فاطمي
10-15-2006, 09:24 AM
بلقيس حميد حسن
لم يقرأ الكثير من الناس بعضا هاما من أشعار رجل دين كبير كالخميني، الرجل الذي بلغ درجة من العلم بالدين الإسلامي أهلتـّه ليُسمى آية الله العظمى، وأن يسمى الإمام، وأن يضعه البعض موضعا يكاد يكون أقرب إلى القديسين إذ يقال "قدس الله سره"، لما بلغه من القدرة على التعمق بالدين الإسلامي والقدرة على الشجاعة ومواجهة الأحداث والاستيلاء على قلوب وعقول الناس بحكمة وحنكة منقطعة النظير، جعلت أتباعه جيشا جرارا من الشعب بكل فئاته، ساروا وراءه نساء ورجالا ليسقطوا طاغية وصنما من أصنام التأريخ، الشاه، الذي دعمته أكبر القوى بالعالم وأعتاها، لقد أسقط الخميني بقلبه وعقله وبلا سلاح نووي أو ذري واحدا من أكبر قوى الشر بالعالم يومذاك، وكل من دعم الشاه فقد سقط يوم نجحت ثورة الشعب الإسلامية البيضاء عام 1979.
لست هنا بمجال كيل المديح للخميني، ولست من الدعاة للجمهورية الإسلامية التي ما أن أرست ركائزها حتى تبدل منهاجها الإنساني لتصبح دولة تدفع المال من اجل نشر الحجاب والسلاح والموت والتكفير بالتهديد والوعيد والمؤامرات ومنح الجوائز والأثمان في رؤوس المفكرين والأدباء ممن يخالفونها الرأي.. لكنني أحببت أن أسلط الضوء على قلب هذا الرجل العاشق للحياة إلى حد غدا عشقه للحياة وإيمانه بالله لا فاصل بينهما، متخذا طريق المتصوفة الأوائل بتقديس الروح البشرية معتبرا إياها جزءا من روح الله كما قال الحلاج:
روحه روحي وروحي روحه نحن روحان حللنا بدنا
فقد كتب الخميني أشعارا عن العشق وتغزل بمعشوقته وبالخمر ولم يكفره أحد بل سارت وراءه الملايين التي قادها بكلمة منه وبدون أية قطرة دم. لقد قال الخميني في قصيدة * له:
أقبل رمضان، هوى الخمر وتداعى المشرب
أ ُجـِل َ العشق والطرب والخمر لأوان السحر
....
أفطرني الدرويش نبيذا
قلت ُ قد أورق َ صيامك وأثمر
بالشراب توضأ
ففي مذهب العابثين وفي حضرة الحق
سينال عملك الحسنى
والله
إن لم أكن مريدك ماذا سأفعل؟
إن لم أكن متيما بوجهك، ماذا سأفعل؟
الكون - ياروح- رهين خصلة من شعرك
إن لم أكن منعقدا بخصلات شعرك، ماذا سأفعل؟
لو قلنا انه شعر صوفي لما وجدنا فيه مفردات لا تنسب إلا للبشر كخصلة الشعر مثلا، إذن هو شعر غزل وعشق بشري روحي راق..ولو قال هذا رجل دين اليوم وبعد ثورة الخميني بأكثر من ربع قرن، لما احترمه أحد، ولما سار وراءه شعب كالسيل العرمرم مؤيدين ثورته، هذا يعني أننا في زمن الانحطاط، زمن لا يحترم مشاعر الإنسان، زمن لا يعطي للبشر حقهم الطبيعي بالعيش على طبيعتهم وفطرتهم التي فطروا عليها، نحن اليوم- للأسف- نريد صنما، كاذبا، يقودنا كالنعاج، بقبضة قوية مهما كان، فقد يكون عشائريا لا يفقه من مشاعر الإنسان سوى الرضوخ والطاعة العمياء لسلطة القبيلة، وقد يكون عسكريا لا يعرف سوى لغة السلاح،أو سياسيا عميلا يتاجر بدماء الشعب ويعيش على حسابها ثريا، إننا نعيش اليوم الفترة المظلمة بعد أن كدنا نتخطاها، للأسف أننا انتكسنا وفهمنا كل شيء بالعنف والعنجهية والتسلط والأنانية، كل شيء صار يدخل به مبدأ العنف سرا وعلانية، حتى الفن والأدب صار يحكمه أغلب الأحيان مبدأ الرعاع الذي يعلن دائما من ليس معنا فهو ضدنا، من لا ينزل لمستوانا الجاهل والبسيط ومن لا نفهمه لجهلنا فعلينا الوقوف ضده وتكفيره، وإباحة دمه، لقد عممناها جهلا في كل نواحي الحياة فأسقطتنا بدلا من أن نسقط الجهل وأخرتنا عن الركب العالمي المتحضر عقودا.
