المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البروفيسور محمد يونس الحائز جائزة نوبل للسلام يتحدث عن المجاعة التي غيرت حياته



زوربا
10-20-2006, 03:55 PM
http://www.aawsat.com/2006/10/20/images/hassad.388092.jpg


محمد يونس نال الجائزة التي رشح لها هتلر وموسوليني وستالين لأنه وثق.. في النساء


عمر فاروق


النساء والجوع، هذا هو سر البروفيسور محمد يونس الحائز جائزة نوبل للسلام لهذا العام. فحلمه منذ كان صغيرا كان القضاء على الفقر في بنغلاديش، ثم كبر الحلم ليصير القضاء على الفقر في العالم. وكانت وسيلة يونس الى ذلك شيئين بسيطين: قرض صغير جدا، يعطى للنساء.

ولا بد ان تأثير والدته عليه كان كبيرا، ولا بد أنها كانت شخصية غير عادية، لانه خلال سنوات عمله منذ أنشأ بنك «غرامين» للاقراض الصغير وحتى الان، ذهبت أكثر من نسبة 94% من القروض الصغيرة الى النساء، ويرى البروفيسور يونس ان منح القروض للنساء ضمان نجاح، وهو توجه انتقل من تجربته في بنغلاديش الى عشرات التجارب المماثلة في العديد من انحاء العالم. غير ان الجوع كان ايضا محركا لاعمال يونس، فما دفعه الى تطوير فكرة القروض الصغيرة للفقراء، كان مجاعة مفجعة ضربت قرى بنغلاديش وأدت الى موت الالاف امام عينيه.

ولهذا أعطى فوز البروفيسور يونس بنوبل للسلام الجائزة «معنى آخر»، فالجائزة لا ينبغى ان تكون للسياسيين، او للناشطين في مجال حقوق الانسان والحريات والترويج للديمقراطية، بل ينبغى ان تفتح للافراد الذين يغيرون وجه الحياة للافضل من كل التخصصات. وهذا ما حدث هذا العام، اذ ذهبت الجائزة، التي رشح لها هتلر وموسوليني وستالين سرا، الى شخص لم يكن يوما مغرما او منخرطا في السياسة. وهو حصل عليها، ليس فقط لان فكرة القروض الصغيرة نجحت نجاحا منقطع النظير في بنغلاديش وفي البلدان النامية، بل لانها نجحت بنفس الدرجة في اميركا وكندا والنرويج وروسيا، وغيرها من البلدان الغنية. فالفقر ظاهرة عالمية، وفكرة يونس للتغلب عليه اتضح، بعد 30 عاما من العمل المتواصل، انها ايضا عالمية ويمكن تطبيقها في كل مكان.

ولد يونس في عام 1940 في قرية باثوا ببنغلاديش. وقضى المرحلة الاولى من طفولته في القرية، ثم تلقى تعليمه الاولي في قرية تشيتاغونغ. وبعد انتهاء المرحلة المدرسية درس في جامعة «داكا» وعمل مدرسا. وقد اثبت قدراته في مجال الاعمال، بتأسيس شركة تعبئة الى جانب عمله في التدريس. غير انه لاحقا حصل على منحة «فولبرايت» الدراسية وتلقى درجة الدكتوراه من جامعة «فندربيلت» في ناشفيل بولاية تنيسي.

وهو متزوج من افروجي يونس، وهي بروفسورة في الفيزياء في جامعة «جاهنغيراناغار». ويعيش يونس، طبقا للاشخاص الذين عملوا معه، حياة متواضعة وبسيطة مع ابنتيه دينا ومونيكا، بالرغم من انه ينتمي لطبقة اجتماعية مميزة، فهو ابن صاحب محل مجوهرات. وهو الابن الثالث من بين 14 ابنا، مات منهم خمسة في مرحلة الطفولة، وحقق العديد منهم انجازات في عالم الاعلام والمجال الاكاديمي. فشقيقه محمد ابراهيم، بروفسور في الفيزياء في جامعة داكا، وشقيقه الاصغر محمد جاهنجير، مقدم برامج تلفزيوني شهير.

ووسط أسرة متدينة وابوين يعملان بكد، تعلم يونس أهمية المساواة وتوفير الفرص لحياة كريمة. وقال سرتاج عزيز وزير مالية باكستان السابق لـ«الشرق الاوسط»: «اعرفه منذ اكثر من 24 سنة والتواضع هو سمته الاساسية. يعيش حياة بسيطة. ولم يغير اسلوب حياته حتى بعدما حقق هذا النجاح العظيم».

