سياسى
10-14-2006, 01:42 AM
تقرير واشنطن
بعد مرور خمس سنوات على بداية ما يسمى بالحرب ضد الإرهاب، يبدو ان هناك تساؤلات حائرة داخل المجتمع الأمريكي عن أهداف هذه الحرب وعن تأثيرها الداخلي على المجتمع الأمريكي وعلى سياستها الخارجية. وفي ظل النقاش الدائر حول البعد الأخلاقي للحروب التي تخوضها الولايات المتحدة في الوقت الحاضر تحت شعار "لا للإرهاب" و "لا لـ 11 سبتمبر جديدة"، أجرى تقرير واشنطن مقابلة مع كريس هيدجز Chris Hedges مؤلف كتاب "الحرب هي القوة التي تعطينا معني" War Is a Force that Gives Us Meaning ، عمل هيدجز من قبل مراسلا لصحيفة النيويورك تايمز وقام بتغطية العديد من النزاعات في أنحاء العالم مثل الانتفاضة الفلسطينية الأولى، الحروب الأهلية بالسودان واليمن والجزائر وحرب الخليج عام 1991. وعمل هيدجز بفريق النيويورك تايمز الذي حصل على جائزة البوليتسر Pulitzer عام 2002 تقديرا لتغطيته "الحرب ضد الإرهاب العالمي".
تقرير واشنطن
نود في البداية أن نعرف قرائنا بمن هو كريس هيدجيز وما طبيعة البيئة التي نشأ فيها؟
كريس هيدجز
نشأت في قرية زراعية صغيرة بولاية نيويورك. عمل والدي كقسيس بريسبتاني وكان قد حارب في الحرب العالمية الثانية ومثل العديد من الجنود العائدين منها، عاد والدي كارها الحرب. وكان والدي من أوائل المؤيدين لحركة الحقوق المدنية [بالولايات المتحدة]، كما شارك في حركة مناهضة الحرب [بفيتنام]. وفي السنوات الخمسة عشر الأخيرة من حياته كان من الناشطين في حركة الدفاع عن حقوق المثليين. ومن هذا المنطلق نشأت في بيئة متدينة مليئة بأنشطة اجتماعية.
تقرير واشنطن
لماذا قررتم كتابة "الحرب هي القوة التي تعطينا معني"؟ وما هو السبب وراء اختياركم هذا التوقيت لتأليف الكتاب؟
كريس هيدجز
لم تكن هناك حرب دائرة عندما بدأت العمل في هذا الكتاب، فجاءت بداية التأليف بعد حرب كوسوفو عندما حصلت على منحة بجامعة هارفارد لدراسة أعمال كبراء المفكرين...وتلك كانت فرصة بالنسبة لي للانعزال عن المجتمع ونفاقه...وبدأت بنشر مقال يتعامل مع بعض الموضوعات التي أثرتها في كتابي فيما بعد، وأصبح هدفي بعد ذلك أن أنشر كتابا عن تأثير الحروب على الفرد والمجتمع وعن التغيرات الاجتماعية التي تحدث في أوقات الحرب. فبعد أن غطيت عدة حروب عبر السنوات لاحظت أن كل الأنماط المتعلقة بالحروب تكرر نفسها في كل مجتمع. وجدت في هذه الحروب تكرار لنفس أنوع الأنماط، نفس أنواع السلوك، نفس أنواع مبررات العنف والقتل، نفس أنوع الضلال الفكري، نفس أنواع القسوة، نفس أنواع قومية التمجيد الذاتي، ونفس المرض سواء أن كنت في الأرجنتين أو إسرائيل أو البلقان. ولذا قررت أن أشرح لقرائي طبيعة هذا المرض حتى يتعرفوا على حقيقة الحرب لأن الصورة التي يراها الناس عن الحرب صورة خرافية لا تطابق واقع الحرب وعنفها.