ولنعد لعذوبة شعر الخميني الباذخ المتعة حيث يقول:
فراشة شمعة وجهك الصبوح، أنا
مفتون بقامتك الممشوقة، أنا
أنا المضطرب إثر فراقك يا سيد الجمال
أرفع الستر عني، فمفتضح بك أنا
أيها الحبيب
أبصر قلبي الملتاع
وروحي المبتلاة السقيمة
حتام توصد ُ باب وصالك بوجهي؟
كفّ يا روحي عن أذيتي
عاشق أنا لا يشعر بوجع العاشق إلا العاشق
غارق أنا في بحر العشق
آه ٍ ربان ٍ كنوح لم يكن..
مفتضح في المدينة
واقع في فخ جدائلك
مفتضح في المدينة
في أزقتها وسوقها
إن أخرجتني من الباب لأدخلن من باب آخر
إن طردتني من الباب
لأدخلن من الحائط
جنون العلم والعمل غادر رأسي
حين أيقضني قدحك الملآن..
فهل هناك أعذب من هكذا شعر ؟ وهل هناك أكثر حرية ورقة بالتعبير كهذا؟ حتى وان كان في هذا بعدٌ عرفاني ٌ أو صوفي ٌ، فالقارئ الذي لا يبصر اسم الخميني على النص سوف لن يميزه قط - كمفردات لغوية - عن نص للخيام أو أبى نؤاس.
حتى لو وصل الشاعر في شطحا ته ومحاولاته للتغيير في المجتمع أقصى الأماني كما جاء على لسان الزهاوي، وهو يحرض للسفور..
مـزقـي يا ابنــة العــراق الحجــابا
وأسفري فالحيـاة تبغـي انقــلابـا
مــــــــــزقيه واحرقـيه بلا ريــث
فقــد كــــــــــان حـارسـاً كــذابـا
لم نجد من جرأ على وضع الأثمان طلبا لرأسه رغم أن هذا قد حدث قبل اكثر من سبعين عاما.
هل تقدمنا أم تراجعنا؟
وهل ثمة سياسي جريء سيتحدث عن هذا بشجاعة، أم سيبقى الأمر محصورا بين المثقفين من العلمانيين الذين لا حول لهم ولا قوة ؟ حيث الحول والقوة بيد أصحاب الكراسي الذين لا مصلحة لهم بالتغيير ؟ والغريب أن هذه الأشعار أصبحت تابوات ومحرمات بعد أن كنا نتداولها مادة دراسية في مناهج الدراسة الابتدائية والثانوية ولم يكفرها أحد، أو يعتبرها خارجة عن الدين، ولا مارقة ومطلوبة بالقائمة السوداء، وهنا هل ستكون إجابتي على سؤالي بأننا تراجعنا حقا وبعكس دورة الحياة الحتمية بالتقدم ؟.
واسأل هنا هل تستطيع المرأة العربية أو العراقية المثقفة من أن تجرأ اليوم على الاعتداد بأشعار الزهاوي بعد أن غرق الجميع بسواد الاحجبة والقفازات والبراقع المسودة للرؤية؟ ولربما كان استشهادي بهذه الأشعار في إحدى المهرجانات العربية سببا لعدم دعوتي مرة أخرى .
