لمياء
10-19-2006, 12:52 AM
د أحمد صبحي منصور
بسم الله الرحمن الرحيم
1ـ من المعتقدات البدائية التى لاتزا ل تعيش بيننا ذلك الاعتقاد فى الأرواح الشريرة والأنفس السفلية والأشعة التى تخرج من عين الحاسد فتصيب المحسود. والنساء بالذات أكثر خلق الله اعتقادا فى الحسد وخوفا من عين الحسود، ويتردد على الألسنة دائما أن الحسد مذكور فى القرآن الكريم.. وبعضهم لايحفظ من القرآن الكريم إلا سورة الفلق، وهو يتمتم بها إذا أحس بالعيون تتطلع إليه، وأغلبية المصريين على اختلاف مستوياتهم – يؤمنون بهذا الاعتقاد، يستوى فى الشيخ الشعراوى ـ الذى وضع كتابا فى الحسد ـ ببائع الفول الذى يكتب على عربته الخشبية البائسة: "العين صابتنى ورب العرش نجانى."
2 ـ ولكن.. هل صحيح أن الحسد المذكور فى القرآن يعنى قدرة الحاسد بعينه الشريرة على إلحاق الأذى والمرض بالمحسود؟ وما هو معنى الحسد فى القرآن الكريم وماالمقصود بقوله تعالى " وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ "؟
إن ( الحسد ) فى القرآن الكريم يعنى فقط مجرد الحقد والكراهية دون أى رتوش أخرى.
3 ـ وتبدأ القصة بخلق آدم ورفض ابليس السجود له حقدا وحسدا، وقد عبر عن حقدة وحسده لآدم فقال عنه يخاطب رب العزة جل وعلا " قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (62) ) سورة الاسراء.
ان ابليس فى غمرة حقده وحسده على آدم طلب من الله تعالى ان يبقيه الى يوم القيامة ليمارس تصفية حساباته مع أبناء آدم،وقد استجاب الله تعالى له، فهو يمارس عمله معنا فى حياتنا، ونستطيع التخلص بسهولة من شروره اذا أستعذنا بالله تعالى من شروره، وكنا مخلصين فى الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم.
4ـ والله تعالى يعلمنا الأستعاذة بالله من شر ابليس ويوضح صفاته ومكائده فى قوله تعالى " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)
فأبليس هو شر الخلق اذ لا مجال للخير عنده ابدا وابليس هو الذى يتحرك فى الظلام ليكيد لنا وتلك صورة مجازية تعبر عن وسوسته للنفس البشرية وذلك معنى قوله تعالى " وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ " وهو الذى ينفث بسمومه فى نفوسنا ليلوث الفطرة السليمة فى داخلنا " وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)." ثم هو ذلك الحاسد الذى اعلن فى غمرة حسده لأبينا آدم ان يسيطر علينا ليهلكنا،فقوله تعالى " وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) " مقصود به ابليس وحده حين قال لله تعالى عن آدم " أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً." ونحن حين نستعيذ بالله تعالى منه انما نخشى ان نكون من ضحاياه حين توعد ذرية آدم فى ذلك الموقف امام الله تعالى، حيث كان حاسدا حاقدا..
وابليس لا يملك الا الوسوسة والحث على الشر وليس بأمكانه اكثر من ذلك،وكفى بذلك شرا.
5 ـ ويخطىء الذين يعتقدون ان قوله تعالى " وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ " تعنى الحاسدين من البشر بعيونهم المشعة الشريرة والخطيرة , والسبب ان الآية تخاطب النبى محمدا عليه السلام فى المقام الأول وتقول له السورة " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ " فهل يعنى ذلك ان يستطيع ا لحاسد من البشر ان يضر النبى الى درجة ان يأمره الله تعالى بالاستعاذة بالله منه ؟..