تقرير واشنطن
في كتابكم توصفون "الحرب" بـ "إدمان قوي ومميت" يؤدي إلي تدمير الثقافات واحتضان الموت بدلا من الحياة. لماذا في رأيك اختارت البشرية هذا الخيار، خيار الدمار، مرة بعد أخرى في حين أن الآثار السلبية للحرب تبدوا واضحة للغاية؟
كريس هيدجز
لأن الحرب تثير شعور الغبطة في مجتمعنا الحديث حيث يعاني الكثير من الناس من داء الانعزال، ولذا تخلق الحرب بداخلهم الإحساس بالقوة والانتماء، فعندما ننظر إلى الفترة التي سبقت الحرب بالعراق مباشرة، نجد أن وسائل الإعلام الإخبارية كانت تركز في تغطيتها على أبراز قوة السلاح الأمريكي كنوع من التباهي بقوتنا المشتركة كمجتمع. إن القومية عبارة عن تعظيم للذات وخلق منظور الصراع الدائم بين الخير والشر. ولذلك عندما يبدأ مشروع الحرب يفنى ضمير الإنسان، ويشعر المرء أنه غير موجب باتخاذ قرارات أخلاقية بما أنه تقبل القرارات التي اتخذت نيابة عنه لإتمام مشروع الحرب. وتلك هذه البيئة تصبح كل الأفعال مشروعة طالما تخدم غرض تدمير العدو. زعماء الحروب يمنحون أتباعهم ترخيصا أخلاقيا لارتكاب القتل ولإرضاء الغرائز الشريرة التي تخفي نفسها في أعماق قلب الإنسان. وكل ذلك في النهاية يؤدي إلى نوع من التدمير الذاتي، ربما ليس تدمير جسدي، ولكنه على الأقل تدمير روحاني. ويخدر ذلك الشعور القوي للإنسان بطريقة تجعله غير قادر على التفكير في أية أمر سوى الحرب والقتال، ولا يستطيع أن يتواصل مع أية شخص لم يخض تجربة الحرب.
تقرير واشنطن
ذكرتم في كتاب "الحرب هي القوة التي تعطينا معني" عن "خرافة الحرب". ماذا تعنى بهذا المصطلح وما دور الصحافة والإعلام في عملية خلق هذه "الخرافة"؟
كريس هيدجز
الصحافة تمثل جزء دائم من مشكلة [الخرافة] في أوقات الحرب، كما نرى الآن من في حرب العراق. فلو رجعنا بالتاريخ لحرب القرم، وهي أول حرب شارك فيها "صحفيو الحرب"، تركز دور الصحافة في هذا المجال على نشر الخرافة. والخرافة دائما تقول "نحن الخير" و "نحن الأقوى"...الإعلام دائما يبتكر قصص لتأكيد هذه الخرافة مثل قصة تقول "إن جنودنا يحررون اللاجئين المحاصرين" أو "الجنود حرروا كل من يريد الحرية"، كما نجد التفاوت في القصص الإعلامية بين "جرائم العدو الغادر" و"أصالة ونبل أبطالنا"...رأينا مثلا هذه القصص البطولية في الحديث العام عن "بات تيلمان" [جندي أمريكي لقي مصرعه في أفغانستان] أو عن جيسيكا لينش [لجندية التي أسرت بالعراق]. وكما اكتشفنا فيما بعد، هاتان القصتان غير صحيحتين، وذلك ليس أمرا غريبا حيث أن معظم هذه القصص كاذبة ولكن الكثير من المشاهدين صدقوها. ومن منظور وسائل الإعلام هذه القصص تجلب قراء ومشاهدين أكثر طالما ظلت القناة أو الصحيفة تغطي الحرب من ذلك المنظور الخرافي، حيث أن تغطية الحرب بأسلوب صريح وواقعي سيظهر من طبيعة الحرب البغيضة مما يقلل من الدعم العام للحرب ومن شعبية العرض الإعلامي لها. ولذا نلاحظ نوعا من الرقابة الذاتية في الأوساط التجارية بقطاعات الإعلام، علما بأن الخرافة مربحة أكثر من الواقع، وبالتالي يصبح المشاهد الوحيد لواقع الحرب هو الجندي في أرض المعركة.