ويمكن تلخيص 30 سنة من النضال لمساعدة الفقراء في تلك العبارة التي قالها: «ليس الناس فقراء لانهم كسالى او اغبياء. الناس فقراء لعدم وجود بنية مالية لمساعدتهم. الفقر مشكلة هيكلية وليست شخصية». وقد بدأ حملته للقضاء على الفقر قبل ثلاثين سنة في منطقة كان يعيش فيها، وقد حصل بمقتضى هذه التجربة على لقب «مصرفي الفقراء»، فقد شارك يونس للمرة الاولى في معركة القضاء على الفقر، اثناء المجاعة التي تعرضت لها بنغلاديش عام 1974.

فقد اكتشف ان القروض الصغيرة للغاية يمكن ان تؤدي الى نتائج اكبر بكثير من القرض الكبير. وفي عام 1976 قاد تلاميذه في جامعة تشيتاغونغ الى رحلة ميدانية، حيث اجروا مقابلة مع امرأة تصنع مقاعد من «البامبو»، وعلموا ان عليها اقتراض مبلغ صغير من المال لشراء البامبو الخام لكل مقعد تصنعه. وبعدما تدفع عمولة للوسيط بنسبة تصل في بعض الاحيان الى 10 في المائة اسبوعيا، لا يزيد ربحها عن قرش واحد.

وتوصل يونس الى قناعة بأنها اذا كان في امكانها الحصول على قروض بمعدلات بفائدة افضل، فيمكن ان تحقق لنفسها معدلات ربح افضل وتبتعد عن حد الكفاف، الذي لا تغادر ضفافه ويكاد يغرقها وعائلتها. ولهذا بدأ فكرة القروض الصغيرة للفقراء. وقال في هذا مرارا، ان الفقراء غير المتعلمين تعليما عاليا يمكنهم ان يتحركوا بقروض صغيرة لتحسين حياتهم، أكثر مما يمكن ان يتحركوا بقروض كبيرة. كما قال ان النظم المصرفية في العالم كله تقصر القروض على الاغنياء، وتتجاهل مطالب الفقراء، بالرغم من ان الفقراء يحتاجون القروض اكثر. وفي عام 1976 اقرض يونس اول مبلغ من جيبه الى مجموعة من الحرفيين الفقراء.

اذ اقرض ما يوازي 27 دولارا من جيبه الى 42 من صانعي السلال في بلدة جوبرا. ووجد انه من الممكن بمثل هذا المبلغ البسيط مساعدتهم على الاستمرار في الحياة، بل اطلاق المبادرة الشخصية لديهم لاخراج انفسهم من دائرة الفقر. ولدعم تأثير هذا المبلغ الصغير، تطوع يونس كضامن لقرض اكبر من مصرف تقليدي. ولم يتصور البروفيسور ان مثل هذه الخطوة ستؤدي الى اسلوب جديد في الاقراض، وتضعه على قمة مؤسسة مالية قوية هى «غرامين بنك»، تشكل الان أكثر من 1% من نتاج الدخل القومى في بنغلاديش. واستمر يونس، ضد نصيحة المصارف والحكومة، في تقديم «قروض صغيرة»، وفي عام 1983 شكل «مصرف غرامين» أي «مصرف القرية» منطلقا من مبدأ الثقة والتضامن.

وفي بنغلاديش اليوم، يوجد لمصرف غرامين 1084 فرعا، يعمل فيه 12500 موظف يخدمون 2.1 مليون مقترض في 37 الف قرية. وفي أي يوم من ايام العمل يجمع المصرف 1.5 مليون دولار اقساط تسديد القروض. و94 في المائة من اصحاب القروض من النساء و98 في المائة من القروض ترد، وهو معدل اعلى من أي معدل اخر في النظم المصرفية الاخرى. ويطبق نظام غرامين في مشروعات في 58 دولة، بما فيها الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وهولندا والنرويج، بالاضافة الى غالبية دول اسيا وافريقيا واميركا الجنوبية. وعندما بدأ يونس مصرف غرامين كان هدفه التخلص من المعاملات المصرفية التقليدية. وكانت اولى اجراءاته التركيز على النساء، لأنهن الاكثر حرصا على احتياجات الاسرة، وأكثر حكمة في التعامل مع المال، كما ان دخلهن من القروض يذهب كله للاسرة، وهذا شيء غير مضمون لدى الرجال.