انهم يعتقدون ان أحد الحساد كاد أن يصيب بعينه النبى محمدا.وتلك من الاساطير المضحكة، فالقرآن الكريم ينفى ان يكون باستطاعة أى بشر من الناس ان يتسلط على النبى بضرر يمنعه من اداء الرسالة، والله تعالى يقول له " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة (67) " اذن فالله تعالى كان يعصم رسوله ـ أى يحفظه ـ من الناس الحاسدين والمتآمرين وغيرهم على كثرتهم حتى بلغ الرسالة كاملة، واذن فقوله تعالى للنبى محمد عليه السلام : " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ " لاتعنى البشر، لأنه عليه السلام محفوظ من شرور البشر، ويتعين ان يكون الاستعاذة من ابليس وحده. وذريته من الشياطين، والله تعالى يقول للنبى " وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) المؤمنون ): 23/97. ويقول له ( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) الأعراف. ويقول أيضا ( إ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)) النحل )
ولم تأت الأوامر بالاستعاذة للنبى الا فيما يتعلق بابليس والشياطين. وذلك يؤكد ان سورة الفلق كلها تتحدث عن ابليس وذريته فقط وانه هنا هو الحاسد الذى نستعيذ بالله تعالى من شره.
6 ـ على أن القرآن الكريم يتحدث أيضا عن حاسدين من بنى آدم ولكن لا يأمر بالاستعاذة منهم، ونفهم أن حسدهم مجرد حقد لايستحق سوى الشفقة من المحسود. يقول تعالى عن بعض اهل الكتاب فى عصر النبى" وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) البقرة ) " – ولو كان حقدهم يفرز أشعة كما كتب الشيخ الشعراوى فى كتابه ( الحسد ) لاستطاع ذلك الحقد الضارى أن يبيد النبى والمؤمنين، ولما قال تعالى للمؤمنين " فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا ".
7 ـ وبعضهم يستدل على وجود الحسد المهلك والضار بالمحسود بما جاء فى سورة يوسف عليه السلام حين قال أبوه يعقوب عليه السلام لأبنائه حين ذهبوا الى مصر (َ يَا بَنِي لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ) ( 12 / 67 ) أى أن النبى يعقوب ـ أو اسرائيل ـ عليه السلام خاف ـ بزعمهم ـ على أبنائه من الحسد ـ وكان عددهم بدون يوسف احدى عشر رجلا ـ فأمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة حتى لا تنالهم أعين الحاسدين وأشعتها القاتلةّّ!!
إلا إننا نفهم من النسق القرآنى فى سورة يوسف أن يعقوب عليه السلام كان يخشى على أولاده من مضايقات كان يمكن أن يتعرضوا لها عند الحدود المصرية فى أطراف سيناء. وطبقا لما جاء فى الآية الكريمة فقد كانت هناك أبواب عند دخول مصر ـأو بتعبير عصرنا ـ بوابات على الحدود. وبالتالى يتم تفتيش ومراقبة القادمين من البدو.
وفيما بعد حين التقى يوسف بوالديه وإخوته قال يشكر الله تعالى (ُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ ) 12 / 100) أى كانوا قادمين من البدو والصحراء. ومن الطبيعى أن تكون هناك احتياطات أمنية وحربية على الحدود المصرية الصحراوية الشرقية. وبالتالى فإن من دواعى الاشتباه وجود أخوة متشابهى الملامح فى صف واحد فى بوابة واحدة يتفرس فيهم الحراس الشكاكون بطبيعة مهنتهم. وأيضا فمن دواعى الحذر أن يدخل الأبناء الاحدى عشر الحدود المصرية من أبواب متفرقة.
ودخل الأبناء من أبواب متفرقة كما أمر أبوهم وقال الله تعالى فى القرآن (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (68)
أى إن هذا الحذر لن يغير شيئا من القدر الحتمى المرسوم سلفا. فالله تعالى أوحى من قبل للنبى يعقوب عليه السلام بما سيحدث لابنه يوسف من اخوته، وهذا هو العلم الذى أعلمه الله تعالى به وجاءت الاشارة اليه فى سورة يوسف فى أكثر من موضع ( 5، 6، 18، 83، 86 ـ، 94، 96 ) إلا أن عاطفة الأبوة عنده أذهبت عينيه من الحزن وجعلته يشفق على أبنائه من دخول الحدود المصرية.
من ناحية أخرى فان التقدم الهائل الذى كانت تعيش فيه مصر فى تلك الفترة كان يجعلها فى حذر من مجىء البدو اليها. وبعض ملامح هذا الترف والحضارة تظهر بين ثنايا سورة يوسف فيما يخص قصر العزيز ـ ولم يكن هو الملك بل أحد خدمه.