تقرير واشنطن
هل تؤمن بفكرة "الحرب العادلة"؟
كريس هيدجز
لا أفضل لفظ "العادلة" في هذا السياق...ولكن في اعتقادي أن بعض الحروب محتومة. وبالرغم من ذلك، الحروب دائما مأساوية. وأحداث سراييفو تعتبر مثالا جيدا لذلك، فعندما هاجم الصرب المدينة، وكانوا يسقطون 2,000 قذيفة عليها يوميا...كان من الواضح أن مصيرنا سيكون الهلاك إذا نجح الصرب في اقتحام خطوط الدفاع. وذلك لم ينج البوسنيين بسرايفو من العنف. حيث أن أول مجموعة بادرت بتنظيم الدفاع عن المدينة كانوا من المجرمين وعندما بدت عليهم علامات الفشل في منع الصرب من اقتحام المدينة بدأوا يقتلون الصرب بينهم ممن بقوا بالمدينة وينهبون ممتلكاتهم. ومن هذا المنطلق نستطيع أن نتفهم حتمية الحرب في بعض الأحيان، لأن في هذه الحالة كان من الواضح أن سقوط المدينة سيؤدي إلى قتل العديد من الناس...الحديث عن المسالمة في سراييفو في تلك الفترة لم يكن مناسبا وكان سيثير الكثير من الضحك. ولكن في الوقت نفسه هذه الحرب لم تنج سكان المدينة من داء العنف.
تقرير واشنطن
هل تعتقد أن يوما ما ستختفي ظاهرة الحرب أم تظن أن الحرب جزء متأصل في الطبيعة البشرية؟
كريس هيدجز
أعتقد أني أتفق مع سيغموند فرويد بأن الحرب جزء من الطبيعة البشرية، حيث يقول إن الإنسان والمجتمع بشكل عام يحملان بداخلهما نزاعا بين غريزة "إيروس"eros أو غريزة الحماية والحفاظ، وغريزة "ثاناتوس" thanatos أو غريزة الموت وتدمير كل ما هو حي...وعادة تتغلب احدى هاتين الغريزتين على الأخرى. مأساتنا اليوم هي أننا نعيش في عالم يمتلك أسلحة جبارة، أو أسلحة تستطيع أن تقتل البشر على نطاق كبير لم نشهده قبل الحرب العالمية الثانية. فالأفراد الواقفون ضدنا اليوم، الإرهابيون الإسلاميون، قريبا سيحصلون على أسلحة مثل "القنابل القذرة" والأسلحة الكيماوية وسيستخدمونها. من الممكن أن نفنى جميعا في حرب كبيرة. في غالب الأحيان أنظر إلى المستقبل بتشاؤم بسبب الطبيعة البشرية والأسلحة الهائلة التي خلقتها البشرية.
تقرير واشنطن
نحن الآن نعيش الذكرى الخامسة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر. بعد مشاهدتك لرد فعل الولايات المتحدة لهذه الأحداث، هل تعتقد أن أمريكا اليوم أكثر أمانا أم أقل أمانا مما كانت عليه في سبتمبر 11 عام 2001؟
كريس هيدجز
من الواضح أن الولايات المتحدة أقل أمنا. دعنا ننظر إلى رد فعل الولايات المتحدة للحادي عشر من سبتمبر. لقد استخدمت الولايات المتحدة هذه الهجمات كتبرير لمشروع إمبريالي بالشرق الأوسط، مشروع ذو عواقب وخيمة. ذهبت إلى الشرق الأوسط مباشرة بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001. كنت مقيما في ذلك الوقت في باريس ولكني كلفت بتغطية أخبار تنظيم القاعدة بشمال أفريقيا وأوروبا لحساب صحيفة النيويورك تايمز. ووجدت أن هذه الأحداث جلبت لنا تعاطفا ليس فقط في أوربا بل في العالم العربي أيضا. لو استغلت الولايات المتحدة هذا التعاطف لصالحها لكانت أكثر فعالية في "مكافحة الإرهاب"- وأنا لست من محبي هذا اللفظ "الإرهاب"، فالإرهاب وسيلة ولا يمكن لأحد أن يشن الحرب على وسيلة...وعموما الطريقة المثالية لهزيمة أية منظمة إرهابية هي العمل لعزلها من مجتمعها. وبالتالي غزو العراق وأفغانستان...والسماح لإسرائيل بأن تسقط قنابل أمريكية على لبنان، جعل من الولايات المتحدة أكبر قوة تجنيد لهذه الخلايا [الإرهابية] المسلحة...ولذا يعتبر رد الفعل الأمريكي لهذه الأحداث ردا جاهلا ومثيرا للكوارث. الولايات المتحدة تجند أعداء جددا، أصبحت هذه سياستنا الخارجية وسندفع ثمنها في المستقبل، وسندفعه هنا داخل الولايات المتحدة.
