جون
10-18-2006, 02:30 AM
http://www.alraialaam.com/18-10-2006/ie5/int1.jpg
الرباط - من رضا الأعرجي
صعد الناشطون الأمازيغيون المغاربة سقف مطالبهم، بالدعوة الى تطبيق الحكم الذاتي في شمال البلاد، أسوة بما سيتم في جنوبه بمنح سكان الصحراء حكما ذاتيا، في وقت تنوي فيه فاعليات أمازيغية عقد مؤتمر دولي حول «الحكم الذاتي» الذي تصفه بـ «الخيار الديموقراطي لتحقيق التكامل والتكافؤ بين الأقاليم المغربية» ستدعو لحضوره الدول التي نجحت في تجارب هذا النمط من الادارة.
وفي هذا السياق، جددت «كونفيديرالية الجمعيات الثقافية الأمازيغية شمال المغرب»، وهي تجمع يضم 36 جمعية من بين 90 جمعية تتولى الدفاع عن حقوق سكان المغرب الأصليين، الدعوة الى «دسترة» اللغة الأمازيغية، أي التنصيص عليها في الدستور كلغة وطنية ورسمية، وتصحيح سياسة الدولة المغربية حيال الاختلاف والتنوع الثقافيين، خصوصا في المجالات التعليمية والاعلامية والقضائية والاقتصادية.
وتشكو الكونفيديرالية مما أسمته بـ «الحيف الاقتصادي والاجتماعي في مناطق الأمازيغ المهمشة»، وهي ترى ضرورة اشراك هؤلاء في ادارة الشأن الأمازيغي وارجاع الأراضي والغابات، وكل ما يتعلق بالغنى المادي اليهم، كونها من حقوقهم الطبيعية، كما تشكو من حيف آخر يمس حقهم في اختيار تسمية أبنائهم بأسماء موصولة بثقافتهم وهويتهم، حيث عمدت السلطات المغربية الى وضع لائحة بالأسماء المسموح باطلاقها على المواليد الجدد استبعدت منها أسماء أمازيغية تقليدية.
ويكشف هذا التطور، الذي أخذت فيه مطالب الأمازيغيين تنحو نحو الراديكالية والتشدد، عن واقع جديد أخذ يتشكل على الساحة المغربية منذ سبعينات القرن المنصرم، مع ظهور تيارات تتأرجح بين التطرف اليساري واليميني، وضمن هذه التيارات، تيار «الأمازيغية السياسية»، الذي يتخذ من الواجهة الثقافية مجالاً لممارسته العمل السياسي، ويرتكز في خطابه على «أن تاريخ المغرب هو تاريخ التنكر للثقافة البربرية»، وبالتالي فانه تاريخ استغلال العنصر العربي للعنصر البربري.
لكن لا يعني ذلك أن التيار البربري هو وليد الفترة المذكورة، فهو يرجع الى سنوات طويلة سابقة. فبعد استقلال المغرب بقليل حدث أول انشقاق في صفوف حزب الاستقلال بانشاء «الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال» في يناير 1959 والذي كان النواة الحقيقية لحزب «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية» الذي أعلن عن تأسيسه في سبتمبر من ذلك العام، وقد تم تفسير الأمر على أنه «محاولة لتخلص العناصر السوسية/البربرية من العناصر الفاسية نسبة الى مدينة فاس العربية».
ولم تمر أيام قليلة حتى تشكل أول حزب بربري في المغرب هو «الحركة الشعبية» في فبراير 1959، وقد أسسه الضابط العسكري المحجوبي أحرضان أول وزير دفاع مغربي بعد الاستقلال، والدكتور عبد الكريم الخطيب الذي تولى حقائب وزارية عدة، بهدف «تمثيل سكان البوادي الامازيغيين داخل جهاز الحكم».
و اختلف الباحثون حول أصول البربر، وأصول البربرية بمختلف لهجاتها، فبينما يدعي دعاتها ان البربر هم «آريون لاتينيون» يرى خصومهم أن «البربر عرب من العاربة القحطانية، وأنهم اقرب الى الحميريين»، بل هناك من يعتبرهم «أعرب من عرب الجزيرة». كما أن البربرية ـ في نظرهم ـ لم تكن لغة في تاريخها، وانما كانت دائماً لهجات متعددة، حيث لا يوجد كتاب واحد كتب بالبربرية.