إقرأ قوله تعالى عن امرأة العزيز ومحاولتها مع يوسف (خادمها حينئذ)( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ) يهمنا هنا أنها أغلقت الباب ـ آسف ـ بل أحكمت اغلاق الأبواب. أى ان لديها فى جناحها الخاص أكثر من حجرة وأكثر من باب، وأن لكل باب منها أقفالا مزدوجة تستطيع بها من الداخل قفل الأبواب وإحكام قفلها.ولكن المفاجأة أن زوجها كانت لديه مفاتيح يفتح بها نفس الأبواب من الخارج.
قد يبدو هذا عاديا فى عصرنا، ولكننا نتكلم هنا عن عصر يوسف أثناء الدولة الوسطى فى التاريخ الفرعونى. أى أنه فى الوقت الذى كان معظم البشر لم يهبطوا بعد من فوق الأشجار كانت إمرأة العزيز تقيم حفل استقبال للنساء المترفات فى المدينة فى قصرها العامر لتفتح معهن حفلة للثرثرة تنتهى بأن تريهن جمال يوسف. وهكذا فى وقت انشغالهن بالثرثرة والنميمة وآخر أخبار الاشاعات وهن متكئات على الأرائك يدخل عليهن يوسف فتتوقف الألسنة ويخيم الصمت ثم يصرخن جميعا (حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) 12 / 31)
من الطبيعى فى وجود دولة بهذا القدر من الحضارة والرفاهية أن تحمى نفسها من الشرق حيث يوجد البدو، أى لابد أن تكون لمصر أبوابا على حدودها,و لا بد ان يشتهر الحراس على هذه الأبواب باليقظة والغلظة. ومن هنا خاف النبى يعقوب على أبنائه الاحدى عشر. لم يخش من الحسد ولكن من حراس الحدود.
ونرجع الى موضوع الحسد لنقول إن ابليس استطاع أن يتلاعب بنا، اقنعنا أنه ليس هو المقصود بسورة الفلق وأنه ليس الحاسد وجعلنا نعتقد فى خرافات الارواح الشريرة والانفس السفلية والحاسد ذى العين السحرية المدورة.. ويبدو انه قد أحكم سيطرته على الاغلبية منا لأنه مهما قيل من أدلة قرآنية وعلمية فسيظل بعض الشيوخ وبعض الأئمة وبعض السيدات وبعض العوانس يعتقدون فى الحسد وخمسة وخميسة والنهارده الخميس والشر بره وبعيد.. ودستور ياأسيادى. !!
ا
بسم الله الرحمن الرحيم
1ـ من المعتقدات البدائية التى لاتزا ل تعيش بيننا ذلك الاعتقاد فى الأرواح الشريرة والأنفس السفلية والأشعة التى تخرج من عين الحاسد فتصيب المحسود. والنساء بالذات أكثر خلق الله اعتقادا فى الحسد وخوفا من عين الحسود، ويتردد على الألسنة دائما أن الحسد مذكور فى القرآن الكريم.. وبعضهم لايحفظ من القرآن الكريم إلا سورة الفلق، وهو يتمتم بها إذا أحس بالعيون تتطلع إليه، وأغلبية المصريين على اختلاف مستوياتهم – يؤمنون بهذا الاعتقاد، يستوى فى الشيخ الشعراوى ـ الذى وضع كتابا فى الحسد ـ ببائع الفول الذى يكتب على عربته الخشبية البائسة: "العين صابتنى ورب العرش نجانى."
2 ـ ولكن.. هل صحيح أن الحسد المذكور فى القرآن يعنى قدرة الحاسد بعينه الشريرة على إلحاق الأذى والمرض بالمحسود؟ وما هو معنى الحسد فى القرآن الكريم وماالمقصود بقوله تعالى " وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ "؟
إن ( الحسد ) فى القرآن الكريم يعنى فقط مجرد الحقد والكراهية دون أى رتوش أخرى.
3 ـ وتبدأ القصة بخلق آدم ورفض ابليس السجود له حقدا وحسدا، وقد عبر عن حقدة وحسده لآدم فقال عنه يخاطب رب العزة جل وعلا " قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (62) ) سورة الاسراء.
ان ابليس فى غمرة حقده وحسده على آدم طلب من الله تعالى ان يبقيه الى يوم القيامة ليمارس تصفية حساباته مع أبناء آدم،وقد استجاب الله تعالى له، فهو يمارس عمله معنا فى حياتنا، ونستطيع التخلص بسهولة من شروره اذا أستعذنا بالله تعالى من شروره، وكنا مخلصين فى الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم.