تقرير واشنطن
ما رأيك في تغطية الإعلام الأمريكي للحرب بالعراق وللتطورات بالشرق الأوسط بشكل عام، وكيف أثرت هذه التغطية على الرأي العام الأمريكي؟
كريس هيدجز
الإعلام لم يعد يغط الحرب. في البداية كانت الشبكات الكبيرة مثل سي إن إن CNN و فوكس نيوز Fox News أكبر مؤيدي الحرب، وتبنت معظم وسائل الإعلام الإخباري بما فيها صحيفة النيويورك تايمز نفس هذا الأسلوب. أما الآن، فالحرب أصبحت صعبة ومرة، ولذلك يتظاهر الإعلام بأن الحرب ليس لها وجود. واللوبي الإسرائيلي يتمتع بنفوذ كبيرة هنا. القليل من الأمريكيين هنا يتمتعوا بصلات ثقافية بالشرق الأوسط بعكس أوروبا. وبالتالي نجد عدد الأمريكيين المتقنين للغة العربية ضئيل مقارنة بأوروبا. كما نجد جهلا واسع النطاق هنا بالولايات المتحدة بالشرق الأوسط، ورد فعلنا هو "دعنا نمحوهم جميعا"- وذلك في رأيي يتناقض مع مصالح الولايات المتحدة ومع مصالح إسرائيل أيضا. لا شك أن من يعملون بوزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية يمتلكون معرفة واسعة عن العالم العربي ولكن رأيهم لا يسمع داخل الأوساط "العقائدية" داخل إدارة بوش واللذين لا يتكلمون سوى لغة القوة. هذه الإدارة تعاني من عجز واضح في استخدام الدبلوماسية، وربما عجز مقصود.
بعد مرور خمس سنوات على بداية ما يسمى بالحرب ضد الإرهاب، يبدو ان هناك تساؤلات حائرة داخل المجتمع الأمريكي عن أهداف هذه الحرب وعن تأثيرها الداخلي على المجتمع الأمريكي وعلى سياستها الخارجية. وفي ظل النقاش الدائر حول البعد الأخلاقي للحروب التي تخوضها الولايات المتحدة في الوقت الحاضر تحت شعار "لا للإرهاب" و "لا لـ 11 سبتمبر جديدة"، أجرى تقرير واشنطن مقابلة مع كريس هيدجز Chris Hedges مؤلف كتاب "الحرب هي القوة التي تعطينا معني" War Is a Force that Gives Us Meaning ، عمل هيدجز من قبل مراسلا لصحيفة النيويورك تايمز وقام بتغطية العديد من النزاعات في أنحاء العالم مثل الانتفاضة الفلسطينية الأولى، الحروب الأهلية بالسودان واليمن والجزائر وحرب الخليج عام 1991. وعمل هيدجز بفريق النيويورك تايمز الذي حصل على جائزة البوليتسر Pulitzer عام 2002 تقديرا لتغطيته "الحرب ضد الإرهاب العالمي".
تقرير واشنطن
نود في البداية أن نعرف قرائنا بمن هو كريس هيدجيز وما طبيعة البيئة التي نشأ فيها؟
كريس هيدجز
نشأت في قرية زراعية صغيرة بولاية نيويورك. عمل والدي كقسيس بريسبتاني وكان قد حارب في الحرب العالمية الثانية ومثل العديد من الجنود العائدين منها، عاد والدي كارها الحرب. وكان والدي من أوائل المؤيدين لحركة الحقوق المدنية [بالولايات المتحدة]، كما شارك في حركة مناهضة الحرب [بفيتنام]. وفي السنوات الخمسة عشر الأخيرة من حياته كان من الناشطين في حركة الدفاع عن حقوق المثليين. ومن هذا المنطلق نشأت في بيئة متدينة مليئة بأنشطة اجتماعية.