ويقول والدي الشاعر عبد الحميد السنيد وهو رجل دين معروف من مواليد سوق الشيوخ، وذلك في ديوانه ألحان الروح الذي صدر عام 1964 :
َسفرت ْ فمرحى بالسفورِ هيفاء ترفل بالحرير
تحكي ببهجة حسنها وبهائها ضوء البـــــدور
تسبي الحليم إذا رنت في مقلة الظبي الغريــر
ثم يقول بقصيدة أخرى بعنوان عروس الشعر وبنفس الديوان:
أسفري لي وانبذي عنك تقاليد الحجـــــاب
واجلسي أبثثك سرّي في هيامي واغترابي
أنا من أجلك قد ضحّيت يا سلمى شبــــابي
وذوى الجسم وشبـّت بالحشا نار التصابي
في هواك....
إذن الحجاب كان تقليدا لابد من نبذه، وكان حارسا كذابا لابد من تمزيقه حيث الحياة الحرة الصادقة تتطلب ذلك، وان الحضارة لابد وان تبنى على صدق النوايا والثقة، وإلا ستكون مظاهر كارتونية حالما تنهار حيث الغش ينخر البنيان .
اليوم بعد كل ما نرى من عجائب المكفرين الذين يقدم بعضهم إطروحات بالتكفير وطلب رؤوس المفكرين والأدباء بالمئات، كما فعل ذلك الباحث السعودي سعيد بن ناصر الغامدي طالب الدكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في رسالته بعنوان " الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها" والذي منح الدكتوراه وصودق عليها – للأسف- ونشر كتابه عام 2003 ولا من محرك ضده سوى القليل من الأصوات الحرة هنا وهناك، رغم انه يطالب بإهدار دم اكثر من مئتي مفكر وأديب ومبدع هم خيرة ما عرفته الثقافة الحرة في عصرنا المظلم هذا..
لحسن حظ والدي وغيره من الشعراء الذين كتبوا عن السفور انهم لم يعيشوا بزماننا هذا، فلو كتبوا هذا اليوم، لكفروهم وطاردوهم ووضعوا ملايين الدولارات ثمنا لرؤوسهم، إذ هم بمفهوم اليوم- بمفهوم بن لادن والزرقاوي ومكفري الأزهر والدكتور الغامدي وميليشيا الأحزاب الإسلامية التي تضرب محلات بيع المشروبات الروحية وتلاحق النساء بالحجاب غصبا - كفرة، وزنادقة، يحثون النساء على الفجور، وأن الخميني بنظرهم زنديق يحث الناس على شرب الخمرة في رمضان، ولربما لم يستطع هؤلاء الشعراء اليوم نشر أشعارهم خاصة بعد أن أعطي الأزهر حق الرقابة على الكتب والسماح لها بالنشر أو عدمه، وحق التكفير الذي يمارس بكثرة هذه السنوات ويتدخل بكلمات الشعراء وكأنها هي سبب كل مصائبنا وفقرنا واحتلال أراضينا وحروبنا ومعاناة أطفالنا، والكثير الكثير الذي يمكن أن يقال لمن لا يفهم –جهلا- الإنسان بكل عواطفه وغرائزه وطموحاته الخلقية الطبيعية ويحاول عبثا وغباء ً تضييق الخناق على خيال المبدع الذي يعتبر اللمحة الأولى لكل جديد، فكل إبداع وابتكار - حتى العلمي- بدأ بخيال العالم فكرة ً كما لمحة الشعر حين يولدها خيال الشاعر، انهم حين يضيقون على الشاعر فضاء خياله فهم يحاولون كبت الحقيقة كمن يغطي نور الشمس بالمنخل، وذلك من أجل وضع العراقيل أمام التطور لنتخلف ونصبح أكثر الأمم معاناة، ولتتردى أحوالنا أكثر، ولـينـتـشر العرب والمسلمون في بقاع الأرض الغريبة والبعيدة طلبا للأمان والرزق والحياة السوية، التي نفتقدها في بلداننا التي يدعي اغلب رجال الدين والسياسة عندنا بأنها تدين بالإسلام وبشريعته، والحقيقة أنها لا تريد سوى العودة بالزمن إلى الوراء، ولتطيل أمد بقاء الدكتاتورين المتبرقعين ببراقع الدين العديدة..
ولكن هيهات لهم ذلك فالأرض ستبقى تدور وتدور، وأن دورتها باتجاه واحد لا تحيد عنه مطلقا مهما فعلوا، ومهما حاولوا عرقلة دورانها والعودة بها إلى الوراء.
