yasmeen
10-17-2006, 01:43 AM
الدكتور احمد البغدادي
كاتب كويتي
مستقبل الكويت لا يبشر بخير على المدى المتوسط, كويت المستقبل ستكون النسخة المنقحة المودرن لطالبان الجديدة, وسيتحقق حلم الجماعات الدينية, التي ستفشل ومن دون أدنى شك في عملية بناء الدولة حضاريا, لأنها لا تملك أي مشروع حضاري للدولة, كما حصل في أفغانستان وفي السودان العلماني حاليا. لكن إلى حين يكتشف الناس هذه الحقيقة سنكون كمجتمع, قد سقينا الحنظل في الطوس وليس في الكؤوس.
النسخة الجديدة لطالبان تتمثل في إقامة مجتمع جديد من خلال التشريعات القانونية التي يتحكم في آلياتها أعضاء البرلمان من منتمي التيارين الديني والقبلي, و حيث سيكون التركيز على موضوع القيم الاجتماعية والعادات والتقاليد. وهو موضوع سهل ربطه بالإسلام, ولا يجد له معارضة قوية على المستوى الاجتماعي العام, بل سترتفع الأصوات الشعبية هنا وهناك, سواء من خلال الصحافة أو البرامج الإذاعية والمتلفزة, للمطالبة بالحفاظ على هذه القيم. وحيث أنه لا أحد يمتلك رؤية اجتماعية لكيفية التحكم وفرض هذه القيم, سيطرح نواب الجماعات الدينية رؤيتهم الدينية التي يدعون أنها مستمدة من الإسلام, حتى وإن لم تكن كذلك, لكن من يملك الشجاعة لمواجهة هذا الإدعاء? وبالتالي سيقبل الجميع ولو ظاهريا, القيود التي سيفرضها النواب من خلال التشريعات القانونية, التي تخدم هذا الغرض, وما سكوت الحكومة على انتشار النقاب في الوزارات والمدارس والجامعة سوى مؤشرات أولية على رغبة الحكومة الكويتية على إيذاء الكويتيين من خلال مثل هذه القوانين الاستبدادية, التي ستوفر الفرصة للتيار الديني لفرض هيمنته على المجتمع الكويتي.
من جانب آخر, سيشهد المجتمع الكويتي إنشاء قناة فضائية دينية رسمية, ولزيادة الإذلال سيسمح بها, إن لم يدع لإنشائها, وزير إعلام غير منتم إلى التيار الديني, يحسبه الناس على الفكر الليبرالي زورا وبهتانا. وبذلك تزداد الجرعة الدينية الرسمية في المجتمع تدريجيا. ولا ننسى حقيقة تديين المناهج التربوية, والمتمثل بطغيان الموضوعات الدينية على توجه المناهج حتى لو كانت علمية. ثم يتبع ذلك قيام تنامي النشاط الديني لوزارة الأوقاف حتى تظل الأمور تحت السيطرة الحكومية. ويكفي دليلا على ذلك كثرة الإعلانات الدينية التي أخذت تبشر الشباب بالمغفرة في الآخرة, من دون عرض أي نص قرآني يدل على أن الله سبحانه قد كتب على نفسه الرحمة, وأن المسلم العاقل ليس بحاجة إلى بشارة وزارة الأوقاف الكويتية. وبذلك تصبح الحكومة الكويتية مثل الكنيسة في العصور الوسطى, حيث كانت تباع صكوك الغفران, مع فارق بسيط, ألا وهو أن صكوك وزارة الأوقاف مجانية, على حساب الحكومة الكويتية.
من الشواهد الدالة على ما نذهب إليه من قيام طالبان الكويتية الجديدة, انتشار المعاهد الدينية الحكومية للمراحل المتوسطة في مختلف المناطق, تحقيقا لما يطالب به نواب القبائل والجماعات الدينية, إضافة إلى المسابقات الدينية, وهيمنة وزارة الأوقاف على مراكز الشباب في الآونة الأخيرة.