تقرير واشنطن
لماذا قررتم كتابة "الحرب هي القوة التي تعطينا معني"؟ وما هو السبب وراء اختياركم هذا التوقيت لتأليف الكتاب؟
كريس هيدجز
لم تكن هناك حرب دائرة عندما بدأت العمل في هذا الكتاب، فجاءت بداية التأليف بعد حرب كوسوفو عندما حصلت على منحة بجامعة هارفارد لدراسة أعمال كبراء المفكرين...وتلك كانت فرصة بالنسبة لي للانعزال عن المجتمع ونفاقه...وبدأت بنشر مقال يتعامل مع بعض الموضوعات التي أثرتها في كتابي فيما بعد، وأصبح هدفي بعد ذلك أن أنشر كتابا عن تأثير الحروب على الفرد والمجتمع وعن التغيرات الاجتماعية التي تحدث في أوقات الحرب. فبعد أن غطيت عدة حروب عبر السنوات لاحظت أن كل الأنماط المتعلقة بالحروب تكرر نفسها في كل مجتمع. وجدت في هذه الحروب تكرار لنفس أنوع الأنماط، نفس أنواع السلوك، نفس أنواع مبررات العنف والقتل، نفس أنوع الضلال الفكري، نفس أنواع القسوة، نفس أنواع قومية التمجيد الذاتي، ونفس المرض سواء أن كنت في الأرجنتين أو إسرائيل أو البلقان. ولذا قررت أن أشرح لقرائي طبيعة هذا المرض حتى يتعرفوا على حقيقة الحرب لأن الصورة التي يراها الناس عن الحرب صورة خرافية لا تطابق واقع الحرب وعنفها.
تقرير واشنطن
في كتابكم توصفون "الحرب" بـ "إدمان قوي ومميت" يؤدي إلي تدمير الثقافات واحتضان الموت بدلا من الحياة. لماذا في رأيك اختارت البشرية هذا الخيار، خيار الدمار، مرة بعد أخرى في حين أن الآثار السلبية للحرب تبدوا واضحة للغاية؟
كريس هيدجز
لأن الحرب تثير شعور الغبطة في مجتمعنا الحديث حيث يعاني الكثير من الناس من داء الانعزال، ولذا تخلق الحرب بداخلهم الإحساس بالقوة والانتماء، فعندما ننظر إلى الفترة التي سبقت الحرب بالعراق مباشرة، نجد أن وسائل الإعلام الإخبارية كانت تركز في تغطيتها على أبراز قوة السلاح الأمريكي كنوع من التباهي بقوتنا المشتركة كمجتمع. إن القومية عبارة عن تعظيم للذات وخلق منظور الصراع الدائم بين الخير والشر. ولذلك عندما يبدأ مشروع الحرب يفنى ضمير الإنسان، ويشعر المرء أنه غير موجب باتخاذ قرارات أخلاقية بما أنه تقبل القرارات التي اتخذت نيابة عنه لإتمام مشروع الحرب. وتلك هذه البيئة تصبح كل الأفعال مشروعة طالما تخدم غرض تدمير العدو. زعماء الحروب يمنحون أتباعهم ترخيصا أخلاقيا لارتكاب القتل ولإرضاء الغرائز الشريرة التي تخفي نفسها في أعماق قلب الإنسان. وكل ذلك في النهاية يؤدي إلى نوع من التدمير الذاتي، ربما ليس تدمير جسدي، ولكنه على الأقل تدمير روحاني. ويخدر ذلك الشعور القوي للإنسان بطريقة تجعله غير قادر على التفكير في أية أمر سوى الحرب والقتال، ولا يستطيع أن يتواصل مع أية شخص لم يخض تجربة الحرب.