*أشعار الخميني ترجمة محمد الأمين
Balkis8@gmil.com
لم يقرأ الكثير من الناس بعضا هاما من أشعار رجل دين كبير كالخميني، الرجل الذي بلغ درجة من العلم بالدين الإسلامي أهلتـّه ليُسمى آية الله العظمى، وأن يسمى الإمام، وأن يضعه البعض موضعا يكاد يكون أقرب إلى القديسين إذ يقال "قدس الله سره"، لما بلغه من القدرة على التعمق بالدين الإسلامي والقدرة على الشجاعة ومواجهة الأحداث والاستيلاء على قلوب وعقول الناس بحكمة وحنكة منقطعة النظير، جعلت أتباعه جيشا جرارا من الشعب بكل فئاته، ساروا وراءه نساء ورجالا ليسقطوا طاغية وصنما من أصنام التأريخ، الشاه، الذي دعمته أكبر القوى بالعالم وأعتاها، لقد أسقط الخميني بقلبه وعقله وبلا سلاح نووي أو ذري واحدا من أكبر قوى الشر بالعالم يومذاك، وكل من دعم الشاه فقد سقط يوم نجحت ثورة الشعب الإسلامية البيضاء عام 1979.
لست هنا بمجال كيل المديح للخميني، ولست من الدعاة للجمهورية الإسلامية التي ما أن أرست ركائزها حتى تبدل منهاجها الإنساني لتصبح دولة تدفع المال من اجل نشر الحجاب والسلاح والموت والتكفير بالتهديد والوعيد والمؤامرات ومنح الجوائز والأثمان في رؤوس المفكرين والأدباء ممن يخالفونها الرأي.. لكنني أحببت أن أسلط الضوء على قلب هذا الرجل العاشق للحياة إلى حد غدا عشقه للحياة وإيمانه بالله لا فاصل بينهما، متخذا طريق المتصوفة الأوائل بتقديس الروح البشرية معتبرا إياها جزءا من روح الله كما قال الحلاج:
روحه روحي وروحي روحه نحن روحان حللنا بدنا
فقد كتب الخميني أشعارا عن العشق وتغزل بمعشوقته وبالخمر ولم يكفره أحد بل سارت وراءه الملايين التي قادها بكلمة منه وبدون أية قطرة دم. لقد قال الخميني في قصيدة * له:
أقبل رمضان، هوى الخمر وتداعى المشرب
أ ُجـِل َ العشق والطرب والخمر لأوان السحر
....
أفطرني الدرويش نبيذا
قلت ُ قد أورق َ صيامك وأثمر
بالشراب توضأ
ففي مذهب العابثين وفي حضرة الحق
سينال عملك الحسنى
والله
إن لم أكن مريدك ماذا سأفعل؟
إن لم أكن متيما بوجهك، ماذا سأفعل؟
الكون - ياروح- رهين خصلة من شعرك
إن لم أكن منعقدا بخصلات شعرك، ماذا سأفعل؟
لو قلنا انه شعر صوفي لما وجدنا فيه مفردات لا تنسب إلا للبشر كخصلة الشعر مثلا، إذن هو شعر غزل وعشق بشري روحي راق..ولو قال هذا رجل دين اليوم وبعد ثورة الخميني بأكثر من ربع قرن، لما احترمه أحد، ولما سار وراءه شعب كالسيل العرمرم مؤيدين ثورته، هذا يعني أننا في زمن الانحطاط، زمن لا يحترم مشاعر الإنسان، زمن لا يعطي للبشر حقهم الطبيعي بالعيش على طبيعتهم وفطرتهم التي فطروا عليها، نحن اليوم- للأسف- نريد صنما، كاذبا، يقودنا كالنعاج، بقبضة قوية مهما كان، فقد يكون عشائريا لا يفقه من مشاعر الإنسان سوى الرضوخ والطاعة العمياء لسلطة القبيلة، وقد يكون عسكريا لا يعرف سوى لغة السلاح،أو سياسيا عميلا يتاجر بدماء الشعب ويعيش على حسابها ثريا، إننا نعيش اليوم الفترة المظلمة بعد أن كدنا نتخطاها، للأسف أننا انتكسنا وفهمنا كل شيء بالعنف والعنجهية والتسلط والأنانية، كل شيء صار يدخل به مبدأ العنف سرا وعلانية، حتى الفن والأدب صار يحكمه أغلب الأحيان مبدأ الرعاع الذي يعلن دائما من ليس معنا فهو ضدنا، من لا ينزل لمستوانا الجاهل والبسيط ومن لا نفهمه لجهلنا فعلينا الوقوف ضده وتكفيره، وإباحة دمه، لقد عممناها جهلا في كل نواحي الحياة فأسقطتنا بدلا من أن نسقط الجهل وأخرتنا عن الركب العالمي المتحضر عقودا.