وكانت خطوة اقراض النساء خطوة راديكالية في مجتمع تقليدي مسلم. واستغرق يونس فترة ست سنوات للوصول الى هدفه الاساسي في التوزيع المتساوي للرجال والنساء (50 - 50). اما اليوم، فإن 94% من المقترضين من مصرف غرامين نساء. اذا كانت المصارف الكبيرة تقدم القروض الكبيرة فإن مصرف يونس يقدم قروضا صغيرة، وإذا كانت القروض الكبيرة تتطلب ملء طلبات ووثائق، فإن مصرف يونس يقرض الاميين، بدون وثائق او ضمانات. مصرف غرامين ليس فيه مديرون يرتدون البذلات، كما ان مصرفه هو الذي يذهب الى الناس، وليس العكس، كما يناقش معهم احتياجاتهم للقرض داخل اكواخهم وبيوتهم، وغالبية زبائنه لا يملكون شيئا. هناك اختلافات كثيرة بين المصارف التقليدية ومصرف يونس، وهي اختلافات لم تحدث عن طريق الصدفة. ويصف البروفيسور يونس نفسه مصرف غرامين قائلا: «نظرنا الى ما تفعله المصارف الأخرى وفعلنا عكسه. المصارف التقليدية تقدم قروضها لمن لديهم مال، اما في غرامين فإننا نفعل العكس، إذ نقدم قروضنا للمعدمين».

في بعض الحالات استطاع يونس اجتذاب رأسمال خاص لتمويل بعض الأعمال التجارية الاجتماعية. هناك مشروع «غرامينفون» الذي تملك شركة «تيلينور» النرويجية 51 بالمائة منه، وهو مشروع جرى تمويله بقروض الى نساء، ويعمل بطريقة الهواتف العامة في المناطق الريفية. وتلقى فكرة «سيدة الهاتف القروية» رواجا في الوقت الحالي الى جانب نظم اخرى متقدمة في أجزاء اخرى من آسيا وأفريقيا.

وآخر ابتكار للبروفيسور يونس في مرحلة التجربة، وهو «غرامين دانون فود»، وهو مشروع بالتعاون بين مصرف غرامين وشركة دانون الفرنسية، لصناعة حليب للأطفال بأسعار معقولة، ويحتوي على مواد غذائية كافية وفيتامينات لمعالجة الانيميا لدى الاطفال من عائلات فقيرة. ويفكر يونس في إنشاء برامج لعلاج العيون ومستشفيات ريفية العلاج فيها غير مكلف، وتحتوي على اتصال عن طريق الفيديو بين القرويين والأطباء في دكا.

وكان الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون من مؤيدي منح محمد يونس جائزة نوبل. وعبر عن ذلك في سيرته الذاتية «حياتي». وفي خطاب القاه في جامعة كاليفورنيا عام 2002 وصف كلينتون الدكتور يونس بأنه «رجل كان من المفروض ان يفوز من زمن بعيد بجائزة نوبل. وسأستمر في قول ذلك حتى يحصل عليها». وقالت هيلاري كلينتون عام 2000 ان يونس ساعدها وزوجها، الرئيس الاميركي السابق، في إدخال مشاريع للائتمان المحدود لعدد من اكثر المجموعات فقرا في ولاية آركنسو. وقال الدكتور اكمل حسين وهو اقتصادي باكستاني عمل مع البروفيسور يونس، ان حصوله على جائزة نوبل للسلام يمكن تفسيره على مستويين.

اولا هو ثالث مسلم يحصل على جائزة نوبل، وثانيا هو من جنوب اسيا وهو انجاز عظيم للمنطقة. وحلم محمد يونس الان هو القضاء تماما على الفقر من العالم. وقال ان غرامين هو «رسالة أمل وبرنامج لوضع التشرد والعوز في المتحف، بحيث يمكن لابنائنا، في يوم من الايام زيارة المتحف ويتساءلون كيف سمحنا لمثل هذا المرض الفظيع بالاستمرار». لكن عندما نال يونس الجائزة، لم يكن الكل سعيدا، فالرئيس السابق لحركة التضامن العمالية في بولندا ليخ فالينسا الحاصل على جائزة نوبل للسلام، اعترض على منح يونس الجائزة، على أساس انه لم يطور نظرية اقتصادية جديدة. غير ان علماء الاجتماع واقتصاديون يختلفون، ويقولون ان ما فعله يونس هو اعادة تفكير جذري في العلاقة الاقتصادية بين الاثرياء والفقراء وبين حقهم والتزاماتهم. وقد اعترف المصرف الدولي اخيرا بأن «هذا المنطلق للقضاء على الفقر سمح لملايين من الافراد بالخروج من دائرة الفقر. الائتمان هو آخر أمل للذين يواجهون الفقر المطلق». ولهذا السبب يعتقد محمد يونس «ان الحق في الحصول على ائتمان يجب ان يكون معترفا به كحق اساسي للفرد».