تقرير واشنطن
ذكرتم في كتاب "الحرب هي القوة التي تعطينا معني" عن "خرافة الحرب". ماذا تعنى بهذا المصطلح وما دور الصحافة والإعلام في عملية خلق هذه "الخرافة"؟
كريس هيدجز
الصحافة تمثل جزء دائم من مشكلة [الخرافة] في أوقات الحرب، كما نرى الآن من في حرب العراق. فلو رجعنا بالتاريخ لحرب القرم، وهي أول حرب شارك فيها "صحفيو الحرب"، تركز دور الصحافة في هذا المجال على نشر الخرافة. والخرافة دائما تقول "نحن الخير" و "نحن الأقوى"...الإعلام دائما يبتكر قصص لتأكيد هذه الخرافة مثل قصة تقول "إن جنودنا يحررون اللاجئين المحاصرين" أو "الجنود حرروا كل من يريد الحرية"، كما نجد التفاوت في القصص الإعلامية بين "جرائم العدو الغادر" و"أصالة ونبل أبطالنا"...رأينا مثلا هذه القصص البطولية في الحديث العام عن "بات تيلمان" [جندي أمريكي لقي مصرعه في أفغانستان] أو عن جيسيكا لينش [لجندية التي أسرت بالعراق]. وكما اكتشفنا فيما بعد، هاتان القصتان غير صحيحتين، وذلك ليس أمرا غريبا حيث أن معظم هذه القصص كاذبة ولكن الكثير من المشاهدين صدقوها. ومن منظور وسائل الإعلام هذه القصص تجلب قراء ومشاهدين أكثر طالما ظلت القناة أو الصحيفة تغطي الحرب من ذلك المنظور الخرافي، حيث أن تغطية الحرب بأسلوب صريح وواقعي سيظهر من طبيعة الحرب البغيضة مما يقلل من الدعم العام للحرب ومن شعبية العرض الإعلامي لها. ولذا نلاحظ نوعا من الرقابة الذاتية في الأوساط التجارية بقطاعات الإعلام، علما بأن الخرافة مربحة أكثر من الواقع، وبالتالي يصبح المشاهد الوحيد لواقع الحرب هو الجندي في أرض المعركة.
تقرير واشنطن
هل تؤمن بفكرة "الحرب العادلة"؟
كريس هيدجز
لا أفضل لفظ "العادلة" في هذا السياق...ولكن في اعتقادي أن بعض الحروب محتومة. وبالرغم من ذلك، الحروب دائما مأساوية. وأحداث سراييفو تعتبر مثالا جيدا لذلك، فعندما هاجم الصرب المدينة، وكانوا يسقطون 2,000 قذيفة عليها يوميا...كان من الواضح أن مصيرنا سيكون الهلاك إذا نجح الصرب في اقتحام خطوط الدفاع. وذلك لم ينج البوسنيين بسرايفو من العنف. حيث أن أول مجموعة بادرت بتنظيم الدفاع عن المدينة كانوا من المجرمين وعندما بدت عليهم علامات الفشل في منع الصرب من اقتحام المدينة بدأوا يقتلون الصرب بينهم ممن بقوا بالمدينة وينهبون ممتلكاتهم. ومن هذا المنطلق نستطيع أن نتفهم حتمية الحرب في بعض الأحيان، لأن في هذه الحالة كان من الواضح أن سقوط المدينة سيؤدي إلى قتل العديد من الناس...الحديث عن المسالمة في سراييفو في تلك الفترة لم يكن مناسبا وكان سيثير الكثير من الضحك. ولكن في الوقت نفسه هذه الحرب لم تنج سكان المدينة من داء العنف.
تقرير واشنطن
هل تعتقد أن يوما ما ستختفي ظاهرة الحرب أم تظن أن الحرب جزء متأصل في الطبيعة البشرية؟
كريس هيدجز
أعتقد أني أتفق مع سيغموند فرويد بأن الحرب جزء من الطبيعة البشرية، حيث يقول إن الإنسان والمجتمع بشكل عام يحملان بداخلهما نزاعا بين غريزة "إيروس"eros أو غريزة الحماية والحفاظ، وغريزة "ثاناتوس" thanatos أو غريزة الموت وتدمير كل ما هو حي...وعادة تتغلب احدى هاتين الغريزتين على الأخرى. مأساتنا اليوم هي أننا نعيش في عالم يمتلك أسلحة جبارة، أو أسلحة تستطيع أن تقتل البشر على نطاق كبير لم نشهده قبل الحرب العالمية الثانية. فالأفراد الواقفون ضدنا اليوم، الإرهابيون الإسلاميون، قريبا سيحصلون على أسلحة مثل "القنابل القذرة" والأسلحة الكيماوية وسيستخدمونها. من الممكن أن نفنى جميعا في حرب كبيرة. في غالب الأحيان أنظر إلى المستقبل بتشاؤم بسبب الطبيعة البشرية والأسلحة الهائلة التي خلقتها البشرية.