ويطلق البربر على أنفسهم الآن اسم الأمازيغ، وهي كلمة يراها البعض عربية الجذور (الأمازر: الأقوياء أشداء القلوب، وهي من جذر مزر). أما الأمازيغية فهي لسان غير مدون للقبائل البربرية المنتشرة من المغرب والجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر وتونس وليبيا، حتى سيوا في غرب مصر. وهناك ثلاث لهجات بربرية يجري بها الحديث، في جهات شاسعة من المغرب، وهي «تريفيت»، «تشلحيت» و «تمزيغت».
وتفسر الحركة البربرية بتفسيرات عدة أهمها:
- التعلق بـ «الهوية البربرية»، ورفض الذوبان في المحيط العربي الاسلامي الذي شكل ويشكل الامتداد الثقافي والحضاري الطبيعي لغالبية سكان شمال أفريقيا.
- رد فعل على ظاهرة التعريب التي شملت منذ الاستقلال التعليم في كل مراحله، وبدأت تمتد الى مجالات الادارة والتسيير.
ويتنازع الحركة البربرية تياران: أولهما، «تيار نخبوي» يتنافس على قيادته عدد من السياسيين المثقفين المغاربة، يريد ربط الحركة بالمجال الثقافي الفرنكوفوني، ويعمل على رسم الحروف التي ينبغي أن تكتب بها «اللغة الأمازيغية» بالحروف اللاتينية. وثانيهما، «تيار شعبي» تتبناه بعض الأحزاب والحركات الاسلامية ويريد للحركة أن ترتبط بالمجال الثقافي العربي الاسلامي ويحرص على عدم استخدام «اللغة الأمازيغية» في الكتابة، أو كتابتها بالأبجدية العربية اذا ما تم ذلك.
وتجدر الاشارة الى أن الاحداث التي عاشتها مدينة تيزي وزو وضواحيها في الجزائر في 20 ابريل 1980 المعروفة باسم «الربيع الأمازيغي» أصبحت تؤرخ لميلاد «الحركة البربرية السياسية» في منطقة شمال أفريقيا، ففي أعقابها انعقد «مؤتمر ياكورن» الذي وضع الأرضية الأساسية لنشاط هذه الحركة ومبادئها وأهدافها، ومن هذه الأهداف «جعل اللغة الأمازيغية في مستوى اللغة العربية». وكانت تلك المرة الأولى التي تظهر فيها الحركة البربرية بمثل هذه الاطروحات.
وفي العام 1980، عقدت «الجامعة الصيفية» في مدينة اغادير المغربية دورتها الأولى الحافلة بالمحاضرات حول الثقافة الأمازيغية، وأصدرت ميثاقاً اعتبر تحولاً جذريا في الحركة الثقافية البربرية. وتلت هذه التظاهرة مبادرات أخرى منها المذكرة المرسلة من الجمعيات الأمازيغية الى المؤتمر العالمي لحقوق الانسان المنعقد في فيينا عام 1993، والتئام مؤتمر لهذه الجمعيات على هامش المؤتمر، ثم اجتماعها من جديد بمدينة جنيف للمساهمة في «مؤتمر الشعوب الأصلية».
وأثار هذا الزخم اللافت حفيظة السلطات الرسمية التي لجأت في تعاملها مع القضية الأمازيغية الى أسلوبين، أسلوب المنع المباشر لأنشطة مجموعة من الجمعيات، وأسلوب غير مباشر تمثل في سياسة «اللامركزية والجهوية» وتمكين الأمازيغية من دخول التلفزيون عبر «نشرة اللهجات» اليومية منذ أغسطس 1994، تنفيذاً لقرار أصدره الملك الراحل الحسن الثاني، الذي وعد أيضاً بتدريس الأمازيغية.
وعملياً، توجد برامج اذاعية موجهة للسكان الأمازيغيين، فيما أعلن وزير الاتصال المغربي اخيرا عن مشروع انشاء قناة تلفزيونية فضائية أمازيغية، كما تصدر صحف عدة بالامازيغية، وتوجد أفلام ومسرحيات وأغان بالامازيغية لها جمهور واسع جداً منتشر في كل جغرافيا المغرب.
وللأمازيغيين مواقع في مراكز القرار في الادارة والاقتصاد، وفي مختلف المناصب المهمة في الجيش والأمن والشرطة، عدا موقعهم المتميز في النشاط الاقتصادي، لكن ما زالت «الحركة البربرية السياسية» تنتقد سياسة التعريب، وتطالب بعدم تهميش الأمازيغية، ويغلب على بعض غلاة الدعوة الأمازيغية الانسياق وراء تحليلات تمتد الى حد اعطاء تفسيرات جديدة لتطور التاريخ المغربي، ووضع أسئلة في شأن هيمنة العربية، وما يرتبط بذلك من اختيارات سياسية على صعيد منطقة المغرب العربي بمجموعها.