ولنعد لعذوبة شعر الخميني الباذخ المتعة حيث يقول:
فراشة شمعة وجهك الصبوح، أنا
مفتون بقامتك الممشوقة، أنا
أنا المضطرب إثر فراقك يا سيد الجمال
أرفع الستر عني، فمفتضح بك أنا
أيها الحبيب
أبصر قلبي الملتاع
وروحي المبتلاة السقيمة
حتام توصد ُ باب وصالك بوجهي؟
كفّ يا روحي عن أذيتي
عاشق أنا لا يشعر بوجع العاشق إلا العاشق
غارق أنا في بحر العشق
آه ٍ ربان ٍ كنوح لم يكن..
مفتضح في المدينة
واقع في فخ جدائلك
مفتضح في المدينة
في أزقتها وسوقها
إن أخرجتني من الباب لأدخلن من باب آخر
إن طردتني من الباب
لأدخلن من الحائط
جنون العلم والعمل غادر رأسي
حين أيقضني قدحك الملآن..
فهل هناك أعذب من هكذا شعر ؟ وهل هناك أكثر حرية ورقة بالتعبير كهذا؟ حتى وان كان في هذا بعدٌ عرفاني ٌ أو صوفي ٌ، فالقارئ الذي لا يبصر اسم الخميني على النص سوف لن يميزه قط - كمفردات لغوية - عن نص للخيام أو أبى نؤاس.
حتى لو وصل الشاعر في شطحا ته ومحاولاته للتغيير في المجتمع أقصى الأماني كما جاء على لسان الزهاوي، وهو يحرض للسفور..
مـزقـي يا ابنــة العــراق الحجــابا
وأسفري فالحيـاة تبغـي انقــلابـا
مــــــــــزقيه واحرقـيه بلا ريــث
فقــد كــــــــــان حـارسـاً كــذابـا
لم نجد من جرأ على وضع الأثمان طلبا لرأسه رغم أن هذا قد حدث قبل اكثر من سبعين عاما.
هل تقدمنا أم تراجعنا؟
وهل ثمة سياسي جريء سيتحدث عن هذا بشجاعة، أم سيبقى الأمر محصورا بين المثقفين من العلمانيين الذين لا حول لهم ولا قوة ؟ حيث الحول والقوة بيد أصحاب الكراسي الذين لا مصلحة لهم بالتغيير ؟ والغريب أن هذه الأشعار أصبحت تابوات ومحرمات بعد أن كنا نتداولها مادة دراسية في مناهج الدراسة الابتدائية والثانوية ولم يكفرها أحد، أو يعتبرها خارجة عن الدين، ولا مارقة ومطلوبة بالقائمة السوداء، وهنا هل ستكون إجابتي على سؤالي بأننا تراجعنا حقا وبعكس دورة الحياة الحتمية بالتقدم ؟.
واسأل هنا هل تستطيع المرأة العربية أو العراقية المثقفة من أن تجرأ اليوم على الاعتداد بأشعار الزهاوي بعد أن غرق الجميع بسواد الاحجبة والقفازات والبراقع المسودة للرؤية؟ ولربما كان استشهادي بهذه الأشعار في إحدى المهرجانات العربية سببا لعدم دعوتي مرة أخرى .
ويقول والدي الشاعر عبد الحميد السنيد وهو رجل دين معروف من مواليد سوق الشيوخ، وذلك في ديوانه ألحان الروح الذي صدر عام 1964 :
َسفرت ْ فمرحى بالسفورِ هيفاء ترفل بالحرير
تحكي ببهجة حسنها وبهائها ضوء البـــــدور
تسبي الحليم إذا رنت في مقلة الظبي الغريــر
ثم يقول بقصيدة أخرى بعنوان عروس الشعر وبنفس الديوان:
أسفري لي وانبذي عنك تقاليد الحجـــــاب
واجلسي أبثثك سرّي في هيامي واغترابي
أنا من أجلك قد ضحّيت يا سلمى شبــــابي
وذوى الجسم وشبـّت بالحشا نار التصابي
في هواك....