وتقول بانيسا خاتون، ان برنامج القروض الصغيرة غير حياتها، حيث تحولت الى امرأة محترمة قادرة على الاعتماد على نفسها بعد أن كانت أفقر الفقراء. وكانت بانيسا المتزوجة منذ عشرة أعوام غارقة في اليأس عندما فشل زوجها في العثور على عمل وتراكمت المشاكل المالية. وقالت في قرية باستا الواقعة على بعد 45 كيلومترا شمال داكا عاصمة بنغلاديش: «كانت حياتي تتحول الى الاسوأ. حلمي بحياة جميلة محبة تلاشى تقريبا». ولكن بصيصا من الامل لاح. سمعت بانيسا بحملة القروض الصغيرة، التي ينظمها يونس، من نساء في قرى مجاورة، وخلال شهر اقترضت ألفي تاكا (30 دولارا) من فرع قريب لبنك غرامين. وتمكنت بانيسا بفضل المال الذي اقترضته من شراء عربة ريكشو لزوجها، وبدأت عملا صغيرا في مجال تربية الدواجن. وبعد عقد من الزمان أصبحت بانيسا الان ثرية بمعايير الريف في بنغلاديش.

وقالت «لدي 27 عربة ريكشو ومزرعة دواجن بها ثلاثة الاف دجاجة وبركة سمك. أحدث مبلغ الالفي تاكا الذي اقترضته من بنك غرامين الفارق». وقالت بانيسا «نحن سعداء لان الرجل الذي أعاد الينا الامل وقدم لنا حياة جديدة أصبح معترفا به عالميا. الدكتور يونس هو.... من قدم لنا المال حتى ننجو». أما زليخة فتعيش على بيع حليب بقرة اشترتها بعد الحصول على قرض من بنك غرامين. وتدير جارتها ساميران بيبي متجرا صغيرا اشترته بالقرض الذي حصلت هي عليه. وتملك زليخة وساميران الان منزليهما الخصوصيين كما تملكان ماشية وأرضا لزراعة الارز والخضر. وروت ربيعة وراضية ومزارعات أخريات في باستا روايات مشابهة، عندما تجمعن أمس الاحد لسداد أقساط من قروضهن.

واحتفل سكان باستا وقرى في شتى أنحاء بنغلاديش بفوز يونس بجائزة نوبل للسلام بتوزيع الحلوى والغناء والرقص. وقال عبد الكلام ازاد مدير فرع بنك غرامين في باستا، ان فرعه لديه 80 مقترضا وكلهن من النساء في هذه القرية. وتابع «كلهن تمكن من تغيير حياتهن خلال بضعة أعوام باستخدام القروض الصغيرة». ويدير يونس اليوم مصرف غرامين، الذي اقرض ما يزيد على 5.1 مليار دولار لـ5.3 مليون شخص من افقر الفقراء.

وهناك ايضا مشروع اطلق عليه «برنامج الأعضاء المحتاجين» الذي يخدم 55000 متسول. ويقول يونس انه في البداية لم يكن يعتقد ان ما يفعله له اهمية على نطاق واسع، إلا ان المشروع بدأ في الاتساع وفي نفس الوقت بات يونس مدركا لمختلف جوانب الفقر على المستوى العالمي، إذ ان حوالي 1.2 مليار نسمة في العالم يفتقرون الى الاحتياجات الضرورية، ومن الممكن ان يصبح نظام القروض الصغيرة مخرجا لهم من حالة الفقر والعوز التي يعيشون فيها. وفي عام 1997 قاد البروفيسور يونس اول قمة للقروض الصغيرة بواشنطن، وفي نفس العام كان عدد الاسر المستفيدة من نظام القروض الصغيرة 7.6 مليون في مختلف الدول. واعتبارا من 31 ديسمبر (كانون الاول) 2004 أكدت 3200 مؤسسة للقروض الصغيرة انها استطاعت الوصول الى 92 مليون شخص، نسبة 73 بالمائة منهم تعيش في فقر مدقع عندما تسلموا اول قرض. وبرغم كل النجاح والصيت العالمي والجوائز، ظل الاحساس الاساسي الذي ينتاب الذين يقابلون «مصرفي الفقراء» هو الاحساس بالطيبة والثقة حيال الرجل الذي يحترمه الاقتصاديون الكبار، ويحبه الفقراء.