الرباط - من رضا الأعرجي
صعد الناشطون الأمازيغيون المغاربة سقف مطالبهم، بالدعوة الى تطبيق الحكم الذاتي في شمال البلاد، أسوة بما سيتم في جنوبه بمنح سكان الصحراء حكما ذاتيا، في وقت تنوي فيه فاعليات أمازيغية عقد مؤتمر دولي حول «الحكم الذاتي» الذي تصفه بـ «الخيار الديموقراطي لتحقيق التكامل والتكافؤ بين الأقاليم المغربية» ستدعو لحضوره الدول التي نجحت في تجارب هذا النمط من الادارة.
وفي هذا السياق، جددت «كونفيديرالية الجمعيات الثقافية الأمازيغية شمال المغرب»، وهي تجمع يضم 36 جمعية من بين 90 جمعية تتولى الدفاع عن حقوق سكان المغرب الأصليين، الدعوة الى «دسترة» اللغة الأمازيغية، أي التنصيص عليها في الدستور كلغة وطنية ورسمية، وتصحيح سياسة الدولة المغربية حيال الاختلاف والتنوع الثقافيين، خصوصا في المجالات التعليمية والاعلامية والقضائية والاقتصادية.
وتشكو الكونفيديرالية مما أسمته بـ «الحيف الاقتصادي والاجتماعي في مناطق الأمازيغ المهمشة»، وهي ترى ضرورة اشراك هؤلاء في ادارة الشأن الأمازيغي وارجاع الأراضي والغابات، وكل ما يتعلق بالغنى المادي اليهم، كونها من حقوقهم الطبيعية، كما تشكو من حيف آخر يمس حقهم في اختيار تسمية أبنائهم بأسماء موصولة بثقافتهم وهويتهم، حيث عمدت السلطات المغربية الى وضع لائحة بالأسماء المسموح باطلاقها على المواليد الجدد استبعدت منها أسماء أمازيغية تقليدية.
ويكشف هذا التطور، الذي أخذت فيه مطالب الأمازيغيين تنحو نحو الراديكالية والتشدد، عن واقع جديد أخذ يتشكل على الساحة المغربية منذ سبعينات القرن المنصرم، مع ظهور تيارات تتأرجح بين التطرف اليساري واليميني، وضمن هذه التيارات، تيار «الأمازيغية السياسية»، الذي يتخذ من الواجهة الثقافية مجالاً لممارسته العمل السياسي، ويرتكز في خطابه على «أن تاريخ المغرب هو تاريخ التنكر للثقافة البربرية»، وبالتالي فانه تاريخ استغلال العنصر العربي للعنصر البربري.
لكن لا يعني ذلك أن التيار البربري هو وليد الفترة المذكورة، فهو يرجع الى سنوات طويلة سابقة. فبعد استقلال المغرب بقليل حدث أول انشقاق في صفوف حزب الاستقلال بانشاء «الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال» في يناير 1959 والذي كان النواة الحقيقية لحزب «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية» الذي أعلن عن تأسيسه في سبتمبر من ذلك العام، وقد تم تفسير الأمر على أنه «محاولة لتخلص العناصر السوسية/البربرية من العناصر الفاسية نسبة الى مدينة فاس العربية».
ولم تمر أيام قليلة حتى تشكل أول حزب بربري في المغرب هو «الحركة الشعبية» في فبراير 1959، وقد أسسه الضابط العسكري المحجوبي أحرضان أول وزير دفاع مغربي بعد الاستقلال، والدكتور عبد الكريم الخطيب الذي تولى حقائب وزارية عدة، بهدف «تمثيل سكان البوادي الامازيغيين داخل جهاز الحكم».
و اختلف الباحثون حول أصول البربر، وأصول البربرية بمختلف لهجاتها، فبينما يدعي دعاتها ان البربر هم «آريون لاتينيون» يرى خصومهم أن «البربر عرب من العاربة القحطانية، وأنهم اقرب الى الحميريين»، بل هناك من يعتبرهم «أعرب من عرب الجزيرة». كما أن البربرية ـ في نظرهم ـ لم تكن لغة في تاريخها، وانما كانت دائماً لهجات متعددة، حيث لا يوجد كتاب واحد كتب بالبربرية.
ويطلق البربر على أنفسهم الآن اسم الأمازيغ، وهي كلمة يراها البعض عربية الجذور (الأمازر: الأقوياء أشداء القلوب، وهي من جذر مزر). أما الأمازيغية فهي لسان غير مدون للقبائل البربرية المنتشرة من المغرب والجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر وتونس وليبيا، حتى سيوا في غرب مصر. وهناك ثلاث لهجات بربرية يجري بها الحديث، في جهات شاسعة من المغرب، وهي «تريفيت»، «تشلحيت» و «تمزيغت».