تقرير واشنطن
نحن الآن نعيش الذكرى الخامسة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر. بعد مشاهدتك لرد فعل الولايات المتحدة لهذه الأحداث، هل تعتقد أن أمريكا اليوم أكثر أمانا أم أقل أمانا مما كانت عليه في سبتمبر 11 عام 2001؟
كريس هيدجز
من الواضح أن الولايات المتحدة أقل أمنا. دعنا ننظر إلى رد فعل الولايات المتحدة للحادي عشر من سبتمبر. لقد استخدمت الولايات المتحدة هذه الهجمات كتبرير لمشروع إمبريالي بالشرق الأوسط، مشروع ذو عواقب وخيمة. ذهبت إلى الشرق الأوسط مباشرة بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001. كنت مقيما في ذلك الوقت في باريس ولكني كلفت بتغطية أخبار تنظيم القاعدة بشمال أفريقيا وأوروبا لحساب صحيفة النيويورك تايمز. ووجدت أن هذه الأحداث جلبت لنا تعاطفا ليس فقط في أوربا بل في العالم العربي أيضا. لو استغلت الولايات المتحدة هذا التعاطف لصالحها لكانت أكثر فعالية في "مكافحة الإرهاب"- وأنا لست من محبي هذا اللفظ "الإرهاب"، فالإرهاب وسيلة ولا يمكن لأحد أن يشن الحرب على وسيلة...وعموما الطريقة المثالية لهزيمة أية منظمة إرهابية هي العمل لعزلها من مجتمعها. وبالتالي غزو العراق وأفغانستان...والسماح لإسرائيل بأن تسقط قنابل أمريكية على لبنان، جعل من الولايات المتحدة أكبر قوة تجنيد لهذه الخلايا [الإرهابية] المسلحة...ولذا يعتبر رد الفعل الأمريكي لهذه الأحداث ردا جاهلا ومثيرا للكوارث. الولايات المتحدة تجند أعداء جددا، أصبحت هذه سياستنا الخارجية وسندفع ثمنها في المستقبل، وسندفعه هنا داخل الولايات المتحدة.
تقرير واشنطن
ما رأيك في تغطية الإعلام الأمريكي للحرب بالعراق وللتطورات بالشرق الأوسط بشكل عام، وكيف أثرت هذه التغطية على الرأي العام الأمريكي؟
كريس هيدجز
الإعلام لم يعد يغط الحرب. في البداية كانت الشبكات الكبيرة مثل سي إن إن CNN و فوكس نيوز Fox News أكبر مؤيدي الحرب، وتبنت معظم وسائل الإعلام الإخباري بما فيها صحيفة النيويورك تايمز نفس هذا الأسلوب. أما الآن، فالحرب أصبحت صعبة ومرة، ولذلك يتظاهر الإعلام بأن الحرب ليس لها وجود. واللوبي الإسرائيلي يتمتع بنفوذ كبيرة هنا. القليل من الأمريكيين هنا يتمتعوا بصلات ثقافية بالشرق الأوسط بعكس أوروبا. وبالتالي نجد عدد الأمريكيين المتقنين للغة العربية ضئيل مقارنة بأوروبا. كما نجد جهلا واسع النطاق هنا بالولايات المتحدة بالشرق الأوسط، ورد فعلنا هو "دعنا نمحوهم جميعا"- وذلك في رأيي يتناقض مع مصالح الولايات المتحدة ومع مصالح إسرائيل أيضا. لا شك أن من يعملون بوزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية يمتلكون معرفة واسعة عن العالم العربي ولكن رأيهم لا يسمع داخل الأوساط "العقائدية" داخل إدارة بوش واللذين لا يتكلمون سوى لغة القوة. هذه الإدارة تعاني من عجز واضح في استخدام الدبلوماسية، وربما عجز مقصود.