركة التي ورثتها واشنطن عن لندن بعد افول نجمها ونظرية الفراغ الاميركية، امتدادا الى عام 1956 والعدوان الثلاثي على مصر والموقف الاميركي المعروف... اما وقد حصل ذلك وأصبحت اسرائيل هي الصديق الحصري لواشنطن ووكيلها في المنطقة ثم اصبحت شريكا اصيلا بالمزاوجة بين الضغط اليهودي على الادارة الاميركية والتبدلات في حركة المصالح الاميركية وحجمها في المنطقة بعد نهاية الحرب الباردة وتحقيق احادية الاستقطاب... فان تفاهما عربياً ايرانيا في العمق، متناغماً مع احتمالات منافسة حقيقية للمركزية الاميركية تأتي من الصين والهند بعد اليابان وآسيان، ومتزامناً من تبرم وضيق اوروبي من الهيمنة الاميركية المشغولة والتي اعاقت مشروع النهوض الاوروبي على اساس الاتحاد... هذا التفاهم من شأنه أن يحل اشكالية ايران والعرب مع اميركا ويفرضهما متكافلين متضامنين على العقل والارادة الاميركية من دون ضرورة الى الدخول الايراني مع اميركا في صراع قد لا تحمد عقباه يرافقه حصار ومحاصرة اميركية للقرار العربي استقواء بضعف العرب لاستضعاف ايران ثم المزيد من استضعاف العرب باستضعافها؟ هل هذا افتراض مستحيل؟ لعله، في رأيي اقوى من السلاح النووي بل لعله الضمانة الاكيدة لحضارية المشروع النووي الايراني والعربي المهجوس به الآن، وللشراكة السلمية التنموية العربية في المجال النووي...
اليس التناغم والتفاهم العربي الايراني هو احدى الطرق الموصلة الى حال من الامن والاستقرار والنمو والازدهار والتنمية الشاملة التي تتيح تحقيق الاصلاحات المطلوبة وتجديدها بالديموقراطية من دون املاء من احد، وبالآليات الداخلية التي تضع العرب والمسلمين على طريق عالمية جديدة على اساس المشاركة المتكافئة، والتي تضع حدا لنمو المفارقات الفاضحة والتي لا تبدو على حالها من الهول الا اذا قارناها بحالة الهند التي يبلغ تعدادها مليار نسمة وثرواتها لا تعد شيئا مقابل ثرواتنا ومع ذلك فهي لا تستورد شيئا من غذائها وتصدر المعلوماتية الى الغرب وتطرد صناعاتها القطنية مثيلتها المصرية من الغرب ومعها السجاد الايراني وتطمح الى معدل متعاظم في النمو يبلغ هذا العام 11% ويرأس جمهوريتها مسلم يمثل 5/1 من سكانها ويرأس حكومتها سيخي يمثل 20/1 من السكان. في حين تتدفق الملايين من بلادنا العربية والاسلامية، ماهرة ومتخصصة ومسكينة الى اصقاع العالم مع ازدهار العمالة الآسيوية وتفاقهما لدينا لا لسبب الا لأنهم افقر منا ونحن اقدر على التبذير غير المنتج من الصرف على التنمية. هذا والارقام الفلكية عن مستورداتنا لا تزيد مساحتها على 3/1من مساحة البلاد العربية والمساحة المزروعة فيها لا تزيد على المساحة المزروعة في فرنسا. اما سوق الاسهم في فرنسا فلا تزيد عن 5/1 من مساحة سوق الاسهم الوهمية لدينا!
الحلقة الأولى - معنى التفاهمات العربية - الإيرانية
http://www.annaharonline.com/htd/KADAYA061020-1.HTM