ان الأوضاع الحالية في الكويت تمهد لقيام دولة طالبان الجديدة, إذ ليس من المعقول أن تصمت الحكومة إزاء تطاول الرموز السياسية للدولة كالعلم والنشيد الوطني والصور الرسمية, من دون الاستنتاج بموافقة الحكومة على السماح لممثلي فكر طالبان في الكويت بنشر فكرهم. والشواهد كثيرة, منها تكرار عدم وقوف بعض المسؤولين في المدارس الحكومية للنشيد الوطني باعتباره من الموسيقى المحرمة دينيا, فضلا عن كون النشيد الوطني ذاته بدعة دينية. ولم تحرك الحكومة ساكنا. كذلك الأمر مع تحية العلم التي رفض بعض الطلبة أداءها من منظور ديني, ولم تتم معاقبتهم! كذلك الأمر مع مجاهرة بعض مدرسي الدين بالإعلان عن تحريم تدريس مادة الموسيقى, وهم في مأمن من العقاب الرسمي. وأخيرا, لا آخرا, يظهر لنا بعض المتشددين في قسم الطوارئ الطبية الرافضين لتعليق صور بعض المسؤولين ( المقصود هنا بلا شك صور سمو رئيس البلاد وولي العهد ورئيس الوزراء) لأنها بدعة يحرمها الدين الإسلامي, وحتما لن تتم معاقبتهم. ويمكن أن نضيف إلى ذلك الأحكام القضائية المخففة بحق خطباء المساجد الذين يحرضون الشباب على الجهاد ضد الأميركيين, أو يعلنون موقفهم المؤيد للفتاوى التي تدعو إلى قتل الأميركيين. وقد سمعت من بعض الأخوة المحامين أن الأحكام القضائية المتصلة بتعاطي الخمور تتسم بالتشدد غير المبرر, وهناك من القضاة من يرفض الفوائد الربوية كما سمعت, بما يدل على التوسع الرسمي بتبني سياسية دينية متشددة.
هذه الشواهد وغيرها من مخالفات رسمية يفترض أن القانون يعاقب عليها , تمر مرور الكرام على الحكومة, التي لا يتردد وزير الداخلية فيها عن سحب جواز سفر المواطن إذا ما ثبت لديه وجود إساءة لسمعة الكويت في الخارج, فما بال الحكومة إذن تتجاهل معاقبة من لا يحترم علم البلاد والنشيد الوطني? والتفسير الوحيد لذلك هو أن الحكومة الكويتية متفقة مع الجماعات الدينية على تحويل الكويت لطالبان جديدة, لكسر الروح الكويتية المتمردة اجتماعيا. ولن يطول الأمر حتى نشهد قيام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمؤسسة رسمية تتشكل من مؤسسات رسمية بهيمنة دينية عدة, كما هو حال وزارة التربية اليوم, الخاضعة لهيمنة الجماعات الدينية, وبموافقة الحكومة. وحيث أن جميع الأمور تتم من خلال ممثلي الأمة, فلا يحق لأحد الاعتراض. وإذا ما استثنينا صحيفة "السياسة", سنجد أن جميع الصحف الكويتية الأخرى تخضع للجماعات الدينية بصورة أو بأخرى وبدرجات متفاوتة. فمؤسسات الجماعات الدينية اليوم باتت تتحكم في المفاصل المالية للمجتمع, ويكفي العاقل دليلا على ذلك العلاقات القوية بين تجار الكويت والمؤسسات الدينية الأهلية, إضافة إلى هيمنة الجماعات الدينية على مفاصل المؤسسات الرسمية, أي وزارات الدولة. بل أنه حتى المؤسسة العسكرية لم تسلم من اللحية والبنطلون القصير وبموافقة الدولة.
شر الدولة الطالبانية بالنسخة الكويتية أمر قادم لا محالة, لكن التاريخ يشهد على فشل الدولة الدينية بمفهوم وهيمنة الجماعات الدينية, كما بينا في مقال الأربعاء الماضي. وها هي السودان تعود إلى رشدها بإقامة الدولة العلمانية التي تتسع لجميع المواطنين. لن يطول الأمر بالكويت حتى تعود إلى رشدها, فعشر أو عشرون من السنين لا تُعد شيئا في عمر الدولة, لكن كم ستخسر الكويت من أبنائها ومثقفيها وكتابها في هذه السنوات التي ستضيع هباء...? هذا هو الثمن الفادح الذي سيدفعه المجتمع. لكن أعتقد أنه سيكون ثمنا معقولا جدا لقيام مجتمع جديد يرفل فيه أحفادنا بالعدالة والديمقراطية والحرية, وهي قضايا لا تأتي للشعوب مجانا.