4ـ والله تعالى يعلمنا الأستعاذة بالله من شر ابليس ويوضح صفاته ومكائده فى قوله تعالى " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)
فأبليس هو شر الخلق اذ لا مجال للخير عنده ابدا وابليس هو الذى يتحرك فى الظلام ليكيد لنا وتلك صورة مجازية تعبر عن وسوسته للنفس البشرية وذلك معنى قوله تعالى " وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ " وهو الذى ينفث بسمومه فى نفوسنا ليلوث الفطرة السليمة فى داخلنا " وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)." ثم هو ذلك الحاسد الذى اعلن فى غمرة حسده لأبينا آدم ان يسيطر علينا ليهلكنا،فقوله تعالى " وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) " مقصود به ابليس وحده حين قال لله تعالى عن آدم " أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً." ونحن حين نستعيذ بالله تعالى منه انما نخشى ان نكون من ضحاياه حين توعد ذرية آدم فى ذلك الموقف امام الله تعالى، حيث كان حاسدا حاقدا..
وابليس لا يملك الا الوسوسة والحث على الشر وليس بأمكانه اكثر من ذلك،وكفى بذلك شرا.
5 ـ ويخطىء الذين يعتقدون ان قوله تعالى " وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ " تعنى الحاسدين من البشر بعيونهم المشعة الشريرة والخطيرة , والسبب ان الآية تخاطب النبى محمدا عليه السلام فى المقام الأول وتقول له السورة " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ " فهل يعنى ذلك ان يستطيع ا لحاسد من البشر ان يضر النبى الى درجة ان يأمره الله تعالى بالاستعاذة بالله منه ؟..
انهم يعتقدون ان أحد الحساد كاد أن يصيب بعينه النبى محمدا.وتلك من الاساطير المضحكة، فالقرآن الكريم ينفى ان يكون باستطاعة أى بشر من الناس ان يتسلط على النبى بضرر يمنعه من اداء الرسالة، والله تعالى يقول له " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة (67) " اذن فالله تعالى كان يعصم رسوله ـ أى يحفظه ـ من الناس الحاسدين والمتآمرين وغيرهم على كثرتهم حتى بلغ الرسالة كاملة، واذن فقوله تعالى للنبى محمد عليه السلام : " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ " لاتعنى البشر، لأنه عليه السلام محفوظ من شرور البشر، ويتعين ان يكون الاستعاذة من ابليس وحده. وذريته من الشياطين، والله تعالى يقول للنبى " وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) المؤمنون ): 23/97. ويقول له ( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) الأعراف. ويقول أيضا ( إ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)) النحل )
ولم تأت الأوامر بالاستعاذة للنبى الا فيما يتعلق بابليس والشياطين. وذلك يؤكد ان سورة الفلق كلها تتحدث عن ابليس وذريته فقط وانه هنا هو الحاسد الذى نستعيذ بالله تعالى من شره.
6 ـ على أن القرآن الكريم يتحدث أيضا عن حاسدين من بنى آدم ولكن لا يأمر بالاستعاذة منهم، ونفهم أن حسدهم مجرد حقد لايستحق سوى الشفقة من المحسود. يقول تعالى عن بعض اهل الكتاب فى عصر النبى" وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) البقرة ) " – ولو كان حقدهم يفرز أشعة كما كتب الشيخ الشعراوى فى كتابه ( الحسد ) لاستطاع ذلك الحقد الضارى أن يبيد النبى والمؤمنين، ولما قال تعالى للمؤمنين " فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا ".
7 ـ وبعضهم يستدل على وجود الحسد المهلك والضار بالمحسود بما جاء فى سورة يوسف عليه السلام حين قال أبوه يعقوب عليه السلام لأبنائه حين ذهبوا الى مصر (َ يَا بَنِي لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ) ( 12 / 67 ) أى أن النبى يعقوب ـ أو اسرائيل ـ عليه السلام خاف ـ بزعمهم ـ على أبنائه من الحسد ـ وكان عددهم بدون يوسف احدى عشر رجلا ـ فأمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة حتى لا تنالهم أعين الحاسدين وأشعتها القاتلةّّ!!
إلا إننا نفهم من النسق القرآنى فى سورة يوسف أن يعقوب عليه السلام كان يخشى على أولاده من مضايقات كان يمكن أن يتعرضوا لها عند الحدود المصرية فى أطراف سيناء. وطبقا لما جاء فى الآية الكريمة فقد كانت هناك أبواب عند دخول مصر ـأو بتعبير عصرنا ـ بوابات على الحدود. وبالتالى يتم تفتيش ومراقبة القادمين من البدو.