وتفسر الحركة البربرية بتفسيرات عدة أهمها:
- التعلق بـ «الهوية البربرية»، ورفض الذوبان في المحيط العربي الاسلامي الذي شكل ويشكل الامتداد الثقافي والحضاري الطبيعي لغالبية سكان شمال أفريقيا.
- رد فعل على ظاهرة التعريب التي شملت منذ الاستقلال التعليم في كل مراحله، وبدأت تمتد الى مجالات الادارة والتسيير.
ويتنازع الحركة البربرية تياران: أولهما، «تيار نخبوي» يتنافس على قيادته عدد من السياسيين المثقفين المغاربة، يريد ربط الحركة بالمجال الثقافي الفرنكوفوني، ويعمل على رسم الحروف التي ينبغي أن تكتب بها «اللغة الأمازيغية» بالحروف اللاتينية. وثانيهما، «تيار شعبي» تتبناه بعض الأحزاب والحركات الاسلامية ويريد للحركة أن ترتبط بالمجال الثقافي العربي الاسلامي ويحرص على عدم استخدام «اللغة الأمازيغية» في الكتابة، أو كتابتها بالأبجدية العربية اذا ما تم ذلك.
وتجدر الاشارة الى أن الاحداث التي عاشتها مدينة تيزي وزو وضواحيها في الجزائر في 20 ابريل 1980 المعروفة باسم «الربيع الأمازيغي» أصبحت تؤرخ لميلاد «الحركة البربرية السياسية» في منطقة شمال أفريقيا، ففي أعقابها انعقد «مؤتمر ياكورن» الذي وضع الأرضية الأساسية لنشاط هذه الحركة ومبادئها وأهدافها، ومن هذه الأهداف «جعل اللغة الأمازيغية في مستوى اللغة العربية». وكانت تلك المرة الأولى التي تظهر فيها الحركة البربرية بمثل هذه الاطروحات.
وفي العام 1980، عقدت «الجامعة الصيفية» في مدينة اغادير المغربية دورتها الأولى الحافلة بالمحاضرات حول الثقافة الأمازيغية، وأصدرت ميثاقاً اعتبر تحولاً جذريا في الحركة الثقافية البربرية. وتلت هذه التظاهرة مبادرات أخرى منها المذكرة المرسلة من الجمعيات الأمازيغية الى المؤتمر العالمي لحقوق الانسان المنعقد في فيينا عام 1993، والتئام مؤتمر لهذه الجمعيات على هامش المؤتمر، ثم اجتماعها من جديد بمدينة جنيف للمساهمة في «مؤتمر الشعوب الأصلية».
وأثار هذا الزخم اللافت حفيظة السلطات الرسمية التي لجأت في تعاملها مع القضية الأمازيغية الى أسلوبين، أسلوب المنع المباشر لأنشطة مجموعة من الجمعيات، وأسلوب غير مباشر تمثل في سياسة «اللامركزية والجهوية» وتمكين الأمازيغية من دخول التلفزيون عبر «نشرة اللهجات» اليومية منذ أغسطس 1994، تنفيذاً لقرار أصدره الملك الراحل الحسن الثاني، الذي وعد أيضاً بتدريس الأمازيغية.
وعملياً، توجد برامج اذاعية موجهة للسكان الأمازيغيين، فيما أعلن وزير الاتصال المغربي اخيرا عن مشروع انشاء قناة تلفزيونية فضائية أمازيغية، كما تصدر صحف عدة بالامازيغية، وتوجد أفلام ومسرحيات وأغان بالامازيغية لها جمهور واسع جداً منتشر في كل جغرافيا المغرب.
وللأمازيغيين مواقع في مراكز القرار في الادارة والاقتصاد، وفي مختلف المناصب المهمة في الجيش والأمن والشرطة، عدا موقعهم المتميز في النشاط الاقتصادي، لكن ما زالت «الحركة البربرية السياسية» تنتقد سياسة التعريب، وتطالب بعدم تهميش الأمازيغية، ويغلب على بعض غلاة الدعوة الأمازيغية الانسياق وراء تحليلات تمتد الى حد اعطاء تفسيرات جديدة لتطور التاريخ المغربي، ووضع أسئلة في شأن هيمنة العربية، وما يرتبط بذلك من اختيارات سياسية على صعيد منطقة المغرب العربي بمجموعها.