awtaad@yahoo.com
* كاتب كويتي
أحمد البغدادي *
كاتب كويتي
مستقبل الكويت لا يبشر بخير على المدى المتوسط, كويت المستقبل ستكون النسخة المنقحة المودرن لطالبان الجديدة, وسيتحقق حلم الجماعات الدينية, التي ستفشل ومن دون أدنى شك في عملية بناء الدولة حضاريا, لأنها لا تملك أي مشروع حضاري للدولة, كما حصل في أفغانستان وفي السودان العلماني حاليا. لكن إلى حين يكتشف الناس هذه الحقيقة سنكون كمجتمع, قد سقينا الحنظل في الطوس وليس في الكؤوس.
النسخة الجديدة لطالبان تتمثل في إقامة مجتمع جديد من خلال التشريعات القانونية التي يتحكم في آلياتها أعضاء البرلمان من منتمي التيارين الديني والقبلي, و حيث سيكون التركيز على موضوع القيم الاجتماعية والعادات والتقاليد. وهو موضوع سهل ربطه بالإسلام, ولا يجد له معارضة قوية على المستوى الاجتماعي العام, بل سترتفع الأصوات الشعبية هنا وهناك, سواء من خلال الصحافة أو البرامج الإذاعية والمتلفزة, للمطالبة بالحفاظ على هذه القيم. وحيث أنه لا أحد يمتلك رؤية اجتماعية لكيفية التحكم وفرض هذه القيم, سيطرح نواب الجماعات الدينية رؤيتهم الدينية التي يدعون أنها مستمدة من الإسلام, حتى وإن لم تكن كذلك, لكن من يملك الشجاعة لمواجهة هذا الإدعاء? وبالتالي سيقبل الجميع ولو ظاهريا, القيود التي سيفرضها النواب من خلال التشريعات القانونية, التي تخدم هذا الغرض, وما سكوت الحكومة على انتشار النقاب في الوزارات والمدارس والجامعة سوى مؤشرات أولية على رغبة الحكومة الكويتية على إيذاء الكويتيين من خلال مثل هذه القوانين الاستبدادية, التي ستوفر الفرصة للتيار الديني لفرض هيمنته على المجتمع الكويتي.
من جانب آخر, سيشهد المجتمع الكويتي إنشاء قناة فضائية دينية رسمية, ولزيادة الإذلال سيسمح بها, إن لم يدع لإنشائها, وزير إعلام غير منتم إلى التيار الديني, يحسبه الناس على الفكر الليبرالي زورا وبهتانا. وبذلك تزداد الجرعة الدينية الرسمية في المجتمع تدريجيا. ولا ننسى حقيقة تديين المناهج التربوية, والمتمثل بطغيان الموضوعات الدينية على توجه المناهج حتى لو كانت علمية. ثم يتبع ذلك قيام تنامي النشاط الديني لوزارة الأوقاف حتى تظل الأمور تحت السيطرة الحكومية. ويكفي دليلا على ذلك كثرة الإعلانات الدينية التي أخذت تبشر الشباب بالمغفرة في الآخرة, من دون عرض أي نص قرآني يدل على أن الله سبحانه قد كتب على نفسه الرحمة, وأن المسلم العاقل ليس بحاجة إلى بشارة وزارة الأوقاف الكويتية. وبذلك تصبح الحكومة الكويتية مثل الكنيسة في العصور الوسطى, حيث كانت تباع صكوك الغفران, مع فارق بسيط, ألا وهو أن صكوك وزارة الأوقاف مجانية, على حساب الحكومة الكويتية.
من الشواهد الدالة على ما نذهب إليه من قيام طالبان الكويتية الجديدة, انتشار المعاهد الدينية الحكومية للمراحل المتوسطة في مختلف المناطق, تحقيقا لما يطالب به نواب القبائل والجماعات الدينية, إضافة إلى المسابقات الدينية, وهيمنة وزارة الأوقاف على مراكز الشباب في الآونة الأخيرة.