وفيما بعد حين التقى يوسف بوالديه وإخوته قال يشكر الله تعالى (ُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ ) 12 / 100) أى كانوا قادمين من البدو والصحراء. ومن الطبيعى أن تكون هناك احتياطات أمنية وحربية على الحدود المصرية الصحراوية الشرقية. وبالتالى فإن من دواعى الاشتباه وجود أخوة متشابهى الملامح فى صف واحد فى بوابة واحدة يتفرس فيهم الحراس الشكاكون بطبيعة مهنتهم. وأيضا فمن دواعى الحذر أن يدخل الأبناء الاحدى عشر الحدود المصرية من أبواب متفرقة.
ودخل الأبناء من أبواب متفرقة كما أمر أبوهم وقال الله تعالى فى القرآن (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (68)
أى إن هذا الحذر لن يغير شيئا من القدر الحتمى المرسوم سلفا. فالله تعالى أوحى من قبل للنبى يعقوب عليه السلام بما سيحدث لابنه يوسف من اخوته، وهذا هو العلم الذى أعلمه الله تعالى به وجاءت الاشارة اليه فى سورة يوسف فى أكثر من موضع ( 5، 6، 18، 83، 86 ـ، 94، 96 ) إلا أن عاطفة الأبوة عنده أذهبت عينيه من الحزن وجعلته يشفق على أبنائه من دخول الحدود المصرية.
من ناحية أخرى فان التقدم الهائل الذى كانت تعيش فيه مصر فى تلك الفترة كان يجعلها فى حذر من مجىء البدو اليها. وبعض ملامح هذا الترف والحضارة تظهر بين ثنايا سورة يوسف فيما يخص قصر العزيز ـ ولم يكن هو الملك بل أحد خدمه.
إقرأ قوله تعالى عن امرأة العزيز ومحاولتها مع يوسف (خادمها حينئذ)( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ) يهمنا هنا أنها أغلقت الباب ـ آسف ـ بل أحكمت اغلاق الأبواب. أى ان لديها فى جناحها الخاص أكثر من حجرة وأكثر من باب، وأن لكل باب منها أقفالا مزدوجة تستطيع بها من الداخل قفل الأبواب وإحكام قفلها.ولكن المفاجأة أن زوجها كانت لديه مفاتيح يفتح بها نفس الأبواب من الخارج.
قد يبدو هذا عاديا فى عصرنا، ولكننا نتكلم هنا عن عصر يوسف أثناء الدولة الوسطى فى التاريخ الفرعونى. أى أنه فى الوقت الذى كان معظم البشر لم يهبطوا بعد من فوق الأشجار كانت إمرأة العزيز تقيم حفل استقبال للنساء المترفات فى المدينة فى قصرها العامر لتفتح معهن حفلة للثرثرة تنتهى بأن تريهن جمال يوسف. وهكذا فى وقت انشغالهن بالثرثرة والنميمة وآخر أخبار الاشاعات وهن متكئات على الأرائك يدخل عليهن يوسف فتتوقف الألسنة ويخيم الصمت ثم يصرخن جميعا (حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) 12 / 31)
من الطبيعى فى وجود دولة بهذا القدر من الحضارة والرفاهية أن تحمى نفسها من الشرق حيث يوجد البدو، أى لابد أن تكون لمصر أبوابا على حدودها,و لا بد ان يشتهر الحراس على هذه الأبواب باليقظة والغلظة. ومن هنا خاف النبى يعقوب على أبنائه الاحدى عشر. لم يخش من الحسد ولكن من حراس الحدود.
ونرجع الى موضوع الحسد لنقول إن ابليس استطاع أن يتلاعب بنا، اقنعنا أنه ليس هو المقصود بسورة الفلق وأنه ليس الحاسد وجعلنا نعتقد فى خرافات الارواح الشريرة والانفس السفلية والحاسد ذى العين السحرية المدورة.. ويبدو انه قد أحكم سيطرته على الاغلبية منا لأنه مهما قيل من أدلة قرآنية وعلمية فسيظل بعض الشيوخ وبعض الأئمة وبعض السيدات وبعض العوانس يعتقدون فى الحسد وخمسة وخميسة والنهارده الخميس والشر بره وبعيد.. ودستور ياأسيادى. !!
ا