إذن الحجاب كان تقليدا لابد من نبذه، وكان حارسا كذابا لابد من تمزيقه حيث الحياة الحرة الصادقة تتطلب ذلك، وان الحضارة لابد وان تبنى على صدق النوايا والثقة، وإلا ستكون مظاهر كارتونية حالما تنهار حيث الغش ينخر البنيان .
اليوم بعد كل ما نرى من عجائب المكفرين الذين يقدم بعضهم إطروحات بالتكفير وطلب رؤوس المفكرين والأدباء بالمئات، كما فعل ذلك الباحث السعودي سعيد بن ناصر الغامدي طالب الدكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في رسالته بعنوان " الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها" والذي منح الدكتوراه وصودق عليها – للأسف- ونشر كتابه عام 2003 ولا من محرك ضده سوى القليل من الأصوات الحرة هنا وهناك، رغم انه يطالب بإهدار دم اكثر من مئتي مفكر وأديب ومبدع هم خيرة ما عرفته الثقافة الحرة في عصرنا المظلم هذا..
لحسن حظ والدي وغيره من الشعراء الذين كتبوا عن السفور انهم لم يعيشوا بزماننا هذا، فلو كتبوا هذا اليوم، لكفروهم وطاردوهم ووضعوا ملايين الدولارات ثمنا لرؤوسهم، إذ هم بمفهوم اليوم- بمفهوم بن لادن والزرقاوي ومكفري الأزهر والدكتور الغامدي وميليشيا الأحزاب الإسلامية التي تضرب محلات بيع المشروبات الروحية وتلاحق النساء بالحجاب غصبا - كفرة، وزنادقة، يحثون النساء على الفجور، وأن الخميني بنظرهم زنديق يحث الناس على شرب الخمرة في رمضان، ولربما لم يستطع هؤلاء الشعراء اليوم نشر أشعارهم خاصة بعد أن أعطي الأزهر حق الرقابة على الكتب والسماح لها بالنشر أو عدمه، وحق التكفير الذي يمارس بكثرة هذه السنوات ويتدخل بكلمات الشعراء وكأنها هي سبب كل مصائبنا وفقرنا واحتلال أراضينا وحروبنا ومعاناة أطفالنا، والكثير الكثير الذي يمكن أن يقال لمن لا يفهم –جهلا- الإنسان بكل عواطفه وغرائزه وطموحاته الخلقية الطبيعية ويحاول عبثا وغباء ً تضييق الخناق على خيال المبدع الذي يعتبر اللمحة الأولى لكل جديد، فكل إبداع وابتكار - حتى العلمي- بدأ بخيال العالم فكرة ً كما لمحة الشعر حين يولدها خيال الشاعر، انهم حين يضيقون على الشاعر فضاء خياله فهم يحاولون كبت الحقيقة كمن يغطي نور الشمس بالمنخل، وذلك من أجل وضع العراقيل أمام التطور لنتخلف ونصبح أكثر الأمم معاناة، ولتتردى أحوالنا أكثر، ولـينـتـشر العرب والمسلمون في بقاع الأرض الغريبة والبعيدة طلبا للأمان والرزق والحياة السوية، التي نفتقدها في بلداننا التي يدعي اغلب رجال الدين والسياسة عندنا بأنها تدين بالإسلام وبشريعته، والحقيقة أنها لا تريد سوى العودة بالزمن إلى الوراء، ولتطيل أمد بقاء الدكتاتورين المتبرقعين ببراقع الدين العديدة..
ولكن هيهات لهم ذلك فالأرض ستبقى تدور وتدور، وأن دورتها باتجاه واحد لا تحيد عنه مطلقا مهما فعلوا، ومهما حاولوا عرقلة دورانها والعودة بها إلى الوراء.
*أشعار الخميني ترجمة محمد الأمين
Balkis8@gmil.com