ان الأوضاع الحالية في الكويت تمهد لقيام دولة طالبان الجديدة, إذ ليس من المعقول أن تصمت الحكومة إزاء تطاول الرموز السياسية للدولة كالعلم والنشيد الوطني والصور الرسمية, من دون الاستنتاج بموافقة الحكومة على السماح لممثلي فكر طالبان في الكويت بنشر فكرهم. والشواهد كثيرة, منها تكرار عدم وقوف بعض المسؤولين في المدارس الحكومية للنشيد الوطني باعتباره من الموسيقى المحرمة دينيا, فضلا عن كون النشيد الوطني ذاته بدعة دينية. ولم تحرك الحكومة ساكنا. كذلك الأمر مع تحية العلم التي رفض بعض الطلبة أداءها من منظور ديني, ولم تتم معاقبتهم! كذلك الأمر مع مجاهرة بعض مدرسي الدين بالإعلان عن تحريم تدريس مادة الموسيقى, وهم في مأمن من العقاب الرسمي. وأخيرا, لا آخرا, يظهر لنا بعض المتشددين في قسم الطوارئ الطبية الرافضين لتعليق صور بعض المسؤولين ( المقصود هنا بلا شك صور سمو رئيس البلاد وولي العهد ورئيس الوزراء) لأنها بدعة يحرمها الدين الإسلامي, وحتما لن تتم معاقبتهم. ويمكن أن نضيف إلى ذلك الأحكام القضائية المخففة بحق خطباء المساجد الذين يحرضون الشباب على الجهاد ضد الأميركيين, أو يعلنون موقفهم المؤيد للفتاوى التي تدعو إلى قتل الأميركيين. وقد سمعت من بعض الأخوة المحامين أن الأحكام القضائية المتصلة بتعاطي الخمور تتسم بالتشدد غير المبرر, وهناك من القضاة من يرفض الفوائد الربوية كما سمعت, بما يدل على التوسع الرسمي بتبني سياسية دينية متشددة.
هذه الشواهد وغيرها من مخالفات رسمية يفترض أن القانون يعاقب عليها , تمر مرور الكرام على الحكومة, التي لا يتردد وزير الداخلية فيها عن سحب جواز سفر المواطن إذا ما ثبت لديه وجود إساءة لسمعة الكويت في الخارج, فما بال الحكومة إذن تتجاهل معاقبة من لا يحترم علم البلاد والنشيد الوطني? والتفسير الوحيد لذلك هو أن الحكومة الكويتية متفقة مع الجماعات الدينية على تحويل الكويت لطالبان جديدة, لكسر الروح الكويتية المتمردة اجتماعيا. ولن يطول الأمر حتى نشهد قيام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمؤسسة رسمية تتشكل من مؤسسات رسمية بهيمنة دينية عدة, كما هو حال وزارة التربية اليوم, الخاضعة لهيمنة الجماعات الدينية, وبموافقة الحكومة. وحيث أن جميع الأمور تتم من خلال ممثلي الأمة, فلا يحق لأحد الاعتراض. وإذا ما استثنينا صحيفة "السياسة", سنجد أن جميع الصحف الكويتية الأخرى تخضع للجماعات الدينية بصورة أو بأخرى وبدرجات متفاوتة. فمؤسسات الجماعات الدينية اليوم باتت تتحكم في المفاصل المالية للمجتمع, ويكفي العاقل دليلا على ذلك العلاقات القوية بين تجار الكويت والمؤسسات الدينية الأهلية, إضافة إلى هيمنة الجماعات الدينية على مفاصل المؤسسات الرسمية, أي وزارات الدولة. بل أنه حتى المؤسسة العسكرية لم تسلم من اللحية والبنطلون القصير وبموافقة الدولة.
شر الدولة الطالبانية بالنسخة الكويتية أمر قادم لا محالة, لكن التاريخ يشهد على فشل الدولة الدينية بمفهوم وهيمنة الجماعات الدينية, كما بينا في مقال الأربعاء الماضي. وها هي السودان تعود إلى رشدها بإقامة الدولة العلمانية التي تتسع لجميع المواطنين. لن يطول الأمر بالكويت حتى تعود إلى رشدها, فعشر أو عشرون من السنين لا تُعد شيئا في عمر الدولة, لكن كم ستخسر الكويت من أبنائها ومثقفيها وكتابها في هذه السنوات التي ستضيع هباء...? هذا هو الثمن الفادح الذي سيدفعه المجتمع. لكن أعتقد أنه سيكون ثمنا معقولا جدا لقيام مجتمع جديد يرفل فيه أحفادنا بالعدالة والديمقراطية والحرية, وهي قضايا لا تأتي للشعوب مجانا.
awtaad@yahoo.com
* كاتب كويتي
أحمد البغدادي *